الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض من الحكم التاوية

نضال الصالح

2009 / 10 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يحكى أنه كان لتاويي حصان يستعمله في شتى مجالاته المعيشية من حرث وزع وحصد ونقل وما شابه. في يوم من الأيام إختفى الحصان. بحثوا عنه في كل الأماكن الممكنة فلم يجدوه. جاء جيران التاوي لمواساته فقالوا له: كاننت الالهة في عونك فلقد أصابتك مصيبة، فأجاب : " لا أدري، سنرى."
رجع الحصان لصاحبه ومعه عدد من الأحصنة البرية ودخلت جميعها إلى حظيرة التاوي. جاء الجيران ليهنئوه فقالوا له: " هنيئا لك لقد أصابك خير كثير." فقال:" لست أدري سنرى."
بعد أيام وحين كان إبن التاوي الوحيد يروض الأحصنة الهجينة رفسه حصان فكسر رجله. جاء جيران التاوي لكي يواسوه فقالوا : نشعر معك فلقد أصابتك مصيبة كبيرة". أجاب التاوي:" لست أدري، سنرى."
بعد أيام جاء ضباط من الجيش الصيني وأخذوا كل شباب القرية للإشتراك في الحرب إلا إبن التاوي بسبب رجله المكسوره.
هذه الحكاية تدل على أن مفهوم الأقطاب في الفكر اتاوي يختلف عن مفهوم الأضداد في الأديان الشرق أوسطية أو المسماة سماوية، أي اليهودية والمسيحية والاسلام . في مفهوم الأديان السماوية المذكورة، هناك صراع أبدي بين الأضداد، فالخير يصارع الشر، والحياة ضد الموت، والظلام ضد النور وهكذا صراع على السيادة بين كل نقيض ونقيضه. أما في مفهوم الفكر التاوي فإن الأقطاب لا تتصارع ولكنها في حركة تعاونية، وتوازن الكون هو نتيجة لتعاون هذا الأقطاب على كل صعيد . الأقطاب في الفكر الصيني لا تتصارع على السيادة وعلى إلغاء الآخر،لأن كل ضد يأخذ معناه ووجوده من ضده، فلا نور بدون ظلام ولا معنى للخير بدون وجود الشر ولا للحياة بدون الموت وهكذا فالخير قد ينتج شرا والشر قد يتحول إلى خير.

يحكى أن لصا جاء ليسرق حكيما تاويا كان يعيش في عزلته التأملية في كوخ على رأس جبل. كبل اللص الحكيم بعد أن فتشه تفتيشا دقيقا فلم يجد معه ما يستحق السرقة ووضعه خارج الكوخ ودخل إلى داخل الكوخ يبحث عن أي شيء ذي قيمة لسرقته فلم يجد. عندما لم يجد اللص ما يسرقه نزع عن الحكيم ملابسه القديمة شبه البالية وسرقها حتى لا يخرج خال الوفاض وتركه غاضبا. صاح التاوي وقال: " نسيت يا بني أن تأخذ الكنز." ظن اللص أن هناك كنزا مخفيا في مكان ما فرجع إلى الحكيم وقال له: " أين هو الكنز وأين خبأته؟ فأشار الحكيم إلى الجبال والوديان التي حوله المليئة بالأشجار والزهور والنباتات وقال: " ها هو الكنز أمامك يا بني، فتمتع به كما تريد."
هذه الحكاية تدل على الحكمة التاوية التي تقول أن قيمة الأشياء تقدر بقدر تقدير الإنسان لها، فإن قال أن الذهب لا يعني لي شيئا وإنما هو تراب بلا قيمة يصبح الذهب بالنسبة للإنسان بلا قيمة. كما أن ذلك يدل على أن الغنى والجمال موجود حولنا ويمكننا أن نتمتع به وبالتلائم مع الطبيعة حولنا نصل إلى الرضى والسعادة.

يحكى أن رجلا جاء لحكيم تاوي وطلب منه أن يعلمه الحكمة. قال الحكيم: " سنشرب الشاي معا أولا." أحضر الحكيم إبريق الشاي ووضع أمام الرجل فنجانا فارغا وأخذ في صب الشاي فيه حتى إمتلأ ولكنه تابع في صب الشاي حتى تدفق من الفنجان وسال على الطاولة ومن ثم على الأرض. صاح الرجل:" كفى! ألا ترى أن الفنجان قد إمتلأ وأنت لا تزال تصب الشاي حتى سال على الأرض وذهب سدى." قال الحكيم: " أنت يا بني مثل هذا الفنجان مليء بالفكر المسبق وكل ما سيصب فيك سيذهب سدى. لقد جئتني وأنت مليء بالأفكار المسبقة وتريد مني أن أعلمك الحكمة وهو أمر غير ممكن لأن تعاليمي ستذهب سدى كهذا الشاي. إذهب وإفرغ نفسك من الأفكار المسبقة ثم تعال إلي."
الحكمة من هذه الحكاية أنه إن كنت ترغب في تعلم شيء جديد عليك أن تترك فراغا لها فإنك إن كنت مليء بالأفكار المسبقة فلن تتعلم شيئا جديدا.

د. نضال الصالح/ فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بوركت
jone ( 2009 / 10 / 6 - 11:27 )
موضوعاتك تأتي كل مرة بشئ جديد لك الشكرلان ثقافة الغير ليست قاصرة او قليلة لشعوب على دربها يسير اكثر من مليار نسمة.....


2 - كلمات تنويرية
ياسر ( 2009 / 10 / 6 - 15:17 )
من المهم، برأيي، أن نعطي حيزا أوسع من الموجود حاليا للتعرف على فلسفات و أديان الأمم الأخرى. تخيل أن دولة كالسعودية، مثلا، لا تتحدث مطلقا عن أي دين غير الإسلام السني الحنبلي، في مناهجها -التعليمية- في كافة المراحل الدراسية. المشكلة ليست فقط في شيطنة أصحاب المذاهب و الديانات المختلفة، بل في تعتيم ممنهج عن كل ما يتعلق بمحتوى فلسفاتهم أو تعاليمهم الدينية. لذا ينشأ جيل يتعالى على الختلفين عنه، و يحط من قيمة معتقداتهم، عاكسا بذلك ما تعلمه في تلك -المدارس- بالضبط. أتمنى من الكتاب و الكاتبات في الحوار المتمدن أن يولو هذا الجانب من التثقيف اهتمام أكثر. نقدر للكاتب نضال الصالح ذلك التوجه التنويري في كتاباته.

اخر الافلام

.. سرايا القدس: أسقطنا طائرة إسرائيلية من نوع -سكاي لارك- وسيطر


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يعود لمخيم جباليا ويكثف غا




.. صرخات فتاة فلسطينية على وقع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة


.. رسميا.. مبابي يغادر باريس سان جيرمان نهاية الموسم الحالي




.. نٌقلوا للمستشفى.. دبابير تلدغ جنودا إسرائيليين في غزة بعدما