الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوعات قصيرة في ضرر الدين على الإنسان

تنزيه العقيلي

2009 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


انتهاك الآباء المسبق لحقوق أبنائهم
الآباء والأمهات من المتدينين - بقطع النظر عن أي يدين يدينون ويتدينون به - يمارسون في أغلب الحالات في إطار عملية وقائية استباقية السلب والانهتاك لحقوق أبنائهم وبناتهم، حرصا منهم على أن يكون أبناؤهم مؤمنين بما هم به مؤمنون، وملتزمين بما هم به ملتزمون. وينطلقون في ذلك إما من حرص على أبنائهم، أو من أنانية ذاتية، وإن تمظهرت بمظاهر التدين والورع والتقوى، من حيث يشعرون، أو من حيث لا يشعرون بأنانيتهم تلك. الحرص ينطلق من خوفهم على أبنائهم من الانحراف، ومن ثم من سوء العاقبة، وبالنهاية من أن ينالهم غضب الله في الآخرة، فيكونوا من الأشقياء والبؤساء والمعذبين إلى أبد الآبدين، ومن الطبيعي أن يحرص الأب، وتحرص الأم من موقع الحب لابنهم وابنتهم ألا يكونا من أصحاب الجحيم والعذاب الأبدي طبقا للتصوير القرآني، أو تصوير بقية الكتب (المقدسة) لذلك العذاب. أما الأنانية المَوعيّة من ممارسها أو غير المَوعيّة، فهي إن الأب المتدين والأم المتدينة لا يريدان من أبنائهما أن يكونوا متدينين حرصا عليهم، بل حرصا على وجاهتهما الاجتماعية، وحفظا لماء وجهيهما، إذ لا يليق بالأب أو الأم المتدينَين في الوسط الاجتماعي المتدين ألا يكون ابنهم أو تكون ابنتهم ملتزمين بالصلاة والحجاب وغيرهما. أو تتجلى الأنانية أحيانا أخرى، وهذا لا يختص به المتدين، بل يشمل كل مؤدلج منغلق متعصب، في عدم تحمل صاحب قناعة ما أن يرى من هو على غير قناعته، ولذا فهو لو أوتيت له السلطة السياسية أو الاجتماعية أو الدينية، لقام بقمع الحريات، وأخطر أنواع القمع هو القمع المقدس، أو ما يراه ممارسه مقدسا، أو يدعي قداسته. وعندما لا يملك الإنسان سلطة سوى سلطة الأسرة، كأب أو زوج أو أخ، فسيمارس قمعه وتعسفه تجاه ابنه أو ابنها، أو ابنته أو ابنتها، أو تجاه زوجته أو أخته. وقمع الحريات يكون تارة عبر العرف الاجتماعي، وأخرى عبر الدين. ونحن هنا بصدد تناول قمع الآباء والأمهات لحريات أبنائهم وبناتهم، وانتهاكهم لحقوقهم الأساسية في الاختيار الحر لعقائدهم ولحياتهم. هذه المصادرة للحرية وذلك الانتهاك للحقوق الأساسية يبدأ باختيار الاسم، ويمر بالتربية الدينية، وبفرض الحجاب على البنت، غالبا وهي في ذروة طفولتها، وانتهاءً باختيار الزوج لها في كثير من الأحيان، رغم أن الدين يعتبر الزواج الإجباري باطلا شرعا، ومع هذا يمارس الإجبار بشكل مباشر أو غير مباشر باسم الدين، مع إن اختيار شريك الحياة يعدّ من أخطر وأهم الاختيارات في الحياة.
يبدأ السلب الاستباقي للحقوق الأساسية باختيار اسم الوليد أو الوليدة، فيجري طمغ الأطفال من قبل آبائهم وأمهاتهم بطمغة، قد تكون خلاف اختيارهم الحر لاحقا، وخلاف قناعاتهم المستقبلية، الدينية والإيديولوجية والسياسية. فطمغ الطفل (الإنسان والمواطن والشخص المستقبلي) دينيا باختيار الاسم الديني له هو من أشد أنواع التعسف والانتهاك لحقوقه الأساسية، والأسوأ منه اختيار الاسم المذهبي أو الطائفي. ومثله يقال طبعا عن الأسماء الإيديولوجية والسياسية والحزبية، كأسماء الشخصيات التي تعتبر عند مريديها أبطالا قومية أو وطنية، أو رموزا ثورية. فمن غير المعقول أن الآباء والأمهات يمنحان نفسيهما حق جعل ابنهما أو ابنتهما يحملان هويتهما الدينية كمسلمين، أو مسيحيين، أو يهودين، طوال حياتيهما، أو يحملان هوية شيعية أو سنية.
قلت يبدأ انتهاك الحقوق الأساسية بإجرء استباقي وقائي بالاسم، ويمر بالتربية الدينية، والتي تبدأ غالبا مبكرا جدا بتلقين الأطفال كلمات دينية، كأسماء المقدسين من أنبياء وخلفاء وأئمة وقديسين، ويتدرج بتلقينهم تعاليم الدين من عقائد وشرائع وولاءات. وهنا أستعير قول ريتشارد داوكنز في كتابه (هلوسة الله) (God delusion)، الذي عدّ التربية الدينية للأطفال لونا من ألوان (سوء معاملة الأطفال)، ومصطلح سوء معاملة الأطفال (child abuse) المستخدم في الغرب يشمل الضرب وكل الوان العنف، كما ويشمل التحرش أو الاعتداء الجنسي، وكذلك تشغيل الأطفال بما لا يتناسب مع طفولتهم، ومنها يعد داوكنز التربية الدينية لونا من ألوان سوء المعاملة هذه. فهو يقول - وبحق - إنه من الخطأ التحدث عن أطفال مسلمين، أو مسيحيين، أو يهود، بل هناك أطفال لأبوين مسلمَين، أو مسيحيَين أو يهوديَين. والتربية الدينية بصياغة طفل على مقاسات عقيدة الأبوين، ليكون طفلا يهوديا، أو مسيحيا، كاثوليكيا أو پروتستانتيا أو آرثوذكسيا، أو مسلما، شيعيا أو سنيا أو وهابيا، في الوقت الذي لا يكون عقل الطفل قادرا على التمييز والفحص والاختيار الحر، هو سلب استباقي لحق الطفل في اختيار عقيدته. وقد أصاب مؤسس الإسلام محمد، لكن بعض الصواب لا كله، فهي كلمة حق أراد منها ما أراد، عندما قال: «إن المرء يولد مسلما، ثم أبواه يُهوّدانِه ويُنصّرانِه»، والصحيح «إن المرء يولد على الفطرة، فارغا من كل عقيدة، ثم أبواه يُهوّدانِه، ويُمسّحانِه، يُكثلكانِه أو يُؤنجلانِه، ويُؤسلمانِه، يُسنّنانه أو يُشيّعانه، ويُمجّسانِه، ويُصبّئانِه، ويُهِندُسانِه، ويُبوّذانِه، ...». ويا ليتهما عوضا عن ذلك يربيانه بتنمية عقله على أسس العقلانية، وبتهذيب نفسه بمثل الإنسانية، ثم يتركانه يختار عقيدته، عندما يكون عقله قادرا على الاختيار.
الدين عامل تفريق بين العشاق وبين الناس
من أكثر ما يربك الدين به حياة الناس، إنه يفرق غالبا بين إنسانَين انسجما فكرا وقناعات وأخلاقا وسلوكا ومزاجا وذوقا، فأحب أحدهما الآخر، وعشق أحدهما الآخر، وتماهى أحدهما في الآخر، وكانت سعادتهما في وصالهما، وتعاستهما في فراقهما، فيأتي الدين، وأحيانا يأتي المذهب من داخل نفس الدين، أو يأتي الالتزام، أو تنوع الولاءات داخل نفس المذهب، ليفرق بينهما، ويختار لهما الشقاء والعذاب بافتراقهما، بدلا من السعادة والهناء في اجتمعاهما زوجين، أو حبيبين أو بأي علاقة يختارانها. هذا ناهيك عما سبب الدين والتدين، وسببت الطائفية والتطوؤف والتمذهب، على مر التاريخ من عداوات وحروب وأنهار من دماء.
جمعية الدفاع عن حقوق اللادينيين والمرتدين والملحدين
حتى كمؤمن ديني، وكطالب وأستاذ حوزة علمية، وكداعية إسلامي، بل وكسياسي إسلامي ناديت بوجوب الدفاع عن حقوق الكفار والمرتدين والملحدين. وكانت دعوتي أشد، عندما تحولت إلى مؤمن ديني عقلي، وكسياسي إلى ديمقراطي إسلامي، ثم أشد كديمقراطي علماني، ثم أصبحت دعوتي أقوى عندما صرت مؤمنا، إلهيا، عقليا، لادينيا. نعم نحن نحتاج في بلاد العالمَين العربي والإسلامي إلى جمعية للدفاع عن حقوق وحريات اللادينيين، والملحدين والمرتدين. وركزت على هذه المجموعات الثلاث، من اللادينيين، والملحدين، والمرتدين عن الإسلام، سواء إلى دين آخر، أو إلى اللادينية، أو إلى الإلحاد، دون أن يعني تبرئة العالم الإسلامي من تخلصه كليا من القمع الديني للأقليات الدينية في مجتمعاتهم، ولكن قمع المرتد عن الإسلام، وقمع الملحد، وقمع اللاديني، هو الأشد. ولذا ترى هؤلاء على مر التاريخ يتخفَّون بحقيقة ما يعتقدون، ويتكتّمون على ما يؤمنون به، ويتستّرون على ما يكفرون به. ولذا فإني أنوي في يوم من الأيام إطلاق مشروع تأسيس هذه الجمعية، عندما أرى الفرصة مواتية، إلا إذا سبقني غيري إليها.
مصطلحات الإيمان والكفر والإلهية والإلحاد
بما أن الإيمان والكفر نسبيان، فيعني بالضرورة أن كل إيمان يختزن نسبة من الكفر، وكل كفر يختزن نسبة من الإيمان، أو إن الإيمان عند المؤمن بما يؤمن به ويعدّه إيمانا هو كفر عند غير المؤمن بما يؤمن ذلك المؤمن به ولا يعدّه إيمانا، بل قد يعدّه كفرا. من هنا إما علينا أن ننتزع من مصطلح الكفر معناه السلبي، أي المرفوض، ونعتبره توصيفا سلبيا بمعنى النفي، لا بمعنى اللامقبولية والمنبوذية والإدانة، كما ينفى عن شخص ما كونه طبيبا، أو كونه طويل القامة، أو كونه سياسيا، وهكذا، وهذا يختلف عن نفي الذكاء، أو الشرف، أو الضمير، أو الأخلاق، أو الإنسانية، أو الصدق، أو العدل، فالنفي من النوع الأول مفرغ من البعد القيمي، ولا يعد انتقاصا ممن تنفى عنه واحدة من الصفات، بينما النفي من النوع الثاني ذو بعد قيمي، ولذا فهو انتقاص ممن تنفى عنه قيمة من تلك القيم. فلو كان الإيمان والكفر، التوحيد والشرك، الإلهية والإلحاد من النوع الأول، فلا يُعَدّ إهانة أو انتقاصا عندما يقال عن شخص ما إنه كافر بالإسلام، أو بأي دين كان، أو كافر بعموم الأديان أي لاديني، أو حتى كافر بالله أي ملحد. ولكن في الواقع إن كلمة (كافر) مثقلة بكل المعاني السلبية، من انتقاص، وحرب نفسية، ونبذ اجتماعي، وكراهة وعداوة. وهكذا هو القول بالنسبة للإلهي والملحد. ولكونه من الصعوبة بمكان انتزاع المعنى المنبوذ المثقل به كل من مصطلح الكفر والإلحاد، والكافر والملحد، لعله يكون من الأجدر إشاعة مصطلحات أخرى، ألا هي (الديني) وفي مقابله اللاديني، والمؤمن وفي مقابله اللامؤمن، والإلهي وفي مقابله اللاإلهي، وكمصادر أن تستخدم مصطلحات الدينية واللادينية، والإيمان واللاإيمان، والإلهية واللاإلهية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام
بسيونى بسيونى ( 2009 / 11 / 8 - 17:17 )
الاخ تنزيه انت تتكلم فى ان تربيه الاباء لابنائهم هى انتهاك لهم انتهاك الاباء المسبق لحقوق ابنائهم ولنفترض معك ان الاباء ينتهكون حقوق ابنائهم سواء بالاسم او التربيه فكيف يرتد الانسان فى كبره على كل ما لقنه له ابواه ولو قلنا ان الابوين هم مصدر المعلومات والافعال للانسان اليس فى ذلك تجنى وتبسيط مخل واذا سلمنا بكلامك هل المطلوب رفع قضيه على الاباء ؟وما يقوله الملحد داوكنز خطأ شديد ولا يستطيع الصمود امام اسئله عقليه بسيطه


2 - فكرة جيدة
AL ( 2009 / 11 / 8 - 22:23 )
.فكرة جيدة. مطلوب تغيير تدريجي
القس والأسقف لمدة خمسة وأربعون John Shelby Spong
وهو كاتب
“Jesus for the Non-Religious”
يمكن فعل نفس الشيء مثل
“Islam for the Non-Religious”




3 - كلالكوارث من صنع الدولة
بودواهي ( 2009 / 11 / 9 - 23:47 )
ان الابناء هم ضحايا الاباء وهؤلاء هم ضحايا المجتمع وهدا الاخير هو ضحية لسياسة الدولة التي تقولبه وفق مصالحها الايديولوجية معتمدة في دلك على مؤسساتها الفانونية والتربوية والاعلامية والسياسية والدينية والسجنية ...الخ.

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ