الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب والطيران

محمد شرينة

2009 / 10 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا لم تستطع أمرا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
عندما كنا صغارا كنا نتصور أن نثبت عربة إلى نسر يطير بنا وبها في السماء، نحن نركب عربة تسير بنا على الأرض تجرها الخيول، و نركب ظهر الخيول لتنقلنا على سطح الأرض، فلماذا فكر البشر بالاستفادة من قوة الحيوان في التنقل على الأرض ولم يفكروا بالاستفادة من ذلك للتنقل في الجو؟
رجل جلد قوي يزن 70 كغ يستطيع التنقل طوال النهار وهو يحمل على ظهره حقيبة تزن 15 كغ أو أكثر،مما يعني أنه بمقدورنا القول أن الدابة الجلدة( الحيوان الذي يدب على الأرض) قادرة على أن تحمل 20 - 25% من وزنها بسهولة ، و لو كان الإنسان بوزن الأرنب لكان أمكنه أن يركب ظهور الماعز والغنم و لكنه يحتاج إلى حيوان أثقل منه بأربع أو خمس مرات تقريبا، وهذا ينطبق على الحيوانات من الفيل إلى الحمار. و نفس الشيء ينطبق على العربات والجر، ولكن في هذه الحالة فان العجلة التي يمكن اعتبارها الاختراع الأهم في تاريخ التكنولوجيا، تعطي قوة إضافية كبيرة، فالإنسان الذي يحمل 15 كغ على ظهره لمدة معينة يستطيع أن يجر ولنفس المدة عربة محملة بوزن إجمالي يزيد عن خمسة أضعاف هذا الوزن.
لا يستفيد الإنسان من قوة الحيوانات البحرية للتنقل في الماء، لأسباب كثيرة يكفي منها أن هذه الحيوانات قادرة على الغوص تحت الماء، والإنسان غير قادر. ناهيك على أن هناك طريقة أفضل للتنقل على سطح البحر.
الطيور تحمل نسبة إلى أوزانها؛ أوزانا أقل مما تفعل الدواب، حتى أن الطيور الثقيلة لا تستطيع الطيران دون أن تحمل أي ثقل، ولنقل أن هذه النسبة هي 10% من وزن الطائر. ولما كان أكثر الطيور وزنا لا يتعدى وزنه العشرات القليلة من الكيلو غرامات، فبالكاد يمكننا أن نُحمّل طائرا عدة كيلو غرامات، وهكذا استعمل الحمام لنقل الرسائل، ولكن ما كان من الممكن إيجاد طائر يطير حاملا وزن إنسان.
هذا يعني أولا: أن الإنسان يبتدع ما يخدم رغباته، ويطوع الأشياء لذلك، ليس كما يرغب، بل كما يتمكن. فما من رغبة أشد عند الإنسان من رغبته في الطيران، وظل دهورا محروما منها، بينما رغبة الإنسان في التنقل محمولا على دابة في البر أضعف بكثير من رغبته في الطيران و لكنه حققها قبل الثانية بكثير لأنها أسهل.
وبما أن الإنسان تمكن أخيرا من الطيران فان ذلك يعني ثانيا: أن الإنسان يصل إلى هدفه بالنهاية ، من أي طريق سلك، المهم أن يسلك طريقا، ما يعني أن تحقيق رغبة يقود إلى تحقيق غيرها حتى لو بدا ذلك غير مترابط ومستبعد، ترويض الدواب للركب واختراع العجلة قاد إلى اختراع العربة فالسكك الحديدية التي تجر قاطراتها الحيوانات. اختراع محرك البخار كان بالأساس لنضح الماء من المناجم ثم أصبح يحرك السفن فالقاطرات ،وفي النهاية اخترعت السيارة نتيجة لمجمل هذه الإبداعات.
أما الطيارة فهي سيارة بجناحين. لقد كانت الرحلة طويلة وملتفة ولكنها مثمرة، مع أنه كان ولا يزال من غير الممكن للناس الطيران اعتمادا على الطيور، لكنهم طاروا بوسيلة مختلفة.
دارت بفكري هذه المقارنة بينما كنت أقرء عن تاريخ أوربا في القرن السابع عشر، كان الأوربيون المسيحيون قد استوطنوا شواطئ الهند الغربية التي تعرف الآن بقارة أميركا والتفوا حولها باتجاه الغرب إلى الهند الشرقية التي هي الهند، واستوطنوا القارة الجديدة الثالثة أوقيانوسيا. كما كانوا قبل ذلك قد وصلوا إلى الهند عن طريق الالتفاف حول جنوب أفريقيا(رأس الرجاء)، بعد ذلك امتدوا محتلين سهول شمال آسيا وصولا إلى الشرق الأقصى. حدث ذلك بعد أن كانوا خسروا تماما الجولة الثانية من الحروب مع المسلمين في الوقت الذي لمع نجم الدولة العثمانية منهيا أي أمل للتقدم الأوربي باتجاه ما يسمى الآن بالشرق الأوسط. بالطبع لا يمكن تصور أن اهتمام المسيحيين الغربيين كان بالهند أكبر منه بالأراضي المقدسة والقدس، ولكن عندما صار الهدف الثاني ميئوسا منه لم يلجئوا إلى الشكوى والتذمر والحزن بل راحوا يستكشفون عالما لم يفكر أحد من قبل باكتشافه؛ بمعنى الكلمة بدؤوا عملا مجنونا، يبدو تماما أن انجازه مستحيل، لكنه لم يكن كذلك.
بينما كان المسلمين من عثمانيين وصفويين وحتى المغول في الهند وسهوب روسيا الجنوبية ينامون في العسل بنشوة انتصاراتهم، كان الأوربيين يستعمرون جنوب أفريقيا وأستراليا ونيوزيلندة وجنوب أميركا ثم شمالها وسهول آسيا الشمالية، هذه الأراضي التي كانت قليلة السكان حولوها إلى أراضي يسكنها أوربيين بشكل شبه تام، كما احتلوا أراضي مسكونة كبيرة كالهند واندونيسيا وغيرهما.
بعد تقدم العثمانيين نحو وسط أوربا أصبح الأوربيون المسيحيون محصورون في مساحة أقل من ثمانية ملايين كيلو متر مربع، خاصة إذا عرفنا أنه في ذلك الوقت كان الروس يتبعون للخان المغولي المسلم. ولم ينتبه العثمانيون وغيرهم من المسلمين إلا في القرن التاسع عشر تقريبا عندما كان سكان أوربا الذين كانوا يمثلون معظم مسيحيي العالم يسكنون أرضا تزيد مساحتها عن سبعين مليون كيلو متر مربع كما يسيطرون على أراضي إضافية مساحتها أكثر من عشرة ملايين كيلو متر مربع في الهند واندونيسيا وغيرها أي نحو ثلثي اليابسة باستثناء القارة القطبية الجنوبية والتي هي الأخرى مع البحار والمحيطات كانت تحت سيطرتهم من الناحية الفعلية.
حقا لقد كان فشل الحروب الصليبية والسد الذي شكلته الدولة العثمانية في وجه تقدم أوربا باتجاه الجنوب أكبر نعمة حدثت لأوربا في كل العصور. لكنها كانت نعمة كبيرة لأنهم لم يظلوا يصرخون ويبكون كما فعل ويفعل العرب المعاصرون. هل من الصعب أن نتصور إلى أي حد يعتقد المسيحي الكاثوليكي وريث الإمبراطورية الرومانية أن القدس والأراضي المقدسة هي حقه الشرعي غير القابل للنقاش؟ هذه الأراضي ظلت لسبعة قرون جزء من الدولة الرومانية وفيها ومن بين مواطنيها جاء المسيح وكل تلاميذه، وفيها انتشرت المسيحية لتتحول في النهاية إلى دولة مسيحية، حدث كل هذا بينما روما هي العاصمة. كيف يمكن أن يقتنع الكاثوليكي الاسباني أن العرب الذين جاؤوا من الحجاز بدين جديد أحق منه بهذه المقدسات والأراضي! لكنه لما لم يستطع إليها سبيلا تركها وجاوزها إلى غيرها فإذا به يحقق المستحيل.
إلى متى سيظل العرب والمسلمون يبكون على ما ضاع بينما هم يضيعون في بكائهم هذا الحاضر والمستقبل والى الأبد؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اني استغرب هذا الطرح الفكري الملي بالمغالطات
طارق سليمان ( 2009 / 10 / 5 - 16:42 )
صحيح ولكن الكاتب لم يوضح لنا كيف استعمر المسيحيون اهل المحبة والسماحة كيف استعمروا تلك الاراضي وبأي طريقة عاملوا سكانها هل عاملوهم بوصايا مخلصهم ام بالوحشية المتوارثة من الرومانية القديمة

لقد تعرضت شعوب وحضارات في الشرق الى الابادة التامة على يد رسل الحضارة والانسانية وهذا ما يقر به المنصفون من المفكرين والكتاب الغربيين الامر الذي دعاهم الى ان تقوم المسيحية وتلك الدول المسيحية بالاعتذار عن جرائمها وتعويض تلك الشعوب عن القتل والنهب الذي تعرضت له على مدى قرون متطاولة

ان حضارة الغرب المسيحي قامت على جماجم البشرية وعلى السلب والنهب المنظمين لخامات ومعادن تلك الاراضي المحتلة
ان الامم النصرانية مدينة لافريقيا بـ777تيليريون دولار
وقس على ذلك مديونية اسيا والامريكتين واستراليا والمنطقه العربية والاسلامية من المغرب حتى اندونيسيا والفلبين
واستغرب فعلا ادعاء ان ملكية الاراضي المقدسة تعود الى المسيحية الغربية فالمسيح شرقي والدولة الرومانية كانت تحتل الشرق وتذيق المسيحيين انواعا مختلفة من الاذلال والقمع والاضطهاد وجباية الجزية وهم على دين المسيحية مثلها مع خلاف في المذهب
استغربت اكثر عندما شاهدت رهبان وقساوسة المسيحية ا لعرب يقبلون يد بابا الفاتيكان وقلت في نفسى


2 - الكل متساوون في العنف
محمد شرينة ( 2009 / 10 / 6 - 05:31 )
بالنسبة للقسوة فهي ما فعله كل البشر المسلمون والمسيحيون دون فرق فلم تكن هذه البلاد مسلمة لولا احتلالها من قبل العرب، ما يسمى بالفتح. العالم قبل الاسلام لم يكن شرقا وغربا فالقرطاجيون أسسوا مستعمراتهم في شمال أفريقيا وهم جاؤوا أصلا من شرق المتوسط.
لقد كان هناك عدة أباطرة حكموا الامبراطورية الرومانية من أصول مشرقية، لكن هل هناك خليفة غير قرشي؟ طبعا حتى بدل الأتراك هذا الوضع بسياسة الأمر الواقع


3 - يواش يواش يابه
طارق سليمان ( 2009 / 10 / 6 - 22:03 )
بالطبع لا مقارنة بين قساوة المسيحية الغربية ذات المواريث الرمانية الوثنية وبين الاسلام وهذا ما اعترف به حتى الغربيون انفسهم واشادوا به لا تركبوا رؤوسكم ولتكن لديكم نفس الروح الرياضية والموضوعية العلمية التي لدى المنصفين من الغربيين يبدو ان لديكم احكاما مسبقا


4 - شكرا
محمد شرينة ( 2009 / 10 / 7 - 05:50 )
شكرا لك سيدي العزيز، فقط اقرأ تاريخ الطبري.
كالعادة هناك غربيين وبسبب الحرية لديهم يمتدحون الاسلام وهناك العكس وهم الأكثر لكن ما ننقله هو قول الأولين.
على كل حال هذا ليس الموضوع فالكل كان قاسيا بل شديد القسوة وأذكرك هنا بقتل رجال بني قريظة بل وأطفالهم(كل من أنبت) وسبي نسائهم ولكن ذلك زمن كان الجميع فيه يفعلون ذلك وكنا من أقساهم دعنا نلتفت الى الييوم.
شكري لك ثانية

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah