الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عامر عبد الله في ذكراه العاشرة..

عزيز الحاج

2009 / 10 / 31
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


عندما رحل قبل عشر سنوات، أبّنته في صحيفة "الحياة"، وذكرت أنه كان أكثر القادة الشيوعيين العراقيين إتقانا لفن الدبلوماسية والتعامل السياسي مع الآخرين، وكان الفقيد هو المحاور الشيوعي المفضل لدى عبد الكريم قاسم.
عامر عبد الله كان رمزا بارزا للحركة التقدمية الديمقراطية في العراق، منذ نشاطه في حزب الشعب، الذي تأسس علنيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وإلى انتمائه للحزب الشيوعي - مع زعيم حزب الشعب، عزيز شريف - في أواسط الخمسينات. وكان الفقيد أحد أبرز مثقفي الحركة الشيوعية العراقية، وكاتبا سياسيا من الدرجة الأولى، وأديبا، ومحللا سياسيا. ومن حسن حظ المكتبة السياسية العراقية والعربية أنه ترك وراءه عشية الرحيل كتابه المتميز، "مقوضات النظام الاشتراكي العالمي."

في ذلك الكتاب قدم عصارة أفكاره وتجاربه عن أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الشرقية "الديمقراطية الشعبية"، وكان رائده، كما كتب في المقدمة، إعادة النظر بموضوعية، وبعد تجربة طويلة وقراءات كثيرة، في أسباب انهيار نظام، كان هو من بين مواكبيه والمتعلقين به عن إيمان وقناعة. صحيح أن عامر عبد الله ظل يحلم بنظام اشتراكي من غير طبيعة ما أقيم في الاتحاد السوفيتي والدول السائرة معه: اشتراكية إنسانية وديمقراطية حقا، وظل يتصور إمكان قيام نظام كهذا على أنقاض الرأسمالية، التي بقي يعترها مصدر الشرور. قد يتفق معه البعض هنا وقد يختلفون، ولكن المهم أنه مضى في بحثه مقدما عشرات الوقائع والشواهد والمعلومات عن الأسباب الحقيقية لانهيار "النظام الاشتراكي العالمي"، ومنها وقائع مثيرة، مرعبة عن فنون القمع التي مورست في تلك العهود، وعن السياسة الشوفينية الروسية. كما أعلن اتفاقه مع بوخارين عن خطا موقف لينين في إعلان الثورة المسلحة "الاشتراكية"، نظرا لانعدام الظروف الموضوعية المناسبة لقيام نظام اشتراكي، وخصوصا بسبب التخلف الاقتصادي المروِّع وانتشار الجهل والأمية. وجدير بالذكر أن معظم أعضاء اللجنة المركزية السوفيتية عهد ذاك لم يكونوا متفقين مع لينين، ولكنه واصل الضغط المكثف فكانت الانتفاضة المسلحة.

ما أحسن ما يقوله عامر حين يؤكد أن الواقع لم يكن ولم يصبح رهن الأحكام والأحلام، داعيا التقدميين إلى مراجعة مسيرتهم، ونهجهم، وقراءة الواقع بعيون بصيرة. "أما المتحزب والمتحيز والمتحجر، ثم القائد المعتز بجلاله وسلطان ماضيه، أو الحريص على استبقائه أو استعادته، فلن يكون بمقدوره أن يحرك المسار، أو يحقق الهدف المبتغى."

لست مطلعا على كتابات أو تصريحات الفقيد في إعادة نظره شخصيا لمسيرته الحزبية الطويلة، كما فعل رموز شيوعية آخرون كالراحلين زكي خيري ورحيم عجينة، ولكنني أعرف تطور مواقفه التي عاصرتها شخصيا، أو قرأت عنها، مثل موفقه بعد تحرير إيران لأراضيها التي احتلها صدام، حيث انتقد المتعاونين مع إيران وقواتها ضد القوات العراقية، دون أن يعني ذلك الكف عن معارضة نظام صدام.

وقد توترت علاقته في اللجنة المركزية عام 1962، والتقيت به في براغ وهو في طريقه لموسكو، وسهرنا معا، فأبدى امتعاضه، ولكنه كان، كالعادة، غير متحامل على أحد، وغير مهوّل ولا مشهر فقد كان الخلق العالي من أهم خصاله الشخصية. ومع اعتماد خط آب لعام1964 دخلت معه في خلاف حاد، وفي الداخل جرى تشهير واسع به بين القواعد، واستمر التشهير، وإنني لمتألم جدا لتحملي شطرا من المسئولية عن ذلك، فقد كان لا يستحق ذلك بأية حال. صحيح أنه تطرف في الدعوة لمهادنة ودعم عبد السلام عارف، ولكنه، في الوقت نفسه، وكما كتبت مؤخرا، كان على صواب من الناحية التكتيكية برفض رفع شعار الإسقاط. وقد اختلفنا داخل اللجنة المركزية فيما بعد حول أشكال الكفاح. ولا بد من أن أسجل هنا أن الحزب الشيوعي كله اتخذ إستراتيجية "العنف الثوري" لإسقاط نظامي عبد السلام وشقيقه عبد الرحمن عارف، ولكن الخلاف كان حول أشكال "الكفاح المسلح". وهنا كان عامر وقلة معه يعتمدون على الانقلاب العسكري كالطريق الوحيد، وآخرون على أسلوب الانتفاضة الشعبية المسلحة العامة، وآخرون، - كنت منهم- ، يرون اعتماد إستراتجية تجمع مختلف أشكال العمل المسلح، ومنه العمل في الجيش. ليس الوقت هنا هو العودة والتطويل فالقصة طويلة، ولكن التوضيح ضروري.

رحل عامر عبد الله مخلفا وراءه ذكرى حميدة، وثروة فكرية. رحل بلا ضغائن ولا كراهية لأحد، حتى لمن هاجموه وتحاملوا عليه. كان، كما قلت، مثال الخلق العالي والأدب المثالي، مترفعا عن الصغائر والتجريح.

وفاة عامر عبد الله كانت خسارة حقيقية للحركة الوطنية العراقية، وهو يستحق أن تكرس عنه دراسات موضوعية منصفة، وأن يحتفل بذكراه كل عام.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رجاء !
ماجد جمال الدين ( 2009 / 10 / 31 - 11:43 )

ألسيد د. عزيز ألحاج
تحية طيبة
لا شك أن دراسة معمقة لتاريخ ومواقف ألحزب ألشيوعي ( كما بالطبع باقي ألأحزاب ألسياسية ألعراقية ) بألشكل ألنقدي ألصريح وألهادف سيساعدنا أكثر ليس فقط على تشخيص ألإيجابيات أو ألسلبيات وألأخطاء وتفحص ذوات ألأشخاص وألقادة وإعطاء كل ذي حق حقة من ألتمجيد أو ألتنديد كل بما قدمه ، بل وعلى تفهم واقعنا ألحالي وطرق ألسير بمجتمعنا قدما . ومن هنا فإن ألمقالات ألتي تبحث في تاريخ ألحزب تأخذ أهميتها ألقصوى .
مسيرة حشع حافلة بألغموض ألذي أملاه واقع كونه يعمل في ظروف ألسرية ألبالغة منذ نشأته وربما لأسباب أخرى . وقد سعدت بقراءة مقال سابق للأستاذ كاظم حبيب مع تعقيبات للأستاذ محي ألدين حول فترة مهمة وهي 1964 ـ 1969 ,,, أي منذ بداية خط آب وحتى إنشقاقكم وتأليف ألقيادة ألمركزية . وهنالك فجوات كثيرة في تاريخ ألحزب فكريا وتنظيميا منذ تأسيسه وحتى قيام ثورة 14 تموز .. أتمنى أن تعاد دراستها بألشكل ألنقدي ألموضوعي بدون بهرجة دعائية ودوغمائية ,,
يهمني هنا أن أرجوك أن تعطي لمحة مختصرة عن ألخلافات ألفكرية داخل ألحزب وألتي أشرت إليها بعبارة مقتضبة : ((( وقد توترت علاقته في اللجنة المركزية عام 1962، والتقيت به في براغ وهو في طريقه لموسكو، .. ))) .. أعتقد أن هذا سيل


2 - المتخاذلون
Abu Ali Algehmi ( 2009 / 10 / 31 - 14:41 )
شر المصائب ما يضحك ! المتخاذلون الذين استسلموا للعدو ينظّرون اعتذاريات لاستسلامهم ! يلومون لينين الذي أسس الاتحاد السوفياتي الذي بعد أن طهر قارة أوروبا من النازية والفاشية كان يقبض على أزمّة العالم إلى ما قبل مجيء خروتشوف في أواسط خمسينات القرن الماضي . ليس لنا أن نقول اليوم إلاّ : ليتوارَ المتخاذلون بعارهم !!؟


3 - Abu Ali Algehmi
امير محمد ( 2009 / 10 / 31 - 23:30 )
رد على تعليق اراه غير مناسب ياابو على اذا عندك شى من ثقافة واخلاق هذا الانسان الذى
تتهجم وتتهكم عليةو بشر لايملكون صفحة واحده من تاريخ هذا الانسان الذى وظف حياتة بكل
اخلاص طيلة شبابه وبانت منة عثره تحمل هو وحده مسؤوليتها وليس من الانصاف ولا يحق
لاحد ان يشطب على تاريخ الاخرين واذا اصبح خارج الحزبية والاحزاب فهو فى مقدمة المثقفين العراقيين فى تحليلاتة وكتاباته الموضوعية المهمة لخدمة الوطن
متى نتعلم محاورة الاخر بدون تجريح ياابو على


4 - الى السيد أبوعلي الجهمي
صادق الحماده ( 2009 / 11 / 1 - 02:07 )
يا سيدي ان لينين وخروتشوف وعزيز الحاج وعامر عبدالله وغيرهم الملايين قد عبدوا للانسانية طريقها للوصول الى حلمها الجميل ولكل منهم مزاياه وهفواته ولكن أن تصف بعضهم بالمتخاذلين فهذا اجحاف بل تطاول يسلب صاحبه الشرط الاخلاقي ويضعه في الموقف المضاد الهادم للصرح الذي تشيده طلائع المسيرة الانسانية من فلاسفة وعلماء وقادة سياسيين ومبدعين ومناضلين ميدانيين وغيرهم ممن سينصفهم التاريخ ولو بعد حين أما أعداءهم فسيتوارون في الجحور المظلمة وما أبلغ الآية الكريمة فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض مع التحية


5 - Abu Ali Algehmi
يعقوب ( 2009 / 11 / 1 - 12:57 )
لم ينسوا ولم يتعلموا شيئاً
مع تحياتي لعزيز الحاج من صديق قديم قدامة نقرة السلمان


6 - تحية خالصة لكل الرواد
كريم الكناني ( 2009 / 11 / 1 - 19:53 )
كلكـم قدم التضحيات من اجـل العـراق فعليكم اليوم توحيد
صفوف كل قوى الخير والتقدم والديمقراطية لتدحروا كل
قوى التخلف وتفشلوا مخططاتهم للعودة بنا الى نظم القرن
الثامن عشر وايام الدكتاتورية السوداء , وانتم جميعا قادرين
الم تقم ياستاذنا الحاج بأول مظاهرة شعبية عام 1948 ضد
الاستعمار البريطاني والحكومة المستبدة انذاك وبالنتيجة شاركت
معك الالوف من ابناء الشعب العراقي بصدور عارية امام كل ادواة
القمع التي كانت تحملها شرطة واعوان الحاكم الغاشم , اتركوا كــل
الاخطاء ورائكم وانتبهوا فأن الاتي على العراقيين اسوء مما مضى
لا بل على توحدكم يتوقف مصير العراق ... نكون او لا نكون


7 - عجبي لقواعد النشر
Abu Ali Algehmi ( 2009 / 11 / 2 - 05:28 )
أنا لم أقل غير أني أسكت على المتخاذلين ولا أسكت عن الذين يشتمون لينين فقط لأنهم تخاذلوا !! فأين المخالفة في قواعد النشر؟


8 - مواقف يجب ان تؤرخ
محمود السعدي ( 2010 / 12 / 29 - 20:01 )
الىعزيز الحاج وفاء لكل مناضل يجب ان تؤرخ مواقفه سلبا كانت ام ايجابا وهنا اذكر واذكر موقف المناضل امين الخيون ابو جماهيرعندما كنت معه في مجلس عزاء عمه محسن الخيون في مدينة الثورة قطاع 18 وكنت انت عند ناظم وقت اعتقالك وقد طلب مني ان اجد له هاتف ليتصل به فلم يوجد في ذلك
االوقت سوى هاتف مركز شرطة التهذيب فطلب من ضابط المركز الهاتف ليتصل باحد اقاربه فلبا طلبه ذلك الضابط وهنا كانت المفاجئة فقد اتصل شخصيا بناظم كزار وعرفه بنفسه وبدء يسبه ويلعن النظام البعثي فكان رد ناظم كزار انه يدعوه الى يسليم نفسه وان عزيز الحاج جالس الى جنبه وهو معزز مكرم وقد اعترف بكل شى فرد عليه بان في الشعب العراقي الالاف من المناضلين اللذين سوف يسحقون نظامه واغلق الهاتف وذهبنا وهذه شهادة للتارخ عن هذا المناضل وفي تلك الظروف الصعبة

اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي