الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان عقيدة دينية أم قرار للدولة ؟ في مغزى رسالة زينب و من معها

أحمد عصيد

2009 / 10 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اختارت فتاة مغربية مع مجموعة من أصدقائها الأكل جهارا نهارا في رمضان، ليس على سبيل العبث و الطيش، بل في خطوة محسوبة العواقب و النتائج، أمام الصحافة و الرأي العام الوطني و الدولي، مما يعني أن للفتاة رأي تريد التعبير عنه، أو رسالة تريد تمريرها للسلطة تحديدا قبل المجتمع، و هذه الرسالة تبلورت عن نقاش دام على الأنترنيت عدة أسابيع تناول خلالها قضايا العقيدة بين الفرد و المجتمع، و تمخض عنه عزم بعض الشباب على تخطي الخطوط الحمراء و خوض التجربة - المغامرة و تحمل تبعاتها بشجاعة.
و كالعادة في مثل هذه الوقائع التي تشبه رمي حصاة في بركة آسنة و منتنة، لم تُفهم رسالة الفتاة المعنية، و ضاعت معانيها وسط اللغط و ردود الأفعال المتشنجة التي أفرزت لنا جملة من التعابير و المواقف التي تستحق منا وقفة و لو على سبيل التندر و الدعابة.
صرح المحامي مصطفى الرميد ( من التيار الإسلامي) بأن ما قامت به الفتاة وجماعتها "استفزاز لمشاعر المؤمنين" الذين يصومون رمضان بالمغرب و الذين يبلغ تعدادهم99,99 في المائة ، و سرعان ما صار على "هدي" الرجل مجموعة من الصحفيين من حراس التقليد ودعاة التحريض في بعض المنابرالمحافظة، كرروا ذلك جميعا بقدر من الغباء مثير للشفقة، و لم ينتبه أحد منهم إلى أن النسبة المذكورة تحظى بسمعة سيئة في بلاد العربان و المسلمين، كما أنها نكتة تروى في الدول المتقدمة، حيث هي النسبة التي دأبت السلطات القمعية في الأنظمة العسكرية على إعلانها لعدد المصوتين في الإنتخابات لصالح الحاكم الفرد الأوحد و الأبدي، مما يعني أنها في الأصل رقم يعني في حسابات السلطة "أسكت و إلا ..."، كما يعني أيضا التحدث باسم الشعب رغم أنفه أو في غيابه.
و الحقيقة أننا أمام نفس الظاهرة، بنفس الروح و ذات الأهداف، و لكن في سياق مختلف.
و ما دام الأمر يتعلق بالأرقام و النسب المائوية، فإنه يمنحنا بعض الحرية في المناقشة و الحجاج أو على الأقل في طرح الأسئلة، و إن كان ذلك يزعج بعض مواطنينا من الذين ألفوا تكرار العبارات الصنمية الجاهزة منذ أزيد من خمسين سنة، بل إن بعضها يعود إلى أربعة عشر قرنا !
السؤال الأول هو التالي: من أين حصل أصحاب 99,99 عن هذا الرقم السحري ؟ هل قاموا باستطلاع للرأي في الشارع أم داخل البيوت أم في سرائر و بواطن الأفراد ؟ و إذا صحّ هذا الرقم فهل سألوا الصائمين إن كان "يستفزهم" أن يأكل غيرهم ؟ أليس هذا ضربا من التدليس و التضليل الغرض منه إسكات كل صوت مخالف بحجة أنه "أقلية من الشواذ" لا تذكر و لا يحق لها الوجود و التعبير عن الرأي ؟ إذا دخل الآكلون في حكم الأقلية ألا يعلم المتشدّدون بأن للأقلية حقوق متعارف عليها في العالم الديمقراطي ؟ و هل يتحمل حراس التقليد أن يروا أقلية ما موفورة الحقوق تتمتع بمجالات تعبيرها الخاص في المجتمع و التي لا يحق لأحد حرمانها منها مهما كانت الأعذار و الذرائع ؟
ثم في المقابل هل صحيح أن الذين يأكلون في رمضان و لا يغيرون شيئا من عاداتهم خلال هذا الشهر هم 0,01 ؟ ، هل يعتقد أعداء الحريات أننا نائمون على آذاننا ؟ إن مشكلة الرميد و من معه هي أنهم يقومون بعملية تعميم حالتهم على المجتمع كله، فالسلفي الذي يعيش أجواء الذكر و الصلاة و ينغمس في طقوس الصيام يعتقد بأن الناس كلهم على شاكلته، و لا يرى العالم إلا بلون إيديولوجياه و عقيدته.
إذا لم يكن صحيحا أن عدد الصائمين هو هذا الرقم المثير للسخرية، فما هو الهدف من إعلانه و إشهاره من طرف الذين تزعجهم مظاهر الإختلاف في الحياة العامة ؟ إن الهدف هو الحفاظ على ما هو موجود و تكريس واقع الحال كما لو أنه قدر علوي محسوم، واقع غير متسامح يخفي الكثير من التناقضات و المظاهر اللاإنسانية للسلوك و التفكير دون أن يسمح لأحد بالتفكير فيها أو الدعوة إلى تغييرها، لأنها في مصلحة لوبيات التقليد التي تعتبر هذا الواقع عنصر قوة للسلطة في حراسة المجتمع و ترويضه و الحفاظ عليه في وضعية الولاء، كما أنها في مصلحة القوى السلفية في المجتمع، تلك التي ما زالت ـ رغم هزائمها الإنتخابية ـ تتطلع إلى الحكم باسم الدين و فرض نمطها للتدين على الجميع عبر وسائل الدولة و آلياتها، بينما تشير الوقائع الدّالة إلى أنّ ثمة أجيال جديدة تتطلع إلى هذا التغيير و تحلم به، فمثلما ينخرط الشباب في الحركات الدينية، ينخرطون أيضا في مختلف الحركات العلمانية الأخرى، و إذا لم تسعفهم ظروف مجتمعهم المتخلف بأن يقولوا بصوت عال ما يفكرون فيه كما يفعل أتباع الإسلام السياسي، فإن ذلك لا يعني أنهم غير موجودين، و إنما يعني أن المجتمع الذي أريد له من طرف ساسته أن يظل في وضعية عدم النضج، لم يبلغ بعد مستوى أن يسمح للأصوات المحاصرة بأن تعبر عن نفسها بدون خوف من عقاب أو توجس من انتقام . و لم تكن زينب إلا لسان حال هؤلاء و ما أكثرهم، و إذا كانت قلة الذوق و ضعف الحس الديمقراطي قد حذيا بالبعض إلى مطالبة الفتاة المغربية بمغادرة البلاد إلى "أرض الله الواسعة" باعتبارها فرنسية الجنسية، فإن "المخزن" أرحم من هؤلاء لأنه يعتبر الجنسية المغربية لا تسقط عن حاملها، و لأنه لا ينزع من أحد من المغاربة حق الإنتماء إلى الأرض المغربية.
و بما أنّ زينب ليست لاجئة عند أحد من هؤلاء، الذين لم ينتبهوا إلى أن ما قامت به الآنسة المتمردة يدخل في باب الإرتباط بالأرض و بالوطن، فقد كانت لها الشجاعة في أن تقول ما معناه : " من حقي أن أعيش في وطني كما أريد، خارج القطيع، و بدون ولاء لمعبد أو كاهن". إذ لو كان هدفها السياحة في الأرض لكانت غادرت منذ زمان بلدا لا تشارك " 99,99 في المائة" من سكانه ثقافتهم ( و العهدة على الرميد و من معه).
و الذي زاد من ضعف موقف حراس التقليد في هذه الواقعة، لجوءهم بدون خجل إلى آلية الترهيب و التهديد بانتقام العوام، تماما كما حدث في قضية القصر الكبير، فحسب منطق بعضهم، المجتمع المغربي عبارة عن مجموعة مغلقة من الناس المهيّجين و المهتاجين المصابين بسُعار ديني، و المستعدين للإنقضاض على كل من ظهر منه خلاف ما هم فيه من طقوس و عادات، و الحقيقة أن قائلي ذلك هم الخدام الأوفياء للسلطة القمعية، لأن ذلك هو منطقها منذ عملت جاهدة على إعادة الشعب المغربي إلى وضعية جماعة حنابلة صحراء نجد ، بعد أن أشاعت عن عمد طاعون الوهابية السلفية على مدى 25 سنة، و هي تعتقد بذلك أنها تواجه اليسار الماركسي و الإشتراكي، و إذا كان من المغاربة اليوم من هو مستعد للفتك بغيره بسبب اختلافه عنه، فإن ذلك ليس إلا ثمرة خبيثة لتلك النبتة الغريبة عن التربة المغربية، و التي زرعتها السلطة منذ نهاية السبعينيات، لتعود اليوم و تقول للناس : "الشعب المغربي هكذا و لا ينبغي استفزاز مشاعره الدينية أو المسّ بثوابته". و لست أدري ما هي هذه الثوابت التي تجعل الإنسان عدوا للإنسان.
و الحقيقة أن الشعب المغربي يتجسد في ما قاله لي أحد حراس السيارات عندما اطّلع على ما قامت به حركة "مالي" حيث عقب قائلا : "شغلهم هاداك، و حسابهم عند الله !" . هذا هو الإسلام كما وجدناه عند آبائنا و أجدادنا، إسلام العبادات الشخصي المتسامح و الخالي من المشاعر العدوانية و كراهية الآخر.
ثمة ثلاث قضايا ينبغي تعميق النقاش فيها على هامش ما جرى و هي موضوع مقالاتنا القادمة :
1) قضية الإنسجام العقائدي القسري الذي تفرضه السلطة على المجتمع، و التي تجعلنا نتساءل هل الشعائر الدينية عقائد للمؤمنين بها أم قرارت للدولة تلزم جميع أعضاء المجتمع ؟
2) قضية أسس الدولة المغربية و الروابط الحقيقة التي تربط بين المغاربة، و التي تجعلنا نتساءل : هل حقا أن الدين هو الذي يربط اليوم و في السياق الحالي بين المغاربة ؟
3) قضية تعارض بعض القوانين المغربية مع نص الدستور و كذا مع العهود و الإتفاقيات الدولية التي وقع و صادق عليها المغرب دون أن يلتزم بها. و هو ما يجعلنا نتساءل: لماذا يوقع المغرب على اتفاقيات و عهود إذا كان يعتبر الشعب المغربي ذا مرجعية أخرى نقيضة ؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين من اجل الدنيا!!!!!؟؟؟
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 10 / 5 - 22:15 )
الأخ احمد عصيد اشكرك على هدا المقال الواضح الكاشف لمغالطات تجار الدين ومهربي الوهابية الى المغرب بهدف فرملة حركية المجتمع وانفتاحه على الآخر
ان هدف مرتزقة الدين هؤلاء هو تغييب وعي المواطن المقهور بحقوقه ومشاكله اليومية واسبابها ونقل تساؤلاته ومشاغله من الدنيا -الواقع- الى الآخرة- ما بعد الموت-حتى ينفردوا هم بالحياة الدنيا (متاع الغرور!!!)

تحياتي الخالصة
تانميرت ارغان اوما


2 - دكتاتورية دينية و اجتماعية باسم الاسلام
واحد زعلان من فرض رمضان على البشر بالعافية ( 2009 / 10 / 5 - 22:39 )
يبدو ان الهوس الرمضانى اصاب المنطقة من الخليج الى المحيط و ان يوم القيامة والحساب بات يوميا فى كل البلاد المسماة زورا عربية اسلامية-- فى هذه البلاد يتفشى الفقر والجهل والمرض والدكتاتورية الدينية والسياسية وتحالف الملوك والرؤساء مع شيوخ الجهل والتكفير و تصبح النتائج ماساوية اصفارا تلى اصفارا وانحدارا وبعدا عن التحضر وعن الانسانية وعن حقوق الانسان-- ان المنقذ الوحيد لهذه الشعوب هو فضح هذه التصرفات العدوانية و تمسك الافراد بحقوق المواطنة التامة واولها حق التعبير وحق العمل و حق الاختيار --اختيار ما يناسبه من عقائد او الحاد و اختيار ما يناسبة من ملابس ومن عمل -- لا ادرى لماذا يسبح الحكام وشيوخ الجهل ضد التيار والى متى -


3 - حاجة الحوار المتمدن للآلية تعمل على تنظيفه اولا باؤل من الوس
طارق سليمان ( 2009 / 10 / 7 - 06:01 )
ارجو ان يتمكن موقع الحوار المتمدن من اكتشاف آلية للتنظيف الذاتي للمقالات والتعليقات الوسخة وايداعها للمزابل حفاظا على الذوق العام

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل