الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سكة حديد برلين – بغداد

باسم محمد حبيب

2009 / 10 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في نهايات القرن التاسع عشر برز مشروع سكة حديد برلين – بغداد ، كواحد من أهم المشاريع التي حاولت ربط الشرق الأوسط بالغرب أو المنطقة العربية بأوربا ، وكان من شان هذا المشروع إذا ما أنجز ، فتح أبواب الشرق للمؤثرات الغربية وتطوير أفاق التعاون بين العالمين بما يساهم بخلق شراكة إستراتيجية مثمرة ، تنمي الأفق الإنساني وتدفع بالعلاقات البشرية إلى ما يزيدها قوة ومتانة .
وبالرغم من أن هذا المشروع كان قد فتح أبواب المنطقة لصراع دولي كبير ، لاسيما بين بريطانيا القوية المتنفذة في المنطقة آنذاك وألمانيا الطامحة لأخذ مكان بارز لها بين الأمم القوية ، إلا أن واقع ذلك الصراع وحراكيته كان بالنتيجة أو في جزء منه يخدم تطلعات المنطقة ويساهم في تنميتها نحو الأفضل ، فقد بدا القطبان الكبيران آنذاك ألمانيا وبريطانيا بتقديم المزيد من المغريات بهدف الظفر بامتياز هذا المشروع الكبير ، وكان من بين تلك المغريات الكثير من المشاريع التي تخدم مجالات اجتماعية واقتصادية وعلمية عديدة ، ناهيك عن وضع المنطقة على طاولة المخططات الإستراتيجية الكبرى التي ساهمت بشكل ما في تغيير الخارطة السياسية للمنطقة وتغيير معالمها الثقافية والاجتماعية ، بحيث لمحنا وجها جديدا لم نألفه من قبل .
وبعد صراعات ومساومات مرهقة دامت إلى ما يقرب من ربع قرن ، حصل التوافق أخيرا وظفرت ألمانيا بالمشروع ، الذي شرع بتنفيذه بدءا من 27 تموز 1912 منطلقا من بغداد صاعدا إلى الشمال ، وسط تهليل عثماني كبير وفرحة اتحادية عارمة ( المقصود هنا حزب الاتحاد والترقي الحاكم في الدولة العثمانية آنذاك ) لم تخمد أوارها إلا بعد ذلك بسنتين ، عندما تلاشى المشروع وسط معمعة الحرب العالمية الأولى وما تخللها من هزائم عثمانية مريرة ، أطاحت بأحلام العثمانيين في العودة بالزمن إلى الوراء واستعادة المجد العثماني السالف .
وبالتأكيد فان الكثير من العراقيين المعاصرين لا ينظرون إلى تلك الهزيمة بنفس ما نظر أليها العثمانيون ، فربما وضعت تلك الهزيمة الكبيرة حدا لعبودية طويلة قاسى منها العراقيون ألوانا من العذاب وقرونا من الانقسام والتخلف ، ما جعل هزيمة العثمانيين في نظر هؤلاء نصرا سماويا وعرسا قوميا كبيرا ، تناسوا فيه حتى المغريات التي يقدمها مشروع طموح كمشروع سكة حديد برلين – بغداد .
ولأننا لا نريد أن نخوض في معمعة التاريخ وفي ملابساته ، فسنتجاهل القيمة التي حملها المشروع في حينه ، حتى لا نقع في فخ التنازع بين من أيد المشروع ومن عارضه انطلاقا من موقفه من العثمانيين ، فالذي نريد أن نطرحه هنا هو قيمة هذا المشروع للحاضر والمستقبل ، سيما مع رغبة العراق الجديد في الانفتاح على العالم و بناء علاقات سليمة مع دوله ، تسهم في إخراج العراق من وضعه التاريخي المزري ونقله إلى واقع أفضل ، فأمام العراق طريق طويل للخروج من قوقعة التخلف التي عاش في كنفها طويلا والنهوض من سباته المزمن ، ومما لا شك فيه فان الترابط مع الغرب هو احد السبل الكفيلة بتنظيم هذا النهوض و الذهاب به إلى النجاح ، وهو أمر قد لا يمكن تحقيقه بسهولة ، بل سيحتاج إلى جملة من الخطوات التي ستعزز من الانطلاق نحو هذا الهدف ، وبالتأكيد سيكون لإحياء هذا المشروع القديم أثره البالغ على مسار العلاقات العراقية أو العربية – الأوربية ، بما يسهم بخلق شراكة حقيقية بين المجموعتين ، تعيد لملمة الأوراق لصالح واقع التوازن الذي سوف يعيد صياغة العلاقات ، بما يخدم تطلعات شعوبنا وتوقها لغد أفضل ، بعد أن تنفتح أمامها سبل الإبداع والتطور التي فقدتها طويلا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار