الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين ديناميكية الاجتهاد وميكانيكيته

رابحة الزيرة

2009 / 10 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في فترة الاستعمار البريطاني في الهند تعرّف الإنجليز على أحكام لا قبل لهم بها في العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية بحسب الشريعة الإسلامية وخاصة فيما له علاقة بقضايا الطلاق وأسبابه وأنواعه كطلاق الخلع، أو التفويض، أو ما اصطُلح عليه بطلاق بينونة صغرى وأخرى كبرى، وغير ذلك، فتذكر كتب التاريخ أنه لما علم أحد القساوسة بأنّ المرأة المسلمة إذا بدّلت دينها فإنّ زواجها يصبح باطلاً، وينفسخ عقد النكاح تلقائياً (أي تعتبر طالقاً وإن لم يطلّقها القاضي)، ووجد فيها طريقة سهلة للتشجيع على تنصير المسلمين الذي كان يسعى له الإنجليز آنذاك، فأعجبته الفكرة وأخذ المبادرة في الموافقة السريعة على تطليق النساء اللاتي يبدّلن دينهنّ إلى المسيحية، حتى أنّ بعض النساء المتضرّرات كنّ يكذبن على القاضي بهدف تسريع إجراءات الطلاق المستعصية ما اضطرّ القضاة بعد ذلك إجراء اختبارات احترازية لكي لا يُخدعوا، كأن يقدّموا للمرأة خمراً لتشربه، أو لحم خنزير لتأكله، أو أن يطلبوا منها أن تسيء إلى رسول الله (ص)، فإذا اجتازت تلك الامتحانات وتأكّدوا من تنصّرها أصدروا وثيقة طلاقها.. ما يعني أنّ بعض النساء كانت مستعدة أن تكذب وترتكب الحرام وتفارق دينها لأجل خلاصها من ظلم زوج مستبدّ طالما لم يترك لها الفقهاء سوى هذا المخرج.

هذه المعلومة، وحقائق وحوادث أخرى كثيرة صادمة تصفع المرء كلما قرأ وتبحّر فيما له علاقة بتنظيم العلاقات الأسرية، وتدعو لإعادة طرح هذا الموضوع مراراً وتكراراً لقرع جرس الإنذار وإزعاج القائمين على سنّ أو البتّ في قوانين الأحوال الشخصية من قضاة ومشرّعين ونوّاب لعلّ ذلك يخلق حالة من الشعور بالأزمة أو الخطر المحدق بالأسرة وبالمجتمع، بل وبالدين وعدالة أحكامه، وبهم كسلطة قضائية أو تشريعية، فمهما تصبر النساء على الظلم الواقع عليهنّ من جرّاء الأحكام الجائرة في قضايا الأحوال الشخصية، وتجاهل المعنيين لمشاعرهنّ ومشاعر أطفالهنّ والآثار السلبية المترتّبة على تلك الأحكام، فلابدّ لقيدهنّ أن ينكسر يوماً.

ليس هناك أحكام أسرة موحّدة في الدول الإسلامية، بل هناك تفاوت وتباين كبير بينها اعتماداً على عقلية المشرّعين و(ميكانيكيتهم) في إصدار الأحكام حسب قوالبهم الجامدة والبالية، أو بناء على تفتّح عقولهم وانفتاحهم على الواقع وقدرتهم على مواكبة العصر استناداً على مقاصد الشريعة وبتفعيل الاجتهاد (الديناميكي) والفقه النابض بالحياة مع كلّ قضية وملابساتها وكلّ حكم وظروفه، فعلى سبيل المثال لازال هناك بعض القضاة يفرضون على الزوجة انتظار الزوج المفقود أو الغائب تسعين عاماً (إذاً يتحتّم عليها أن تستلف عمراً إضافياً لتفي بحقّ الزوج الغائب!) ثم خفّفوها إلى خمسين عاماً (يا للحكمة والإنصاف!)، بينما تطوّرت أحكام بعض الدول وقلّصت فترة الانتظار تلك إلى أربع سنوات، ثم إلى سنة واحدة، ثم إلى ستة أشهر بناء على أسباب الغياب أو الفقد.

فالاجتهاد الديناميكي (المتحرّك) مثله مثل الجهاز الذي يعمل بمحركاته الخاصة وليس بحاجة إلى أسباب من خارج النصّ أو الشريعة ليأتي بقانون يحقّق العدالة ويحفظ الحقوق وإنما هناك مساحة شاسعة من اليسر والسعة والرحابة التي بإمكانه أن يتحرّك فيها فلا يتعدّى حدود الله ولا يضيّق على عباد الله، وبإمكانه أن يقلّص تسعين عاماً من الانتظار إلى ستة أشهر بقواعد فقهية صحيحة، منطلقاً من وصايا قرآنية عامة كما في قوله تعالى: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" وقوله: " وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ"، و"فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ"، وغيرها، بينما الاجتهاد الميكانيكي (الجامد) يشبه العربة التي لا يمكنها أن تتحرّك إلا بمحرّك من خارجها أحصاناً كان أو حماراً (كرّمكم الله).

فوجئت بتصريح أحد نوّاب أحد الكتل البرلمانية في البحرين حين صرّح بأن " قانون أحكام الأسرة في شقه الشيعي لن يرى النور طالما يرى البعض صعوبة تحقيق مطلب العلماء المتمثل في الضمانة الدستورية ، وأضاف إنّ الأمة ليست متعطّلة على قانون أحكام الأسرة، فهي سارت لأكثر من 1400 سنة من دون وجود تقنين لأحكام الأسرة، وممكن أن تستمر أيضا 1400 سنة أخرى من غير تقنين للأحكام الأسرية، فنحن مستعدون أن ننتظر 2800 سنة !!

لا أدري عن أيّ أمّة يتحدّث، فالأمة الإسلامية في مناطق مختلفة من إيران، إلى تونس، إلى الجزائر، والمغرب، ومصر، والأردن، واندونيسيا، وماليزيا، وباكستان، وبنغلادش، وحتى الهند ذات الأقلية المسلمة، والمسلمين المهاجرين إلى البلاد الأوروبية أسّسوا لأنفسهم كيانات قانونية، ومراكز بحثية، ومجالس شرعية ليطبّقوا أحكام الأسرة فيما بينهم بحسب الشريعة الإسلامية بما لا يتنافى وقوانين الدولة المضيفة، بينما يريد البعض هنا أن نبقى أربعة عشر قرناً أخرى بلا قانون لأحكام الأسرة ليخفّف من معاناة تلك الأسر المتضرّرة – رجالاً ونساء وأطفالاً - كرامة لعيون بضعة من رجال الدين الذين لا يكترثون لما يجري على تلك الأسر المفكّكة والتي تعاني من استحالة استمرار الحياة بين زوجين متباغضين وأطفال مشتّتين، وعجباً لآلاف النساء اللاتي لم تأخذهنّ الحمية على حقوقهن ولم نسمع منهن أية ردّ فعل على تصريحات غير مسئولة كهذه.

قد يغيب عن المتغافلين عن حقوق الأسرة والرافضين لتقنين أحكامها أنّ "طلاقاً بائناً بينونة كبرى" سيقع بينهم وبين قاعدتهم الشعبية من النساء بالذات إذا تمادوا في التعامل معهنّ كنعاج تائهة، فإن لم تتحرّك تلك النساء اليوم خوفاً أو لبقية احترام لازالت تكنّه لرموزها الدينية، فإنّ موجة غضب النساء العالمية لن تخطئ ظالميها وهي تتقدّم بإصرار لانتزاع حقوقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها عقول مغيبة
سمير البحراني ( 2009 / 10 / 25 - 15:08 )
اختي الكريمة ان شيعة البحرين لم يكونوا يوما من الايام ذوو استقلالية في الراي بل تبعا لعلمائهم الذين هم بدورهم لا يريدون لهم الا الاستعباد باسم الله تارة وباسم رسوله واهل بيته تارة اخرى. لان وعي الشيعة يكلفهم الكثبر من فقد جاههم وتقديسهم ويا ليت شعري هل سال احد منا نفسه عن دور هؤلاء غير الكلام الفاضي وتسويقه على الاميين وان كانوا متعلمين .ماذا جنينا عندما اصدرت الاوامر بانتخاب الكتلة الايمانية ــوكان الايمان موقوف على اعضاء الوفاق ــ والذين جلهم لا يفقه في السياسة شيئا ابد الا قراءة دعاء الفرج استادا على فتاوى لا على قناعة ذاتيه.ان العجب كل العجب من بعض المثقفات البحرينيات الذين يطالبن بعدم نطبيق الاحوال الشخصية وقد راينهن في المسيرة التي قام بها العلماء احتجاجا على القانون المزمع تطبيقه.ان شيعة البحرين لم يصلوا بعد الى النضج السياسي والاعتماد على قناعتهم الذاتيه ولن يصلوا ابدا اذا لم يفكوا الارتباط التقديسي بينهم وبين علمائهم والذين لا زالوا ينظرون اليهم وكانهم اولياء الله في ارضه.

اخر الافلام

.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني


.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم




.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran