الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيرة الإنسان بين الكُلى المُطلق و الجزئى النسبى

راضى وديع خليل

2009 / 10 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بينما يقدم الدين للانسان منظومه كليه يقينيه تفسر جميع ما يعّن له من تساؤلات,فإن العلم ليس لديه سوى الجزء الذى استطاع إثباته من إجابات على أسئلة الإنسان.و أرى أن التعلق بالمعتقد الديني راجع للأسباب التاليه,و ربما غيرها:-

السبب الأول-الحاجه للطمأنينه:يخشى الانسان الوحوش الضاريه وبطش الطبيعه و عبث الغيب المجهول به, كما يخاف المرض و يرتعب من فكرة الموت.

السبب الثانى-الحاجه للعـــــدل:فالانسان يستنكر أن ينتهى فاعل الخير و فاعل الإثم الى مصير واحد هو الموت.

السبب الثالث-الحاجه للمعرفه:فالانسان يحتار فى تفسير ظواهر الطبيعه و لديه تساؤلات كثيره عن الوجود و المستقبل و المصير لا يجد عنها اجابات.

السبب الرابع-الحاجه للردع:فالانسان يريد رادعاً قوياً لمن يهمه أمرهم حتى لا يقتل أو يسرق بعضهم بعضاً أو يزنى بعضهم بالبعض الآخر.و فى ذات الوقت يكفل هذا الردع تأمين الانسان من عدوان أخيه الإنسان.

سوف نقارن فيما يلى بين ما قدمه الكلى(الدين),والجزئى(العلم)للإنسان:

أولا – ما قدمه الدين:

(1)يطمئن الدين الانسان بأن حياته لن تنتهى بالموت,بل سوف يُبعث بعد موته فى حياة أخرى (أبديه),كما يقدم له فكرة ثواب الصبر على المكاره مثل (المرض أو فقد الأحباب أو غضب الطبيعه...الخ).
(2)يبشر الدين الانسان بالعدل من خلال القول المعسول بأن الصالح الذى يفعل الخير و يطيع أوامر الإله سوف يثاب و يكرَّم بدخول الجنه عند بعثه,أما الطالح صانع الشر فسوف يعاقب بإلقاءه فى نار جهنم يصلاها خالد فيها.
(3)يشيع الدين أجواء المعرفه اليقينيه بين أتباعه بأجوبته الشامله على كل تساؤلات الإنسان عن الطبيعه و الحياه و الزمن و المصير.
(4)يقدم الدين للإنسان نظامه الرادع قائلا بأن السارق و الزانى و القاتل و من لم يمتثل لنواهى الإله فسوف يُعَرِّض نفسه لبطش إله منتقم جبار كلى القدره ربما يخسف به الأرض فى حياته, ثم يذيقه فى أخراه مُر العذاب.

و بذلك مضى الإنسان على هدى الدين مطمئنا اطمئنان الجهاله ,فلديه أجوبه شامله و حقائق مطلقه عن كل ما يخطر له من تساؤلات فى الحياه ,كما لم يترك الإله الانسان وحيدا حائراً فى الحياه بل أحاطه بالكهنه ليفسروا له ما يغمض عليه ,فلم يجد هذا الإنسان موجبا لإعمال عقله فى الكثير من أمور حياته,و فى ذات الوقت يحظى الكهنه بتوقير العامه و عطاياهم .

ثانيا-ما قدمه العلم التجريبى:

(1) إستطاع التوصل الى العديد من طرق العلاج و الأدويه و الأمصال لعلاج معظم أمراض الانسان,كما يبذل العلم(العلماء)كل ما فى الطاقه لإخضاع الطبيعه الثائره و إطالة حياة الانسان قدر الممكن و الحد من الأخطار التى تواجهه فى بيئته و البحث عن مصادر و وسائل تحسن من نوعية حياته.
(2)نجح فى وضع دسـاتير و قوانين مكتوبه تشـيع العدل –قدر الامكان-فى المجتمع الانسانى و تعاقب على إرتكاب جرائم فى حق الانسان و مجتمعه, كما وضع النظم الاداريه و الاجتماعيه لإثابة المجتهد و النافع لمجتمعه.
(3)لم يخجل العلم أن يقول للإنسان"لستُ أعلم حتى الآن", و لكن العالِم يعمل كى يعلم و يتلمس كل السبل التى تمكنه من تحقيق ما يسعى إليه.و قد مكَّن العلم الانسان من أن يختبر و يفحص ما إستطاع العلم التوصل إليه كى يتأكد من وجوده و يتعرف على طبيعته و خصائصه.
(4)وفَّر العلم للإنسـان الفرد و للمجتمع الذى آمن بقيمة العلم و منهجه و تَلمَّس سُبُله أن يحيا فى حريه و ينعم برفاهية و يحلم بمستقبل أفضل فى ظل منافسه حره و مساواه و تكافؤ فرص.


يطوِّر العلم ذاته باستمرار و يبحث دوماً عن الجديد و يحقق إنتصارات فى شتى مجالات الحياه.ربما كان ما ينقص العلم هو الإلتزام بميثاق أخلاقى كى لا تتحول انتصاراته المتتاليه لانكسارات أو إنجازاته العملاقه الى تهديد لحياة الإنسان عوضاً عن صونها و تحسين نوعيتها.إذا تحقق ذلك فسوف تعم الخيرات الناتجه عن إنجازات العلم على البشر جميعاً من مظاهر العدل و الحريه و الرخاء -و لو بتفاوت مقبول-,و حينئذ سوف يتشجع عدد كبير من البشر فينتقلون طوعاً من معسكر الكلى المطلق الى معسكر الجزئى القابل للقياس و بخاصة إذا إبتكر هذا الأخير بديلاٌ للروحيات التى يحتاج بعض الناس لإشباعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أعتقد بأن العلم سوف يحسم الجوله لصالحه
زيـــاد كســـاب ( 2009 / 10 / 25 - 20:45 )
فى تعقيب د./كامل النجار على القراء اليوم وردت مقولة(عندما ينتهى العلم يبدأ الإيمان),وأنا مقتنع جدا بصدق تلك المقوله,فما يثبته العلم عملياً علينا أن نؤمن به,أما الإيمان بغيبيات فى صيغة حقائق مطلقه لا تقبل النقاش فهذا برأيي هو الغفله و خداع الذات إذ كيف السبيل الى التحقق من أقوال مرسله فى صورة نصوص مقدسه؟؟-من لم يؤمن اليوم بمنهج العلم كمنهج عقلى و يدرك فضله على البشريه فسوف يؤمن غداً أو بعد غد,و سوف ينفض عنه غبار الخرافه والأسطوره.لا يفوتنى أن أشيد بالمقال المتكامل و الممتاز و ما سبقه من مقالات متميزه أضافت لى شخصياً ,لعل الكاتب يلحقها بمثيلات لها على نفس المستوى


2 - جهد مشكور
قارئه مغربيه ( 2009 / 10 / 25 - 21:12 )
جيد أن تربط بين أسباب تعلق بنى آدم بالمعتقد الدينى و ما قدمه الدين لبنى آدم ليزيد من تعلقهم بأوهامه*ثم تستعرض مدى تلبية العلم لاحتياجات البشر,نجاحاته و اخفاقاته*تعقد مقارنه بين المطلق
و النسبى *قد استحسنت انتصارك للنسبى فى ختام المقاله لنزاهته و قابليته للاختبار والقياس*مقال متوازن*أحسنت*أشكرك


3 - وهم مطلق و يقين نسبي
أحمد التاوتي ( 2009 / 10 / 26 - 01:39 )
و العلم يقين نسبي ازاء الحقيقة المطلقة و ليس ازاء الوهم المطلق.
فلا مجال بأية حال للمقابلة بين العلم و بين الدين.
أيضا لا ينقص العلم الالتزام بميثاق اخلاقي.. فالواقع أن عملية التفكير العلمي بحد ذاتها تعتبر ارقي التزام و أنقى حالات الوعي لدى الانسان. غير أن الذي ينقصه هو شيء من الشدة و الصرامة ازاء أهواء السياسة و السياسيين المؤدلجين بوثوقيات شمولية من عائلة الوهم الاطلاقي اياه.
تحياتي للكاتب


4 - تلك الآلهة الافتراضية
فوزى الفيل ( 2009 / 10 / 26 - 10:19 )
كانت الغيبيات و الوهم و الخرافة لازمة للإنسان البدائى فى العصور الغابرة التى سبقت انتظام المجتمعات البشرية فى شكل دول تحكمها مؤسسات مسؤولة أمام الحاكم و أمام المواطنين فى آن ، فقد كان الايمان بخالق كلى القدرة و القوة و الرحمة و العدل يخفف من متاعب الحياة لدى المكدودين و يوفر العدل الموهوم للمظلومين و يردع بعض الظالمين عن المضى فى ظلمهم ، كما كان هذا الايمان ضروريا لاعطاء تفسيرات للمشاهدات التى لم تتوصل المعارف حينها لتفسيرات لها ، و قد استغل أذكياء تلك العصور إيمان ( الأقل ذكاء ) بالخرافة و الغيب و اخترعوا لهم آلهة تروق خيالهم - خيال غير الأذكياء - و أسبغوا على تلك الآلهة الافتراضية المتخيلة صفات و خصائص خارقة ، ثم ادعى كل ذكى أنه رسول هذا الإله أو ذاك و أنه ينعم برعايته و حمايته و يحمل رسالته و ينقل تعاليمه الى البشر الأغبياء و يمنحهم البركة نيابة عنه ، و من هنا سيطر الذكى على عقول و قلوب الأغبياء الضعفاء و أصبح ملكا أو رئيسا عليهم يرسلهم فى الحروب و يسخرهم فى خدمته و يأكل عرقهم طواعية بتغييب عقولهم أو قسرا و قهرا بصلاحيات أكسبتها له العقيدة التى ابتدعها و نشرها بينهم نتيجة جهلهم و غبائهم و تعطل عقولهم ، فيزداد الذكى المخادع قوة و عزة و رفاهية بينما يزداد الأغبياء غباء و جهلا و ض


5 - تلك الآلهة الافتراضية - 2
فوزى الفيل ( 2009 / 10 / 26 - 11:23 )
بعد و صول الانسان الى ( ما بعد الحداثة ) و إلى الانفجار المعرفى ، و بعد اكتشاف الانسان المعاصر أنه قادر بجهده و عقله عـلى أن يصبح ( الشافى ) بالأمصال و اللقاحات و المستشفيات و المعامل و مصانع الدواء ، و ( المعطى - العاطى - الكافى- الرازق - الرزاق - الوهاب - الكريم - المنان- المغيث - المعين - الرحمن - الرحيم - الرؤوف ) بنظم الضمان الاجتماعى و اعانات المرض و الفقر و البطالة و الاعانات الدولية لسكان المناطق المنكوبة و الى ضحايا التصحر و الحروب و المجاعات ، و ( القوى - الجبار - المهيمن - الناصر - النصير - القادر - القدير - المهلك - القهار- المميت ) بقوة الأسلحة الفتاكة و القنابل التدميرية و غيرها من أسلحة الدفاع و الهجوم ، و هو ( العليم - الخبير - البصير - السميع - علام الغيوب ) بوسائل التجسس و التنصت و الأقمار الصناعية و بالاكتشافات العلمية التى أخذت بيد البشرية الى ما نحن عليه اليوم ، و هو ( العادل - المقسط ) فى القوانين و النظم المدنية الوضعية و الدساتير العصرية الضامنة للحقوق و الرادعة لكل ظالم أثيم ، هذا هو إنسان العصر الحديث إذا وثق فى قدراته و تخلى عن التخاذل و التواكل و القعود


6 - العلم النسبي
باسم ( 2011 / 10 / 29 - 22:00 )
شكرا لكم

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عمليات نوعية وغير مسبوقة للمقاومة الإسلامية في


.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024




.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد




.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟