الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(إعدادية مختلطة.. وخيانة علمية )

ضياء حميو

2009 / 10 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


( لا حَياءَ في العلم )..هكذا و منذ بداية العام الدراسي لتلك السنة ، وأولى الجمل التي نطقها مدرس مادة " علم الأحياء " لطلاب الصف الأول الإعدادي "الرابع العام".. كانت تلك الجملة..!
وظل يرددها إلى نهاية العام الدراسي ..!.
للمدرس مبرراته المهمة في ترديده إياها..منها : انه سيدّرس مراهقين من الجنسين كليهما لم يسبق له الدراسة المختلطة..وبمدينة صغيرة من مدن الفرات الأوسط العراقية ، وخصوصيتها الدينية والعشائرية المحافظة.. ستزيد من عبء مهمته هو بالتحديد..!
بالإضافة إلى انه في هذه السنة لن يدّرس "علم النبات أو الصحة" مما يندرج ضمن تخصصه ولكن بشكل ما يخص جسم الإنسان.
بالنسبة لنا نحن الأولاد فقد كان معروفا لنا منذ العام الماضي..وكان لطيفا وحريصا على مادته، ولكنه بالنسبة لزميلاتنا الفتيات..جديد، ولذا صرن يسألن عنه كيف هو بالتدريس بإلحاح.!؟.
أكدنا لهن انه لطيف ومتخصص بمادته وهذه الأخيرة مهمة..لان ظروف التجنيد وخدمة الاحتياط الثانية استدعت الكثير من المدرسين إلى " جبهة الحرب " آنذاك، مما اضطر الكثير من إدارات المدارس إلى تقسيم حصص المواد الدراسية على مدرسين باختصاصات أخرى..كأن يقوم مدرس الفيزياء بتدريس التاريخ والجغرافية معا أو اللغة العربية والكيمياء..وهذه الخطوة كانت الضربة الثانية التي توجه للتعليم العراقي بعد سابقتها التي أبعدت خيرة الكفاءات التعليمية بسبب ميولهم السياسية التي لاتتوافق مع نهج الحزب الحاكم ..ولتتوالى الضربات وصولا إلى مهزلة دورات سريعة بسبب الحاجة " لخرافٍ تُساق الى مجزرة الحرب " لتخريج وتعيين معلمين ومعلمات بالكاد يجيدون القراءة والكتابة..!!
.
كان عدد زميلاتنا الفتيات يقارب العشر فتيات..!
قلة ُ عددهن لم يسمح بافتتاح مدرسة إعدادية خاصة بهن، على الرغم من إن عددهن في المتوسطة كبير..والسبب في قلة العدد يعود إلى مزاج الناس اليائس بسبب الحرب وكذلك محافظة الأهالي التي تريد لبناتها أن تتخرج بسرعة وتتزوج و"تستتر" على حد قناعتها، واقصر طريق لذلك هي الاعداديات التجارية والصناعية بدلا عن نظيرتها التقليدية التي يؤدي طريقها إلى سنوات دراسية أخرى في الجامعة او المعهد،هذا الطريق الطويل تماما كان هدف الأهالي لأبنائهم الذكور علهم يجنبوهم خطر الجندية ومن ثم الموت العبثي في حرب " تحرير فلسطين من الشرق ..!!".

شيئان تغيرا في ذلك العام الدراسي..!
أحدهما كان بهيئتنا نحن الطلاب الذكور..إذ صرنا أكثر اهتماما بهندامنا..وملابسنا وباستخدامنا للعطور..وتصفيفا لشعرنا..وبريق ولمعان أحذيتنا..كيف لا..ونحن بزمالة فتيات بعمرنا..!!.
والشيء الثاني: كان بطريقة تصرّف مدّرسنا معنا..صار عابسا دوما..وقاسيا إلى أقسى الحدود يعاقبنا لأدنى ابتسامة أو ضحكة، على خلاف عادته قبل عام..!!
يرحمه الله لقد التهمته الحرب في السنة التالية...!
أمضيت سنتين دراسيتين في صفين مختلطين في الإعدادية..لم يكن" للشيطان وجود بيننا "..!
إخوة وأخوات..هكذا حتى حين ننادي بعضنا..فأننا نسبقه بلفظ " خوية "..!
نساعد بعضنا ونحل واجباتنا..لم تحدث مشاجرة واحدة بين الذكور آنذاك على خلاف السنوات التي سبقتها من عراك وشتائم..والسبب هو حياؤنا من زميلاتنا...وكذا كن.. كثيرا ما تعاركن في مدرسة البنات..وشتمن بعضهن مثلنا تماما..!!
أولينا اهتماما كبيرا لتحضير واجباتنا البيتية ،خشية الإحراج أمام بعضنا..كان لوجودهن اثر كبير في اهتمامنا بالدراسة.. كما إن طريقة الاختلاط جعلتنا أكثر ثقة بالنفس حين التحق بعضنا لاحقا بالجامعات وأجوائها المختلطة.

منتصف العام الدراسي ..كان لدينا فصل كامل في مادة " علم الأحياء " عن الجهازين البولي والتناسلي عند الإنسان...بعضنا كان يتلهف شوقا للموضوع ولديه أسئلة كثيرة..ولكن الصعوبة كانت.. "كيف يمكننا طرحها بوجود زميلاتنا..؟!".ومن يدري وربما من المؤكد كان لديهن ..الأسئلة ذاتها وربما غيرها...!
بإجماع ومن غير اتفاق..صرنا نردد مقولة مدرسنا..فيما بيننا :( ..انه علم.. ونحن طلاب كما إن أستاذ فلان ومنذ بداية السنة كان يكرر " لا حياء في العلم "...نعم " لاحياء في العلم ") هكذا رددنا ..أولاد وبنات..وقد هيأنا أنفسنا لهذا..ساعدنا في هذا إن الكتاب المنهجي كان يسمي" الأعضاء التناسلية " بتسميات علمية بحته لاتسبب حرجا نوعا ما حين نستخدمها في الدرس.
وهكذا في اليوم الموعود..دخل مدرسنا..ونحن نتشوق لجملته الأثيرة..! وهذه المرة تلهفنا لسماعها أكثر من السابق، بل أحببناها واحترمناها بصدق..!
قال :" أبنائي وبناتي : كما أخبرتكم سابقا.. لاحياء في العلم "..هززنا رؤوسنا جميعا بحماس علامة الموافقة..وأضاف الأستاذ: " فيما يخص الفصل التالي:فانه ترك انتم غير مطالبين به ولن ترد أي أسئلة في الامتحانات منه"..!!!
هنا خان الأمانة العلمية ..!!
إذ أفرغ جملته التي كررها مئات المرات من محتواها..حين آن أوان وضعها على المحك..!!
تعلمت بعد سنين..أهمية أن يشعر التربوي بالثقة بالنفس ،وهذه الأخيرة لن تتوفر من خلال تمكنه من تخصصه وحسب..بل من شعوره هو كإنسان بالأمان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي،من دونها سيظل يخون أمانته العلمية مجبرا أو مختارا ولعشرات المرات يوميا..!..وسيكون نتاجه أجيالا ممسوخة وجاهلة..!!.
أما بالنسبة لي فلم أجد حينها من يُجب على تساؤلاتي بهذا الخصوص..ففي العام التالي كانت مادة علوم الحياة مخصصة لعلم النبات فقط..وكان علي أن انتظر لسنة الإعدادية الأخيرة التي فارقتُ بها صفي المختلط إلى إعدادية أخرى للبنين في مركز المحافظة هذه المرة.. بسبب قلة الكادر التدريسي" أيضا هي الحرب"..وهنا.. وجدت مدرّسا بارعا بل ونادرا في تخصصه "كان أستاذا في الجامعة وعوقب لسبب نجهله وتم تحويله للتدريس في التعليم الثانوي " ..إذ انتخبته مديرية التربية..ليعطي محاضرات في طرق تدريس علوم الحياة..لمدرِّسين آخرين من مدارس أخرى..وهنا درّسنا الجهاز البولي والتناسلي بشكل تحسدنا المدارس الأخرى عليه..من خلال استعانته بوسائل توضيحية..بمنتهى الروعة "ساعده فيها كونه رسام محترف أصبح مشهورا لاحقا كرسام كاريكاتير وصاحب نكته لاتفارق روحه السمحة..!!
ولكن للأسف..كان أنموذج الكتاب المنهجي لمادة علم الحيوان..وفيما يخص الجهاز البولي والتناسلي بالتحديد..ليس الإنسان..بل هو إحدى اللبائن القريبة وكان" الأرنب"..!!
وهكذا ظللت لسنين لاحقة ( اعرف عن جهاز الأرنب البولي والتناسلي أكثر مما عند الإنسان )...!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي ضياء / شفت بعيني ... محد كلي
مارسيل فيليب / ابو فادي ( 2009 / 10 / 28 - 01:42 )
مربط الفرس ، في الغموض الذي يحيط العلم وتفسيره حالياً ، مثلاً .. معلومات جيل قادتنا الحاليين ، واسع جداً حول حور العين والولدان المخلدون ، ونهي المؤمنين عن الكثير من لذائذ هذه الدنيا الفانية مع تحليلها لهم في الجنة ، أو التبحر في علوم فارماكولوجيا بول البعير .... مقابل فقر معلوماتهم أو انعدامها حول حقوق الأنسان والحريات الديمقراطية ، حقوق المرأة والطفل ، التنمية ثقافة الأبداع .. الخ .

للعلم في سدني بأستراليا منذ العام الماضي تقدمنا بطلب رسمي لحكومة نيو ساوث ويلز ، بتفريغ بعض شوارع ( السنتر في مدينة سدني ) لتنفيذ شعائر ركضة طويرج .. وقد تجاوبت حكومة الولاية مع طلبنا بالقبول ، ونفذنا الركضة العام الماضي ، وبحماية البوليس حتى لا يهاجمنا المواطن ( الأنكلو سكسوني .. ويفهمها غلط ) ، أبتدأنا الركضة من مركز المدينة وانتهينا في ساحة الأبرا هاوس الذي يعج بالسواح من كل الجنسيات في العالم وفي كل أيام السنة ، والذين سارعوا لتصويرنا رقمياً وعلى الفيديو ، وقد توسعت اللجنة المشرفة ، وهيأنا كل مستلزمات الركضة القادمة بعونه تعالى .


2 - العزيز ضياء
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 10 / 28 - 04:25 )
لن أدخل في التفاصيل فالموضع أوفيته حقه ويعرفه جميع العراقيين ولكن هل تدري أنه بعد السقوط جاء أحد مشايخ هذه الأيام الى ثانوية البنات وأجتمع بالمدرسات ليلقي عليهن محاضرة أخلاقية بوصفه استاذ الأخلاق في المجتمع العراقي وطلب منهن أن يرتدين الحجاب في المدرسة رغم أن المدرسة غير مختلطة وأن يتزين على أحسن زينة وعلى أحدث التتقليعات التجميلة في كل ليلة ويعرضن أنفسهن على أزواجهن مثنى وثلاث ورباع والا فانهن عاقات مهملات لتعاليم السماء في وجوب أرضاء الزوج لذلك فان التوجيهات الدينية الأخلاقية أجرأ من توجيهات مدرسينا الأجلاء لأن هؤلاء لا يخشون أحد وأؤلئك يخافون من الطير
محبتي وتقديري


3 - تهنئه
اياد العراقي التركماني ( 2009 / 10 / 28 - 05:09 )
السيد ابو فادي
نهنئكم من قلوبنا على عكسكم الجميل لحضارتنا الاصيله في النوح والبكاء والخرافات والعويل تأنيب الضمير الابدي بعدم نجده الحسين وها انتم اثبتم فعلا وعملا بأنكم سفراء العراق الجديد في الخارج


4 - هل يقرأ البقر الذين يرسمون طريق البشر في العراق ؟
الحكيم البابلي ( 2009 / 10 / 28 - 06:09 )
السيد ضياء الورد
أتصورك تعرف أني أتابع كتاباتك حتى في المواقع الأخرى ، وأستطيع أن أجزم اليوم بأن موضوعك هذا هو أجمل ما قرأتُ لك ، سهامك دائماً في الهدف ، ومواضيعك دائماً في خدمة الأنسان وتطوره ومحاولة دفعه نحو الأحسن
تحياتي


5 - خذ خيانة أخرى..
بحراني ( 2009 / 10 / 28 - 07:58 )
كنت أحب الموسيقى الناي و العود.. فأشار علي بعض الصحب أن هناك مدرس من أفضل عازفي العود في العراق يدرس في معهد الفنون الجميلة .. و قالوا بامكانك تدرس صباحي تخصصك و تقدم للمعهد مسائي!!
ففعلت و تم قبولي.. كان فرحي عظيم أن أقابل هذا العازف الجهبذ الذي منحة صدام جائزة الإبداع و له مؤلف في الموسيقى!!
كان متدين!!! .. هو يعلم بأني بحراني شيعي و كان يحاول دائما جري لأتسنن!! و هو لا يعلم بأني شيوعي!!!
تقريبا بعد سنتين.. من الدراسة كنت أفتقد بعض طلاب الصباحي ( أسميهم الأصدقاء الصغار) الماهرون جدا في عزف العود و يبقون حتى ساعة متأخرة للمساء يتمرنون.. و يساعدوني كثيرا..
في فترة لم أعد أرهم .. كانوا 3 .. لمدة أكثر من شهر.. فسألت عنهم الأستاذ أين هم.. قال ألله هداهم و تركوا الموسيقى و هم الآن يصلون معي في المسجد كل ليلة!!
و أنت يا بحراني لماذا لا تترك العود و تتجة لربك و تصلي.. فهذا أفضل لك و لأخرتك!!!!!!!!!!!!!
كانت صدمتي عظيمة .. فتركت المعهد و الموسيقى كلها!!! و لم أعد لها إلا قبل فترة بسيطة
بالمناسبة ابو فادي..
في البحرين يحاولون عمل الركضة أيضا.. و كأن طوال أيام السنة من الدك و اللطم في الحسينيات و شوارع المنامة ليس كافي!! و لكن تم قمعهم العام الماضي بقوات مكافحة الشغب..

اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر