الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات طالب مصرى فى أمريكا

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 10 / 26
التربية والتعليم والبحث العلمي


لا غرابة أن تأتى الولايات المتحدة الأمريكية التى بها آلاف الجامعات منها الحكومية والأهلية والخاصة على رأس الدول فى عدد الجامعات المدرجة ضمن المائة أفضل جامعة على مستوى العالم حيث بلغ عدد جامعاتها فى هذه القائمة 53 جامعة، هذا فى الوقت الذى تخلو فيه كل القوائم من أية جامعة عربية. ورغم هذا التفوق والتميز الواضح فإن الإدارة الأمريكية مازالت تنظر بحذر إلى الحالة التعليمية وتنادى بضرورة العمل على تطويرها وتسعى لإزالة كل معوقات هذا التطوير. لقد قضيت فى بلاد العم سام حوالى خمس سنوات فى ثمانينيات القرن المنصرم طالبا وباحثا بإحدى جامعاتها "جامعة نيويورك ببفلو" ومحاولا خلال الشهور الأولى التكيف مع نظام تعليمى لم نعتد عليه. لقد حرصت على تدوين انطباعاتى وتجاربى لعلها تساعدنا فى تحديد عوامل القوة فى النظام التعليمى لدولة متقدمة.

لم تمر سوى دقائق قليلة على دخول مبنى الجامعة بمدينة بفلو حتى تسلمت البرنامج الدراسى للتخصص الذى اخترته والتقيت المشرف الأكاديمى لمساعدتى فى اختيار المواد الدراسية التى تعتبر ضرورية لاستكمال البرنامج الدراسى ثم اطلعت على جدول المحاضرات قبل الدراسة بأسبوع محددا به موعد ومكان كل محاضرة. وقد تلاحظ أيضا أن كل أستاذ يتولى تدريس المواد التى تقع فى نطاق تخصصه الدقيق ولم نسمع قط عن صراع قد نشب بين الأساتذة حول مواد الدراسة. لقد فوجئت بأن نظام التدريس لا يعتمد على التلقين بل يشجع على المشاركة فى المناقشة والتحليل والنقد. كما أن نظام تقييم الطالب يعتمد على كتابة ورقة بحثية توضح القدرة على تبنى وجهة محددة وتقديم الأدلة التى تدحض الآراء الأخرى، وهذه مهارات نفتقدها فى أنظمتنا التعليمية التى تقوم تعشق الحفظ والتلقين .

لقد حاولت التعرف على السياسة التى تتبعها الجامعات الأمريكية مع خريجيها النابغين حيث تبين أن هذه السياسة تتمحور حول عدم تشجيع الطالب الذى يحصل على درجة الدكتوراه على العمل مباشرة بذات الكلية التى تخرج فيها. كما تبين لى أن الجامعة لا تتردد فى مطالبة خريجها بإثبات قدراتهم التدريسية والبحثية فى جامعة أخرى أولا. توقفت لحظة متأملا السياسة التى ظلت جامعاتنا تنتهجها لفترة طويلة من الزمن حيث تفضل الجامعة خريجيها حين تتوفر وظيفة من الوظائف. ولعل أهم النتائج المترتبة على هذه السياسة هى أن يلتحق الطالب فى بلادنا بجامعة من الجامعات ويظل يدرس بها حتى يحصل على شهادته الجامعية الأولى ليعين معيدا بالكلية التى تخرج فيها ثم يلتحق بالدراسات العليا بذات الكلية حتى يحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه. والملاحظ أن الطالب يظل يتتلمذ على يد نفس العدد من الأساتذة ويكاد لا يعرف غيرهم. قد يقضى عضو هيئة التدريس فى جامعاتنا أكثر من ثلاثين عاما فى موقعه حتى يحال إلى المعاش ويعين أستاذا متفرغا فى سن السبعين. لقد سنحت لى فرصة زيارة جامعة نيويورك ببفلو بعد مرور سبع سنوات على تخرجى حيث توجهت إلى القسم الذى تخرجت فيه لاكتشف أن كل أعضائه قد رحلوا إلى جامعات أخرى. لقد استطعت أن اقتفى أثر أعضاء لجنة الإشراف على رسالة الدكتوراه من خلال شبكة الانترنت حيث تبين أن المشرفة على رسالتى اتجهت إلى جامعة سيمون فريزر فى كندا بينما اتجهت المشرفة الأخرى إلى جامعة نيومكسيكو. وفى ظنى فإن هذا التجديد والإحلال يؤثر بالإيجاب على ديناميكية وحيوية أقسام الكلية.

من المؤكد أن تجديد الهياكل التدريسية فى الجامعات الأمريكية مرده إلى أن الأساتذة يعملون وفق نظام العقد المحدد الأجل. قد يوقع الأستاذ عقدا لمدة عام قابل للتجديد شريطة أن يؤدى أداءا متميزا. وهذا التميز فى الأداء يتحدد وفق معايير صارمة للتقييم منها آراء الطلاب فى أداء الأستاذ والمنهج الذى يتولى تدريسه ومقدرته على نشر أبحاث مؤثرة فى مجال تخصصه وبراعته فى الحصول على مشاريع بحثية ممولة من الهيئات القومية. وللجامعة كل الحق إذا رأت عدم تجديد العقد مع الأستاذ الذى يتقاعس عن تنفيذ المهام الموكلة إليه وعلى رأسها إجراء الأبحاث العلمية. وما يؤكد صدق مقولتى هذه أن الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم ناهزوا الستين عاما ومع ذلك فإن أحدا منهم لم يتوقف عن إجراء الأبحاث ولم يهتم أى منهم بالمناصب الإدارية كما الحال فى جامعات الدول النامية. أتذكر عندما كنت طالبا فى جامعة نيويورك ببفلو فقد حدث أن أصبح منصب رئيس القسم شاغرا نظرا لانتقال رئيس القسم إلى جامعة أخرى. الغريب أن أعضاء القسم— وكلهم أساتذة لهم باع كبير فى تخصصاتهم— رفضوا تولى مسئولية إدارة القسم وسعوا لانتداب أستاذ من جامعة أخرى للقيام بهذا العمل والسبب الذى عرفته فيما بعد هو أن كل منهم لديه ما يشغله.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب