الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المغاربة -كلهم مسلمون- ؟

أحمد عصيد

2009 / 10 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


آن الأوان لأن نطرح السؤال ، ليس بالصيغة أعلاه فقط، بل أيضا بالصيغ التالية: هل إسلام المغاربة كما يطفو عل سطح الحياة الإجتماعية وسلوك الدولة وضعية طبيعية عفوية، أم أنها حالة محروسة، مراقبة و مفروضة ؟ هل المناخ الذي يسود في رمضان، هو مناخ ديني طبيعي أم وضعية مصطنعة من إخراج السلطة و تحت وصايتها و رعايتها ؟ و بصيغة أخرى، هل إذا رفعت السلطة يدها عن عقيدة الناس و تركت الأمر اختيارا حرا للأفراد مثلما هو الشأن في بلدان العالم المتقدم سيكون الأمر على ما هو عليه الآن ؟ أليس الهياج و التعصب و التشنج العاطفي و تهديد الأمن العام الذي يصدر عن بعض المؤمنين نابعا من التربية و من الترويض اليومي في إطار مغلق من التقاليد تحرص السلطة على عزله عن التحولات الجارية في العالم و في عمق المجتمع المغربي نفسه ؟ لماذا تستطيع السلطة و بسهولة إخماد احتجاج المواطنين و إسكات أصواتهم و صراخهم عندما يخرجون إلى الشارع في مظاهرات سلمية للتنديد بالفقر و بالجوع و التهميش، و لا تستطيع رذع من يهتاج و يعتدي على غيره و يرجمه بالحجارة بسبب اختلافه فقط كما حدث بالقصر الكبير مثلا ؟ لماذا تعاقب السلطة من مارس حريته داخل بيته و تترك دون عقاب من اعتدى على ممتلكات الغير و ضرب بالحجارة في المجال العام بذريعة دينية أو أخلاقية تماما كما كان يحدث في القبائل و الجماعات البدائية ؟ لماذا تترك السلطة الحبل على الغارب عندما يتمّ خرق القانون باسم الدين، بينما تشده إلى أقصى حد عندما يتعلق الأمر بحقوق الناس الأساسية و المشروعة ؟ و لماذا يرتبط السلوك العنيف بالتديّن و لا نجده لدى غير المتدينين الذين يبحثون فقط عن فرصة للتعبير عن الرأي و الموقف ؟ أليس ذلك كله نابعا من الشعور العميق بهشاشة الوضعية كلها و بالخوف من الحقيقة ؟ كم عدد الذين سيظلون مسلمين، و كم عدد الذين سيغادرون الإسلام عندما تعطاهم حرية الإختيار مع كل الضمانات القانونية على سلامتهم و أمنهم و مستقبلهم ؟ لماذا لا يتم الإعتراف حتى الآن بوجود مسيحيين مغاربة يعدّون بعشرات الآلاف، بينما يتمّ الإعتراف بوجود أربعة آلاف يهودي مغربي ؟ ما الذي تخفيه السلطة وراء المشهد الكئيب، البعيد كليا عن حقيقة المغرب العميق، حقيقة ما يعيشه الناس فعلا في سلوكاتهم و ما يختارونه في أساليب حياتهم ؟ لماذا يخاف السلفيون و حماة التقليد من الحرية ؟ هل المجتمع ـ بطبيعته ـ هو الذي يفرض على السلطة أن "تحمي" الدين و أن تلزم به الجميع، أم أنّ السلطة هي التي تتشبث بوصايتها على الدين للحفاظ على آلياتها التقليدية في الهيمنة و الترويض الإيديولوجي، مما يمكنها بالتالي من خلق المجتمع الذي تريد و الحفاظ عليه ؟
لعلّ مجمل هذه الأسئلة هي التي طرحت لدى كل الشباب الذين أقدموا في نهاية رمضان المنصرم على خطوتهم الجريئة سواء في المغرب أو في كل من الجزائر و مصر، و الذين لقوا جميعا نفس التعامل من السلطة و من قوى التقليد، و لكنهم عبروا رغم ذلك عن موقفهم بعفوية و بساطة خلخلت الكثير من الشعارات الجاهزة، و حولت "الثوابت " إلى أسئلة، لقد فضلوا القيام بفعل ملموس على الخوض في النقاش النظري الذي يظلّ، بحكم تعقد إشكالياته و تشابكها و بسبب ضيق مساحات حرية التفكير و التعبير، نقاشا نخبويا.
و من الملفت للإنتباه أن الخريطة الدينية الفعلية للمغرب تظلّ دائما خارج النقاش العمومي عندما يتعلق الأمر بالحريات الفردية، فقد رسخت الأحزاب التقليدية بسبب ضعفها أمام السلطة و تراجعها في تأطير الرأي العام شعارا أبدعته في مواجهة الإسلاميين الذين تزايدت أهميتهم في المجال السياسي المغربي منذ الثمانينات، و هو الشعار الذي يقول "المغاربة كلهم مسلمون"، و هو شعار يقصد به عدم ترك الدين يتحول إلى آلية سياسية يحتكرها المتطرفون، غير أن هذا الشعار سرعان ما أبان عن محدوديته، و قد جاء الجواب واضحا و منطقيا من الشيخ ياسين زعيم جماعة العدل و الإحسان: "إذا كنتم مسلمين حقا فتعالوا إلى كلمة سواء على أرضية الإسلام"، و هو ما لا تستطيعه الأحزاب المذكورة لأنها عمليا أحزاب علمانية، لكنها تفضل تملق الوجدان الديني للجمهور ما دامت قد تخلت ـ لصالح المتطرفين ـ عن تكوين الشباب و تأطير المجتمع بوعي عصري و انشغلت بالصراع على الكراسي، كما أن السلطة بدورها في تعاملها مع تيارات الإسلام السياسي لا تعتمد أبدا ثقافة العصر و مفاهيمه، بقدر ما تزايد على تلك التيارات باعتماد لغة خشبية تذكر فيها بالمذهب الرسمي و بالثوابت الدينية و إمارة المؤمنين الحصينة، و إن كانت في محاكمة الإرهابيين من هؤلاء تلجأ إلى القوانين الوضعية و المحاكم المدنية. و قد نجم عن هذا النهج من طرف السلطة و الأحزاب السياسية تواطؤ ظاهر على تحويل موضوع التدين في المغرب إلى طابو، و الإكتفاء بترويج الشعارات الرسمية.
لكن عند النظر إلى الواقع بتجرد، يمكن القول إن الخريطة الدينية بالغة التعقيد بسبب تنوع مكوناتها، لكنها تتضمن الكثير من العناصر المسكوت عنها، فبجانب الأغلبية من المسلمين بمللهم و نحلهم، ثمة مسيحيون ويهود و بهائيون، إلى جانب السكان الذين يمكن إدراجهم ضمن "غير المؤمنين"، أي الذين لا يجدون أنفسهم في أي دين من الأديان، كما لا يشكل الدين مرجعية في سلوكهم أو تفكيرهم.
غير أنّ الأغلبية المسلمة بدورها ليست متجانسة، فهناك المسلمون الذين يؤدون الشعائر الدينية و منهم أتباع الإسلام "الشعبي" المتوارث و الوسطي أي إسلام "الآباء و الأجداد" و هم على ما يظهر الأغلبية، و منهم المسلمون "العلمانيون" أي الذين يؤدون الشعائر الدينية من صلاة و صيام و حج و يعتبرون أنفسهم مسلمين لكنهم لا يؤمنون بضرورة الدولة الدينية و لا بتطبيق الشريعة و لا يعتبرون "الحجاب" فريضة دينية و يقولون بالمساواة بين الرجل و المرأة، و هم على العموم من المنخرطين في الأحزاب السياسية و التنظيمات المدنية و من رجال و نساء التعليم و الطلبة و التجار و رجال الأعمال . و من هؤلاء أيضا المسلمون "العلمانيون" الذين يلتقون مع الفئة السابقة لكنهم يختلفون بأنهم لا يؤدون الشعائر الدينية كالصلاة و الصوم و يشربون الخمر و يعتبرون أنفسهم مسلمين لأنهم يؤمنون بوجود الله و بنبوة محمد و بالقرآن و بوجود حياة بعد الموت. ثم هناك المسلمون "الإسلاميون" و هم المنخرطون عمليا في تنظيمات الإسلام السياسي و الذين يتواجدون بدورهم في الفئات المذكورة آنفا، و يتميزون عن المسلمين السابقين بتبني إيديولوجيات و مذاهب دينية مستوردة من خارج المغرب كالوهابية، يربط بينها مبدأ الجمع بين الدين و السياسة و السعي إلى إعادة الدولة الدينية، و هم و إن كانوا يحاولون الظهور بمظهر الكثيري العدد إلا أنّ العديد من المناسبات التي يتعبأون فيها تظهرهم كأقلية منظمة، و خاصة منها الإنتخابات و المسيرات. ثم هناك المسلمون "المتصوفة" المنخرطون في مختلف الزوايا و الطرق الموجودة بالمغرب منذ قرون، ثم المسلمون "الشيعة" الذين لا يجدون بعد أي فضاء للتعبير العلني عن رأيهم و عقيدتهم، كما لا يسمح لهم مطلقا بممارسة شعائرهم بشكل ظاهر أو بالخوض في أي نقاش عقائدي مع المسلمين السنيين بالمغرب.
و بجانب هذه الفئات من المسلمين ثمة مسيحيون تقول إحصائيات غير رسمية أنهم 44 ألف و تقول أخرى أنهم لا يزيدون عن 35 ألفا، كما يذهب البعض إلى أنهم جاوزوا هذه الأرقام بكثير، و يبقى الرقم الصحيح غير ممكن معرفته بسبب انعدام الحريات و شيوع مناخ عدم التسامح الديني الذي تشجعه السياسة المتبعة من طرف الدولة. و تجذر الإشارة إلى أنّ عدد المغاربة الذين يغادرون الإسلام إلى المسيحية سواء داخل المغرب أو خارجه في تزايد مستمر.
ثم نجد اليهود المغاربة الذين يقال إنهم أربعة آلاف بقوا بالمغرب بعد هجرة أغلبية اليهود المغاربة ما بين فجر الإستقلال و منتصف الستينات، سواء إلى إسرائيل أو إلى البلدان الأوروبية و الأمريكية.
أما البهائيون فلا شك في وجود البعض منهم بالمغرب، أي بقايا معتنقي هذه الديانة بعد الحملة القمعية و التصفيات و المحاكمات التي تعرضوا لها بعد استقلال المغرب عام 1956.
ثم هناك المغاربة "العلمانيون" الذين لا يصنفون في إطار الأديان، و إنما يدخلون في خانة "غير المؤمنين" ، و يطلق عليهم في المرجعية السلفية "الكفار"، و هو مفهوم لم تعد له أية دلالة اليوم بعد تراجع الأنظمة الدينية و بروز فكرة المساواة على أساس المواطنة، و ليس الإنتماءات العرقية أو الدينية أو القبلية، و هم أيضا فئة من المتعذر تعدادهم بسبب غيات تنظيمات تجمعهم و انعدام الحريات و التسامح الديني.
هذه هي الخريطة التقريبية التي تبقى بحاجة إلى تدقيق بالأرقام، و بالإستقصاء الميداني و العلمي المحايد عندما يتيسر ذلك، و التي تخفيها السلطة و الإسلاميون بشعار "المغاربة كلهم مسلمون" ، أو بحديث الإسلاميين الأخرق عن "الأقلية المعزولة من المعتوهين" ، و هي خريطة تظهر بأن ما نحن بحاجة إليه اليوم ليس خلق الإنسجام القسري بإرهاب السلطة و التهديد بهياج العامة و الفئات الأمية، و إنما احترام حق كل واحد و حمايته، و حماية كلّ الأديان و المعتقدات، و تربية المجتمع على قيم التسامح ، ذلك أن من مبادئ الدولة الديمقراطية حقا حماية الحريات و التدبير المعقلن للإختلاف بناء على الإحترام المتبادل، و إذا كان بعض المسلمين لا يقبلون ذلك فلإنهم ببساطة لا يكنون أي احترام لغيرهم، و يطالبون رغم ذلك بأن يُحترموا في عقيدتهم، و تلك هي المفارقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - للصبر حدود
جهاد مدني ( 2009 / 10 / 7 - 23:15 )
السيد أحمد عصيب
أنت وضعت النقاط على الحروف
أشكرك جداً أنك عبرت عن مايموج من حراك أجتماعي بسبب تضارب المصالح المادية واختلاف وجهات النظر المعنوية
أضم صوتي لصوتك
سلام


2 - كشف المستور
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 10 / 8 - 00:16 )
السيد احمد عصيد اشكرك جزيل الشكر على خريطة المغرب الدينية التي وضعتها تحت المجهر فظهر مكونات الحقل الديني على حقيقتة وظهر بالملموس ان المغرب هو التعدد وان القول بالإجماع ليس سوى ديكتاتورية بلباس ديموقراطي
استاذ ان ما يهم السلطة من ترويج /فرض منظورها للحقل الديني هو الحفاظ على التوازن الضامن للسلم كحالة/مناخ مشجع على حسن التحكم والإستغلال

تحياتي الخالصة سيد عصيد/تانميرت ارغان


3 - المصيبة ليست في المغرب فقط
سناء ( 2009 / 10 / 8 - 08:18 )
المسلم يجول العالم وييدعوللإسلام معتبرا ذلك حقّه،أمّا عندما يأتي مسيحيّ ليبشّر بدينه فأنّه يقدّم للمحاكمة ويسجن ،كما حذث في الجزائر،ولا يكتفون بهذا بل يشنّون عليه حملاتهم المسعورة في المساجد ووسائل الإعلام.والغريب انّهم يرددّون دائما نغمة -لاإكراه في الدّين-كما لايكفّون عن الإشادة بسماحة الإسلام.هل هناك كذب ودجل ونفاق اكثر من هذا.


4 - الحرية ثم الحرية ثم الحرية
عبدالعزيز ( 2009 / 10 / 8 - 09:02 )
انا مع الحرية بكافة اشكالها- لا يهم من يتاسلم او يتنصر لو يُلحد
المهم لا نحجر على احد ولا نضايقه!
===
لقد قرات في موقع الشبكة الاسلامية عدد المتنصرين وصل 30 الف
http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=142589

اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس