الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوط حمر في اليوم العاشر

مروان ياسين الدليمي

2009 / 10 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عالمنا الممتد من المحيط الى الخليج ،لم يزل يحيا في زمن مظلم ثابت غير متحول منذ مطلع خمسينات القرن الماضي ، اي من اللحظة التي أبتدأت فيها الزعامات الوطنية تتسلم مقاليد السلطة .
من هنا بدأت لحظة اعتقال العقل العربي وراء قضبان ايدلوجيات الاحزاب الحاكمة وقادتها الملهمون . لتبدأعندها مذ ذلك الوقت مرحلة طويلة ومهلكة مارستها الانظمة الحاكمة ولم تنتهي بعد ولم تكن تلك الايدلوجيات إلاّ منظومة امنية تتشكل من سياسة لاتخرج عن إطار: التخوين والتخويف والترهيب والتسويف والتبجيل والتعظيم والتنكيل والتحريم والتخديروالتعذيب والتقتيل والترويع والتفجيع الخ من اشكال القسوة والقهر والقمع .
ومع ان الكثيرمن الحكام قد تبدّلوا أوأُستبدلوا أو غابوا أو غيُبوا أو تغيبوا إلا أن ماتركوه من ميراث ضخم ومرعب في فنون وجنون واساليب السيطرة والحكم والتعامل مع من يختلف معهم في الرأي والرؤية بقي حاظرا ،ًويافعاً، ونافعاً، وناظراً. ولم تتنكر له الوجوه والعقول الحاكمة الجديدة ، علمانية كانت أومتدينة، ألاّ في الايام العشرة الاولى من توليها الحكم فقط ، لتعاود هي ايضاً مرة اخرى في اليوم الحادي عشربعد جلوسها على عرش السلطة لتمسك بيد من حديد صولجان الوصاياوالتقاليد الذي ورثته عمن سبقها من أولئك الحكام، الذين ثارت عليهم وطهرت البلاد من رجسهم . وبالتالي فإن الوجوه الحاكمة الجديدة لن تكون في حيرة من امرها ولن يكون عليهاأبداً ان تبدأ من الصفر في كيفية حكم البلاد والعباد .
كم تفاقمت ازمة الوعي والثقافة العربية مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع بداية ظهور الجماعات الدينية المتطرفة في مصر وهيمنة هذا الفكر بكل تشدده على مساحات واسعة من المنطقة العربية وقد شجع على ذلك الاحتلال السوفياتي لافغانستان والدعم المالي الكبير الذي تلقته تلك التنظيمات الدينية المتطرفة سواء من بعض دول الخليج انذاك أو من قبل اميركا وبريطانيا اللتان لم تبخلا بكل ماتملكان من خبرة عسكرية في اعداد وتنظيم تلك الجماعات وامدادها بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخباراتية .
ولما جاءت اللحظة الفاصلة التي حققت فيها الانتصار العسكري على الجيش الاحمر ( الملحد ! ) ملحقة به شر الهزيمة ومن ثم سيطرتها على افغانستان، كان لابد لها ان تشعر بالزهو والقوة التي لاحدود لها ،وعليه ايقنت اشد اليقين انها هي ولوحدها من تملك وتحتكر تطبيق شريعة الله على الارض وينبغي عليها أن تفرضها على الارض والعباد بقوة السلاح والارهاب دون الرجوع الى الحكمة والعقل والحوار والارشاد والمجادلة .
كان انتصارها ذاك اعلاناً واضحاً لهزيمة كبرى لكل من يخالفها من القوى والعقول والتيارات الفكرية ولكل من لايؤمن بما تسعى اليه هي من هدف واضح :في اقامتها للامارة الاسلامية .
في تلك اللحظات الدرامية من نهاية العقد الثامن من القرن العشرين ومع انتصارها في افغانستان بدأت هزيمة العقل والحرية في عالمنا العربي امام طغيان الملالي والامراء وفتاويهم في تجريم وتحريم الحياة الانسانية المدنية بكل اوجهها وانشطتها العلمية والانسانية .
لقد طالت اذرع محاكمهم وفتاويهم اسماءً وانشطة وتجمعات على طول الارض العربية وحتى خارجها سواء في اميركا او في اوربا . ولم يسلم منها حتى اللذين لاصلة لهم بأنشطة الفكر والسياسة وألفن والثقافة ولم يكونوا في يوم من الايام ، شعراء ولاأدباء ولاممن يكتبون القصة ولا الرواية ولاالمقال ولاكانوا بمطربين ولاممثلين ولاصحفيين بل كانوا يشكلون جزء اً من موظفي الدولة لاغير ! التي هي في نظرهم ومعتقداتهم كفرُ وعبادة للشيطان وكل من يعمل فيها ويساهم في بنائها وتطويرها وخدمتها يقع عليه حكم مايقع على الكافرين .
ويوماً بعد اخر وسنة بعد اخرى امتد هذا الفكر ودخل بيوتنا وجامعاتنا ومؤسساتنا العلمية دون ان يستأذن أو يطرق الابواب .
دخل مع رغيف الخبز اليابس الذي نحصل عليه بشق الانفس،
ومع الاجراليومي المتدني للعامل وهو يشقى طيلة ساعات النهارولايحصل على مايسد به رمقه او ابسط الاحتياجات الانسانية لعائلته ،
ومع الاطفال وهم يفتشون في المزابل عما يمكن ان يسد رمقهم ،
مع المشردين في الخيام،
مع العاطلين عن العمل من الخريجين لسنين طويلة،
من اطباء ومهندسين، ومدرسين لاتكفي رواتبهم لاكمال نصف دينهم ،
مع اليتامى من ابناء الشهداء الذين اخذتهم الحروب القومية الى فلسطين ولم يعودوا بها ومنها ،
مع المثقفين المعتقلين في زنزانات الامن والمخابرات،
مع ارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة ،

مع سكان الصفيح وبيوت الطين والمقابر والمزابل والعشوائيات .
في ظل هذا الموت البطيء
في ظل هذا ألعذاب ،
في ظل هذا الاسى ،
وفي ظل هذا الخراب ،
نَمَا اليأس والتطرف ،وشاعت ثقافة الموت وماتت ثقافة الحياة ، ولم يعد امام من ينتج الثقافة متسع طبيعي من الزمن والمساحة لحرية القول
والتفكير. وتراجع المجتمع بثقافته الى الخلف قروناً من الزمن محشوراً في اقبية وسراديب مظلمة يتردد فيها صدى تمتمات وتعاويذ وطلاسم مرعبة ، وهَزَم المجتمع العربي منجزه الثقافي والمعرفي الذي تناوبت على أنتاجه اجيال واسماء كبيرة .
لذا لم يكن غريباً إذن ازاء تداعيات هذا المشهد : ان تصدر فتاوى تدعو الى حرق وتحريم نتاجات ثقافية احتفت بها اوساطنا الثقافية والاجتماعية قبل اكثر من ثلاث عقود كما في رواية (وليمة لاعشاب البحر) لحيدر حيدر ،(وأولاد حارتنا لنجيب محفوظ ). ومجمل كتابات الدكتورة نوال السعداوي وليصل الامر الى ماوصل اليه معبراً عنه في محنة الدكتور نصر حامد أبو زيد ، وبعدها جاء دور الشاعر موسى حوامده واحمد عبد المعطي حجازي وصلاح حسن وعدنان الصائغ . واخيراً وليس أخراً ماتعرض الشاعر العراقي احمد عبد الحسين في شهر آب 2009 من تهديد وتلويح بالقتل لالشيىء إلاّ لانه مارس دوره الطبيعي كمثقف في الدفاع عن حرية شعبه التي خنقتها العمائم الثقيلة التي أمست تحكم ادق تفاصيل الحياة العراقية وتسيطر عليها بميليشياتها الطائفية المسلحة التي لاتتوانى ابداً عن قتل الناس على الهوية ،ولن تخشى ابداً في أن تسرق وتنهب ممتلكات الدولة في وضح النهار مستعينة كذلك بالياتها وعجلاتها الرسمية وليس هنالك من قوة حكومية قادرة على أن تردعها أوتحاسبها بل حتى لايمكنها أن تتجرأ ولو بالاشارة اليها عبر بيان رسمي يستنكر أو يشجب افعالها .
إن قائمة المثقفين والمفكرين والفنانين الذين بدأت تطالهم فتاوى التكفير والتجريم والقتل في عالمنا العربي بدأت تطول لتصل كل من يقترب ولو حتى خطوة واحدة الى فضاء الحرية للتفكير في شؤون الخَلقِ ِوالخَلقْ .
إن هامش الحرية بدأ يضيق ويضيق بشكل مرعب ومخيف امام من يشتغل في اي حقل من حقول الثقافة .
ونحن اليوم امام مد طلباني (نسبة الى حركة طالبان) التي سبق أن أحالت الحياة ألانسانية بكل اشكالها الى مثواها الاخيرحين توفرت الفرصة لها وتسلمت مقاليد الحكم في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي .
إن حالنا أليوم لن يكون باحسن من حال شعب افغانستان او الصومال فيما لو بقيت اغلب انظمة الحكم القائمة تتعامل مع مواطنيها باستحقار ودونية وهي بذلك توفر الفرصة المناسبة للفكر الديني المتطرف لكي يتسارع نموه في بنية مجتمعاتنا .
كما يعني ذلك ايضاً حجرُللعقل الانساني المفكر والمبدع .وسيادة ازمنة التقديس والتدليس .
هذا هو الاطار العام الذي بات الكاتب العربي يحيا بظله ويموت بظله . وهوظرف وجودي ليس هنالك من ظرف اسوأ منه إلاّ تلك الازمنة التي مرت على البشرية ايام محاكم التفتيش .
ومن الطبيعي ازاء هذا الضغط والقهر والكبت الذي ينهال على جسد الحرية الانسانية ان ينشأ زمن اخر للكتابة مضاد لما هو قامع وهاتك لحرية التفكير والابداع الانساني . وهذا الامر ليس من البساطة بمكان في أن نضعه بكل سهولة وأستخفاف في خانة ألاملاءات الخارجية وتسطيح النص الادبي وتحويل الادب الى اداة لتحطيم الوعي العربي المترنح اصلاً !
إن الادب لكي يساهم في تشكيل الوعي العربي من جديد لاسبيل امامه إلاّ بأمتلاكه الحرية المطلقة في طرق وفتح كل الخطوط الحمر و الابواب المغلقة ،وهو بذلك سوف لن يجنح الى خدش الحياء ولن يدنس المقدسات انما سيعيد للعقل حريته المعتقلة وسيمنح الانسان فرصة لاغنى عنها في قراءة جديدة لذاته المتبلدة الخائفة ،والخانعة .
لكني اجد ان مجتمعاتنا ابعد ماتكون عن تلك الفرصة التي خلقتها لنفسها الجماهير الايرانية الغاضبة والمحتقنة بكل ادران التحريم والتخوين والتخويف فيما لو بقيت اسيرة التابوات والخطوط الحمر المقدسة .

مروان ياسين الدليمي
العراق
18/ 10 / 2009










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة