الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسلل: صفحة منسية من تاريخ الشرق الأوسط الجزء الثاني

محمد أبو هزاع هواش

2009 / 10 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تشيسني وحملة الفرات

تكملة:

إعتمد علماء الإنسانيات والعلوم الإجتماعية من البلدان الغير أوروبية على التقسيمات الغربية للأمور. هناك سيادة ثقافية أتت مع الحداثة وأسست هرماً يتربع على قمته الفكر الغربي. هذ، وإن كان سائداً، لم يمنع علماء العالم الغير غربي من إنتاج معرفة وسرد جديدان لما حدث مختلف عن السرديات الغربية. تتشابه تتريخات كل من أعتبر "بالآخر" في الفكر الغربي.
"الآخر" في هذه النقطة إنضم ليشمل كل من تشارك بتاريخ إمبريالي غربي. هناك وحدة واضحة في صفوف "الآخر." سرديات أهل الآمازون لتقابلهم مع الأوروبيين لأول مرة تشبه التتريخ الحاصل من مناطق أخرى من العالم للمواجهات مع الإستعمار والشركات التي مهدت لذلك الإستعمار. تشارك الكثير من أبناء العالم بتجربة إستعمارية، حداثية، إستهلاكية مع المركز، الغربي في حالتنا هذه.

فلهذا فقصتنا حول تشيسني ورحلاته وحملته في الشرق الأوسط تشبه قصصاً أخرى من مناطق مستعمرة في العالم. يتشابه التاريخ التدخلي التجاري في الهند وأفريقيا مع بلدان الشرق الأوسط. تشابهت قصص الأماكن وتصادمها مع "الحديث" و" العلمي" وتشابهت المواجة أيضاً. فمثلاً، حاول الإنجليز أن يمسحوا ويستكشفوا نهري النيجر والفرات في نفس الوقت.
كان هدف "حملة الفرات" المعلن هو " تسويق التجارة" بينما كان هدف "حملة النيجر" هو "لإخماد تجارة العبيد،" لكن ذلك لم يمنع تشابه ماحصل للباخرة تيغريس (دجلة) مع ماحصل للباخرة قورا (Quorra) خلال حملة النيجر. لقيت كلا من الباخرتين نهاية تراجيدية لأن الأهداف الرئيسية والعقلانية خلف كلاً من الحدثين كانت نفس الشيء. هذا التطابق في عقلية المستعمر ربط تاريخ البلدان المستعمرة.

فلهذا فدراسة تاريخ الشرق الأوسط يترابط مع دراسة تاريخ الهند مثلاً لترابط الأحداث ولتوحد العقل الفعال في الأحداث التي جرت.

الشركة:

من الواضح أن التجارة هي وراء الإستعمار وشركة الهند الشرقية لخير دليل على هذه النظرية. نظمت هذه الشركة لتعمل تجارياً في العام 1600 في عهد الملكة إليزابيث. كان الإنجليز في تلك اللحظة قد تخلصوا بشكل كبير من عدوهم الإسباني في تلك اللحظة التاريخية. كانت إسبانيا قد خسرت اسطولها في عام 1588 وأصبحت تمشي للوراء بعد عصر إزدهار تلى طردهم للمسلمين من أراضيهم. شكل البرتغال تهديداً بسيطاً في بداية ذلك القرن وفي نهاية القرن السادس عشر، لكن مغامرة ملك البرتغال إلى المغرب محته وجيشه في معركة واحدة هي معركة وادي المخازن 1580 والتي قضت عليهم آنذاك. بعد نهاية الإسبان والبرتغاليين لم يعد هناك تهديد يذكر للسيطرة الإنجليزية على مسالك التجارة والتمدد إلى أماكن السلع في المناطق البعيدة وفرض منطق المدفع في كل مكان. لكن بعض البلدان الأخرى ظهرت على الساحة وظهر لدينا شركة هند شرقية فرنسية وأخرى هولندية تحاربت على أماكن في أرض "الآخر."

كان البريطانيون سباقون بإستعمار البلدان وفي حالة الشرق الأوسط إستطاعو الحيازة على الإمتيازات المخولة لهم بالعمل في الأماكن التي لم يستيطعوا السيطرة المباشرة عليها. فمع الدولة العثمانية حصل الإنجليز على الإمتياز التجاري الأول في 1580 ليلحقه إمتيازات في 1603, 1606, 1624, 1641, 1662, و 1675 حيث أعيد توثيق إمتيازات عام 1675من خلال معاهدة الدردنيل في كانون الثاني من عام 1809. ١

إستطاعت شركة الهند الشرقية تأسيس موطن قدم لها في أماكن متعددة من العالم. خلقت هذه القوة والثروة نقاشاً حول هذه الشركة التي أتى قانون الهند India Act of 1784 بعد فترة الستينات من ذلك القرن التي شهدت نقاش هل توضع أماكن عمل الشركة تحت سيطرة الشركة. هذه الشركة التي أعتبرت "في البداية تاجر عظيم وأمير صغير،"٢ أصبحت قادرة على أن تصبح حكومة كولونيالية بموارد هائلة، وجيش، وبحرية التي أصبحت موضع حسد التاج البريطاني والذي قرر أن يسيطر عليها فيما بعد.

" من الخطأ الإفتراض أن الشركة كانت مجرد جسم تجاري حتى منتصف القرن الماضي {الثامن عشر}
كانت التجارة غايتها، ولكن من أجل الوصول إلى تلك الغاية، فإنها كمنافساتها شركات الهند الشرقية
مثل شركة الهند الشرقية الهولندية، ومثل شركة الهند الشرقية الفرنسية قد إستثمرت منذ البداية
في الأعمال السياسية."
{توماس بابينغتون ماكالي، 1833، مجلس العموم}٣

هناك تشابه بين تجربة شركة الهند الشرقية البريطانية وشركات الهند الأوربية الأخرى. تحاربت هذه الشركات فيما بينها ولهذا فالتخطيط للوصول بين مراكز الشركة وبريطانيا كانت من الأهمية بمكان لحل مشكلة البريد لأنه في تلك الفترة نميت أهمية الإتصالات. رأى التاج البريطاني كل هذا وبدأ بالتخطيط والتمويل لدراسة هذا الموضوع، وهنا فقد إجتمعت مصالح الشركة مع التاج.

ستحاول هذا الدراسة النظر إلى الأسئلة المطروحة المتعلقة بمسح فرانسيس راودون تشيسني للفرات ومناطق أخرى زارها في رحلاته في الأعوام 1831, 1835, 1836, و 1837. سوف تتم هذه الدراسة والنقد بالنظر إلى نصوص تشيسني نفسه، الرسائل الرسمية، المعاهدات والفرامانات المصدرة والمتعلقة بهذا الأمر. نصوص تشيسني ستدرس لإنتاج نص وسرد جديد لعقلانية هذه التجربة الفريدة المنسية والمهمة جداً من تاريخ الشرق الأوسط.

ربطت حملة ورحلات تشيسني بين العلم، التقنية، الحداثة، المكان، الرجل الحديث، الإشارات، العواطف، النفس، الآخر، القوة، علاقات القوة. ولهذا فالوصول إلى سرد عقلاني لهذه الأحداث علينا النظر بشكل رئيسي إلى كلمات تشيسني نفسه وإلى ظاهر هذا الكلام وباطنه. أقول باطن ذلك الكلام لأن ماكتبه تشيسني في كتبه عن رحلاته وحملته يمثل العلاقات الحقيقية في تلك الحقبة والمنطقة.

إنها لغة نصوص تشيسني بإشاراتها التي حاولت أن تفرضها ماسيقدم أقرب ماهو لحقيقة ماحدث. هنا نتذكر أن "صور الكلام التي إمتلكت الهيكل قبل أن تقال" ٤ هي ماسيربط الحملة مع مرحلتها التاريخية. في هذه الدراسة ستقدم العلاقة بين تمثيل اللغة وعلاقتها بعقلانية السرد التاريخي الآتية من "العلاقة بين اللغة والمعرفة التي تفتح حقلاً تاريخياً لم يوجد من قبل في أية حقول."٥ إنها الكتابة بإلتزامها للغة التي تحتوي على "الواقع ومظهر القوة، ماهي، ومايحب لها أن توصف به."٦

ترجم النص من الإنجليزية.

يتبع

هوامش:

١- Hurewitz, J.C., 1951, p.5

٢- Keith, Berriedale A. ed, 1922, p.231.

٣- Ibid., p.230.

٤-Barthes, Roland, 1997, p.19.

٥-Foucault, Michel, 1994, p.87

٦- Barthes, Roland, 1997, p.25.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا