الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعني آلسعادة لك

محمد حيدر قاسم

2009 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


آلسعادة مصطلح نتداوله عشرات آلمرات يوميا في أحاديثنا، فهو سهل آلتلفظ ولكن قد يكون من آلعسير أن نجد تعريف شامل وتفسير مشترك له عند جميع آلكائنات آلحية كائن من كان ، إنسان أو نبات أوحيوان .
معنى آلسعادة ومعايشتها والتعبيرعنها يختلف بأختلاف آلزمان والمكان ، قد تكون لحضات خاطفة أو تدوم لسنوات ، فمثلا آلجنين قد يعبر عن سعادته بحركات خفيفة وآلتي ستنعكس إيجابا على أمه فتنتابها أيضا لحضات سعيدة ، إنه يكتسب آلسعادة من أمه ويعكسها لها ، فعالمه هو رحم أمه فقط .
الدراسات آلعلمية أثبتت بأن آلجنين يستطيع آلتأثر بحالة أمه آلنفسية وبآلأصوات آلمختلفة آلمحيطة بأمه كصوت والده وآلموسيقى والضوضاء وغيرها ، ولذا فالسعادة آلأولى للإنسان يستقبله من أمه وسيعكسه أيضا بدوره لها . وبمجرد ترك آلطفل لرحم أمه ستتغير معنى آلسعادة عنده جوهريا بسبب آلمؤثرات آلجديدة وآلتي قد يحصل عليها بعد ولادته ، لذا فسعادته تتأثر بأي شئ قد يدخل جوفه أويلامس جسمه كالغذاء والهواء والحرارة والبرودة وآلألم وغير ذلك من آلمؤثرات آلمرئية وللامرئية ، فمثلا يسعد آلطفل آلرضيغ عند إحساسه بالهدوء والنظافة والشبع وغيرها ولايتأثرمباشرة بأمه ولايستطيع إنعكاس سعادته لها مباشرة لأن عالمه بعد آلولادة عبارة عن كون وسيع وليس كيس ضيق ومحدود كرحم أمه.
وبتكامل إحساسات آلطفل ستغيرمعنى آلسعادة عنده ، إذ يظهر عنده حب آلتملك والفضول ، فسعادته حينها تتأثر بهذين آلصفتين ، فيحاول آلطفل آلإستحواذ على كل ما يقع بين يديه فيضعه أولا في فمه للتعرف على طعمه وربما محاولا إخباءه في جوفه ، لأن آلشئ آلوحيد آللذي يثق به في دنياه هو جسمه فيسعد لراحته ويقهر لأذيته .
يستمر آلإنسان بحبه لذاته وحتى بعد بلوغه سن آلرشد، ولكن كلما زاد إدراك آلإنسان ومعرفته وفهمه للحياة يتعقد عنده إستيعاب وتفسير آلكثير من آلأحداث آليومية آلخاصة وآلعامة ، ويصعب عليه آلقبول بآلسعاده آلخالية من آلمفاهيم آلجوهريه ، إذ تصبح آلسعادة مرادفا لغاياته آلآنية وآلمستقبلية ، فيحاول جاهدا وإلى مماته من إيجاد آلوسائل آلمختلفة لبلوغها ، فالسعادة مثلا للطالب هو بلوغ غايته بآلنجاح وآلتفوق ، وأما آلعاشق فلا يسعده شيئا أكثر من لقاء معشوقته وآلأم بلقاء أبنه والمهاجر بالعودة إلى وطنه والجوعان بالحصول على رغيف وهكذا .
التعبير عن آلسعادة عند آلإنسان آلسليم يختلف وبإختلاف آلمراحل آلعمرية فمثلا سعادة فتاة مراهقة بموضوع معين يختلف كليا عن سعادة نفس هذه آلفتاة بنفس آلموضوع عند بلوغها آلسبعين من عمرها ، ففي آلحالة آلأولى تسعد مثلا لجمالها لأنه آلوسيلة آلأساسية لكسب أنظار آلآخرين وربما إيقاع أحدهم في حبها وغرامها لتتخذ منه شركا لها ، وأما في آلحالة آلثانية فتسعد بسلامتها لأنها آلوسيلة آلوحيدة آلتي تساعدها في آلإستمرار على قيد آلحياة .
فللسعادة آلتأثير آلإيجابي وحتى على آلحيوانات فقد إجريت تجربة في إحدى حقول تربية آلآبقار في آلنرويج وقاموا بمنادات كل بقرة بإسم معين فوجدوا بأن آلأبقار آللذين لهم أسماء وينادون به يوميا يدرون بالحليب بمقدار أكثر من آلأبقارعديمي آلأسماء ، وهذا يعني بأن آلأبقار قد سعدوا بإهتمام أصحابهم لهم ومناداتهم بأسم خاص . وحتى آلأشجار يسعدون بسماع آلموسيقى وآجريت تجارب مختلفة على ذلك ولا مجال لذكر كل ذلك في هذه آلمقالة ، ولكننا نجهل وسائل آلحيوانات وآلنباتات لبلوغ سعادتهم ، قد يكون آلحليب وجمال آلأزهار من آلوسائل لجلب إهتمام آلآخرين .
آلسعادة لاترتبط دوما بالراحة آلجسدية ، ففي لحضات آلمخاض وبالرغم من شدة آلألم فمعظم آلأمهات يعيشون لحضات سعيدة لحصولهن على سعادة آلأمومة .
المحارب آللذي له آلإيمان آلكامل بقضيته ، ومرابطا في جبهات آلقتال وتحت أشعة آلشمس آلحارقة وبمرمى نيران آلعدو وربما مع جوعه وعطشه ، تجده في أحسن لحضات سعادته وحتى لايحس بألم إن أصيب بجراحات لتأثير آلسعادة عليه لأنه يتصور بأن آلمقاومة هي آلوسيلة آلوحيدة للوصول إما إلى سعادة آلنصر أو إلى سعادة آلموت بشرف من أجل قضية مهمة بنظره. وكم من مناضلين أشداء صعدوا منصات آلإعدام وودعوا دنياهم وبأبتسامة كتعبيرعن سعادتهم لإيمانهم بمبادئهم ووصولهم إلى غايتهم .
آلصائمون وبالرغم من جوع وعطش يعيشون حالات سعادة مستمرة طوال فترة آلصوم ، لهم سعادة وقتية في وقت آلإفطار للسماح لهم من تناول آلغذاء وآلشراب ، وسعادة آخرى وذلك لقدرتهم على تلبية نداء ربهم لإيمانهم بعظمته وواجب إطاعته ، وسعادت آخرى بصبرأجسامهم على تحمل آلجوع وآلعطش ، وسعادت مستديمة إلى آخر يوم في عمرعم بإنتظار نيل آلمكافئة وهو لقاء ربهم ودخول آلجنة بعد يوم آلحساب ، كل هذا يعتمد على مدى عقيدة آلإنسان بدينه وبربه وسلامة نيته وصدق إيمانه .
المصاب بداء آلغنغرينا ( Gangren ) يسعد جدا لإستئصال وربما ساقيه وفقدان قسم حيوي من جسمه ويسعد بقضاء بقية عمره معوقا لأن يدرك جيدا بأنه لايستطيع أن يكمل حياته مع جزء ميت من جسمه ، فلذا فالوسيلة آلوحيدة للوصول إلى آلغاية ألأساسية بالبقاء حيا هو مشرط آلجراح .
هنالك أناس مضحون وخيرون ترتبط سعادتهم بسعادت آلأخرين وحتى وإن جلبت سعادت آلآخرين نكسات لهم ، فهم راضون وقانعون وسعداء بعملهم ، فتجدهم مثلا وبملأ إرادتهم يتركون رخاء عيشهم وبلدانهم قاصدين دول فقيرة ليساعدون آلمحتاجين ويقدمون خدماتهم لهم ، وبالرغم من خطر آلأمراض والحروب وآلإرهابيين عليهم وعلى حياتهم ، وآلكثيرون منهم لايؤمنون وحتى بوجود آلله. فغاية هؤلاء في آلحياة هو مساعدة آلآخرين ولايجدون وسيلة أحسن لبلوغه وإسعاد أنفسهم سوى آلتطوع وخدمة آلمحتاجين في آلدول آلمنكوبة .
آلكثيرون من رجال آلأعمال وهم في خريف أعمارهم لايسعدهم شيئا أكثر من جمع آلمال فتجدهم يسهرون آلليالي ويدخلون في مشاجرات للحصول على آلمزيد من آلأموال ، وهم يدركون جيدا بأن ثرواتهم قد تكفي لسابع أحفادهم ، فغاية هؤلاء ليس آلمال وإنما آلحفاظ على سعادتهم بقوة مراكزهم وسيطرتهم على آلآخرين وشهرتهم بين آلناس ،ويعتبرون آلأموال آلوسيلة آلوحيدة للحفاظ عن كل ذلك .
فلا يسعد آلمقامرون وبآلرغم من خسارتهم آلمادية في دنياهم سوى آلمزيد من آلمقامرة ، لأنهم ربما تصورون آلحظ قد يحالفهم يوما ويصلون إلى سعادتم بالفوز ، ومنهم لايجدون وسيلة أخرى يقظون بها على مللهم وأوقات فراغهم سوى سوى طاولة آلقمار أوساحات آلفروسية أو آلحاسوب في عصرنا آلحالي .
وفي عالمنا آلعربي تجد حكاما لايسعدهم شيئا سوى تمسكهم بكراسي الحكم وآللعب بمصير آلبلاد وآلعباد , ولا يتركون كراسيهم وحتى بمماتهم .
منهم من أباد قسم من شعبه وهجر وأعدم وكان سببا عن إزهاق أرواح أكثر من مليون إنسان برئ ، وما فعلوا كل ذلك إلا لإسعاد أنفسهم لأن آلوسيلة آلوحيدة للحفاظ على حياتهم وسلطانهم هو آلقضاء على كل من يشكون بمعارضتهم وحتى وإن نجم عن ذلك خراب آلبلاد وآلدخول في حروب أو إحتلال دول مجاورة.
وأما آلساديون فسعادتهم في إيذاء آلآخرين ،على آلعكس منهم هناك أناس يطلق عليهم بالماسوشيه فيصلون إلى قمة سعادتهم بإيذائهم جسديا من قبل مضاجعيهم ، فهؤلاء لهم مايقنعهم بأن آلوسيلة آلوحيدة للوصول إلى إشباع غرائزهم وتحقيق سعادتهم هي إما إيذاء آلآخرين أو تحمل آلأذى من آلآخرين . من آلصعوبة أن تصفهم بمرضى لأن غالبيتهم لهم مكانتهم آلإجتماعية وآلإقتصادية في آلمجتمع ولم تجد في حياتهم آلعادية ما يفرقهم عن آلآخرين ، فتجد نماذج منهم في جميع آلمجتمعات وبين كل شرائحها.
وهنالك من يندمون على لحضات سعادة قد عاشوها ، وربما بتصورهم قد إستخدموا وسائل غير مقبولة للوصول سعادة مؤقتة ، فتجد هذه آلحالات عند اللذين قد مارسوا آلرذيلة أو إعتدوا على آلأخرين في لحضات معينة ، أومن قام بعمل غير لائق وهو في حالة آلسكر.
وأما آلخبثاء وآلمشاكسون فلايسعدون إلا بإيذاء آلآخرين لأن سعادتهم مبنية على ذلك ، ووسيلتهم لنيل تلك هي خلق آلفتن أو بإثارة شجار بين آلناس .
وآلإرهابي آللذي يفجر نفسه بين آلناس فربما هو سعيد بيقتل آلأبرياء أو عند رؤيته لأشلاء آلقتلى إن سنحت له فرصة ذلك . من آلعسير أن نجد تفسيرا منطقيا لهذه آلظاهرة آلمتفشية في آلكثير من آلبلدان آلنامية ، فإن إعتبرنا جدلا بأن للإرهابيين غايات دينية سيسعدون بها في آلآخرة ويعتبرون تفجير أجسادهم وسيلة لذلك ، فلا أتصور بأن هنالك دين سماوي أوغير سماوي يجيز للإنسان أن يقتل آلآخرين لأرضاء ربه ومكافئتة بدخول آلجنة . وإن تصورنا بأنهم يتقاضون مكافئات مادية جراء أعمالهم ، فما فائدة آلمال للإنسان بعد موته .
أتصور وأجده منطقيا بنظر آلكثيرين بأن آللذين يفجرون أجسادهم ليسوا إلآ وسائل لوصول أناس آخرين للسعادة ، وذلك بإشباع غرائزهم آلإجراميه بقتل آلأبرياء ، فهؤلاء آلمفخخون ربما أناس بسطاء ساذجين قد تم غسل أدمغتهم بطرق مدروسة وشيطانيه وإقناعهم بسعادة وهمية ووعود بدخول آلجنة وأحيانا يتم تزويجهم بصورة مؤقته ليروهم معنى آللذة آلجنسية ويقنعونهم بآلجنة آلموعودة وحور آلعين بإنتظارهم على أحر من آلجمر، فلا يبعدهم عنهن سوى آلضغط على زر آلتفخيخ , وبمعادلة حسابية بسيطه وبدائية يجد هذا آلمخدوع بأن مضاجعة تعداد من حور آلعين قد تصلن إلى أربعين وآلسباحة في أنهار من عسل وخمور أحسن بكثير من مضاجعة وربما على أحسن آلأحوال أمرأة واحدة متواضعة آلجمال وحياة دنيوية متعبة وفقر مادي ومطاردات من قبل آلجيش وآلشرطة .
ونستنتج مما ذكرناه سابقا وبإيجاز بأن آلسعادة غاية وطرق آلوصول إليها يشمل على كل آلمتناقضات ، وكل واحد مما ذكرناه قانع بوسائله آلخاصة للوصول إلى غايته لأسعاد نفسه .

آلسعادة غالبا ما يخص آلإنسان لوحده فقط أو لأهله وبعض آلمقربين منه ، ولكن هناك صفتان إن تحلى آلإنسان بواحدة منهن أوكلاهمها قد يعيش سعيدا ويسعد آلآخرين معه هما آلقناعة وآلحب .
فلكل أناس مبرراته لأسعاد نفسه .... أترى َمن من آلسعداء آحقين بسعادتهم ، وأي مفهوم للسعادة تجده عند حكامنا وهل ندم أو يندم أحدهم على وسائله لبلوغ سعادته ...وهل حقا يعرفون معنى آلسعادة آلحقيقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا