الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي ثمرة التمسك بالإمامة؟

تنزيه العقيلي

2009 / 10 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أو لنطرح السؤال على نحو أعم: ما هي ثمرة التمسك بمذهب من المذاهب الفقهية أو الكلامية، هذا إذا لم نطرح السؤال بشكل أكثر عموما، ألا هو ما هي ثمرة التمسك بدين محدد. ولكن لنبدأ بالسؤال المطروح في العنوان.



العقائد:
صحيح إن عقيدة الإسلام، لاسيما فيما يتعلق بالتوحيد ولوازمه وما يتفرع عنه، هي الأقرب إلى الصواب بحكم العقل، فيما يصوبه ويخطئه العقل، من خلال أن مدرسة أهل البيت هي المدرسة العقلية فيما هي العقائد، ولكنها ليست وحدها التي تعتمد العقل، بل هناك إلى جانبها مدرسة الاعتزال. ثم البحث الفلسفي المحايد دينيا بإمكانه التوصل إلى عقيدة التوحيد العقلية، دونما الحاجة إلى رسول أو إمام، وحتى في إطار الإسلام، في حال التسليم على كونه وحيا إلهيا بعد البحث العقلي، ففهم عقائد الإسلام في ضوء العقل ممكن أن يدرك مستقلا عن الإمامة. وهكذا هو الأمر في كل قضايا العقيدة. أما وجوب التسليم بكل تفصيلات العقيدة على وفق ما ورد في مدرسة أهل البيت، فعليه إشكالان؛ الإشكال الأول هو على نحو التناقض، لأن المدرسة العقلية تقول من جهة ألا تقليد في الأصول أي العقائد، بل التقليد يكون حصرا في الفروع أي الأحكام، ومن جهة أخرى يوجب علماء الكلام الشيعة التسليم بالمنظومة العقائدية الكاملة حسبما يقدمونه باجتهادهم إلى عامة أتباع المذهب، ومن يخلّ بواحدة من مفردات هذه المنظومة، وكانت من ضرورت المذهب، يكون خارجا عن المذهب، وضمنا خارجا عن الدين، وإن كانوا لا يكفّرون أتباع المذاهب الأخرى، إلا المغالون والمتعصبون منهم، ولكن هذا بالنسبة لمن يولد على مذاهب المخالفة، لا مذهب الموالاة، أما خروج من المذهب الحق، كما يسمون مذهبهم، إلى مذاهب المخالفين للمذهب الحق، هو مروق وارتداد. والإشكال الثاني، هو الاختلاف بين علماء الكلام الشيعة في كثير من تفاصيل العقائد. ثم من خلال اعتماد العقل سنجد أنفسنا بالضرورة وتلقائيا، رغم الإشكالات المسجلة عليهم، نلتقي مع متبنيات عقائد المعتزلة والإمامية، أكثر من التقائنا مع الأشاعرة. وحتى فهمنا لتفصيلات العقائد، من العدل والنبوة والعصمة والشفاعة وغيرها، إذا ما التقت على نحو ما مع مقولات الإمامية، فبمقدار ما تلتقي تلك المقولات مع منهجنا العقلي. وتبقى ثمة مقولات هي من الممكنات، وليست من الواجبات العقلية، تبقى في دائرة الظن، على غير ما يقوله حتى العقليون من إمامية ومعتزلة في دعوى اليقين، وذلك بدعوى نسبة الوجوب العقلي إلى ما هو ليس إلا ممكنا عقليا.



الإمامة:
اشتهر حديث «من لم يعرف إمام زمانه، أو من لم تكن في رقبته بيعة مات ميتة جاهلية». وعلى ضوء هذا الحديث تكون معرفة الإمام الخارجي بشخصه ضرورية لمن لا يعرف إمامه الداخلي. بل وحتى الرسول الخارجي إنما هو للذين يعجزون عن التعرف على رسولهم الداخلي. وهو أي هذا الحديث بمضمونه مرفوض عقلا، خاصة بعدما ثبت للبشرية عبر التجارب التاريخية، وتجربة العصر الحديث، أن التحول إلى الحالة المؤسساتية، والتقليل من دور الفرد التاريخي، هو الأقرب إلى مناهج العقلانية والعدل والاعتدال.



قضية المهدي:
جعل الشيعة بالذات من قضية المهدي القضية المركزية الأهم، وهنا نقول مع فرض صدق نظرية المهدي الموعود، فالمهم هي قضية المهدي، وليس شخص المهدي، أي المهم هو أن تملأ الأرض قسطا وعدلا، وليس شخص من يملأها قسطا وعدلا. أما الجانب الغيبي من القضية فلا يعنينا في شيء قبل حدوثه، من هنا يكون الاستغراق فيه ليس إلا لغوا وهلوسة وتخريفا، ويبقى في أحسن الأحوال علما لا ينفع العلم به، ولا يضر الجهل به.



مسألة التولي والتبرؤ:
وهي من القضايا المركزية المرتبطة بموضوعة الإمامة، لاسيما عند مدرسة أهل البيت. ويمكن القول فيما يتعلق بمسألة التولي والتبري (التبرؤ)، بأنه ليست القضية الأهم من على الإنسان أن يتولى، وممن عليه أن يتبرأ، أو مع من عليه أن يلتقي فكريا ونفسيا، وبأي مقدار يكون الالتقاء، ومع من ينفصل فكريا ونفسيا، وبأي مقدار يكون الانفصال. ليس المهم معرفة (مََن؟) الشخصي، بل المهم معرفة (مَن؟) النوعي في ذلك. وليس المهم أن نحدد هذا أو ذاك الموقف من شخوص التاريخ، بقدر ما هو مهم أن نتعلم كيف نطبق المعايير، عندما نواجه هذه أو تلك الحالة، وكما قال علي: «اعرف الحق تعرف أهله»، وكذلك قوله بما مضمونه: «لا يُعرَف الحق بالرجال، بل الرجال يُعرَفون بالحق». والمعياران الأساسيان في مدى الالتقاء أو مدى الانفصال، ومدى القرب أو مدى البعد، هو معيار العقلانية ومعيار الإنسانية، وليس النص الديني ولا السيرة (الحادثة التاريخية) الدينية هما المعيار.



الفقه (الأحكام)
الفقه الإسلامي لا يُعوَّل عليه، بسبب الاختلاف الحاد، والذي يصل أحيانا إلى درجة التناقض، بين الاجتهادات الفقهية غير المتناهية بتعددها واختلافها. من هنا فما كان الرأي متعددا فيما هو الصواب فيه، يكون في أحسن الأحوال مع الاختلاف رأي واحد هو الصحيح، والبقية خطأ، وما كان عدد منه خطأ، فلا اعتبار في القليل والكثير في احتمال وقوع عدد أكبر منه في الخطأ، حتى يصل الاحتمال إلى اعتبار جميع الاجتهادات خاطئة، إلا إذا ما كان عليه إجماع، والإجماع لا نجده إلا في قضايا محدودة جدا، ثم الإجماع تسقط أهميته، عندما يكون المُجمَع عليه متعارضا مع ضرورات العقل، ومع قواعد العقلانية، ومثل الإنسانية. وحيث إننا نرى في أكثر القضايا الفقهية أو ما يسمى بالأحكام الشرعية رأيا فقهيا واحدا على الأقل يلتقي مع الرأي البشري الوضعي الاجتهادي عبر إعمال العقل والإفادة من التجربة، وحيث يكون وقوع العقل والتجربة الإنسانيين أضعف احتمالا من وقوع المجتهد في خطأ استنباط الحكم من النص الديني، لما يمثله الالتزام بالنص من جمود وتعطيل لدوري العقل والتجربة، فأي معنى يبقى للاجتهاد الفقهي. وحيث إننا نتكلم هنا عن جدوى الإمامة، نعلم أن الالتزام بما يسمى بالإمامة المعصومة لم يحل إشكالية تعدد الاجتهادات الفقهية، واختلافاتها فيما بينها اختلافا حادا إلى درجة التناقض أحيانا؛ إذن ما هو جدوى الإيمان بالإمامة المعصومة والتمسك بها؟ وشيء آخر يدل على عدم جدواها فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، هو أننا نجد دائما في كل قضية فقهية اجتهادا لفقيه من فقهاء مدرسة الإمامة يخالف فيه بقية أو أكثر فقهاء مذهب الإمامة، ويلتقي فيه مع مذهب من مذاهب (المخالَفة)، المصطلح الشيعي الفقهي للتسنن. إذن هناك من الأحكام الشرعية المستنبطة من قبل فقهاء مذهب إمامة أهل البيت ما يلتقي مع التشريعات القانونية الوضعية، أو المدنية ، أو العلمانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك أحكام أخرى مستنبطة منهم تلتقي مع فتاوى أئمة المذاهب الأربعة، أو إفتاءات مفتيهم المعاصرين، فيما هو الاجتهاد منهم، ذلك الاجتهاد المعمول به، دون التصريح بإعادة فتح بابه بعد إغلاقه على المذاهب الأربعة حصرا، ناهيك عن نسخ الوهابية للمذاهب الأربعة وتكفيرها للمذهب الشيعي.

الأخلاق
إذا قال قائل أن أئمة أهل البيت تركوا لنا مدرسة أخلاقية، وبينوا مكارم الأخلاق من أراذلها، فهذا مردود كدليل على جدوائية أو ضرورة الإمامة. فإننا عندما ننظر للواقع، لا نجد أن الأخلاق وبالضرورة متسجدة في الشيعة أكثر من غيرهم، بل وبما هو أعم لا نجد الأخلاق متسجدة في المتدينين أكثر من غير المتدينين، بل لعلنا نجد العكس غالبا. وأقصد بالأخلاق، الصدق، والأمانة، وحب الخير للناس، والعدل، والإحسان، والتضحية في سبيل الصالح العام، والتواضع، والعطاء، والعفو والتسامح، والدقة والإتقان والتحلي بأخلاقيات العمل، والوفاء بالعهد، والإصلاح بين المتخاصمين، والتواصل والتراحم والتحابّ، والإيثار، وغيرها. هل يحتاج كل ذلك إلى دين، أو إلى أئمة منصوبين من الله؟ أبدا. والواقع خير دليل على ما أقول. ثم الشيعة أنفسهم يقولون بالحسن والقبح العقليين، أي باستقلال العقل والفطرة الإنسانية في تشخيص حسن ما ذكر، وقبح نقائضه، من كذب، وخيانة للأمانة، وعدم حب الخير للناس، والظلم، والإساءة، والتكبر، والبخل، وروح الثأر والانتقام، وعدم الدقة والإخلاص في العمل، ونقض العهد، وإيقاع العداوة بين الناس، والتقاطع والتباغض، والإثرة والأنانية، فكل ذلك قبيح عند الإنسان السوي، حتى لو لم يقل به نبي أو إمام. وكثير من المتدينين بعد كل ما ذكر، إنما يحتاجون إلى التدين، لتبرير ممارساتهم المناقضة للقواعد الأخلاقية بمبررات دينية.

الخلاصة
فهل يبقى جدوى أو ثمرة للإمامة، والإيمان بالأئمة المعصومين، والتمسك بهم، بعد كل ما ذكر، غير إحياء مناسبات وفياتهم وولاداتهم، واللطم والندب والبكاء على مصائبهم، وزيارة قبورهم والتبرك والتمسح بها؟



كتبت في وقت سابق

وروجعت في 11/10/2009










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ تنزيه لا فض فوك ليس هناك ثمرة في التمسك بالامامة الا ال
باحث عن الحقيقة ( 2009 / 10 / 15 - 08:03 )
ماذا يعني اعترافي بالامامة او عدم اعترافي بها وانا لم اعش في زمانهم فاذا كان هناك اعتراف بهم فهو على من عاش معهم فاعترافي بهم بعد ان رحلوا لايفيدهم شيئا وهذا منطق العقلاء.اذا كان الامام الثاني عشر موجودا ولكني لا استطيع اللقاء به فيبقى وجوده وعدم وجوده سيان بالنسبة لي اما القول بان الفقهاء هم نوابه فهذا قول لا دليل عليه الا برواياة قد لا تصمد امام التحقيق حتى اصبج شخص المهدي نفسه مشكوك فيه وما نظرية وجوده الا نظرية فلسفية هي ذاتها لا تصمد امام التحقيق لان الله لا يريد احدا ان يساعده على تسيير الكون.اما الاخلاق فهي قديمة قدم الانسان نفسه ولكن في هذاالصدد لا يمكن لاحد ان ينكر ماقالوه اهل اليبيت في مكارك الاخلاق ولكن للانصاف فان ديانات العالم توصي بمكارم الاخلاق ايضا.اما ما ذكرته في الخلاصة من احياء المناسبات فمن المستفيد؟؟. وماهي فائدة اللطم والنياحة بهذا الشكل ومن امر بهذا؟؟؟.ان المستفيد من كل هذا هم تجار الدين الذين يصورون للناس بان هذه الاعمال تدخلهم الجنة وهو ما يؤمن به جل الشيعة.ولو ان الهدف هو تثقيف الناس لا غيرلكان بالامكان تثقيفهم باسلوب افضل لا يتطلب صرف اموالا طائلة لا جدوى منها او ايذاء التفوس من لطم وتطبير وهو امر يرفضه اهل البيت انفسهم. ان هدف ثورة الحسين هو الوقوف في وجه

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ