الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الرابطة الدينية هي أساس الوحدة بين المغاربة ؟

أحمد عصيد

2009 / 10 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الشعارات المرفوعة لتبرير إصرار السلطة على استعمال الدين الإسلامي في المجال السياسي، و الحفاظ عبر ذلك على أسسها التقليدية و عرقلة السير المطلوب نحو الدمقرطة و التحديث، القول إن "الإسلام هو ما يجمعنا"، و هذا معناه أننا مختلفون عرقيا و إثنيا و لغويا و لكن الإسلام يشكل الرابط الذي يجعلنا متوحدين في إطار وطني هو الدولة المغربية، و أننا في حالة غياب هذا اللحام المقدس ستتآكلنا الفتن و نقتل بعضنا بعضا و تشيع الفوضى فيما بيننا و تنهار الدولة بتقويض أساسها الديني. و الحقيقة أنه ليس هناك ما هو أكثر خطأ من هذا الزعم الذي لا يصدقه إلا الذين لهم مآرب في استعمال الدين في المجال السياسي، و التغطية على التناقضات الحقيقية و هضم حقوق الغير و الحفاظ على وضعية يطبعها غياب العدل و المساواة، و لنا على ذلك قرائن و أدلة نسوقها فيما يلي:
لقد بني هذا الزعم الكاذب على تأويل سياسي للتاريخ، قامت بموجبه الإيديولوجيا الرسمية بناء على الفكر الإنتقائي للحركة الوطنية بإخفاء الوقائع التي تدلّ على أن الصراع بين القبائل المغربية و المخزن المركزي لم تتوقف قط منذ بداية المرحلة الإسلامية من تاريخ المغرب، و أنّ المعارك الطاحنة و الصراعات الداخلية و العنف الدموي هو ما ميز العلاقات بين القبائل فيما بينها و كذا في علاقتها بالمخزن الذي قد تتقلص سلطته في بعض الأحيان لتشمل العاصمة و ما جاورها لا غير، و ذلك بسبب الظلم و طغيان الحكام و فسادهم و استبدادهم بالناس ، و لم تكن التحالفات التي يبرمها المخزن مع هذه القبائل أو تلك قائمة على أساس ديني، بل على أساس مصلحي يعتمد معيار التوازنات الداخلية و السيطرة على الموارد و المجالات الحيوية، و لم تكن القبائل الأمازيغية و لا حتى الكثير من القبائل الناطقة بالدارجة تعرف الإسلام على نحو ما نعرفه اليوم، بعد قيام الدولة الوطنية الحديثة التي أشاعت التعريب و الأسلمة على نطاق و اسع، لتوطيد دعائم هيمنتها و إخضاع الكل في إطار إيديولوجياها الرسمية، إيديولوجيا "العروبة و الإسلام". فما لاحظه الباحثون الفرنسيون الأوائل عند قدومهم إلى المغرب هو عدم اكتراث العديد من القبائل بإقامة الشعائر الدينية، و سوء معاملتهم للعلماء و "الطلبة" و رجال الدين كما كان عليه الأمر بصفة خاصة في الأطلس المتوسط مثلا، و هي حقائق اعتبرها منظرو الحركة الوطنية ادعاءات مغرضة و استعمارية لتبرير "تنصير الأمازيغ" و "التفرقة بين المغاربة"، غير أن التنصير المزعوم لم يحدث، كما أننا بعد الإستقلال لاحظنا استمرار بعض تلك الظواهر التي لاحظها الفرنسيون في العديد من المناطق القروية إلى أجل قريب، سواء لدى الذين اصطلح على تسميتهم "الشلوح" أو "العروبيا"، مما يدلّ على صحتها، بل نستطيع القول بدون تحفظ إنّ بعض المناطق القروية لم تتعرف على الإسلام في تفاصيل طقوسه التعبدية و شعائره إلا خلال السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي. حيث كانت تغطي على الإسلام السني تقاليد الجماعة و قيمها الروحية التي لبعضها جذور في عمق الثقافة الأصلية و الفكر الأسطوري الوثني القديم.
انطلاقا من المعطيات السالفة الذكر يتّضح بأن المغاربة و إن كانوا يعتبرون أنفسهم داخلين في إطار "الأمة الإسلامية"، و لهم انتماء روحي إلى الإسلام، إلا أنهم لم يكونوا يعتمدون الدين في تحالفاتهم أو في حروبهم مع بعضهم البعض، و إن كانوا يستعملونه كعامل تعبئة ضدّ الأجانب المسيحيين و من أجل "الجهاد" ضدّ الإحتلال الأجنبي، كما لم يكونوا بعتمدونه في تنظيم شؤونهم الدنيوية المحلية التي كانوا يلجؤون في معظمها إلى الأعراف باستثناء مجال الأحوال الشخصية. كما أن كونهم مسلمين لم يمنع قط من ااقتتالهم و تفرقهم عبر التاريخ الطويل، مما يكذب بشكل قاطع الزعم بأن الإسلام كان عامل التوحيد الذي يجمع دائما بين المغاربة.
2) بالإضافة إلى هذا لا ينبغي أن ننسى بأن العنصر اليهودي الذي هو أحد مكونات التركيبة السكانية للمغرب منذ 2500 سنة، كان عنصرا منسجما مع باقي المكونات رغم اختلاف الدين، كان اليهود يقومون بتمويل "الجهاد" ضدّ الأجانب من البرتغال و الإسبان، و كان الدافع إلى ذلك العامل الوطني و حماية الدولة لهم و ليس الدين الإسلامي.
3) و من جهة ثالثة فقد ظل العثمانيون على البوابة الشرقية يحاولون اقتحام المغرب لقرون طويلة، و كانوا مسلمين بل يمثلون الخلافة الإسلامية الجامعة "للأمة"، و كان المغاربة يحاربونهم رغم وحدة الدين، و كان العامل الكامن وراء هذه المقاومة هو عامل الإنتماء إلى الوطنية المغربية التي تتحدد قبل كل شيء بالأرض و ليس بالعقيدة أو اللون أو العرق.
4) من جانب آخر فكما أوضحنا في مقال سابق ليس المغاربة في واقع حياتهم على دين واحد أوحد، و لا على نمط واحد من التدين حتى يكون الدين عامل توحيد لهم، فثمة مسلمون سنيون فيهم العلماني و الإسلامي، و فيهم الممارس للشعائر و فيهم المقاطع لكل ممارسة دينية، و ثمة الشيعي و ثمة اليهودي وهناك المسيحي ثم هناك غير المؤمن أصلا. هذا التنوع يجعل من غير الممكن أن يكون الدين عامل التوحيد الأقوى بين المغاربة بل على العكس تماما، فبسبب تعدد أنماط التدين الإسلامي و الإفراط في تسييس المعتقد ، أصبح الدين من أكبر عوامل تهديد الإستقرار و السلم الإجتماعي و التماسك الأسري .
5) أن الرابطة الدينية لا تشمل المغاربة فقط، بل تتعداهم إلى بلدان أخرى إسلامية قد تقع في قارة أخرى، و الملاحظ أنه في أحيان عديدة، و بسبب فورة العاطفة الدينية، تكون الرابطة الدينية بين المواطن المغربي و الأجنبي أقوى، كما يكون الحنين و التمسك بأرض أخرى أقوى من الإرتباط بأرض الوطن، و هم ما يساهم بشكل كبير في إضعاف الروح الوطنية، و قد عبّر عن هذه الإشكالية زعيم الإخوان المسلمين في مصر مرّة و هو في معرض الرد على العلمانيين و الأقباط المطالبين بالمساواة على قاعدة المواطنة قائلا : " طززز في مصر ! " و المغربي الذي يتلهف على الموت من أجل فلسطين أو العراق، و الذي لا نكاد نجد لديه أبسط استعداد للموت من أجل وطنه يعبر بدوره بوضوح عن مشكلة الرابطة الدينية التي تتجاوز الإطار الوطني .
6) أنّ معنى "المواطنة" يتعارض كليا مع فكرة الرابطة الدينية ، و لهذا لا تسمح هذه الأخيرة بتحقق المواطنة و استيعابها من طرف المغاربة ما دامت السياسة المتبعة تصرّ على اعتبارهم جماعة من "المؤمنين" المتجانسي الديانة بشكل مطلق، لأن المواطنة إنما تقوم على مبدإ المساواة بين الأفراد بوصفهم مواطنين بغض النظر عن دينهم أو أصولهم العرقية أو سماتهم البيولوجية، كما أنّ الولاء للدولة و الخضوع لها لا يتم عبر وساطة السماء و لا برعاية دين معين، بل يتخذ صيغة الخضوع للقانون و المساواة أمامه.
لم يستطع الإسلام إذا أن يوحد المغاربة كما لم يكن عامل تفرقة فيما بينهم، و إنما تعود الوحدة و الفرقة إلى عوامل تتجاوز العقيدة، و الصورة التي تقدم حاليا لمغرب موحد بناء على الدين الإسلامي، و التي يتمّ إسقاطها على الماضي عبر التأويل و الإنتقاء و إخفاء الوقائع و الحقائق، هي صورة حديثة تعود إلى سياق مخالف تماما لما عرفه المغاربة عبر تاريخهم.
إنّ ما يوحّد المغاربة اليوم هو نفسه الشعور الذي وحّدهم ضدّ العثمانيين المسلمين لخمسة قرون، و ضدّ الجزائريين المسلمين في بداية الإستقلال و إلى اليوم في قضية الصّحراء، الشعور الوطني الأصلي الذي يسمو فوق الأديان و العقائد، و الذي تشكّل تاريخيا و بالتدريج عبر الشعور بالإنتماء المشترك إلى الإطار الجيو ـ سياسي المتعارف عليه بـ"مراكش" قديما و الذي سمّي بالمغرب حاليا، ينضاف إلى ذلك عامل الإستقرار الذي تحقق بتجريد القبائل من سلاحها من طرف الجيوش الإستعمارية في إطار معاهدة الحماية التي وقعها سلطان المغرب سنة 1912، و هي اتفاقية تقضي بتطويع القبائل المتمردة (التي كانت تمثل الأغلبية الساحقة من القبائل) لصالح الحكم المركزي، و هي الوضعية التي سمحت بتثبيت أسس الدولة الوطنية المركزية ، و بتفكيك البنيات السوسيوثقافية للجهات و للقبائل و الإستحواذ على مصادر الثروة و مراكز النفوذ، مما أدّى إلى الهجرة الكثيفة من البوادي إلى المدن و إلى التمازج السكاني و التثاقف الذي قوّى الوحدة دون أن يوقف كليا عوامل الفرقة و الصراعات الداخلية، التي سرعان ما اندلعت بعد الإستقلال لنفس الأسباب القديمة : شيوع الظلم و الإستبداد و اللامساواة و سوء توزيع الثروة و فساد السلطة إلخ..، و هي عوامل لا يمكن لأية عقيدة في العالم مهما كانت قوتها أن تغطي عليها أو تخفيها، ألم يقتتل الصحابة أنفسهم قتالا شديدا بعد وفاة الرسول لنفس الأسباب، حبّ السلطة و المال و العصبية ؟
إن أساس الوحدة الوطنية بين المغاربة هو انتماؤهم إلى الأرض المغربية و إلى الشعور المشترك بالوطن، فـ"الدين لله و الوطن للجميع"، و إن اخنلفوا في الأديان و الأعراق و الألوان و اللغات، و لن يحافظوا على وحدتهم أبدا باستعمال دين أو عرق أو لغة ، و إنما تتقوى الوحدة السياسية و التماسك الإجتماعي بالعدل و المساواة، فهما رمز الإستقرار و ليس أي دين من الأديان، و هذا ما لمسه العالم المغربي الأمازيغي الحسَن اليوسي قبل ثلاثة قرون عندما كتب: "إن العدل يدوم به الملك و لو مع الكفر" .
إن التركيز على الدين عامة و على التدين الصّوفي الطرقي مؤخرا، باعتباره الرابط الجامع بين المغاربة هو من أجل إخفاء جميع مظاهر الظلم الإجتماعي و السياسي و الميز الثقافي تحت غطاء التجانس العقدي المطلق، و التنفيس عن مشاعر السخط بإشاعة نمط التدين الذي له صلة بكل وسائل التخدير و العزاء القديمة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأرض/الوطن اساس الهوية المشتركة
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 10 / 9 - 22:51 )
السيد عصيد اشكرك مرة اخرى والف مرة على هدا المقال الكاشف لأوهام الفكر الزائف
فعلا لا يمكن للدين ان يحل محل الأرض في بناء الهوية الوطنية لأنه عنصر غير قار:المغاربة اعتنقوا ديانات البحر الأبيض المتوسط= وكانت اكبر الهتهم هي الإلهة -تانيت-بقرطاج= تم اعتنقوا اليهودية والمسيحية فالإسلام وهكدا فالأرض/الوطن ثابتة والدين متغير فلا يمكن لمتغير ان يشكل قاعدة للهوية
تحياتي الخالصة


2 - أجب يا عصيد..إن كان لديك جواب
ابراهيم ( 2013 / 5 / 2 - 15:54 )
إذا كان الدين ليس هو أساس الرابطة التي توحد المغاربة،فما هي الرابطة إذن؟ الأرض؟هل تعي فعلا ما تقول يا عصيد أم أنك تهذي بتحليل سخيف لا يراعي حقيقة الأوضاع في المغرب؟لو كانت الأرض هي الرابطة الوحيدة بين المغاربة لما فرح المغاربة بأي استقرار.النسيج الاجتماعي والعرقي المغربي يشبه الفسيفساء:عرب وأمازيغ وصحراويين، والأمازيغ أنفسهم ملل ونحل (ريافة وشلوح وسواسة)،وأنت تتغاضى عن هذه التركيبة الاجتماعية التي لم يوحدها إلا الدين الإسلامي وتسوق لنا ترهات لا علاقة لها بحقيقة الأمور.هناك حقيقة يعرفها العالم والجاهل في المغرب،وهي أن الدين الإسلامي وحد المغاربة وضمن لهم الاستقرار والتعايش، لكنها حقيقة تغيب عنك أنت وتغيب أنت عنها.وتلك مسألة قصور فكري وتطفل صبياني على تحليل أمور تتجاوزك.سؤال يا عصيد:إذا كنت قد جاهرت مرات عديدة بأن العرب عنصريون،واللغة العربية متخلفة،والإسلام دين متحجر،والعرب المشارقة بَدْوٌ،فلماذا تعيش في بلد لغته الرسمية العربية، ودينه الرسمي الإسلام،وعمقه الحضاري والتاريخي هو المشرق العربي؟لماذا لا تحمل حقائبك بكل بساطة وتخرج من بلد ليس على هواك؟أجب يا عصيد إن كان لديك جواب

اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس