الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(عقيدة الثالوث)

جنبلاط الغرابي

2009 / 10 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقترن عقيدة الثالوث في مجالات كثيرة نتعاطى معها في حياتنا الطبيعية او افكارنا المكتسبة والمتوارثة,حيث نرى الرقم ثلاثة يجتاح الفكر الاجتماعي والعلمي في ميادين عديدة,لدرجة ثبوته في مراكز الانطلاق الفكري لجملة من النظريات الفكرية والاتجاهات الدينية.وفي الواقع ان الوقوف على علة صدور هذه القضية ليس سهل المنال اذا اردنا تشخيصه او تحليل الاساس الذي بُني عليه,والسبب في ذلك العمق التاريخي الذي لا يخضع الى التجربة.فلو تدبرنا في التراث الاجتماعي الديني اخص بذلك السومري والبابلي والاشوري,لوجدنا فكرة الثالوث الالهي تسيطر على الاذهان بنحو عقائدي,وسوف نرى الديانات التي اجتاحت هذه المناطق تقدس هذا التوجه من خلال الايمان بثلاثة الهة.والامر الغريب الذي يثير التساؤل في هذا المجال,هو,لماذا الرقم ثلاثة دون غيره؟.نشير الى ان هناك جملة من الدراسات عُقدت من اجل الخوض في مجال الارقام وعلاقتها بالاعتقادات القديمة الا انها لم تخرج بنتيجة يقينية تستوفي المطلب العلمي المطروح,اذ اننا لو تتبعنا الحلقات الاستقرائية للتراث وترابطها فيما بينها سوف نجد المناهج الاعتقادية تخلو من التصريح بالدوافع الحقيقية التي دعتهم الى هذا التوجه او الاسباب التي خلقت هذا الاعتقاد.لذا بقي هذا الاتجاه مبهماً ومؤدلجاً بأفكار جعلت الكثير يرى فيه الحقيقة السماوية كما هو الحال في المسيحية,فبعدما هيمنت هذه العقيدة وانتشرت في البلدان القريبة بدأت في اكتساح الديانات المجاورة لتصبح عقيدة صميمية داخل الفكر الديني,وما يزال الكثير الى يومنا هذا يدافع عنها ويضيف اليها بعداً اخر مستوحى من التراث,وهو,موت الاله وقيامه من بين الاموات بعد ثلاثة ايام,كما هو الحال للاله السومري( دموزي) والاله البابلي (البعل).وانا ارى ان الفكرة برمتها انبثقت من ارض الرافدين,كوننا لا نجد اية عقيدة تسبقها في هذا الاتجاه بما فيها الفرعونية,والامر الاخر هو السبق في التفوق الحضاري الذي دعى الثقافات المجاورة ان تقتبس وتحمل الافكار السومرية على محمل اليقين,ومنها اليونانية,والفينيقية,والرومانية التي التزمت بهذه العقيدة كأساس ديني,واضافت اليها الاساطير والقصص الخيالية والطقوس,حيث تقام الاحتفالات في العهود السابقة لاجل الاله المقتول ادونيس الفينيقي,الذي هو دموزي عند السومريين,وتموز عند البابليين,وديونيسيس عند اليونانيين واتيس عند الحيثيين,وميثرا عند الهنود والفرس.وهذه الاحتفالات يُسمع فيها صوت القيثارات ويسير الناس مرتدين اجمل الالبسة حاملين تمثال الاله الى ان يتم وضعه وبجانبه فراش عليه صورة الزهرة الباكية,وعند غياب الشمس ينتهي الاحتفال بوضع التمثال الذي يرمز الى الجثة داخل القبر وتبدأ النساء بقص شعرهن حزناً عليه.وهكذا فقد كانت الاساطير تُحمل في اذهان الناس على محمل اليقين الذي لا يرافقه شك,والسبب في ذلك التعمق العاطفي البعيد عن المنهج العقلي في تقصي الحقائق,والخضوع للاوهام التي تُخلق لاي سبب يجلب الخوف,لذا كان من السهولة لها ان تنتشر وتُلاقى بالتصديق لتصبح عقيدة دينية شاملة لاغلب المجتمعات...





بعض من عقائد الثالوث في الاديان القديمة....


الثالوث السومري,اله القمر,سيد السموات,اله الشمس.الثالوث البابلي,انو,نواح,بيل.ثالوث بابلي اخر,سين,ساماس,بين.الثالوث الفينيقي,ايل,عشتار,بعل.ثالوث فينيقي اخر,اوران,ملك,توت.الثالوث اليوناني,زيوس,اثينا,ابولو.الثالوث الهندوسي,براهما,فشنو,شيفا,الثالوث المصري,حورس,ايزيس,اوزيريس.الثالوث العربي في الجاهلية,مناة,اللات,العزى.الثالوث المسيحي,الاب,الابن,الروح القدس










قراءة وتحليل


يسيطر العمق التاريخي على عدم امكانية التحديد الزمني لظهور عقيدة الثالوث,الا اننا لاحظنا اقترانها بالاديان في الاعم الاغلب.وفي الواقع ان هذا الاقتران لا يمكنه ان يدلل على ان الدين هو المنشأ الحقيقي لهذا الاعتقاد,فلا توجد اية رابطة بينه وهذا الاخير من الناحية السماوية,ولابد من حصول حدث او فكر اجتماعي خاص ادى الى ذهاب هذا الاعتقاد نحو الدين وامتزاجه معه ليشكل قالباً فكرياً واحداً.لذا نذهب بأن عقيدة الثالوث رؤية اجتماعية قبل ان تكون دينية,و يشكل دخولها على الدين امر طارئ.وان انطلاق هذا التكوين الفكري كان من المعطى الخارجي للحياة الطبيعية انذاك,فأن الانسان ليس حراً في تصميم افكاره كما يتصور البعض,بل ان جميع الافكار الانسانية تشكل نتيجة متصلة بالواقع الموضوعي,وكل ما يتبادر من فكر في ذهن الانسان ما هو الا ردود فعل مشروطة بما ينتج في الخارج من احداث وصور,فضلاً عن الانطباع الماخوذ من التراث,هذا الذي ادى الى استمرارية الخنوع والتصديق بكثير من الميول والتوجهات سواء كانت خرافية ام متناقضة مع حقيقة ثابتة بصورة علمية.وحيث ان الحياة البدائية البسيطة كانت تفتقر الى سبل اليقين المعرفي المتمثلة بالمنطق والمبادئ العقلية الثابتة فليس بغريب علينا ان نراهم يعبدون جملة من الالهة منهم الاناث والذكور والاولاد ويصيغون لهم اشكال وسمات وقصص تتكلم عن حياتهم وكيفية وصولهم الى منصة الحكم السماوي.فقد اعتادت عقلية البدائي على تشبيه الخالق بالمخلوق وذلك من خلال الانطباع المستوحى من الحياة وقوانين المجتمع,فكان الايمان بإله واحد بعيداً عن متناول الفكر والتصديق,لان البدائي ينطلق من الارض الى السماء وليس بالعكس,وهكذا فلم تكن له اية قابلية تتحمل للركون الى الافكار السماوية,فراح يستقبلها ويصيغ لها مفهوماً ارضياً من خلال توجهات ذهنه الذاتية,وراح يضع كل ما يقع على الانسان في الحياة الطبيعة من تعب وجهد وعمل كصفة ذاتية للخالق,لذا نجد الديانات القديمة لاتخلو الهتها من صفات الانسان,كالزواج,وتكوين الاسرة,وكيفية التطور والرُقي,والتحول من حال الى حال,هذا بالاضافة الى الصراعات,والتباين في القوة,والوظيفة.وقد كان موضوع توزيع الوظائف بين الالهة من اكثر الافكار انتشاراً,حيث ان الانسان لا يرى القدرة في نفسه على عمل خمسة او عشرة اعمال في ان واحد,هذا الذي جعله لا يستوعب فكرة الاله الذي يدير كل هذه الامور بقدرة واحدة,فذهب الى تكوين فكرة تستوعب مدركاته الارضية,وهي,جعل سلسلة كاملة من الالهة كل منها يقوم بوظيفة خاصة,وهذا الاخير هو المؤسس الرئيسي لفكرة تعدد الالهة وعدم الاقتناع بفكرة الاله الواحد.ومن خلال الانطلاق من الافكار الاجتماعية وضع الانسان فكرة الثالوث او عقيدة الالهة الثلاثة.واذا تمعنا بهذا الاعتقاد فسوف نجده في الاعم الاغلب يتكون من اب,وام,وابن,وهذه الطريقة برمتها لم تكن الا محاكاة للواقع,حيث تظهر وبوضوح قرباً فكرياً يستوعبه الانسان البدائي.فأنه لم يرى اية فروق بينه وبين الخالق سوى مساحة القدرة التي يكون بوسع اي انسان ان ينالها ويصبح الهاً,كما هو الحال بالنسبة للملكة سميراميس,فبعدما كانت تُصنف على انها مجرد ملكة للدولة الاشورية اصبحت الهاً يعبد وتصاغ اليها القصص والاساطير.اما الجهة الاخرى التي شاركت في تأسيس عقيدة الثالوث وكانت بمثابة المصادقة العقلية,هي الرؤية المادية للسماء والقمر والشمس,وملاحظة مظاهرها التي كانت تشكل مصدر خشية واستغراب لدى الانسان من خلال الحركة البائنة بالنسبة اليه,او من خلال الرعد والمطر الذي يتصوره البدائي غضباً الهياً صادراً عن الشمس والقمر او السماء,فذهب الى تقديس وعبادة هذه المظاهر لاحتواء غضبها وللتقرب اليها.وقد يكون الثالوث السومري خير دليل على ما ذهبنا اليه حيث نلاحظ اجتماع الشمس والقمر والسموات فيه,علماً ان العقائد الاخرى طورت هذا المذهب واستبدلت شخوصه التقليدية بمفاهيم اخرى كما هو الحال في الثالوث البابلي,فأنو يمثل المادة,وبيل يمثل القدرة المنظمة,ونواح يمثل الادراك,والثالوث البابلي الاخر,سين يمثل القمر وساماس الشمس وبين الهواء.وحقيقة هذا الاستبدال لم تكن الا بسبب اختلاف المعارف والظروف الموضوعية التي احاطت بالمجتمعات,لذا نجد وقوع استمرارية التغيير في الالهة من ناحية الاسماء ومن ناحية الوظيفة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخضاع والخضوع
ايهم رستم ( 2009 / 10 / 12 - 07:34 )
ان ابرز الفروق بين عقيدة التوحيد وعقائد الثالوث هي السمة البارزة لتدخل عقل الانسان بشكل واضح في عقيدة الثالوث واخضاعه للعقيدة لتتناسب مع اعتقاداته الوثنية السابقة . كما تبرز بصمته في اختراع عقيدة الثالوث لتتوائم مع مصالحه الاجتماعية والروحانية وحتى الاقتصادية والسياسية
وعلى عكس ذلك تماما فان عقيدة التوحيد تعني تماما الخضوع للخالق عز وجل بالامتثال لجميع اوامره والامتناع عن جميع نواهيه حتى لوكانت في صميم مصلحة الانسان وتدر عليه الربح الوفير


2 - شكرا لله
عيساوي ( 2009 / 10 / 12 - 08:06 )
-16 الذي (الله) في الاجيال الماضية ترك جميع الامم يسلكون في طرقهم.17 مع انه لم يترك نفسه بلا شاهد وهو يفعل خيرا يعطينا من السماء امطارا وازمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسرورا.-
في اعمال الرسل والاصحاح الرابع عشر.

الله لم يترك نفسه بلا شاهد، مع ان الناس قد زاغوا وفعلوا الامور حسب فكرهم وطريقتهم هم، لكن الكل شهوداً على ان الله هو نفسه ام واليوم والى الابد.

كل الامم والشعوب المذكورة هنا او التي اُغفل عنها تشهد بان الله حق وحقيقي.

تقرأ في سفر الجامعة والاصحاح الثالث: 11 صنع الكل حسنا في وقته وايضا جعل الابدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الانسان العمل الذي يعمله الله من البداية الى النهاية.

الله اعلن نفسه لبني آدم، للانسان، ومنذ اول يوم، وبقي معه وسيبقى معها الى اليوم الاخير.
هذه -الثلاثة- هي مع الانسان منذ اول يوم، من اول ايمان. لكن عدو الله -ابليس- يحاول دائما ونجح وينجح كثيرا ان يزيغ بصر الانسان وأن يعمي بصيرته وان يسرق ايمانه ويسرق البذرة التي زرعها الله في قلب الانسان، كل انسان، وهذا الانسان دائما ودائما يستمع ويستجيب لهذا الابليس فيبتعد عن خالقه وعامله الذي اعطاه هذا العقل الذي نفكر به اليوم ونحيد بفكرنا عنه ونأتي بأفكار ونؤمن بافكار ونقنع نفسها ب


3 - نعمة الهية
حسين عبدالله نورالدين ( 2009 / 10 / 12 - 08:45 )
الايمان بالثالوث الاقدس نعمة الهية لا يستطيع الحصول عليها اي انسان بدون عناية من الله. وهذا الايمان هبة ربانية لا يتمكن منها اي شخص بقدراته الذاتية. اما ما ياتي به بعض الكتاب من نسخ ولصق من مواقع الالحاد واللادينيين او من النقد السامي للكتاب المقدس فهي سهلة الدحض. صحيح كانت هناك في الماضي عقائد مشابهة وقصص متوارثة وفولوكلور يشير الى بعض هذه العقائد مما ا وقع البعض في وهم ان هناك جذورا وثنية في العقيدة المسحية. لكن الرد على ذلك ان الانسانية كان في تشوقها للمسيح والفداء الخلاصي كانت تستنبط افكارا ومحاولات فكرية تقربها من الفكرة الاساسية التي كانت في تدبير الله الخلاصي منذ البدء. وكان الكتمالها عند ملء الزمان بظهور المسيح. هذا هو التفسير لوجود تلك الافكار الشبيهة. فوجودها لا ينقص من العقيدة المسيحية شيئا بل يعزز تلك العقيدة ويثريها ويقويها.


4 - بحث شيق
شاعرة ( 2009 / 10 / 12 - 09:17 )
البحث شيق وعلمي وفيه التفاتة نوعية للادراك الاجتماعي


5 - الرقم سبعة
منتظر ( 2009 / 10 / 12 - 09:19 )
الرقم ثلاثة ليس وحده الذي له جاذبية في الفكر الإنساني فالرقم سبعة له إحتفالية أكبرفي الأديان كلها بما فيها الأديان الإبراهيمية. تشايه معتقدات الأديان من حيث عناصر الإيمان الإله/ الشيطان/ الملائكة وقصصها (الأساطير) مثل خلق الإنسان/ الطوفان/ تدمير القرى، هو نتيجة تاريخية لعجز الإنسان القديم عن تفسير الظواهر الطبيعية.
لم يفدنا المقال عن السبب الاجتماعي لتكوين فكرة الثالوث لأن ما قلته كان عن تعدد الإلهة وليس تثليثها؟ أما قصة أن الإله كان له صاحبة وله ولد وأن الصاحبة إلهة فهذه القصة يمكن أن نجدها في أسطورة إيزيس وأوزوريس المصرية وابنهما حورس ابن أخي ست.
وردت في المقال عبارة غير مفهومة هي: يسيطر العمق التاريخي على عدم امكانية التحديد الزمني لظهور عقيدة الثالوث,الا اننا لاحظنا اقترانها بالاديان في الاعم الاغلب.وفي الواقع ان هذا الاقتران لا يمكنه ان يدلل على ان الدين هو المنشأ الحقيقي لهذا الاعتقاد,


6 - تعليق
سيمون خوري ( 2009 / 10 / 12 - 16:53 )
الأخ المحترم جنبلاط ، عرض جميل وجهد واضح ، لكن نختلف في النتائج التي توصلت اليها . كما ذكر السيد منتظر صاحب التعليق رقم ( 5 ) هو أقرب للصحة العلمية التاريخية. المعتقدات الدينية القديمة عرفت أكثر من العدد ثلاث ،، من حيث تعدد الألهه ، كما أنها لم يعني لها شيئاً فكرة التثليث ، فلم تكن واردة ، وحتى فكرة الثلاثة هي تعبير مصغر عن قيادة جماعية مصغرة يومية، والى جانب هذه الألهه كانت آلهه أخرى ثانوية تقوم بمهام أخرى مساعدة . هناك مصادر عديدة ربما العودة اليها قد يساهم بتوحيد وجهات نظرنا مع الشكر لك .


7 - المسيحية
رائد ( 2009 / 10 / 13 - 01:58 )
الموضوع يسحب البساط من تحت المسيحية والوثنيات


8 - عباد الشيطان يؤمنون بالتوحيد
Zagal ( 2009 / 10 / 14 - 02:29 )
عندما نعرف ان الثالوث المسيحى يؤمن باله واحد فهذا يجعله مختلفا عن اى نوع تثليث اخر ... لان ليس كلمة ثالوث دلاله على ان المسيحيه تؤمن بثلاثةالهه .... بل -الله واحد-
وهكذا التوحيد لايدل على حقيقة عبادةالله الحق ... فجميع عباد الاوثان وعباد الشمس يؤمنون بوحدانية الههم لانهم يعبدون اله واحد مثل الشمس او اله واحد مثل عشتاروت ...
وحتى عباد الشيطان يؤمنون بالتوحيد لانهم يعبدون اله واحد وهو الشيطان ...

بالشفا

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب