الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة النقاب مواجهة لشرور الاصولية

محمود عبد الرحيم

2009 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما يبدو النقاب في مظهره قضية هامشية ، لا تحظى بالاولوية على الاجندة الوطنية المصرية ، غير ان المتأمل لجوهرها ، وابعادها الفكرية والسلوكية ، يرى انه لا يمكن تجاهل خطورتها ، كون النقاب علامة دينية تمييزية ، ومظهرا من مظاهر المد الاصولي الذي لم يعد خافيا على احد ، فى ظل المحاولات المتواصلة لحصار العقل ونشر الفكر الرجعي وثقافة البداوة ، خاصة بين الشباب الذي من المفترض كونه وقود التغيير والمنوط به عملية اعادة البناء على اسس من الفكر الحر والابداع والتواصل مع المنجز العالمي التقدمي ، لا مبادئ السمع والطاعة العمياء وتغييب العقل والارادة المشلولة واتخاذ القدوة من مرجعيات ماضوية ورجال كهنوت ، لا علماء ومفكرين احرار.
من هنا تنبع اهمية خوض معركة النقاب وعدم التهوين منها ، لانها ليست سوى مواجهة لشرور الاصولية المحدقة بنا ، ومحاولات تدين المجتمع ، وليس تمدينه ، وذلك بشكل قصري مناف لديناميات التطور المجتمعي واستحقاقاته.
وعلينا ان ندرك ان مصير هذه الامة رهن بالتخلص من الديكتاتورية السلطوية والاصولية في ذات الوقت ، فكلاهما اذا ظل فاعلا ، ويحدث اثره في المجتمع ، فانه يشل حركته ويجعله يدور في نفس المربع الخاوي ، او يتراجع الي الوراء ، ومن ثم يصبح الاضمحلال بديلا عن النهضة ، و يصير الظلام والتخلف بديلا عن التنوير والتقدم.
ويؤسفني ان اقول ان النخبة المثقفة تتخاذل في مواجهة المد الاصولي المستوحش ، اما جبنا او قصورا في الرؤية وتقليلا من خطورة تحركات القوى الرجعية ، ولعل المعركة الاخيرة خير شاهدة على ذلك ، ففي الوقت الذي خرج مئات الاسلاميين في تظاهرات ، لم نر - في المقابل - مظاهرات القوى العلمانية ، وبينما يعبئ الاسلاميون جماهيرهم في ساحات الانترنت والاعلام والندوات ، خفت صوت التقدميين او تجاهلوا الامر ، وعجز مثقفينا عن تقديم خطاب علماني تقدمي يحمل ملامح نهضوية في مقابل خطاب الانغلاق والرجعية المتعالي النبرة ، الاسوأ من هذا ان بعضهم وقع في فخ الدفاع عن المنقبات وحقوق الرجعيين تحت ذريعة الحرية الشخصية ، وكأننا نتناسي مبدأ ان " حق المجتمع ومصلحته مقدم على حق الفرد ومصلحته " في كل بلاد الدنيا.
وفي تصوري انه لا يجب التسامح مع الخطاب المتهافت المنافق عن الحرية الشخصية ، فليس مقبولا باي شكل من الاشكال ارتكاب جرائم باسم الحرية .
وحين يتعلق الامر بهوية المجتمع المدنية والخطر التي يتهددها ويسعي لتشويهها ، فيجب عدم التسامح او الارتباك امام المحاولة الانتهازية لاستغلال خطاب الحريات من قبل اعداء الحريات ، علاوة على ضرورة المبادرة وعدم ترك الساحة للاصوات الرجعية وتفنيد دعواها ، وشن حرب مضادة لجهة نشرالوعي الصحيح وبيان فقه الاولويات ومتطلبات المجتمع العصري وثقافته الانفتاحية ، لا عصر البداوة وطروحاته الانغلاقية ، مع التاكيد على ان التشدد الاسلامي يحرض على تشدد مسيحي و من ثم احتقانات طائفية ، فيما الاخلاق العامة اعم واشمل واهم من التدين المظهري وان الاولوية يجب ان تكون للعمل ومواجهة سياسات القمع والافقار.
و لاشك ان الرهان علي النظام ورموزه في مثل هذه المعارك - تحديدا- من السذاجة بمكان ، اذ انه بمؤسساته السياسية والدينية يقدم ساقا ويؤخر اخرى، ولا يعرف الحسم كلما اقترب من التابو الديني ونراه يرتبك سريعا ، ويتراجع امام احتجاجات الاسلاميين ، لانه هو ذاته شريك لهم في العمل على استدامة الاوضاع القائمة ، بل وترديها بحكم البنية المحافظة ذات النهج التسلطي التي ينطلقان منها ، فضلا عن انه ليس جادا في خوض معركة حقيقية لمواجهة المد الديني لحساب التنوير و التغيير الشامل والعبور الي الدولة المدنية التي يحكمها العقد الاجتماعي ومبدأ المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية ، لان الدين لديه ورقة يتلاعب بها وقتما يشاء حسبما تقتضي مصالحه الضيقة ولو علي حساب مصالح الوطن والمواطن ، ومن ثم يحافظ عليها ولا يسعي لاحراقها ابدا.
وبحساب المكسب والخسارة ، فان الرابح من هذه المعركة هو النظام المصري الذي وجد قضية يتلهي بها الناس عن ملفات اكثر الحاحا ، اما الرابح الاكبر فهم الاسلاميون ، وفي مقدمتهم الاخوان الذي حشدوا منتسبيهم وانصارهم في الشارع والجامعات بل والبرلمان ووسائل الاعلام ، ليسجلوا نقاطا تضاف الي رصيدهم الشعبي وليعلنوا انتصار مؤسستهم علي المرجعية الدينية الرسمية " الازهر" التي لطالما طرحوا انفسهم بديلا عنها.
اما الخاسر الوحيد فهو الشعب الذي يقف صامتا بينما مجتمعه يتلقي ضربات موجعة في عقله الجمعي ووجدانه ، ويساق الي حافة التطرف وعصور الظلام ، وتسرق منه فرص التطور والانفتاح ومناخ الحريات العامة .
ولا شك ان الصامتين سيدفعون الثمن باهظا مستقبلا جراء تقاعسهم عن مناهضة الاصولية ، فالصمت ليس الا علامة جبن او رضا على هذه الجريمة التي ترتكب بحق هذه البلاد علي يد نخبة انتهازية توظف الدين لمضاعفة حصتها من المكاسب المادية والمعنوية ، ولو كان المقابل تدمير ثقافة ومستقبل بلد وارجاعه الي العصور الوسطي.
*كاتب صحفي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم
Sir Galahad ( 2009 / 10 / 17 - 18:28 )
سيدي الكاتب تحيه
بالفعل تحليل منطقي فقد تبدو ظاهره النقاب كأنها هزليه أو الي حد ما فكاهيه تنم عن غباء الا ان ورائها كما اوضح الكاتب مشكله التراجع امام الاصوليه الدينيه المتخلفه
هي بالفعل قضيه ينبغي التحدي لها


2 - الأصولية: مرض وبائي
أحمد فرماوي ( 2009 / 10 / 18 - 23:48 )
بالفعل عزيزي الكاتب, لابد من مكافحة إنتشار وباء النقاب بكل السبل الممكنة. وهو وباء بكل معني الكملة فنظرة خاطفة في شوارع القاهرة والإسكندرية تدل علي مدي وبائية هذا المرض الخطير. ويكفي أن أوضح أنه بالحي الذي أقطن به وخلال ثلاث سنوات فقط لبس أكثر من 30 ضحية اللحية وعدد أكبر بكثير لبس النقاب. المشكلة ليست بالفعل في هذا المظهر الشاذ العجيب المشكلة الأكبر أن النقاب يعكس التأثير الفادح للقنوات الوهابية وبخاصة قناة الناس والرحمة فإني أؤكد أن سبب النقاب واللحية يرجع أساساً لهذه القنوات دون غيرها والتي بذل كل جهودها لإرجاع المجتمع للعصور الوسطي. ورأيي الشخصي أنه لا حل لهذه القنوات سوي إعتقال المسئولين عنها ومحاكمتهم بقانون الطورائ لأنه لا سبيل لإقصاء الشعب عن متابعة هذه القنوات التي تعد أكثر مشاهدة من القنوات العلمية والإخبارية.


3 - وجهة نظر
اماني ( 2009 / 10 / 19 - 20:58 )
سيدي الفاضل وعلى الرغم من كوني متحفظة على فكرة ارتداء النقاب إلا أن لي رأي مخالف عن ما أوردت، بالفعل أختلف علماء الاسلام في النقاب فمنهم من قال انه عادة بعيدة عن الدين الاسلامي ومنهم من قال أنه فضيلة من أرادت أن تأخذ بها فلا ضرر في ذلك
وقد وردت إلي احصاءات مفادها أن 10% من سكان مصر منتقبات، وليس بالضرورة أن هذه النسبة منتمية لجهة ما فمنهن من يرتديه كنوع من الالتزام الديني وبعيدا عن التشدد
لكن على الوجه الأخر فإن نسبة الشباب - المفترض كونه وقود التغيير والمنوط به عملية اعادة البناء على اسس من الفكر الحر والابداع والتواصل مع المنجز العالمي التقدمي- كما ذكرت في مقالك لا مبالي بمشكلات وقضايا المجتمع المنساق وراء القنوات الفضائية التافهة والفيدو كليبات الاباحية التي وأحدث صيحات الموضة والافلام الهزلية تبلغ أكثر بكثير من نسبة المنقبات في المجتمع، وقد أثبتت دراسة اكاديمية الاعلام أن نسبة مرتفعة من شباب الجامعات لا يتابع من وسائل الاعلام سوى إذاعة نجوم إف أم وغير معني بقراءة الصحف أو مشاهدة الاخبار ومتابعة مشكلات المجتمع
وأتسأل ايهما أخطر تأثيرا على المجتمع هل التشدد في الدين أن التفاهة والسطحية وعدم استعمال العقل إلا فيما لا يفيد؟؟؟؟
واعتقد أن كلا الجهتان يجب أن تواجه بيد من حد

اخر الافلام

.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran


.. 154-Ali-Imran




.. 155-Ali-Imran