الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشيع وظاهرة السمو الروحي للشخصية العلوية (2-2)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 10 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن تهذيب وتشذيب الصورة العلوية في مجرى الصراع بين المعارضة والسلطة الأموية قد أدى مع مرور الزمن إلى رسم لوحة براقة عنه في الوعي الاجتماعي السياسي والضمير الأخلاقي الروحي. مع ما ترتب عليه من سمو يرتقي إلى مصاف المقدس، أي المنزه عن الابتذال. وليبس مصادفة أن تسعى الأموية منذ البدء إلى إرجاع صورته إلى أوطأ واشد الحالات "ابتذالا" بمعايير الأموية نفسها. عندما أخذت تعيره بكنية "أبي تراب". وهي "كنية" أطلقها النبي محمد عليه عندما وجده مرة نائما في الكعبة ووجه مغمورا بالتراب.
فالأموية الولعة منذ عقود وعهود سحيقة بالذهب والفضة، أي بالمال والثروة بوصفه الوجه "المتسامي" الذي يقابل "تراب الأرض" قد أرادت بوعي أو دون وعي إنزال هذه الهيبة الآخذة في البروز والانتشار عن الإمام علي إلى حضيض الأرض! لكنها لم تفعل في الواقع إلا على تفعيل المفارقة التاريخية للتاريخ نفسه. بمعنى "تهذيبها" دون وعي للحقيقة القائلة، بان الارتقاء إلى "السماء" يفترض الرجوع إلى الأرض لكي لا تتناثر تجربة الوجود الإنساني في هباء الزمن. ومن ثم عملت دون إرادتها على تقريبه من جسد التاريخ والبشر عندما ألحت على انه مجرد "أبو تراب". إذ أخذت هذه "الكنية" تقترب أكثر فأكثر من عقول وأفئدة الناس كلما ابتعدت واختبأت السلطة وراء أسوار استبدادها بالثروة والقوة. الأمر الذي وضعها في دوامة يستحيل الخلاص منها، أي دوامة الإثارة الدائمة لنفسية الكراهية وضغينة الاتهام الأيديولوجي (العقائدي) ضده بشكل عام، وضد "تفقيهه للناس" و"تجرّئهم على السلطان" بشكل خاص.
لهذا ليس مصادفة أن تسعى السلطة الأموية في كل أعمالها على إثارة الكراهية العمياء تجاهه وشتمه من على المنابر مع تشديد القمع ضد هذه الجرأة التي أراد معاوية فطام الناس عنها. ولم يكن ذلك في أعمق أعماقه معزولاً عن صدفة صعود الأمويين للسلطة. فقد كان صعود معاوية لسدة الحكم نتاجاً للغيلة التي قتل بها الإمام علي. فالسلطة التي سقطت كثمرة يانعة في أحضان معاوية كان لابد وان تثير فيه شهية استحواذها الكلي. ولم يكن ذلك ممكناً دون انتزاع كل إمكانية لحقّ المطالبة بها، أي انه نظر إلى هذا "السقوط" على انه دليل على صعوده، وإلى مقتل علي على انه دليل على قوته وفوزه. ووجد ذلك طريقه الخفي إلى خبايا تفكيره السياسي. لكن محاولته فطم الناس عن الجرأة على السلطان قد أدت إلى استثارة الشعور بالغبن أولاً والتحدي لاحقا. ولعل في الحادثة المروية عن بكارة الهلالية في حضورها عند معاوية وما جرى لها، نموذجاً رمزياً أصيلا بهذا الصدد. فعندما دخلت عليه وكان بحضرته مروان وعمرو بن العاص وغيرهم، فأخذ كل منهم يروى شعرها في مدحها علياً يوم صفين. حيث أورد الأول شعرها القائل :
أترى ابن هند للخلافة مالكا هيهات ذاك وما أراد ببعيد
بينما أورد الثاني شعرها القائل :
قد كنت آمل أن أموت ولا أرى
فوق المنابر من أمية خاطب
وعندما سكت القوم قالت: نبحتني كلابك يا أمير المؤمنين! أنا والله قائلة ما قالوا. لا أدفع ذلك بتكذيب فامض لشانك. فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين.
وهي حادثة تكشف عن انه إذا كان بالإمكان فطم شرائح عريضة من الأمة عن الجرأة على السلطان، فان من المستحيل على السلطان فطم الأمة عن الجرأة في حب وتعظيم رموزها الكبرى. فالسلطة الأموية لم تجد في علي سوى أبي تراب، بينما الجماهير لم تجد في أبي تراب سوى علي. والمفارقة التاريخية العميقة تقوم في أن ما بدا للأمويين نقيصة اتخذ في أعين الشيعة هيئة الرفعة والسمو. فالسلطة عادة ما تفتقد القدرة على إدراك القيمة الرمزية للأشياء والأسماء. فهي غير مستعدة لوعي هذه القيمة بمعزل عن "منطق القهر والمصلحة". إلا أن التقييم الإيديولوجي، الذي عادة ما ينبع من مكونات الروح الخائن في حالة انتصاره المغامر، كان ينبغي له أن يخوض غمار صراع طويل من أجل أن يقنع أتباعه الأقربين أولا ومن ثم الحصول على أتباع جدد.
لكنها عملية لم تكن واسعة النطاق وفاعلة الحجم. فقد بقت الأمة بما في ذلك أشد الناس رغبة في الانتقام منه يكنوّن له في أعماقهم احتراماً عميقا. فعندما حاول معاوية على سبيل المثال، استمالة عمرو بن العاص إلى جانبه، فان الأخير حاول استشارة ولديه، فنصحه الأول (عبد الله) بالكف عن الصراع والبقاء في حيز الدين فيما اقترح عليه الآخر (محمد) أن يلحق بمعاوية والطلب بدم عثمان. وقد أدرك عمرو بن العاص مضمون كلامهما عندما أجابهما بان الأول يأمره بما هو خير له في دينه، أما الثاني فيأمره بما هو خير له في دنياه. وقد أقلقه ذلك، أو لنقل بصورة أدق، إنه كان يعاني، شأن أغلب دهاة السياسة من تناقض القول والعمل، والسياسة والأخلاق. وعندما دعا غلاماً داهية له يقال له وردان للتحدث معه قال له الغلام:
- إن شئت أنبأتك ما في نفسك!
- هات يا وردان!
- اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك. فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا، ومع معاوية الدنيا بلا آخرة. فأنت واقف بينهما.
- ما أخطأت ما في نفسي، فما ترى يا وردان؟
وإذا كانت النتائج معلومة الآن فإنها في وقتها كانت مثار القلق الداخلي، الذي عبّر دون شك عن إدراك وجداني لشخصية علي باعتباره الممثل الحقيقي للدين والآخرة. بينما ردّ على استفسار ابن أخيه عندما وصل إلى مصر بعد حصوله على موافقة معاوية على إعطائه إياه مصراً طعمة له مقابل تضامنه معه، واستغراب ابن أخيه من موقفه هذا فأجابه عمرو:
- ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكني مع معاوية.
- انك لم ترد معاوية ولكنك تريد دنياه وهو يريد دينك!
ولم يعن الدين هنا سوى الأخلاق الكبرى والسمو الروحي. ولعل الحادثة المروية عن محاورة معاوية لعمرو بن العاص إشارة إلى ذلك. إذ نسمع معاوية يتحدث عما طرقه من أخبار ثلاث ليس له فيها إجابة كاملة منها كسر ابن أبي حذيفة لسجن مصر، وزحف ملك الروم إلى الشام، وتهيؤ علي لمحاربته، وردود عمرو بن العاص التالية: انه يمكن ببضعة رجال قتل ابن أبي حذيفة، وانه يمكن اهداء وصائف الروم ومن الذهب والفضة إلى قيصر فانه سيكون سريعاً إلى الموادعة، وأما ما يخص علي "فان في الحرب لحظاً ما هو لأحد من الناس. وانه لصاحب الأمر". أما بعد مبارزته لعلي ورفعة الأخير عن قتله بعد أن صرعه، فانه لم يكن بإمكانه ألا يكنّ له احتراماً جعله يرد في أحد المرات على معاوية الذي عيّره بذلك، بأنه يكفيه مبارزته ولم يجبن منه (كما فعل معاوية). أما معاوية فانه نطق بعبارات كثيرة تفصح عن إعجابه الشديد بعلي وإدراكه لضعفه مقارنة به. كما نرى ذلك في الحادثة الطريفة المروية عن ابن محجن الثقفي، بعد قدومه على معاوية وهو يصرخ:
- إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب!
- لله أنت! أتدري ما قلت؟ أما قولك الغبي فوالله لو أن ألسُن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي. أما قولك انه جبان فثكلتك أمك وهل رأيت أحداً بارزه إلا وقتله؟ وأما قولك انه بخيل فوالله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه!
- علام تقاتله إذا؟
- لأجل دم عثمان!
وهي إجابة دفعت الثقفي إلى اللحاق بمعسكر علي. ومن الممكن القول بان التقييم الايجابي العام كان مميزاً لكل أولئك الذين خاضوا صراعاً ضده أو اعتزلوه. ففي جوابه على كتاب معاوية رد عبد الله بن عمر من بين ما كتبه:"أما قولك إني طعنت على علي، فلعمري ما أنا كعلي في الإسلام والهجرة ومكانه من الرسول. ولكن أحدث أمراً لم يكن لنا فيه من رسول الله عهد". أما سعد بن أبي وقاص فقد رد فيما رد على كتاب معاوية قائلاً:"إن أهل الشورى ليس فيهم أحق بها من صاحبه. غير أن عليا كان من السابقة ولم يكن فينا ما فيه. فشاركنا في محاسننا ولم نشاركه في محاسنه. وكان أحقنا بالخلافة ولكن مقادير الله التي صرفتها عنه. وقد علمنا أنه أحق بها منا، ولكن لم يكن بد من الكلام في ذلك والتشاجر".
أن الماضي حالما يتحول إلى جزء من الذاكرة الحية، فإن من الصعب حصر فعاليته في مجرى واحد. فإدراك السلطة الأموية لعمق تأثيره الروحي في إمكانية صنع "الجرأة على السلطان"، اضطرها إلى دفع مهمة فطام الناس عنها كضرورة أولية، بينما أدت ممارستها هذه بالإتباع الشيعة إلى الاستثارة الدائمة للماضي باعتباره الجزء الأكثر حيوية في ذاكرتها الكلية. فالسلطة الأموية التي استطاعت أن تقهر الجرأة العلنية للناس، لم تنجح في قمع روح التحدي الدفين. ذلك يعني أن سياسة الفطام أدت إلى صيرورة الانفطام عن الطفولة. وقد رافق هذه العملية المعقدة صياغة أساليب جديدة في الموقف من السلطة والتراث السالف. فلم تعد الجرأة المباشرة والخروج على السلطان أسلوب التعبير الوحيد عن الانتماء المباشر والروحي للكيان العلوي، بل والتقية الباطنية أيضاً. فإذا كان إسهام التقية السياسية يقوم في إبداع قواعد ضبط النفس، فان باطنيتها قد ألهمت العقول والخيال في إبداع قواعد تحررهما المتنوع.
لقد كان هذا التناقض بين ضبط النفس الظاهري وتحررها الباطني من إبداع الأحكام المنطقية. وذلك لأنه حالما يلتقي ضبط النفس الظاهري بالتحرر الباطني، فانه يصنع بالضرورة أسلوب رؤيته للظاهرية والباطنية على أسس أخرى عادة ما ترتقي إلى مصاف البحث عن الصلة الممكنة والدائمة والنسبية بين المطلق والعابر، والإلهي والإنساني، والكلي والجزئي، والروحي والمادي. وإذا كان ذلك واضحاً في اغلب اتجاهات التشيع، فإن أحد نماذجه الراقية برزت في إبداع الفكر الاسماعيلي. فقد حصل الإمام علي في هذه النماذج على إحدى صوره الخاصة التي لا يمكن تحديد هويتها بتلك السهولة البادية للعيان في آراء وأحكام المدارس الشيعية الأخرى.
فقد جرى النظر إليه ضمن إطار منظومة مترابطة في أبعادها الميتافيزيقية والوجودية والمعرفية والتشريعية والسياسية. إلا أنها ظلت محصورة في الإطار العام، بين أقطاب ما أسميته بالضبط الظاهري والتحرر الباطني. وليس مصادفة أن تستشهد الإسماعيلية دوماً بالكلمات المنسوبة للإمام الصادق، القائلة بان "ظاهرنا إمامة وباطننا غيب لا يدرك"، أي أنها دفعت بهذه العلاقة إلى أقصى قدر ممكن لها في مجال الفكر. وبهذا تكون قد مهدت أرضية التأويل غير المتناهي. من هنا قدرتها على تأويل الماضي والحاضر والمستقبل، والنفس والآخرين بهاجس واحد، كما لو انه محصور في قناعاتها بين "العزة واليقين". فعندما يتناول إبراهيم بن الحسن الحامدي (ت- 557هـ) على سبيل المثال مقارنة الإمام علي بالنبي محمد ضمن مفاهيم"ناطق الدور" و"الوصي"، فانه يأخذ بإيراد "المعجزات" النبوية التي أبدعها خيال اللاهوتية الإسلامية من حمل آمنة به وغيرها من"المعجزات" وما يقابلها من فضائل الولي (الإمام علي) و"معجزاته" التي تبدأ هي الأخرى من حضور أمه المخاض مروراً بغيرها من "المعجزات". وهي مقارنة ظاهرية لها أسسها الباطنية القائمة في طبيعة العلاقة بين "ناطق الدور ووصيه"، أي استكفال محمد لعلي بالوصاية والإمامة كأمر الهي. فالإمام علي يظهر هنا باعتباره القيمة القائمة على قوائم السر الذي يعطي معنى عميقاً (غيبياً) لكل ما هو موجود. فهو مستقر الباطن ومركزه. وباحتلاله لهذا الموقع يكون قد قام، حسب عبارة الحامدي، "مقام النور و الحجاب المشهور والباب المستور، الذي اسمه في العصور والدهور، ونهاية النهايات وغاية الغايات، صاحب الظهور اللطيف، المتسلسل معناه من أول السلالة الشرعية إلى ظهوره مع الرتبة المحمدية". فالشخصية العلوية تتحول هنا إلى جزء جوهري في خطة العلم الإلهي، أو أنها الكيان الفاعل في تجانس الأزل، الذي يؤدي تجاهل الإقرار به إلى محق الانسجام الحقيقي مع حقائق الشريعة الجسمانية والروحية، أي تلك النهاية التي مثلتها وحدة النبوة والوصاية في النبي(محمد) والوصي (علي).
ففي هذه الوحدة التي تحتل في مجرى الشريعة منذ آدم ووصيه حتى النبي محمد ووصيه حسب رمزية العبارة الإسماعيلية، مقام اللحم الذي هو تمام الخلقة الجسمانية، ظهر أمير المؤمنين (علي) كظهور النفس التي لا قوام للجسم إلا بها، ولا يعرف إلا بها ولا يتحرك إلا بها، صح أن تلك العناية الإلهية انسلّت من حد القوة إلى الفعل، ومن الكمون إلى الظهور، ومن العدم إلى الوجود، فكان (علي) للشرائع الموضوعة من عصر ادم إلى محمد يقوم مقام الحياة المحيية المميتة، الحاسة الداركة، الناطقة العاقلة والعاملة، حجة الله وآيته ومعجزاته، وسيف نقمته لأعدائه، ونعمته الكاملة لأوليائه. وبسببه دارت الأفلاك، وتناظرت الأملاك، وتمخضت الطبائع الأمهات. انه إذن الله الواعية، ويده المبسوطة، وعينه الناظرة، مولى المؤمنين، وعلم الدين، وقبلة الموحدين، السميع العليم المشتق اسمه من العلي العظيم، ولي المؤمنين، المخرج لهم من الظلمات إلى النور، من أقرّ بولايته سلم وغنم ومن أنكرها غرم وحرم.
إننا نقف هنا أمام صيغة نموذجية لرفعه إلى مصاف الإلوهية المؤنسنة. إلا أنها لم تقع في الحلول ولم تسر في طريق الإنسان الكامل الصوفي. وذلك لأنها أبدعت طريقها الخاص في التعامل معه كنموذج يمثل في وحدانيته الإنسانية ما يمثله الله في وحدانيته الإلهية. فالحامدي يستند هنا إلى الفكرة التي طرحها جعفر بن منصور (اليمن) القائل، بان من أتى بغير ولاية علي بن أبي طالب أسقطت نبوته ووصايته وولايته وصالح عمله، ولم يقبل الله منه ولا زكى عمله، ليختصر جملة آرائه على خلفية المقارنة التالية: "فكما أن الله واحد أحد فرد صمد لا شريك معه في ملكه ولا له صاحب ولا له ولد، كذلك مولانا علي عليه السلام، واحد في فضله، أحد فرد صمد لا شريك له فيه ليس له كفواً أحد". لقد جعل من الإمام علي بن أبي طالب خميرة الوجود القائم بين الظاهر والباطن، وحوّله إلى الجزء الأكثر فاعلية في كينونة المطلق الوجودي والميتافيزيقي والأخلاقي والعملي، ومستوياته العديدة في القوة والفعل والكمون والظهور. ففي تأويله للآية (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب)، يستند الحامدي إلى آراء جعفر بن منصور، القائلة بان ذلك يعني أنه "أوجد لهم الباب عياناً وعرّفهم به تبياناً، وأقام عليه الدلائل والبراهين بالرمز والإشارات والتلويحات والكشف بالمقامات، فجعل تحت الاستتار في جميع الأدوار إلا بالإشارة إليه والتوجه نحوه وإظهار آياته في آخر دور وخاتم كور". وإذا كانت هذه الصياغة تعكس المضامين الكبرى للفلسفة الإسماعيلية في موقفها من الأئمة بشكل عام، فإن الإمام علي قد احتل فيها موقع المركز، الذي تكشف عنه الكلمات المنسوبة إليه والقائلة:"لي منزلة لم تخطر على قلب بشر، وحدّ لم يبلغ معرفته أحد. وان الربوبية لتخطر على قلوب البشر فيعرفها أهل الحقائق منهم. وأن الخلق بأجمعهم يعرفون الله بإقرارهم بظاهر المعرفة، وأهل الحقائق يعرفون الله بحقيقة معرفته، ويوحدونه من وجه توحيده. وان علياً لم يعرفه أحد بالجملة من حقيقة معرفته إلا رسول الله والأئمة من ولده، بل عرفه أهل اليقين بظاهر المعرفة. واثبات الآيات والمعجزات التي أظهرها لهم مرة بعد مرة".
لقد انتزعت هذه الصيغة من الإمام علي بن أبي طالب بعد أن جعلته مادة التأمل الفلسفي والديني، كل حيثياته الواقعية. وحولته إلى "معبود" من طراز آخر، اتخذ هيئة الصيغة المؤنسنة للمطلق، أو الكامل في تجليه الأول، الذي يؤدي بالبعض إلى الغلو فيه. بحيث يصوره الحامدي بعبارة يقول فيها "تأله النفوس له وتتحير في معجزاته وظهور آياته، وهو خالق صور الدين، وباريها ومحييها ومنشئها، ومصوّرها بالصورة الأبدية السرمدية من الكمال الثاني المحيي للعقول والنفوس، والمقوم لها بالفعل بالإكسير الأعظم الذي لا يستحيل، لذلك غلا فيه من غلا وهلك فيه الزائد والناقص".
ولا ينبغي فهم هذه العبارات على أساس صيغتها المباشرة. وإلا لأدى ذلك إلى إثارة رائحة الحلول النصرانية. لهذا السبب حذّر الحامدي من أن التأليه لشخصه (علي) هو نتاج عدم استيعاب، أو استحالة إدراك حقيقته كما هو. فالمعرفة تبقى هنا في حدود الظاهر، كما هو الحال بالنسبة للكلمة المنسوبة للإمام الصادق والقائلة، بان ظاهرنا إمامة وباطننا غيب، أو العبارة المذكورة أعلاه عن انه في "منزلة لم تخطر على قلب بشر". لهذا السبب، كما يقول الحامدي، حذر الإمام علي نفسه في إحدى خطبه قائلاً "هلك فيّ اثنان محب مفرط ومبغض مفرط"، أو كما ينسب للنبي محمد قوله:"يا علي! والله لولا أن تدعي فيك أمتي ما ادعته النصارى في أخي عيسى، لفرضت عليهم أن يتمسحوا بالتراب من تحت قدميك. هلك والله فيك اثنان، غال مفرط ومقصر مفرط، وليس هذا ولا ذاك. وخير الأمور أوسطها".
إن الصيغة الغالية في مظهرها للفكر الاسماعيلي هي التعبير النموذجي عن احد نماذج الرؤية الفلسفية وليست اللاهوتية عن موقع الإنسان المثال، أو "الولد التام"، أو "الإنسان الكامل"، أو الإمام، التي تقترب من صورة المسيح النصرانية، لكنها تفترق عنها في بنيتها ومقدماتها وغاياتها. وينطق هذا ايضاً على إمكانية مقارنتها بالفكر الصوفي في موقفه من الإنسان الكامل. فبغض النظر عن استنادهما إلى فكرة الأسماء الحسنى (الإسلامية) إلا أن وراء وحدتهما الظاهرية مقدمات مختلفة، وطرق متباينة في إدراك حقائقها وأسلوب تمثلها. وبهذا المعنى يمكن القول بان مغالاة الإسماعيلية في الصيغة المذكورة أعلاه عن الإمام علي، هي مغالاة العرفانية المتطرفة في أنْسَنَة أطروحاتها الوجودية والمعرفية وتجسيد تصوراتها وأحكامها الدينية. إضافة إلى تلك الخصوصية التي احتلها موقع الإمامة باعتبارها البؤرة التي التفّت حولها أغلب تأملات الحركات الشيعية و"منطق" بنائها النظري وصروحها اللاهوتية المختلفة. وإذا كان تقييم الإسماعيلية قد ظل في الإطار العام رافضاً للغلو، بمعنى رافضاً إلوهيته أو التقصير المفرط بحقه، فان ذلك لا يفعل في الواقع إلا على جعله كياناً كاملاً لا معنى لأي إقرار به خارج الإقرار بولايته.
ففي هذا المقام تنحل كل العلاقات المعارضة والمؤيدة ليجري تأمل حقيقته كما هو باعتباره النموذج الإنساني الأرقى. وبذا تكون الإسماعيلية قد دفعت به إلى أقصى درجة ممكنة بالنسبة لقدرات العقل والخيال. ولا معنى الآن لخوض الجدل ضد حيثيات الصورة ومقدمات البراهين التي بلورتها الفلسفة الإسماعيلية بالنسبة لنفسها والآخرين عن حقيقة الشخصية العلوية. فهي تعكس في مجمل مسارها كل ما ينبغي قوله عن المثال الإنساني في أحلى وأبهى وأعمق وأدق صورة ممكنة. ذلك يعني أنها حاولت تذليل مصيره المأساوي من خلال إبداع صورة خالدة تستمد مقوماتها من الأزل، ومن ثم إكسابها إياه باعتباره "خالق صور الدين وباريها ومحييها ومنشئها ومصورها بالصورة الأبدية السرمدية". وإذا كانت الفلسفة الإسماعيلية تنظر إلى هذا الإنشاء والإحياء على انه نوع من الكمال المتمم للصورة الإلهية الحقة، فلأنها أرادت أن تبدع صورته التامة والمنزّه من كل النواقص الممكنة للكيان الإنساني. وبغض النظر عما في هذه الصورة من جمال وجلال عميقين، إلا أنها تبقى من إبداع ما يمكن دعوته بالبرزخية الشيعية. أما في الواقع، فأن لكل برزخ صورته الواقعية. وقد عبّر علي في كينونته الواقعية والعقائدية التي صنعها محبوه ومبغضوه عن انهزام الحق في ظل سموه الروحي. وهو السبب الذي جعل منه ممثل التيار الأكثر جاذبية في الوجود والوعي التاريخي الإسلامي.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما اكذب التاريخ
طيف سلطان الزبيدي ( 2009 / 10 / 6 - 09:45 )
من الملاحظ ان الغالبيه تاخذ التاريخ وتصدقه بشكل مطلق وليس لي الا ان اجل شخصيه عبقريه مثل الامام علي ولكن يا اخي ما المطلوب من المقال لكي نفهمه اذ لكل مقال هدف هل هو الترويج للعلويين لكي يحكموا ام بعث الامام الى الحياة ليتقلد زمام السلطه التي لم ينجح بها سابقا لانها تحتاج الى المناوره والكذب الذي لا يجيده ولارجع الى العقيده الاسلاميه فليس لاي كان فضل على الناس في اعماله هذا ما جاء به الخالق وليس لي الا التنبيه عليه اذ ان الله يقول في قرانه يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ..وعلى هذا فان كل اعمال الناس تحسب لهم وليس لنا ...وكذالك بقوله تعالى لو شاء الله لجعلكم امه واحده ..ولكنه لم يشئ. واريد ان اسال في هذا الزمن الذي تتوفر به وسائل ايصال المعلومات بالصوت والصوره وهذا الكم الهائل من معدات التكنلوجيا ..من خطف جماعة التعليم العالي؟ من خطف تجار السنك من كان سببا في حادث جسر الائمه؟ مذا حدث في مصرف الزويه ؟ حوادث وفي وضح النهار ولا زالت مبهمه وهذه امثله ليس القصد منها الا ان ادعي ان كل التاريخ مفبرك وفيه الخيال الكثير ويكتبه كتاب يحملون غير محايدين يشطبون ويضيفون لما يعلي من معتقداتهم كذبا وتريدنا ان نصدق احداث قبل 1400 عام ونبني عليها ...لنترك التاريخ


2 - ما اصدق التاريخ
ميثم الجنابي ( 2009 / 10 / 6 - 11:53 )
ليس في عنوان التعليق مماحكة بقدر ما إنني أحاول الكشف عما في عنوان التعليق نفسه من خطأ منهجي كبير. فالتاريخ لا يكذب، بل يكذّب كل من ينوي أو يعمل خارج إطار مرجعياته الضرورية بالنسبة للتطور الاجتماعي والرقي الإنساني. والكذب المحتمل في -التاريخ- يقوم في نوعية وكمية التفسير والتأويل المحتمل على ألسنة وقلوب وعقول القوى المتصارعة فيه. وهي حالة طبيعية، بل دائمة.
فيما يخص المقال، فإنني لا أتكلم فيه عن الإمام علي ولا عن تاريخه ولا شخصيته كما هي. بل هو تقديم لكل ذلك ولكن من خلال تأمل ونقد الإبداع التاريخي وأساطيره حول هذه الشخصية. وقد سبق وان تناولت هذه القضية في كتابي (الإمام علي – القوة والمثال). أما ما اعرضه هنا في هذين المقالين وما سيتبعه لاحقا، فهو تحليل ونقد ما يمكن دعوته بمعترك الصيرورة التاريخية للصورة العلوية، أي للصورة التي تحتوي بقدر واحد على معالم الخيال والوجدان والعقل والتأمل على خلفية تداخل وتفاعل عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية. وبالتالي، ليست هذه الصورة سوى جزء من كلّ وتراث تاريخي كبير ومعقد هو تاريخنا القومي الذاتي أيضا.
بعبارة أخرى، إنني أتناول الصورة العلوية ضمن سياق الفكرة الفلسفية وليس السياسية. مع انه لا تعارض بين الاثنين. غير أن الجوهري فيما أتناوله هو إبر


3 - رد على استفسار الاخ احمد السيد علي
ميثم الجنابي ( 2009 / 10 / 6 - 15:31 )

الامامة
Tuesday, October 06, 2009 - أحمد السيد علي

الاستاذ االدكتور ميثم
تحية طيبة
سمعت مرة من السيد أياد جمال الدين، وتحصيله الاكاديمي في ايران ان سبب الخلاف بين السنة والشيعة هي السلطات والصلاحيات التي عمل بها أبو بكر الصديق كانت بحجم صلاحيات النبي محمد وسلطاته، وفي قراءة سابقة لي ان سبب الخلاف كان في السقيفة قبيل بيعة عثمان الذي قال سأحكم بالقرآن والسنة النبوية وسيرة الشيخين ابو بكر وعمر،وألامام علي قال سأحكم بالقرآن والسنة النبوية واجتهادي ، ما مدى صحة هذه المعلومات، وتقبل فائق التقدير
مودتي


الأخ احمد السيد علي

ليس من الصحيح القول، بان سبب الخلاف بين السنة والشيعة كان مرتبطا بتحديد -السلطات والصلاحيات- التي عمل بها أبو بكر. لاسيما وأنها صيغة ليست دقيقة بل ولا معنى لها. والشيء نفسه ينطبق على ما يسمى بخلاف السقيفة سواء المتعلق منه بمبايعة أبي بكر أو صعود عثمان إلى سدة الخلافة. بعبارة أخرى لا يمكن إرجاع سبب الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة إلى هذه الأسباب فقط. لكنها كانت تفعل بطريقة غير مباشرة مع مجرى تطور الدولة والفكر وصراع المذاهب والعقائد. وهي عملية استغرقت قرون من الزمن.
فالخلاف السني – الشيعي خلاف تاريخي، بمعنى انه تراكم من الناحية


4 - ليس التاريخ حقيقه مطلقه ابدا
طيف سلطان الزبيدي ( 2009 / 10 / 6 - 16:51 )
لنتجنب المماحكه ولي ان اقول ان القران وهو اعلى درجات التواتر التاريخه في المشافهه والتدوين وتدعي اني رهين الماضي لاني استشهدت بايه قرانيه من 1400 سنه واني لم استطع التحرر من الماضي ..ليس التاريخ الذي تسرده الا تاريخ نقل احداثه رواة ولا يمكن مقارنتهم بالقران الذي تواتر على روايته امه العرب والمسلمين اني لا استشهد بايه انها الماضي والحاضر الذي يجتره الناس في كل حين و انت تعتقده تاريخ مساوي بالحكايات والروايات التي تناقلها الناس ان هذا غير منصف في مقارنه كهذه لقد سبق وان ضربت امثله من حاضرنا الذي نعيشه لم نتبين الحقيقه في السرد الذي يينقل الينا من رواة مع وسائل التوثيق الموجوده وتتكلم انت عن احداث ليس لها اثبات..... ان النقل والعنعنه في الحديث مسار من المفترض ان نتخطاة وليس من يكذب التاريخ يراوح في طفولته ولكن من يصدق التاريخ يستمر على جنون احداثه المفتعله وماغايتها الا التدليس وليس عبره لالي الالباب بل فبركه ليصدق بها التاتهون في بحور الوهم انها نهج المصالح المفتعل في اي زمن من الممكن للقصاصين ان يعدوا السيناريوهات لروايات جاهزه و التي ترجح كفه مصالحهم فما على المؤرخين الا تبديل الاسماء ليزيحوا اسماء مضت ولم تعد تدفع الليره والدينار الى وضع اسماء من يدفع الدولار


5 - الى طيف الزبيدي
ميثم الجنابي ( 2009 / 10 / 6 - 17:49 )
عزيزي طيف الزبيدي
ليس في الرد الذي كتبته تهوينا او ادانة او حتى انتقاد لما كتبته، بقدر ما هو تأصيل منهجي فيما يتعلق بمضمون المقال وغايته. وقد عرجت فيه على بعض ما اعتقده ليس دقيقا او خاطئا فيما كتبته انت وليس فيما تنويه. والقضية كلها كما يقال خاضعة للجدل. اما فيما يتعلق بالموقف من القرآن والاستشهاد بآية منه، فان مقصودي غير ما فهمته. واتفق معك فيما يخص ضرورة التفحص الكامل من احداث التاريخ ونقدها. غير ان التاريخ ليس وقائع فقط ولا احداث، بل وخبايا. اما المهمة الجوهرية بالنسبة لي فهي التعامل مع التاريخ بمعايير الرؤية المستقبلية وتوظيفها لخدمة تأسيس وعي الذات النقدي (العلمي والاجتماعي والقومي والانساني العام). وهذا هو المقصود من تعليقي ومضمون المقال نفسه


6 - اجابة على تعليق الرصافي
ميثم الجنابي ( 2009 / 10 / 6 - 18:13 )
الدكتور ميثم هل تكتب من الكتابة لو هناك دور تريد ان توءدية
Tuesday, October 06, 2009 - الرصافي

الدكتور ميثم هل ان رسالتك تريد ايصالها لعدد بسيط من الفقهاء لو تريد اكبر عدد من طالبي المعرفةاذا كانت رغبتك الى الفصيلة الثانية فللاسف قراءت ولم تخرج باستنتاج من هذة المقالة وذلك بسبب استخدامك الى لغة معقدة واتمنى ان تكون لغثك بسيطة ومفهومة للجميع
مع اجمل التحيات

عزيزي الرصافي
إنني أتفهم ما يعانيه البعض حال قراءة هذا النوع من المقالات والأبحاث، غير أن لمنطق البحث والمادة ومستوى تداولها تأثير في العبارة والفكرة. وأحيانا يصعب تيسير العبارة بصيغة أخرى، وذلك لأنه يفقد مراد كاتبها ودقة مضمونها. لهذا نادرا ما انشر على صفحات الانترنيت كتاباتي الفلسفية. واكتفي عادة باليسير النادر منها. كما اعمل جهد الإمكان على تيسير العبارة وجعلها سهلة وتقريبها من عقول -القراء العاديين- أو -القارئ الوسط-. وهي مهمة لا تخلو أحيانا من صعوبة، وأحيانا تبدو شبه مستحيلة. أما حقيقة التعقيد فانه يقوم في الأغلب على تعود قراء الانترنيت على المقالات -السياسية- والصحفية العادية. غير أن التعقيد يزول مع مرور الزمن حالما يجري التعود على -عصر الذهن- وإمعان الفكر. لكن الملاحظة التي تطرحها تبقى سليمة جدا.


7 - صب الزيت على النار
غازي صابر ( 2009 / 10 / 6 - 20:42 )
عندما أقارن بين صورة الكاتب المحترم وفحوى المقاله أجد ان هناك فروق عديده ،الكاتب يرتدي الزي الأفرنجي ويعيش بين الأفرنج والمقاله فيها الرادكاليه المتشددة واضحة ،فهو يريد أن يقول لنا أن الأمام علي مقدس ولايوجدإنسان مقدس طالما هناك تطور.ويتهم معاويه بترديد كنية أبو تراب وبنفس الوقت هو يعرف أن النبي هو من أطلق هذه الكنيه .ويتحدث عن معاويه وكأنه لقيط وهو يعرف أنه كان كاتباً للرسول وتعلم الشئ الكثير من لدن النبي الكريم .ولكون الكاتب المحترم ضليع في قراءةالتراث ويعرف أن الأمام رجل دين ولا يصلح للسياسه ويعرف الأسباب وهذا بأعتراف الباحث هادي العلوي. ويعرف أن الأمام أعتبرنفسه الوصي بعد النبي لأن النبي الكريم تبناه وهولم يصل للفتوة بعد وهورجل العائله وزوج أبنته وهذه القضيه هي محور الصراع وما قبلها بين بني هاشم وبين بني أميه .
والصراع الدائر الأن بين الطائفتين والذي تحول الى كارثة على الشعب العراقي هوالماضي ،هو صراع علي ومعاويه والبحث في هذه القضيه وفي هذا الوقت بالذات يعد مثل صب الزيت على النار . والذي يحب العراق عليه أن يبحث في المشتركات بين الطوائف والقوميات ، لاسيما والكاتب يعرف أن كتابة التأريخ لم تكن نقيه . وأخيراً أمل أن ينزع كاتبنا المحترم عمامته ويرفدنا بالجديد في المجالات العلميه وا


8 - عن الوضوح والغموض
بشير ( 2009 / 10 / 7 - 11:40 )
هل حقا ثمة افكار تتأبى على الوضوح والكشف ؟ نعم وفقط عند من لايستطيع ان يفكر بوضوح ويتكلم ويكتب بوضوح )) ماركس تحدث بهذا المعنى(( ومشكلة الغموض والتباس المعنى عند ميثم الجنابى تتأتى من هذا الحنين لماضويته والتى تريدان ترتبط تعسفا بالمعاصرة وهو امر لايقود سوى الى االغموض والفوضى الفكرية

اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل