الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وباء صعدة : جبل النار وبضعة مليارات

عبد الرحمن كاظم زيارة

2009 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التدخل الايراني في الشؤون الداخلية لليمن ليس افتراضا ، ولا هو بعض الاوهام ، بل حقيقة لها أدلة دامغة . وهو جزء من عمليات تصدير الثورة وفق قواعد أعيد تشكليها مؤخرا في خطة طويلة الامد هدفها الاول ابتلاع الخليج العربي . بالطبع نحن لانغالي في تصور القوة الايرانية ، وفي الوقت نفسه لانحقرها بل نتصورها كما هي حيث تلعب (النوايا) فيها المحرك الاساس للاداء السياسي الايراني وليس القوة بمعانيها العسكرية والاقتصادية فقط. لقد حصدت ايران جراء تنسيقها مع القوات البريطانية بعد انسحابها في مطلع السبعينات من الخليج العربي ثلاثة جزر عربية ، وكادت ان تلحق مملكة البحرين بها. وتتطلع اليوم الى حصاد آخر مماثل بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق .
وما من شك ان تفتيت المجتمعات العربية خاصة في الشرق ، هو هدف دولي تلعب فيه ايران دورا محوريا ، والى ذلك يمكن تفسير العلاقات المتعددة الابعاد بين ايران والولايات المتحدة ، وهي علاقة من نمط ( شر لابد منه) .
خرجت احداث صعدة من دورها الجنيني الاول ، واعني به الاساس الطائفي والمذهبي الذي تفصح عنه شعارات الحوثيين ومطالبتهم بالحكم طبقا للحق الالهي بحسب تصور قادتهم . فأصبحت صعدة حاضنة لوباء داخل الجسد الواحد فالقاتل والمقتول أخوة ، وليس من بينهم إيراني واحد . فلم يعد إذن الاساس الطائفي والمذهبي ما يحرك جمهرة الحوثيين ، فلقد اصبح لكل منهم سبب آخر لمواصلة الحرب الاهلية وهذا ما تخلفه دائما هذه الحروب : ثارات ، والهروب المستمر من وجه العدالة ،والرغبة الشديدة للاطاحة بنظام الحكم ، والقبول بأي تغيير وعلى أي وجه كان ، وبمساعدة أي طرف دولي ، فهوبالنسبة لهم ( تحرير ) كما حصل في العراق .
نحن نفهم ما يجري في اليمن في اطار اقليمي متواشج الاطراف والاسباب ، ففي الشمال حيث العراق يشهد تناحرات طائفية ليس لشعب العراق دورا فيها الا ان يكون هو على الدوام الضحية . وفي لبنان حيث اضحت الاحزاب الطائفية دولا تتمتع باستقلال عن دولة لبنان ، بل ان دولة لبنان هي حصيلة نظام المحاصصة الذي يشمل البشر والحجر . وفي بلدان الخليج العربي حيث يفتك بمجتمعاتها سلاح ( التجنيس) للايرانيين ، وهو سلاح مكن ايران نفسها من ان تطالب أكثر من مرة بالحاق البحرين بها . ولقد ظل اليمن والى وقت قريب بعيدا عن المناولات المذهبية والطائفية التي تتدفق من ايران صوب الضفة الغربية للخليج العربي ، بسبب فقره الاقتصادي ، فالاوضاع الاقتصادية فيه ليست مغرية لطالبي الهجرة . وبسبب تجانسه القومي والاجتماعي وحتى الديني ، برغم وجود مذاهب متعددة فيه كأي بلد آخر ، بقي اليمن عصيا على مشاريع التفتيت ومحاولات خلق البؤر الطائفية ردحا طويلا من الزمن . إلا ان الاحداث الاقليمية واحتلال العراق قد فتحت امكانات خلق مثل هذه البؤر.
ان اثارة الفتنة الطائفية فيه مع وجود مشكلة الفقر ، من شأنه ان يفتت هذا البلد ، وأن تفتيته لاسامح الله سيكون مرتبطا ارتباطا وثيقا مع التفتت الحاصل في البنية السياسية لكل من العراق ولبنان . أضف الى ذلك وجود البؤر الطائفية المسيسة في اغلب بلدان الخليج العربي والتي يخفف من وطأتها في المجتمع السياسي اقتصاد الرفاه والرهاوة الاقتصادية والى حد ما نظام الكفيل .
ان ايران تنفذ في البلدان التي لها اطماع فيها عبر وسائل الاتصال المتاحة لها ، وتشكل العلاقات الدبلوماسية احد تلك الوسائل ، فسفاراتها هي مراكز لكسب الموالين لها ، ومراكز لبث الفرقة داخل المجتمعات التي تتواجد فيها . وديدنها تصنيع فئات اجتماعية تعمل لصالحها ، ومستعدة لتقبل فكرة الموت من اجلها . ولاتقدم على هذا السبيل سوى النزر اليسير من المؤونة والسلاح ، فالمهم بالنسبة لها ان تجعل هذه الفئات مضطرة على الدوام للدفاع عن نفسها ، وان تتوهم عدوا افتراضيا هو على الدوام ( الحكومة) ، مهما كانت هذه الحكومة ، المهم انها عربية وحسب .
لذلك كله : ان تخفيض التعامل الرسمي مع ايران سيجفف منابع تصنيع الفئات المنعزلة مذهبيا وسياسيا داخل المجتمعات ، بل ان قطع العلاقات الدبلوماسية هو الحل الذي نراه فاعلا في مثل هذه الاحوال . فلقد ادرك المسلمون العرب الاوائل حقيقة جيوبوليتيكية تفرض ذاتها عليهم في التعامل مع ايران فلقد تمنى الخليفة عمر بن الخطاب ( جبلا من نار ) بين العرب المسلمين والفرس ، ( لايخلصون الينا ولانخلص اليهم ) .
ان احداث صعدة قد ابعدت اليمن سنوات كثيرة عن موعد التحاقه بعضوية مجلس التعاون الخليجي العربي ، وهو هدف تسعد به ايران ،لأن ذلك من شأنه ان يزيد تداعيات وباء صعدة ليفتك باليمن ،وحتى اذا اخذ مداه فسيفيض الى جوار اليمن حتما . وقد بدأت بالفعل تظهر هنا وهناك اعراض وباء صعدة ، لتحفزاوبئة أخرى ظلت زمنا راقدة . لذلك من الضروري ان تتبنى دول مجلس التعاون خطة لاستعادة الزمن الذي فقده اليمن في سعيه للالتحاق بعضوية المجلس جراء احداث صعدة ، بمعالجة عاجلة لمشاكل الفقر التي تلعب دورا كبيرا في الاحداث دون شك ، متزامنا مع تنظيم العمالة الاجنبية وترجيح العمالة اليمنية والعربية عبر خطط هادئة تحقق جدواها الاقتصادية والسياسية والامنية .
والحق ان مشاكل اليمن هي جزء من مشاكل دول الخليج العربي قاطبة ، لأنها مشاكل ذات ابعاد اقليمية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24