الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسات الدينية فى العالم العربى ما لها وما عليها

محمد نبيل الشيمي

2009 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ تكليف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الإسلام وحتى يومنا هذا لم تتضمن التعاليم الإسلامية ولم تقر مطلقا بوجود وساطة بين الخالق والمخلوق والمصطلح عليها حاليا بالمؤسسة الدينية خلافا لما هو موجود في أديان أخرى والتي تقوم على وجود فئة بعينيها كهمزة وصل بين العبد وربه كما الحال في اليهودية والمسيحية فهناك رجال الكهنوت ( اشتقت من كلمة كاهن وتعنى خادم الرب وهى أصلها من الكلمة العبرية ( كوهين) اى المنبىء بأمر الرب وهو المؤتمن على الشريعة والمسموح له بتقديم الذبائح إلى الله للتكفير وحمل خطايا الشعب ) وعلى النقيض من ذلك فان الإسلام لا يوجد بداخله هذا النظام الكهنوتى الخاص بالكنائس المسيحية ( الاكليروس ) ....وهذا يعنى أنه لم يعط لأحد أو لفئة النيابة عن الآخرين للتوبة أو العودة أو الدعوة إلى الله .... وقد اشتمل القران الكريم على العديد من الآيات التي قننت العلاقة بين الله وعباده فلا وساطة ... فهي علاقة مباشرة " وإذا سألك عبادك عنى فأنى قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيوا لي وليؤمنوا بة لعلهم يرشدون " ( سورة البقرة ) .
نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى لم يستخدم في كلامه المقدس وهو يخاطب رسوله كلمة قل أو بلغ على لساني – ولكن قال إنى قريب . ... أن هذا يعنى أن الدين ليس حكرا على شخص بعينيه أو فئة بعينيها تختص بشئون الدعوة وتقوم بالوساطة بين الله سبحانه وبين عباده ... ومن ثم فلا كهنوت في الإسلام ... ولا مؤسسة دينية في الإسلام .
ظهور المؤسسات الدينية
كان ظهور المدارس النظامية وهى من مدارس بغداد القديمة موجها للوقوف أمام المد الشيعى الإمامى وبعض فرق المعتزلة وأسس هذه المدرسة الوزير السلجوقى نظام الملك عام 754 هـ وان كان بعض المؤرخين يؤكدون علي أن تأسيس المدرسة كان عام 459 هـ / 1066 م ... وكان مشهورا عن الوزير ميله للغة الحوار وان مقاومة الفكر لايكون الا من خلال الفكر الذي يدحض آراء الآخرين كان الشيعة في أحسن أحوالهم الفكرية ولم يكن هناك من وسيلة للرد على آرائهم إلا من خلال الحجج والبراهين العقلية .

ارتبطت المدرسة النظامية بالسلطة فقد كانت تتلقى الدعم والأموال من الدولة وخلق هذا نوعا من التبعية لها ومن ثم أيدت المدرسة النظام وبررت تجاوزات الحكام وظلمهم والتأكيد على مشروعية الحكم حتى ولو كان مستبدا – وهذا الوضع استمر منذ ظهور هذه المدرسة حتى يومنا هذا ... ورب سائل لماذا تنحاز المؤسسة الدينية إلى صف الحكام على الرغم من تجاوزاتهم فى حق الشعوب ؟
يقول أ. طارق حسن السقا فى دراسته حول المؤسسة الدينية فى العالم العربي أن المؤسسة الدينية فى كل بلدان العالم الاسلامى وبغير استثناء سوى ديكور يتم في بلاط الحكام ويقتصر دور هذه المؤسسة على تجميل الحكام أكثر من اى شيء آخر فضلا عن كونها مؤسسة قاصر لا سلطان ولا حرية لها وليس لها ان تلقى بدلوها حتى فى خصوصياتها إلا بعد موافقة السلطة وهى مؤسسة ـ مقيدة – مسلسلة – محصورة .
..... ان أداء المؤسسة الدينية فى عالمنا العربي ( نعود ونؤكد على ان الاسلام لا كهنوت ولا مؤسسة دينية ضمن احكامه ) يمكن التسليم بأنه اداء مخز وقد تكون الأسباب مرتبطة بطبيعة وجود هذه المؤسسة التي يتم اسناد الوظائف اليها من خلال السلطة التنفيذية ( رئيس / ملك ) ولدينا الأمثلة العديدة فمثلا يتم تعيين شيخ الأزهر فى مصر وشيخ وإمام المسجد الاموى فى سوريا وإمام مسجد الزيتونة بتونس وإمام جامع القرويين فى المغرب من خلال حكام هذه البلدان .... كما يتم أيضا تعيين القائمين على الافتاء بقرارات جمهورية او مراسيم ملكية .... ومن ثم فان شق عصى الطاعة يعنى الخروج من جنة المنصب .. وهذا من اكبر الأسباب التي ادت الى انحياز رجالات المؤسسة الدينية إلى صف السلطة حتى ولو كانت جائرة – وأصبحت المؤسسة الدينية إحدى إدارات الدولة تقف داعمة للحكام غير قادرة على إبداء النصح طالما فى غير رغبتهم وعلى الرغم من أن الدين احد أهم الوسائل المناهضة للظلم من حيث كونه فاعلا يمكن استثمار قيمه وثوابته فى تغيير البنى الاجتماعية فان المؤسسة الدينية لم تستخدم هذه الميزة المشروعة قط – ولم يثبت في تاريخ العرب ومنذ الرسالة المحمدية وبعد ظهور المؤسسات الدينية أن استخدمت هذه المؤسسات الدين لتوحيد الكل المختلف وإيجاد رؤية وسطية تقضى على الفردانية وتدعو إلى التكافل والتضامن – ولم تستخدم المؤسسة الدينية الدين مطلقا في احداث تعبئة جماهيرية نشكل مجموعة قيم تسهم فى تطوير المجتمعات يستثنى من هذا ما قام به الإمام الخومينى قائد الثورة الإسلامية عندما استخدم الدين في تحريض الجماهير ضد استبداد الشاه حتى نجحت الثورة ووطدت أركانها وقضت على نظام الحكم الفاسد .
ولم يثبت كذلك أن قامت المؤسسة الدينية باستخدام مفاهيم الدين حول حقوق الإنسان ومواجهة الاستبداد في اى خطاب سياسي .... بل أنها وسيلة وأداة لإضفاء الشرعية علي الحكم وسياساته فهي تدافع عن الاتجاهات السياسية حتى ولو كانت رجعية جامدة وتمالئ الحكومات وهى تعلم بأنها مستبدة وتستخدم الدين استخداما نفعيا لتحقيق مصالح خاصة .... ولم تحاول المؤسسات الدينية في العالم العربي تعميق حق المواطن في التعبير عن أرائه والدفاع عن حقه في الاختلاف في إطار سلمى يقوم على لغة الحوار لا الصدام .
وهناك في عالمنا العربي والاسلامى من المؤسسات الدينية التي تعادى التحول الديمقراطي تحت دعوى مزعومة بان هذا ضد توحيد الإجماع ومخالف للشرع ولم تأخذ مطلقا العبر من دعوة الخليفة الراشد ابى بكر الصديق عندما قال وهو يخطب المسلمين انى وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فاعينونى وان اسأت فقوموني . ذلك ان هذه المؤسسات تقوم بدور الوصي على المجتمعات وهى تدعى احتكارها للحقيقة ... وهى المسئولة ولو جزئيا عن حالة الغيبوبة التي أصابت شعوبنا حيث مازالت وستظل هذه المؤسسات تطرح قضايا لا تستحق مجرد التفكير فيها فهي تهتم بالجزئيات على حساب الأصول مثل موضوع النقاب الذي شغل الرأي العام في مصر على الرغم من ان مصر تعانى من مشكلات اقتصادية واجتماعية ( الغلاء والتضخم والاحتكار وغسيل الأموال واستغلال النفوذ وتردى الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية ) .
والأخطر على مدى التاريخ أن آراء المؤسسات الدينية تتبدل وفقا لرغبة واتجاهات الحكام وكانت خلال التوجه الاشتراكي في مصر أول من ايد وافتى بان الاشتراكية هى نمط اسلامى ووصفوا بعض الصحابة بأنهم اشتراكيون صالحون .... ومع بداية ما يسمى بالانفتاح الاقتصادي والتوجه نحو الأخذ بالنظام الرأسمالي أصبحت الاشتراكية مذمومة وحوصر رجالها بل وشرد منظروها وفقد البعض مناصبهم وأصبحت المؤسسة الدينية تنادى وتبشر بالرأسمالية التي ستحرر الإنسان من عبودية الاشتراكية ولعلنا ونعدد مثالب المؤسسات الدينية المرتبطة بالسلطة فان ذلك لا يعنى مطلقا المطالبة بإقصاء المضامين الدينية وليس من المنطقي اعتبارها احد معوقات التحول الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية طالما كان دور هذه المؤسسات دورا فاعلا ياخذ بيد عملية التطوير الاجتماعى فى اطار حق الانسان فى مكافحة الظلم والتهميش والاستعلاء وليس مطلوبا تحييد الدين وحصره فقط بين عدد من الدعاة محدودي الثقافة المملوئين بالخوف والهلع من السلطة التي تملك مفاتيح حياتهم
ومع التأكيد على أن الإسلام لا توجد به مؤسسات دينية ألا أنها أصبحت أمرا واقعيا فى حياتنا ... ويمكن أن تكون هذه المؤسسات خير داعم لتطلعات الشعوب بالوقوف الى صف المظلومين اجتماعيا والتأكيد على حق المواطن فى الحكم الديمقراطى ومقاومة التسلط والطغيان والاستبداد السلطوي وبإمكان المؤسسة الدينية المتحررة من قيود الحكام صياغة خطاب دعوى يقوم على المنطق ويستلهم روح العلم الحديث الذي لا يتناقض مع صحيح الاسلام وبامكان هذه المؤسسة المشاركة فى ابداء الرأى فيما يتعلق بالهم العام ومشاكل المواطنين وان تبتعد بنفسها عن موالاة الحكام مقابل بعث روح النضال والحراك لدى الجماهير من خلال خطاب اسلامى يقوم على الأدلة والبراهين العقلية والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
ان المؤسسة الدينية رغم انها ليست نظام اسلامى ... ولكنها الآن احدى المؤسسات القائمة فى المجتمعات العربية والمسلمة .... ان الاوان لتفعيل دورها المأمول فى ارساء منهج تنويرى يتوافق مع صحيح الدين وثوابته كبديل عن تزاوجها مع المال والسلطة ... فهل تنجح فى ذلك .....وهل تكسر قيودها وتستجيب لامال وتطلعات الشعوب ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر