الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمامة والخلافة في عقائد السنة والشيعة

تنزيه العقيلي

2009 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


موقف السنة والشيعة من الإمامة والخلافة ومبررات كل منهما
كما ثبتنا في أكثر من موقع في هذا الكتاب إن النبوة من الممكنات العقلية، فلا هي ضرورة من ضرورات العقل، ولا هي من ممتنعاته، وبينت النظرية التي أتبناها في التفكيك بين الدين والإيمان، أي بين النقلي والعقلي، بين (الوحي) كممكن مفترض، والفلسفة كبحث عقلي متحرر من النص، كما بينت أن الإيمان العقلي هو الأقرب إلى عقيدة التنزيه (ذروة التوحيد) من الإيمان الديني، ما لم يجر جهد تأويلي استثنائي للنص، من أجل المقاربة بينه وبين العقل.



وإذا كانت النبوة ممكنا عقليا، فما يتفرع عنها من إمامة أو خلافة؛ إمامة معصومة، منصوبة إلهيا، منصوص عليها نصا نبويا، يمتنع عقلا، مع فرض تحقق النبوة، أن يكون صادرا عن هوى، إنما هو وحي يوحى، بوحي عبر الملك المكلف به عن الله، أو باستيحاء نبوي ذاتي منسجم بالضرورة العقلية مع روح الوحي الإلهي، أو من خلافة للنبوة راشدة، ومتقية، ومستقيمة على خط النبوة؛ ما يتفرع عن النبوة المفترضة يكون من قبيل الأولى ممكنا عقليا، وهو ممكن أيضا مع تحقق النبوة، لأن أيا منهما ليس من لوازم النبوة، كما ذهب إليه جل أهل الإمامة، وجل أهل الخلافة، فالممكن هو ما يساوى فيه التحقق وعدمه، لأن الممكن العقلي بالضرورة بيس واجبا عليا، كما هو ليس ممتنعا عقليا.



فالشيعة محقون، مع فرض تحقق النبوة، وثبوت النصوص القائلة بالإمامة، لتواترها التي يجعل عدم تحقق الإمامة من ممتنعات الإسلام، ولا نقول من ممتنعات العقل. والسنة محقون، إذا ما استبعدنا النص، واعتمدنا العقل في رفض مقولة الشيعة في كون الإمامة ضرورة عقلية ملازمة تلازما حتميا للنبوة، وإن كان السنة أكثر اعتمادا على النقل منهم على العقل، وأشد تشددا من الشيعة في تقديم النقل على العقل. ولكن هذا لا يعني أن السنة لا يستخدمون أدوات العقل وإدراكاته الأولية، وكما لا يعني أن الشيعة، ولا حتى المعزلة الأكثر توسعا في اعتماد العقل من الشيعة، قد أفلحوا بالضرورة ودائما في تأصيل مرجعية العقل، بل وضعوا هم أيضا للعقل ثمة ضوء أحمر هنا أو هناك، يقف عنده، أو يقوم بعطف سيره من المنهج العقلي إلى المنهج التبريري، خشية أن تكون مواصلة السير في الطريق السريع للمنهج العقلي يودي بهم إلى هاوية وادي الشك، عند اكتشاف ثمة تعارض لثمة ضرورات دينية مع ثمة ضرورات عقلية.



النص والاجتهاد
على ضوء ما تقدم، فمع فرض النبوة، لا بد من العصمة، ومع فرض العصمة، لا بد من أن يكون الاجتهاد مقابل النص غير جائز، إلا إذا كانت هناك قاعدة أسسها المعصوم نفسه، أو أقرها الوحي الذي بلغ عنه، تؤسس لتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والظروف والحيثيات. لكن من غير ذلك يكون الاجتهاد مقابل النص مشروعا فقط، مع فرض بشرية الدعوة، وبالتالي عدم عصمة المؤسس. من هنا فمن اجتهد وعمل باجتهاده مخالفا لنص صادر عن النبي المعصوم، فلربما لأنه كان يساوره شك في صدق دعوى النبوة، أي انتساب الدعوة والرسالة إلى الله، واستمدادها منه جل وعلا. ولعل هؤلاء ممن يشكل عليهم الشيعة اجتهادهم في مقابل النص، كانوا قد بدأوا صادقين في تصديقهم النبي بدعوى النبوة، ولكن ومع المعايشة لعقدين من الزمن، وعبر التأمل وتراكم الملاحظات المثيرة للشك، انبعثت لديهم الشكوك، ولعلها كانت شكوكا مشروعة. وعلى ضوء شكوكهم هذه تصرفوا، دون الجرأة على الإفصاح عنها، أو لعله دون امتلاك الشجاعة حتى عند الخلوة بأنفسهم بالسماح لهذه الشكوك أن تطفو من عمق العقل الباطني في عالم اللاوعي، إلى سطح العقل الواعي، أو المُوَعّى.



الشفاعة
هذه القضية ككل القضايا التي ناقشناها ونناقشها في هذا الكتاب، تناقش في ضوء العقل المجرد، وبحيادية دينية ومذهبية. بناءً على ذلك نقول، إن الله سبحانه وتعالى من حيث المبدأ، وبرحمته التي هي من لوازم كماله العام، ومن اللوازم الخاصة لعدله، لا يحتاج إلى شفيع، أو وسيط يتشفع، ويتوسط لإنسان، كي يغفر الله له ويرحمه، لأن من يريد الله أن يرحمه، سيرحمه من غير شفيع، ومع فرض أن الشفيع قد تشفع لمن لا يستحق رحمة الله، فلن تنفعه شفاعة ذلك الشفيع. هذا يؤدي إلى القول بأن الشفاعة ليست من الواجبات العقلية، لكن هل يعني ذلك إنها ممتنعة عقلا؟ الجواب بلا شك هو النفي أيضا، وتعليله إن الله لا لحاجته للشفاعة، ولكن قد يجعل الشفاعة لاعتبارات أخرى من اعتبارات الحكمة والرحمة، لو شاء أن يُكرِّم قسما من عباده تكريما خاصا، فيمنحهم صلاحية الشفاعة في غيرهم من المذنبين، أو المقصرين، أو المخطئين، ومن أجل فتح باب إضافية من أبواب وأسباب رحمة الله لعباده. لكننا نرى هنا أيضا، وبسبب التعصب الديني، أو المذهبي، أو الاجتهادي، إفراطا وتفريطا، فذهب قوم مؤمنون بالله وبالدين يرفضون الشفاعة كليا، بالرغم من ورودها في كتابهم الذي يؤمنون به وحيا من الله، لا لشيء، إلا لأن الشفاعة أصبحت شعارا من شعارات فرقة من دينهم هم على خلاف معها. بينما نرى هؤلاء من جانبهم قد وسعوا الشفاعة على أقل تقدير في إطار العقيدة الشعبية، حتى جعلوها لكل مذنب أو مجرم أو ظالم، بمجرد أنه أحب الشفعاء، ووالاهم ولاءً عاطفيا محضا، وبكى لأحزانهم ومصائبهم، فهو يستحق بذلك الشفاعة، مهما بلغت ذنوبه. أقول ربما يكون هذا الفهم للشفاعة مقبولا، إذا اقتصرت الذنوب المُشفَّع في غفرانها على تلك الذنوب ذات البعد الشخصي المحض، ولا أثر لها على أشخاص آخرين، بما يسيء إلى حقوقهم وكراماتهم، فالله أساسا يغفر برحمته تلك الذنوب، إذا تحلى صاحبها بالبعد الإنساني في سلوكه وتعامله مع الناس، وما الشفاعة عندها إلا سببا من أسباب الرحمة والمغفرة، تكريما للشفيع، ورحمة بالمشفوع له، لا لحاجة من الله لذلك، بل رحمة وكرما منه.



إذن تبقى الشفاعة ممكنا من ممكنات العقل، فلا هي واجب، ولا ممتنع عقليا، فإن ثبتت، فلا بد من أن تفهم بطريقة صحيحة، بأنها من جهة تكريم للشفعاء، ومن جهة رحمة بالمشفوع لهم، وبالتأكيد إن الشفعاء إذا ما أذن لهم الله بالشفاعة، وحيث ستتكشف لهم الحجب التي كانت في عالم الدنيا، فلا يشفعون إلا فيمن يريد الله أن يشفعوا له. وإذا لم تثبت الشفاعة، فلا يخل ذلك لا برحمة الله، ولا بكرامة من افتُرضت لهم الشفاعة، إن استحقوها، ولا برجاء المذنب والمقصر في رحمة وعفو الله، إلا من استحق غضبه تعالى، لشدة ظلمه لعباد الله، وارتكابه للجرائم البشعة، وتجرده عن إنسانيته، إلا ما كان جبرا، لا اختيارا منه، فيمتنع على عدل الله معاقبة المُجبَر على ما كان مُجبَرا عليه، كما لو تصورنا مجنونا فاقدا لعقله ارتكب جريمة من غير أن يعي أنها جريمة، أو أي مرتبة من مراتب الجبر، وبقدرها، وسيكون لنا بحث في الجبر والاختيار، وعلاقتهما بالعدل الإلهي.



طلب الحوائج من الشخصيات المقدسة أو عبادتها
اعتاد كثير من المتدينين، من مختلف الأديان والمذاهب، أن يطلبوا قضاء حاجاتهم، وحل مشاكلهم من الشخصيات الدينية المقدسة لديهم، فالمسيحيون يطلبون حوائجهم من مريم، وبعض الشيعة من أئمة أهل البيت، وبعض السنة من الأولياء الصالحين، لاسيما أئمة الطرق الصوفية. وطلب الحاجة من هؤلاء، رغم مقامهم الكبير المفترض عند الله، لا يمكن أن يقبله عاقل مستقيم العقيدة. من الممكن أن نفهم الدعاء إلى الله سبحانه، وطلب قضاء الحاجة منه، بحق هؤلاء، لما لهم من منزلة، ومقام، وشرف، وجاه، ووجاهة، ولعله شفاعة عنده. والله قد يستجيب للمؤمنين البسطاء على قدر نياتهم، حتى لو كان دعاؤهم مخالفا لعقيدة التوحيد، ولكن لا بد من تقرير بطلان هذا الفعل والاعتقاد من حيث المبدأ، طبعا هذا مع فرض صدق تحقق الممكن العقلي المسمى بالنبوة، أما إذا ثبت، كما ثبت لي بعد طول تمحيص، عدم تحقق النبوة والوحي أصلا، فيكون بطبيعة الحال كل ما يتعلق بها سالبا بانتفاء الموضوع.



كتبت في وقت سابق

روجعت في 10/10/2009









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النبوه والامامه تؤمان
سعد الخير ( 2009 / 10 / 11 - 20:51 )
سألني ابني الطفل انذاك لماذا يبعث الله هذا العدد من الانبياء وهويعلم ان الاتباع سيختلفون ويقتتلون من بعدهم قلت له ان كان الله قد بعث اصلا احد الى هذا الكوكب البائس وبعدها سالت نفسي ان كان محمد نبي مرسل كيف ترك الامه بدون خليفة لتقتتل الى يومنا هذا بسبب هذا الموضوع العقيم والجواب ان كان محمد نبي اصلا فلابد ان يكون له خليفه والاقرب هنا كلام الشيعه القائل بأمامة علي بن ابي طالب ولكني اقول من الاصل هل كان محمد نبيا هنا اعود لاتفق مع الكاتب في سطريه الاخيرين ان النبوة غير ثابته فيصبح الحديث عن الامامه محض هراء


2 - حديث ذو شجون والحقيقة تقول مع المعذرة!!!!!
باحث عن الحقيقة ( 2009 / 10 / 12 - 07:18 )
ان الاعمال التي قام بها الخلفاء الثلاثة بعد النبي تدل بوضوح على انهم غير مقتنعين بان محمدا رسول من عند الله وكان الدافع على تظاهرم بالاسلام هو حب السيطرة.لعل قائل يقول لماذا مدحهم القرآن اذا؟؟. الجواب ان مدحهم مشروط بالوفاء بعهودهم.لو كان عمر يؤمن بالقرآن بانه من عند الله هل يحق له ابطال حكم شرعه الله وهو سهم المؤلفة قلوبهم.وماذا عن عثمان عندما طالبوه الثوار بان يتنازل عن الخلافة ذرءا للفتنه؟؟. جاوبهم بان الخلافة قميص البسه الله اليه ونسي ان انتخابه كان من الستة الذين رشحهم عمر. ماذا يعني هذا ايها المؤمنون؟؟؟

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي