الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسلل: صفحة منسية من تاريخ الشرق الأوسط

محمد أبو هزاع هواش

2009 / 10 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التسللل:

حكاية تشيسني وحملة الفرات

مقدمة:

كتب هذا النص بين عامي 1998و 2000. كتب هذا النص باللغة الإنجليزية.

تعد رحلات وحملة فرانسيس راودون تشيسني في بلاد من مايدعى بالشرق الأوسط حالياً من الصفحات المنسية من تاريخ المنطقة. تنبع أهمية تشيسني من أمرين هامين جداً: الأول: أن تشيسني وخلال رحلته الأولى قام بتصحيح خطأ حملة نابليون وبرهن أن البحر الأحمر والبحر المتوسط هما على إرتفاع واحد مما سبب تسمية تشيسني بالأب الحقيقي لقناة السويس. أيضاً: قام تشيسني بإجراء أول مسح علمي حديث لمنطقة كبيرة في الشرق الأوسط.

أتى تشيسني إلى الشرق الأوسط مع بزوغ عصر الحداثة في أوروبا وقام بنقل وسائط تلك الحداثة إلى المنطقة. من خلال كتابات تشيسني نستطيع إلقاء الضوء على موازين القوى الحقيقية التي سادت تلك المرحلة.

المنهج المتبع في هذه الدراسة يبدأ بتقديم الهيكل النظري ثم يطبق ذلك المنهج على كتابات وسيرة تشيسني المهمة.

الهيكل والقالب النظريان:

يشكل التحقيب والجينولوجيا الهيكل العظمي للحديث في كتابات العلماء الإجتماعيون في عصرنا الحالي. جلب الماضي بإستمرار ليشرح الحاضر وليلقي أضواءً على المستقبل. لكن في بعض الأحيان يرى المستقبل في الحاضر لأن البعض يعتقد بنهاية التاريخ. نظرية نهاية التاريخ لدى البعض تتمحور حول الماضي والحاضر والمستقبل القريب فقط. الحاضر والمستقبل القريب في هذه النظرية هو موجود لأن الحداثة أتت بهذا. أعلنت الحداثة أن المستقبل هو من الحاضر وليس من الماضي. لكن الماضي يبقى في هذا النقاش ويتضمن الحداثة نفسها إذا دخلنا في نقاش مابعد الحداثة.

تحويل الحداثة إلى الماضي ودراستها هو من نتائج مدارس مابعد الحداثة التي تعتمد على العقل والشك لتفسير الأمور من دون مهادنة. في هذا التحليل نقاط الترابط مع الماضي تأتي للحسبان ويأتي معها نقاط الإنفصال عن المراحل السابقة أو القطيعة المعرفية مع مفاهيم سابقة. هذه القطيعات ونقاط الوصل مقرونة مع أساليب تحليل جديدة هي مايعطي معاني جديدة وتفسيرات جديدة للأحداث الماضية من خلال السرديات المختلفة.

هذه السرديات المختلفة تشترك بمنجية واحدة ألا وهي مقارنة صعود نجم البعض مع إنحدار الآخر. نظرية الإنحدار تضع الحداثة كنقطة متمشكلة لبدء القياس. الإنحدار والتقدم والتطور والعقلانية هي أسماء بعض القوالب الممشكلة في هذا النقاش بين الأنا والآخر.

أخترع وأنشأ قالب إسمه الآخر. الآخر بكل قوالبه وعملائه وإشاراته ولغته وعقلانيته أصبح مركزياً في هذا السبكتروم. لكن، موقع الآخر دائماً يتضاد مع الأنا في حوار الحداثة ولكنه موضع تمشكل في حوار مابعد الحداثة. في الدراسات الحالية الحداثية ومابعد الحداثية يقع الآخر في تضاد مع الأنا. الأنا في هذه الكتابات هي الأنا الأوروبية حيث هذه الأنا قد وصلت من خلال الحداثة لسبق كبير في العقلانية.

في كل هذه الحالات أتي النص بأشكاله المتعددة لينتج هذا الآخر بمعانيه الجديدة. النص وتحليله هما عماد عمل العلماء الإجتماعيون الحداثيون وأتي مابعد الحداثيون ليضيفوا أشياء جديدة مثل الأركيولوجيا الأنثربولوجية مع التاريخ الشفهي زائد دراسة علاقة القوة بإنتاج ذلك النص.

علاقة القوة بالنص تعكس العلاقة الحقيقة بين كاتب ومنتج ذلك النص بالقوى التشريعية، التنفيذية، الأخلاقية في عصر إنتاج النص. في بعض الحالات حيث يفتقد النص تصبح الشواهد الأخرى دليل على علاقة القوة بالنص مثل الخرائط حيث تصبح الطبيعة ومافيها مجرد ثنائي الأبعاد فقط بعدما كانت حية تنطق.

نصوص "الآخر" حللت بالطبع من قبل المنتصر لكن بعد الحداثة أعطت صوتاً للآخر المهزوم بعدما إختزلته الحداثة إلى مجرد إشارة أو حروف في نص. في نصوص الحداثة وفي باطن تلك النصوص نرى الآخر بكل تجلياته الحقيقية. دراسة باطن نصوص الحداثة تعطي حقائق غير تلك الموجودة على السطح.

يعتبر الكثير من الأكاديميون الحداثة كمنتج من تقدم وتطور الغرب ولهذا فنقطة وصلها مع ماضٍ مجيد من الأهمية بمكان. هنا إلتقت الحداثة بمابعد الحداثة عندما تعلقت الأمور بأصالة الفكر الغربي. بالطبع أتت اليونان وحضارتها كمنقذ لمتتبعي هذا الخط الفكري. فميشيل فوكو يقول بأن الأنالوجي هو "مفهوم قريب من العلوم اليونانية"١ وماكس ويبر ينفي العقلانية عن غير الغربيين على الرغم من محاولته كتابة "تاريخ يونيفرسال." هنا، كان لمتتبعي هذا الفكر التعامل مع الفترة المظلمة بين اليونان وعصر النهضة وتعقيل هذه الفترة.

بالطبع جينولوجيا الحداثة تقول بأن "العصر الحالي هو إستكمال للعصور الوسطى."٢ عنى هذا الكلام نبش مفاهيم غير معروفة وتعقيلها ونسبها للفكر الأوروبي. هذا الربط "العلمي" بين الحاضر واليونان عليه أن يمر بعملاء كثيرون، فمن كوبرنيكوس وغاليلو إلى هارفي والعصر الصناعي إلى عصر العقل والتنوير ناقلنا إلى الحداثة التي تقودنا الى الوقت الحالي. العلمية هي صفة التطبيق والبحث ولهذا فالنص المنتج سيكون علمياً. العلمي مقرون مع الحديث ومقدار التقدم العلمي هو معيار التقدم.

في ضمن هذه المدرسة من التفكير ظهرت العلوم الحديثة مع نهاية القرن الثامن عشر مستمرة لتتضمن النصف الأول من القرن التاسع عشر. إنه عصر "فتح النقاش والإجابة على الأسئلة العظيمة المتعلقة بأصل الكون وطبيعة المادة."٣

هذه التعابير والمصطلحات والعلوم وطريقة التفكير "لم توجد كمفاهيم" ٤ قبل القرن التاسع عشر. في هذه المدرسة تعد العلوم الإجتماعية لتتضمن : التاريخ، الإقتصاد، علم الإجتماع، علم الإنسان (الأنثربولوجي)، والعلوم السياسية.

(يتبع)

هوامش:

١- Michel Foucault, The Order of Things, an Archeology of the Human Sciences, Vintage Books, New York, 1994

٢-Herbert Butterfield, The Origin of Modern Sciences 1300-1800, The Free Press, New York, 1997

٣-John Redwood, Reason Ridicule and Religion, the Age of Enlightenment in England 1660-1750, Harvard University Press, Cambridge, Mass., 1976.

٤-Immanuel Wallerstein, The Capitalist Word-economy, Cambridge University Press, Cambridge, 1979









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معذرة وإضافة
أبو هزاع ( 2009 / 10 / 18 - 20:08 )
نسيت أرقام الصفحات في الهوامش وهي على التوالي الصفحة ٢١ في مثال فوكو والصفحة ٢٨ في مثال هيربرت بترفيلد والصفحة ١٨ في مثال جون ريدوود والصفحة ١٥٢ من مثال إيمانويل ولرستاين.

اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا