الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي- الحلقة 12

رياض الحبيّب

2009 / 10 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تناولت في الحلقة الحادية عشرة من هذا البحث تساؤل الرصافي المشروع: هل القرآن مُنزل من السماء؟
وتوصلنا- الرصافي وأنا- إلى أنّ قصّة جبريل وهميّة إنها من خيال محمد الذي كانت له القدرة المميّزة على التصوّر وتجسيد الخيال لدرجة جعله حقيقة ناطقة ومسموعة! وقلت في نهاية الحلقة: فلا نزل جبريل ولا صعد وليس له اتجاه فلا أتى صوب الأرض من جهة الزّهَرَة ولا من جهة المرّيخ! ووعدت القرّاء الكرام بكتابة المزيد عن النزول والإنزال والتنزيل في حلقة قادمة وهي هذه الحلقة.
أمّا نهاية هذه السلسلة من البحث فتشتمل على دحض إعجاز البلاغة في القرآن وتفنيده بأدلّة من القرآن ذاته لا من سواه، بمساعدة كتاب الرصافي “الشخصية المحمّديّة” لكني آثرت تناول بعض تساؤلات الرصافي المشروعة حول مفاهيم الإنزال واللوح المحفوظ والقضاء والقدر وأخيراً ما يسمّى بالإعجاز في القرآن، ما قبل البدء بتناول موضوع البلاغة، بسبب تعلق التساؤلات المذكورة بالبلاغة ما يساعدني بالدخول إلى قضيّة البلاغة في القرآن من أوسع باب ممكن.


يستطرد الرصافي في ص 877 من كتابه أو ص 586-587 عبر صفحات pdf على الإنترنت حول موضوع الإنزال بالقول:
{فإن قلتَ: إن كان القرآن قد استعمل الإنزال في عباراته استعمالاً مجازيّاً فما تقول في قوله (وأنزلـْنا من السّماء ماءً طهورا- الفرقان: 48) فقد استعمل الإنزال هنا على وجه الحقيقة لا المجاز لأنّ إنزال الماء من السماء حقيقة؛ قلتُ أوّلاً: إنّ استعمال البليغ كلمة على وجه المجاز في موضع من كلامه لا يحظر عليه استعمالها على وجه الحقيقة في موضع آخر، وقد قيل: لكل مقام مقال، ثانياً: قالوا أنّ السماء في اللغة هو كلّ ما علاك فأظلّك، فسقف البيت سماء والسحاب سماء، لكننا في بحثنا هذا لا نريد بالسماء هذا المعنى العام، إنما نريد بها ما سوى الأرض من الأفلاك العلوية. والسحاب وإنْ سُمّيَ سماءً ليس من هذه السماوات. فالماء ليس بنازل من السماء بل هو نازل من السحاب المتكوّن من بخار الهواء الصاعد من الأرض في الهواء، كما قال في سورة النبأ: 14 (وأنزَلْنا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثـَجَّاجًا) ولم يقل: من السماء! والْمُعْصِرَاتُ هي السحاب التي حان لها أن تعصرها الرياح وتدرّها بالمطر، فإنّ الريح هي التي تدرّ السحاب كما تقرر في علم الطبيعة... [إلى أن يقول الرصافي] فمياه الأمطار ليست بنازلة من السماء التي نزل منها القرآن، بل هي تنزل من السحاب الذي هو في الأرض لأن الكرة الهوائية جزء من الأرض. غاية ما هنالك انها تنزل من مكان إلى آخر في الأرض، بعبارة أخرى إنها تنتقل من مكان عال في الأرض إلى مكان سافل فيه.
ومن غرائب الأقوال الدالة على غفلة قائلها ما قاله بعض علماء الإسلام من أنّ مياه الأمطار تنزل أولاً من السماء إلى السحاب، ثم يُلقيها السحابُ مطراً على الأرض- كما ذكره الزمخشري في كتابه “الكشاف” عند الكلام على تفسير المُعصِرات- فسُبحان واهب العقول ومُعميها} انتهى

تعليقي:
لقد دافع الرصافي- رحمة الله عليه- فيما تقدم عن رأيه بأنّ «القرآن عبارة عن المعاني دون الألفاظ، وأنّ الإنزال معناه الإلهام، وإنما عبّر بالإنزال مجازاً لتعظيم المُنزل أي المُلهم» ثمّ دعم رأيه بما هو مذكور في كتاب “الإتقان في علوم القرآن” لمؤلّفه جلال الدين السيوطي حول كيفية الإنزال- وهو ما سأذكر بعد قليل. وانتهى الرصافي في نهاية كلامه إلى خلاصة أفادت بأنّ الصحيح الذي يوافق القرآن ويساير المعقول وينطبق على الواقع- بحسب رأيه في ص 592 من كتابه الموسوم- هو أنّ «القرآن كان ابتداء نزوله في ليلة القدر على الوجه الذي تقدم بيانه في بدء الوحي والخلوة في حِراء ثم استمرّ ينزل متفرّقاً في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي بمكة بعد البعثة» علماً أنّي في الحلقة السابقة (أي الحادية عشرة) قد كتبت قصة بدء الوحي والخلوة في حراء باختصار.

لكنّ رأي الرصافي يُفنـّد قيام جبريل بأيّ دَور في الرسالة المحمّدية إذ يصطدم بقوّة مع قول القرآن في سورة الشعراء: 193 بما في تفسير الجلالين {“نَزَلَ بهِ الرُّوح الْأَمِين” أي جبْريل} وفي تفسير الطبري {إن الروح الأمين هو الذي نزل بالقرآن على محمد، وهو جبريل} وتفسير القرطبي {إن القرآن لتنزيل ربّ العالمين نزل به جبريلُ إليك؛ كما قال تعالى “قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزّله على قلبك”- البقرة: 97 أي يتلوه عليك فيَعـِيْهِ قلبُك. وقيل: ليثبت قلبك} لأنّ الرصافي لا يؤمن أساساً بخرافة نزول جبريل وطلوعه، لأنّ الأرض جزء من السماء عينها وأنّ الله مالئ الكون وغير محدّد بمكان ما.
في وقت استغرب الرصافي من علماء الإسلام الذين زعموا أنّ “جبريل علّم محمداً قراءة القرآن” وأنّ “القرآن هو المعاني والألفاظ معاً” وهنا كلام الرصافي في ص 587-588:

{يؤيد قولنا هذا ما ذكره صاحب الإتقان في كيفية الإنزال. قال: قال الأصفهاني في أوائل تفسيره: اتفق أهل السّـنـّة والجماعة على أن كلام الله مُنزل واختلفوا في معنى الإنزال؛ فمنهم من قال: إنه إظهار القراءة، ومنهم من قال: إنّ الله ألهم كلامَه جبريلَ وهو (أي جبريل) في السماء في عالٍ من المكان، وعلّمه قراءته ثمّ أنّ جبريل أدّاه في الأرض وهو يهبط في المكان- الإتقان ج1 ص 43- ولنقف عند هذا الكلام قليلاً لننظر فيه فنقول: لا ريب أنّ الفريق الأول القائلين بأنّ معنى الإنزال إظهار القراءة هم من القائلين بأنّ القرآن هو المعاني والألفاظ معاً، ولذا أرادوا أن يجعلوا الإنزال بمعنى يشمل الألفاظ أيضاً فقالوا هو إظهار القراءة، فيكون معنى قولنا إنّ الله أنزل القرآن أنه أظهر للناس قراءته. وعلى قولهم هذا قد انتفى من الإنزال معنى الهبوط من علو إلى أسفل. وهذا هو الذي أرادوا أن يتخلّصوا منه بجعلهم الإنزال بمعنى إظهار القراءة. ولكنّ الأرجح الذي تطمئنّ إليه النفس ويقبله العقل الرجيح ويستسيغه العقل السليم هو ما ذهب إليه غيرهم من أنّ القرآن هو المعاني دون الألفاظ، وعندئذ يكون الإنزال بمعنى الإلهام [أي رأي الرصافي الذي ذكرت في تعليقي] وأمّا أهل القول الثاني فهؤلاء أيضاً من القائلين بأنّ القرآن هو المعاني والألفاظ معاً، وقد أرادوا أن يحققوا في الإنزال معنى الهبوط من علو إلى سفل. فماذا يصنعون والله تعالى مُنزّه عن المكان، وكيف يهبط كلامه من علو إلى سفل وهو منزه عن الجهات. فتخلّصاً من هذا جاءوا بجبريل ليجعلوه واسطة لانتقال كلام الله من علو إلى سفل، لأنّ جبريل كسائر خلق الله ينتقل من مكان إلى مكان، فقالوا «إنّ الله ألهم كلامه جبريل وهو (أي جبريل) في السماء من عالٍ من المكان» ولم يكتفوا بالإلهام لأنه لا يشمل الألفاظ فقالوا «ثمّ جبريل أدّاه في الأرض وهو يهبط في المكان» فلله درّهم ما أذكاهم وما أقدرهم على تصوير المحال!

وتعليقي مرّة أخرى:
إنّ من معاني البلاغة هو وضوح المعنى بأبسط ما يكون من كلمات ملفوظة أو منطوقة أو مكتوبة ولا سيّما في كتاب يوصف كلامه بأنه كلام الله؛ من هذا المُنطلق لو كان في القرآن بلاغة حقيقية لما اختلف فقهاءُ المسلمين وعلماؤهم على معاني القرآن. فمثالاً لا حصراً يستطيع ربّ الأرزاق {الذي دينيّاً لا رازق سواه} أن يقول: ورزقـْناهُمُ المَنّ والسّلوى كُلُوا مِنْ طيّبَاتِ ما رزَقناكُم- وهذا ما اقترح الرصافي على مؤلّف القرآن- بدلاً من قوله في الأعراف: 160 (وَأَنزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُمْ) بدون أن يُنتـَقـَصَ من تعظيم الخالق شيء، هذا لكي يميّز بين معاني الإنزال الذي ورد في آيات قرآنيّة عدّة. ومن جهة أخرى، لو كان القرآن كلام الله- كما يزعمون- فهل تستعصي على الإله الحقيقي كلمات يفرّق بها القارئ ما بين المعنى الحرفي والمعنى المجازي؟
لكنّ في القرآن اعترافاً خطيرا- هو ما ورد في سورة النساء: 82
(أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا)
أفلا يدلّ الإختلاف الكثير الموجود في القرآن، حرفيّاً ومجازيّاً، ناسخاً ومنسوخاً، على أنّ القرآن من عند غير الله؟
- أمّا الجواب فمتروك للقرّاء الكرام.

---------------------

قريباً جدّاً: رأي الرصافي باللوح المحفوظ - مع تعليقي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا للكاتب
نادر عبدالله صابر ( 2009 / 10 / 5 - 15:56 )
الخزعبلات والاوهام هي الباقية والمستقره في اعماق اعماق الشعوب المسحوقة التي تجد فيها السلوى ومع ان العلم يتقدم بسرعة صاروخية ما زالت شعوبنا تنرى بكل من يريد ان يحاكي العقل والمنطق وكانه انسان يريد شرا بها ويريد ان ينتزع منها احلامها واوهامها الجميلة والتى تتغطى بها طوال الوقت وشكرا للكاتب ولكل من يريد ان ينزع الغطاء الهلامي عن رؤوس شعوبنا


2 - السيد محمد الحلو
رياض الحبيّب ( 2009 / 10 / 5 - 21:38 )
أحيّيك أطيب تحية شاكراً لك على مرورك الكريم والإهتمام وحسن التقويم والإستنتاج-
مع محبتي وفائق التقدير


3 - شكرا
عبدالعزيز ( 2009 / 10 / 6 - 09:06 )
اشكرك سيد رياض على هذه السلسلة الرائعه والمختصرة مع انني قرات هذا الكتاب مرتين .وكان السبب الكبير بأن اعيد نظري بالقران - الذي هو اليوم قطعا لا اعتبره كلام الله !!!


4 - السيد عبد العزيز
رياض الحبيّب ( 2009 / 10 / 6 - 15:54 )
شكراً جزيلاً لك على مرورك واهتمامك وشهادتك لكتاب الرصافي وأمّا من جهتي فعفواً إذ لا شكر على واجب. ودعني أقل أن الذي ينهي الدراسة الثانوية أو الصف التوجيهي بتفوّق في مادة اللغة العربية، ثم يقرأ سجع الجاهلية ويقارن بينه وبين سجع القرآن الواضح في سّوَر قرآنية عدّة كالطور والنجم والقلم والليل والضحى والشرح والتين والعلق والزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر والعصر والهمزة والفيل... إلخ، لما وجد فرقاً من الناحية الفنية في أسلوب الكتابة.
وسوف أفرد مقالة لهذا الموضوع في خلال الأسابيع القادمة، علماً أنّ أيّ فقيه في العربية لو رفع هالة القداسة عن القرآن لأتى بأحسن من سجع القرآن لفظاً وأرقى فكراً وموضوعاً-
مع محبتي وفائق التقدير


5 - سؤال صغير للكاتب
خليل الخالد ( 2009 / 10 / 6 - 17:02 )
الاية القرانية العظيمة تقول:
(أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا)
وبناءا عليه فالاختلاف الكثير سيكون في الشيء الذي من عند غير الله
والسؤال
الاختلاف القليل من عند من؟؟؟
عدم الاختلاف و التطابق التام من عند من؟؟؟


6 - مجرد تساءل ...!؟
س. السندي ( 2009 / 10 / 6 - 17:35 )
تسألي الاول ... لنتخيل الواقعة ، عندما قال جبريل لمحمد إقرآ ، مالذي كان بيد ه ليطلعه على محمد ليقرأه ، وهل ترك الذي كان بيده لمحمد أم لا ...!؟
تسألي الثاني ... كيف يعقل أن جبريل الملاك المرسل من عند الله لا يعلم أن محمدا هذا رجل أمي لايقرأ ولا يكتب ، أم أن الذي لايعرف هذه الحقيقة هو إله محمد وليس الملاك ...!؟
وتسألي الثالث ... كم من الادباء والمفكرين وحتي رجال دين مسلمين في الوطن العربي والعالم ، أطلقو رصاصة الرحمة على هذا المدعي أنه خاتم النبين وسيد المرسلين والصادق الامين وأشرف من الملائكة أجمعين ، وكل النساء الجميلات له محللين ، مجرد تساءل للذين لازالت عقولهم وريثة حضارة غار حراء وتورا بورة وبقية الشلة من المخدوعين أو من النافقين ، فالف شكرا لك عزيزي الكاتب ولكل باحث عن الحق والحقيقة وإلى المزيد من المتنورين .....!؟


7 - هل
ابو يزن ( 2009 / 10 / 6 - 22:10 )
يارياض الحبيب هل عدوك الله والنبي محمد ام من يظلم ويستغل الشعوب انت تكتب ضد الله وضد النبي محمد لانك تعلم جيدا ان لااحد سوف يستدعيك للتحقيق اتحداك ان تكتب ضد انظمه القمع العربيه وضد الارهاب لو كان لله مكاتب امن لما استعطت ان تكتب شيء ضده اكتب ما تشاء اكفر الحد تبنى اي شيء لااحد يجبرك على شيء انت حر الله حاور ابليس انا مستعد ان ادفع حياتي ثمن لان تقول رايك لكن لابد من النقاش المنهجي العلمي المستند على الادله تابعت كل مقالاتك لم اجد فبها الا السب للنبي محمد اسالك ما رايك بالامام علي بن ابي طالب وابو ذر الغفاري وعمار بن ياسر جاوبني لنبدا حوارا منهجيا مفيدا علما اني لست اسلاميا بل علماني


8 - جبريل في ورطة
Sonitta ( 2009 / 10 / 6 - 22:29 )
سيدي الكاتب المبدع: أشكرك على هذه السلسة من الكشف الوافي للدين الغير وافي . المشكلة محمد معتاد على الكذب ويوم الحساب سيقول جبريل أخفى عني رسائل الله التي تحمل مكارم الأخلاق, التي من المفروض جئت لأتممها ولكني قضيت عليها, جبريل منافق جبريل ورطني لأن بحيرة الراهب لم يريد مني فعل كل هذا أنا حدت عن الخط المستقيم. في مكة جبريل كان جيد لحد ما لكن لما اشتد عودنا وهاجرنا جبريل تكبر وأشهر سيفه هو جبريل وليس أنا . أنا اليتيم الفقير الحقير تآمر جبريل مع بحيرة الراهب وورقة بن نوفل وخديجة , أنا الذي ولدته أمه بعد اربع سنين من الحمل وبعد وفاة والده ؟ أنا لم أدعو للإسلام جبريل دعاني إليه.

اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر