الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانيّون في مواجهة التكفيريّين

عمار ديوب

2009 / 10 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شنّ التكفيريّون" الرابطة الشرعية والدعاة بالسودان" في الأسابيع المنصرمة، هجوماً بالسلاح الأبيض على حَفلٍ أقامه الحزب الشيوعي السوداني في منطقة الجريف، وحاولوا الاعتداء على بعض الحاضرين، ولم ينهاهم وازع عن توزيع بيان يكفرون فيه الحزب، ويصفون الشيوعيين بالمرتدين عن الملة والدين، فطعامهم لا يؤكل، وبناتهم لاتنكح، وأمواتهم لا يدفنون في مقابر المسلمين.. وكفى المؤمنين شر التكفير والقتال.
نفس المجموعة كفّرت سابقاً حسن الترابي، لأنّه عَمِل على إصدار فتاوى تفيد ب"إمامة المرأة، وجواز زواجها من الكتابي" وغيرها مما يتناقض مع ذهنية السلفيين والتكفيرين. وقِيل حينها لقد جنت يدا الترابي على نفسه، حينما صمت، والبعض يقول شارك بالفتوى ضد المفكر السوداني، محمود طه، وأدت إلى قتله، وبحضور جمهرة من المتأسليمن.
التكفيريون لا يفهمون من الدنيا، إلّا أنّ الناس صنفان مؤمن وغير مؤمن. والأدق: إمّا أنّ يتبعونهم، وبالتالي هم مناصرين لحزب الله، وإمّا أنّهم مرتدين وكافرين، يتبعون حزب الشيطان. وبالتالي هم ضد منظومة الحداثة برمتها، ضد قيم المواطنة والديموقراطية والفردية والعقل، وضمنا ضد الماركسية، لِما أُشيع عن معاداتها للدين، علماً أن مشروع الحداثة الليبرالي وبعده الماركسي، منهجياً هما ليسا ضد الدين- ويعتبرون الدين بمثابة عزاء للمصابين بالخصاصة الاجتماعية أو العاطفية ...- بل هما مع فصل سلطة رجال الدين عن الدولة، ومع نظامٍ علماني، ينسف دور رجال الدين، ويحوّلهم إلى أشخاص فاعلين في قضايا أرضية، بدلاً من الأعمال التي يكلفون أنفسهم بها باسم الله، ويرعبون الخليقة بفكرة الله، وأشكال العذاب وألوانه، وكأنّ الله، خريج إحدى الأجهزة الأمنية للأنظمة الديكتاتورية.
هؤلاء التكفيريون، هم كذلك، لأنّهم متخلفون معرفيّاً حتى عن علوم الحضارة العربيّة الإسلاميّة، عدا عن انفصامهم عن العلوم الحديثة. فالمتخلف معرفياً يؤوّل كل شيء بشكل رجعي، ولذلك يأتي التأويل التكفيري متجاوزاً النص الديني ذاته لصالح فتاوى ورؤى دينية، قاصرة وضيّقة ويغلب عليها الهوس العاطفي الديني بدلاً من التفكير العقلي الديني. لذلك فالتكفيريّون يكفّرون كل شيء، بما فيه طفولتهم وما قبل امتلاك تلك الرؤى الظلامية، ولو أخذنا فقط الآيات المتضمنة في بيانهم، لوجدناها كلّها تحيل إلى أنّ الله هو من يحاسب وليس هم، فلنتأمل" إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً"و" إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"، لاحظ هنا الذات الإلهية المُقدّمة، عدا عن الرسل، وبالطبع ليس المقصود بهم هنا هؤلاء التكفيريّون.
معظم الأحزاب السودانيّة، أصدرت بياناتها التنديديّة، بالحملة التكفيريّة، وهو مؤشر هام، على أهمية الحراك العلماني السوداني، وأقول هنا العلماني، انطلاقا من احترامهم حرية الآخر والدفاع عنه، ورفض الخلط بين السياسة والدين، أو رفض إعطاء التكفيريّون مكانة بين أهل السياسة أو في المجتمع السوداني. بروز الظاهرة الإرهابيّة التكفيريّة متأتٍ من سماح الدولة لها بذلك، فهي التي تغمض الطرف عنها، وكأنّها لا تراها، أو أنّها تبتغي منها أهداف سياسيّة محدّدة. أي أنّ الدولة السودانيّة كما العربيّة، لم تفهم بعد أنّ اللعب بورقة التكفير قد يؤدي إلى خلق صعوبات وأزمات تطال استقرار الدول، عدا عن الكلفة البشرية والقتل المجاني والعبثي.
ففي اليمن دعم النظام الظاهرة الحوثية، ونفس الأمر تم مع القاعدة، حين دعمتها السعودية سابقاً وذات الأمر يتم في أكثر من دولة عربية.
التكفيريون لا يوفرون أحد، وبالتالي على قوى المجتمع المعرفية والسياسية، رفض هذه الرؤية ومحاربتها نقدياً وإجتماعياً وسياسياً، وهذا الكلام، موجه إلى الإصلاحيين المسلمين قبل العلمانيين، فمع التكفيريين لا توجد تحالفات، فهم قتلة بكل معنى الكلمة، لو أتيح لهم ذلك، ولا يترددون عن القتل والتفجير في أية لحظة تعطى لهم الأوامر.
هل يمكن رفع الغطاء عنهم، هل يمكن كشف الداعمين لهم، هل يمكن التعرف على الأيدي التي تمدهم بالمال، هل يمكن معرفة تفاصيل علاقتهم مع الأنظمة، ربما سيكون ذلك ممكناً بعد سنوات، وعندها ستتكشف الخفايا السرية للتحالف المخيف بين الأنظمة العربيّة وبين تلك المجموعات الإرهابيّة.
ما يهمني جيداً هو التأكيد، وربما بعكس كثير من المحلّلين، أن القوى العلمانيّة في العالم العربي" من ليبراليّين وديموقراطيّين وقوميّين وماركسيّين ومستقليّن أحرار وغيرهم" أصبحوا قوّة فعليّة في المجتمعات العربيّة، وتجاوزا كثيراً من رؤاهم الأحاديّة أو فكرة الحقيقة المطلقة، وهم يحوزون على مكانةٍ إجتماعيةٍ ومعرفيةٍ تتقدّم باستمرار، وهذا بتأثير الحداثة على/ وفي العالم العربي سواء أكانت حداثة واعية أو حداثة بحكم التكوين الرأسمالي لهذه الدول وكذلك بتأثير الحركات السياسية العلمانيّة المعارضة. وبالتالي ما تم في القرنين الماضيين، ورغم كثير من أوجه التراجع والكلام المتزايد عن ثورة دينية محافظة عالمياً، فإنّ تأثير الحداثة صناعةً وفكراً وعلاقات إجتماعية وثورات علمية وثقافية وأنظمة مواطنية، لا يمكن أن يهتز أو يمحى أو يقلل من تأثيرها وتوهجها العالمي.
إذن، ورغم النبرة المرتفعة للظلاميين الحاملين سيف الله، فإنّ شكل حضورهم هذا بالذات، يعدّ تعبيراً عن الرغبة المجتمعيّة بلفظهم، لصالح مشروع إجتماعي جديد، يفصل بين الدين والسياسة و الدولة و العلم. مشروعاً علمانيّاً لا يعادي الدين، ولا يسمح بتسيّيسه، وينتقل بالمجتمعات العربيّة إلى فضاء الحداثة كمشروع كوني، متجاوزاً أزمات الحداثة العربية المتعددة الأوجه، وبما يؤدي إلى حداثة علمانيّة مفتوحة نحو تحقيق إنسانيّة الإنسان.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي