الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام شفويا

حسن الفجح

2009 / 11 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


موضوعنا اليوم قد يقلقك كثيرا, أو قد تضحك منه بملئ شدقيك. هذا اذا لم تجد ما تلهي به انزعاجك من سماعه. أعني أنه لا مفر من الانزعاج. لكن ذلك بكل بساطة واقع نعيشه و حقيقة نجهلها تمام الجهل. غير أننا لا نقف صامتين في انتظار من يكشفها لنا, بل نظل نصدق الأوهام و الخرافات ونعيش في كنفها الى يومنا هذا. أقصد الى اليوم الذي ستضحك فيه بملئ شدقيك على ادعائنا. لكن عليك أن تقلق لأن الوضع يدعو فعلا للرثاء.
فلنبدأ حديثنا اذا. لأننا مجبرون على قوله, و لأنك مطالب بسماعه, حتى و ان لم يرقك. هذا بالطبع اذا كنت تناصبنا العداء و وددت فقط أن ندغدغ مشاعرك لتضحك, ليروقك المشهد.لكن نحن لا نناصب العداء لأحد بل نعبر فقط عن رأينا حسبما يبدو لنا. فلا تنتظر منا الدغدغة, لأنك أوشكت على الهلاك جراء تلك العادة القديمة المميتة. لأن خطابنا المتواضع خطاب عقل وليس قربان مشاعر.
فلتستعد للبكاء اذن!
لأن المرء لا يموت مرتين, ولا يموت وعيناه لا تزالان تتأرجحان يمينا و يسارا. أعني يبقى حيا ما دام يتنفس. لكن ذلك لأسف لا يحدث هنا و لا يحدث عكسه, بل يحدث ما هو أسوأ.فلنتأكد اذن متى نموت, لنرحب آنذاك بالحضور, بمن جاء للعزاء, و بمن جاء فقط لينعم بفرجة المشهد.
فلتستعد للبكاء اذن! لأننا جميعا سنبكي. سنبكي رغم أنفنا.
و كيف لا نبكي و نحن نتذيل قائمة التحضر. كيف لا نبكي و نحن نعاني الفقر و الجهل وظلم الحكام و ظلم العالم بأسره.كيف لا نبكي؟
كيف لا نبكي, ونحن ننصب مشنقتنا بأيدينا و نجلس نتفرج على موتنا البطيء.كيف لا نبكي؟
فلتبكي اذن! لأننا سنبكي جميعا, سنجعل اليوم عيدا للبكاء.
فلنبكي اذن! لأن كل ما كنا نفعله تجاه أزماتنا هو التنديد و الاستنكار. كنا نكتفي فقط باعلاء الأصوات, بلعبنا دور مكبرات الصوت. كنا مجرد قطيع من النعاج الهزيلة, نجيد الثغاء فقط و نهرب هرولة كلما بدا لنا سراب ذئب. كنا هكذا ولا نزال كذلك, أعني كنعاج تملأ الأجواء بكثرة الثغاء و تهرب من صدى ثغائها المتردد بين الجبال. كنا مجرد نعاج.
فماذا أخبرتك؟
حسنا!...نحن هنا لا نظلم أحدا ولا نود فعل ذلك عن وعي أو عن غير وعي. لأن الظلم آخر سلعة لدينا ولا نود بيعها. أقصد نموت جوعا ولا نعرضها للبيع. لأننا نرفضه رفضا باتا.
فماذا أخبرتك؟ و لم أخبرك أصلا؟
لأن الظلم هو ما ظل قائما بيننا. لقد بقينا حتى الآن نحاول تبريره و الباسه ثوب البراءة. الظلم كان مخلوقا خبيثا لازم حياتنا, أدخلناه مسكننا و أهديناه ما لدينا. أعني نحن كمسلمين, الذين جاء الاسلام-كلمة التوحيد- خصيصا لتخليص البشر من هذا اللعين. لأن الاسلام ذاته لا مكان له اذا لم يكن بديلا للظلم. فالظلم يترك مكانه ليجلس الاسلام وذلك بشكل تلقائي. أعني الاسلام دين الله, لأن العدل من أسماء الله, والعدل نقيض الظلم. هل تفهم أم تريد أن أسترسل في التوضيح؟
فماذا حدث بالضبط؟ هل تدري؟ فلتبكي اذن! لأننا سنبكي جميعا.
انقلب كل شيء رأسا على عقب. أصبح " الاسلام" يعيش جنبا الى جنب مع الظلم, أصبح يتعايش معه, يسكنان بيتا واحدا, و يتقاسمان نفس الطعام. بل أصبح "الاسلام" يساند الظلم, يقويه و يغلبه على رافضيه. أصبح يحرض عدوه على الناس العزل. أصبح الظلم ينطلق من بيت "الاسلام" و يمشي وفقا لأوامره. أصبح الظلم يعمل باسم "الاسلام" و يبرر ب"الاسلام" نفسه. أقصد باسم اله العدل. ونحن, أعني الناس, بقينا نملأ الدنيا ثغاءا, تماما كالنعاج.
أصبحت الأمة تجتمع على ظلم مبرر سلفا بتأشيرة سماوية مزيفة. أضحى الظلم شرط اجتماع الأمة,التي ستنتظر يوم الحساب لترفع شكاياها الى الله العدل لينصفها. أما الآن فما عليها سوى أن تبلع لسانها وتتيه في حسابات الساعة برصد آخر علامة من علاماتها.
ذلك كله كان يحدث, لكن الفقه الاسلامي استطاع ان يبتكر سبيلا مرنا لتجاوز مأزق الظلم. لقد برع في اختراع حلول مناسبة لمشاكل كان قد تورط هو نفسه في افتعالها في وقت سابق. لقد تم تطويع اللغة خدمة لرفع التناقض الذي نسجته خيوط الفقه.
فمثلا. أصبح الصبر على الظلم مقياسا لايمان المسلم الذي ينال به الدار الآخرة دون أن ينال, على أدنى تقدير, فهما بسيطا لما يلحقه من مآسي في حياته الدنيوية.فقد ظهر فجأة مفهوم الآخرة كلمسة سحرية في يد الفقه الاسلامي لتمرير تنظيراته حول السلطة السياسية.فأضحى الحث على الصبر يخفي في ذاته انقلابا لغويا عميقا. فلم يعد الصبر يعني المقاومة والتجلد لاظهار الحق, بل بات يقصد به السكوت والتسليم بالأمر الواقع دون ابداء أدنى معارضة. فأصبح بذلك الأصل هو الصبر على الظلم في مخالفة صريحة لحكمة القرآن التي يعلن فيها صاحبها عز و جل:"الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
فماذا أردت أن أقول لك؟
لا شيء اطلاقا سوى ما يتوجب البوح به, ما نحن بحاجة ماسة اليه.فالواقع أننا في حاجة الى المرور الى مستوى عملي أكثر نضجا, بدل الاكثار من الثرثرة. فحقيقة الأمر أن ثقافتنا لازالت لصيقة بمجرد الكلام, أقصد بكثرة الثغاء. فقد ورثنا ثقافة اسلامية شفهية لا تملك أدنى تأثير في الحياة اليومية للانسان سواء كان مسلما أو غير ذلك.لكن ذلك لم يفسح المجال لاثارة الأنظار, لأنه طمس بلغة الفقه الاسلامي التي تكونت كنتيجة تلقائية للانقلاب اللغوي الذي شيده الفقه سابقا.
فمثلا.
تحية السلام التي يراها البعض واجبة على كل مسلم تجاه أخيه المسلم لا تعني أي شيء الم يكن ما يقال فيها هو تعبير عن الواقع, و انعكاس لسلام ملموس. فالمسلم بحاجة الى سلام واقعي وليس الى بضع كلمات. فما جدوى أن نحيي بعضنا البعض بعبارة "السلام عليكم" اذا كنا لا نجد سلاما في واقع عيشنا و نجد بالمقابل الاقطاع على رأس ادارة اسلامية. فستظل في هذا المستوى تلك التحية مجرد عادة سخيفة نفتتح بها أحاديثنا لا غير. ولن تستطيع اضافة أدنى شيء في واقع الناس ما دامت الادارة غير محررة. في هذا الاطار كي نكون عمليين وجب علينا تغيير التحية لنقول عند مقابلة أحدهم "الاقطاع عليكم" ليرد هو الآخر بكل عفوية ب "وعليكم الاقطاع و ويلاته". ذلك على الأقل كي نتجنب اقحام الله معنا في نفاق جماعي. ولن يجدي أن يطالبك أحد ما بأدنى شيء اذا لم تلقيها على أحدهم, لأن مطالبته ستعد لاغية و غير مشروعة أصلا.
ومثلا.
تشميت العاطس, باعتباره حق المسلم على أخيه المسلم, لا معنى له الم يكن هذا المسلم ينال قسطا من الرحمة في حياته اليومية وسط عياله, كحق ملموس يستحقه باعتباره انسانا أولا و مسلما ثانيا.
فأن يقال له عند كل عطسة "يرحمك الله" لا معنى له اذا لم تكن الرحمة هي عنوان الواقع الذي يعيشه والتي تؤمنها له ادارة محررة من الأهواء.
سيكون لهذا الدعاء معنى, فقط, عندما تكون الرحمة عملة رائجة و متداولة على أوسع نطاق داخل مجتمع محرر كليا من القهر و من الحاجة. أما في أي مجتمع آخر غير محرر, فان الدعاء نفسه لا يستطيع أن يغير شيئا من واقع الناس و لو بمقدار العطسة نفسها, أعني أنه يبقى مجرد تمتمات.
هكذا بكل بساطة, أيها الاخوان, كنا ضحايا لغتنا لمدة من الزمن لأنه بامكان اللغة -واللغة وحدها- أن تبني واقعا متكاملا من الألفاظ دون أن نفلح نحن في رؤية أبعاده.
أقول لك لكنك لا تصدق, أو تتجنب التصديق. أقول لك لكنك في النهاية تضحك بملئ شدقيك.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام يعيش جنبا الى جنب مع الظلم منذ ...
Zagal ( 2009 / 11 / 5 - 22:51 )
منذ ان حمل محمد السيف والاسلام يعيش جنبا الى جنب مع الظلم

عندما كان محمد يحلم بتكوين مؤسسه قويه لم يكن لديه الشجاعه لانه لم يجد من يسانده ... وعندما اتته فكرة ان الله يرسل له مكتوب عن طريق جبريل ليخافه الناس .... اصبحت ناقصه نقطة الخوف من السيف ... وعندما يرى ان الدم هو عقاب خافوا وتبعوه عندماعرفوا عنه بقسوته لما شق ام قرفه ...

اى ظلم تتكلم عنه اكثر من هذا ...!!


2 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 11 / 6 - 05:32 )
الزميل... حسن .

شكرا جزيلا لك بوركتم


3 - لا حرج عليك, فقد كنت تشهق بالبكاء
عبد الله بوفيم ( 2009 / 11 / 6 - 10:01 )
كنت سألومك على ما كتبت, ولكن بما أنك كنت باكيا لدرجة الشهقان فلم تكن تدري ما تقول, , وذلك دليل على جبنك وحلك لمشاكلك بالنواح والشهيق, فلتبق على ديدنك, فالنواح والعويل سيحلان مشاكلك ويرفعان عنك الظلم الذي استشعرته من ديننا الحنيف الاسلام
واصل البكاء, فكذلك نريدك أن تكون باكيا لأن عقلك مغلف بغشاوة وبصرك حديد لاتبتصر به وأما بصيرتك فكالصلب هي, هيهات أن تبصر بها أو تفرق بين الحق والباطل
نعلم ما ترمي إليه, ولسنا برعاع لأن نسير وراء نائح يشهق بالبكاء والعويل عن اوهام تترأى له في واضحة النهار


4 - إن الدين عند الله الإسلام. قرآن كريم
حسن الفجح ( 2009 / 11 / 6 - 16:21 )
مع كامل الأسف جرت العادة أن تؤول الأقوال على الأهواء كنتيجة متوقعة لقصور البصيرة. غير أنه في هذه المرة قد صاحب ذلك القصور قصورا إدراكيا بصريا ذلك أن المقال قد عمد إلى وضع مفاهيم محددة بين مزدوجتين تفاديا للخلط الناجم عن القصور بأنواعه.لكن يبدو أن حلا كهذا لم يشفع لنا لأن مصدر الخلط هو عرض نفسي مرضي.نحن هنا بصدد الإسلام التاريخي ولا حاجة لأن ينصب أحد المرضى نفسه مدافعا عن الإسلام لأن الله ناصر دينه.

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا