الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفكربهاء الدين بطاح ..عندما انتحر..تعتدل الدنيا ج2

رحيم الغالبي

2009 / 11 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ج2
ولم يتوقف الامر عند خلق آدم هذا بل منحه سلطته ( خلافة الله على الأرض، قال: واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا
اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون).. مما يعني المقام الرفيع السامي الذي توج الله به آدم وبنيه وهذا وما جاء في سياقه لا يأتي إلا لميزة راقية تؤهل هذا المخلوق لهذا المقام (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ، وخلافة الله تعالى على الأرض تقتضي أن يسير الخليفة بسيرة المستخلف أو إرادة المستخلِف، ومعروف أن إرادة المستخلِف هي الفضيلة، وهي عنوان اعم من العدل والانصاف والقيم الانسانية السامية الطاهرة.
ثم.. اسجد له ( لآدم الخليفة) أسجد سبحانه الملائكة وهذا تشريف عظيم لهذا المخلوق حيث جعله قبلة للسجود له تعالى مثل ما جعل بيت المقدس قبلة في بادئ أمر المسلمين ثم الكعبة المشرفة فاكتسبا بذلك القداسة.. فسجد الملائكة كما نعرف سوى إبليس حيث كان يعلم أن آدم لا يصلح للخلافة لأن خلقته تنطوي على وجود ارضية الشر الذي ينافي الفضيلة (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) فاعترض ولم يسجد ولم يهتم بما منحه الله من القداسة حيث جعله مثابة للسجود له، ولم يهتم بمنحه منزلة خطيرة راقية وهي منزلة الخلافة التي تدل على الأفضلية بل امتنع وتمرد قائلا (ااسجد لمن خلقت طينا) - طينا: حيث منطلق الفجور أو الشر- وقال ايضا (قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) والنار من حيث المرتبة الخلقية هي افضل من الطين ( التراب) فكيف يسجد الافضل للمفضول!!
وكيف يأمر العادل (الله) بذلك! هكذا كان يرى إبليس.
وانطلق حوار بين الخالق الحاكم المقتدر، والمعارض المخلوق المقتدَر عليه.
لم يشأ الحاكم الفرض عليه بالقوة فإن اصر على عدم السجود مارس عليه قدرته فأهلكه، ولكنه فضل هنا محاورته بشكل ديمقراطي واضح - وهذا يشبه سلوك بعض الحكام العرب واصحاب بعض الأديان في قتلهم وحبسهم وتعذيبهم للمعارضين!!
هنا حيث اصر ابليس على عدم الطاعة انطلقت الفتنة الكبرى في السماء قبل الارض.
من المؤكد أن الله كان يعلم بأن إبليس سوف يتمكن من الخليفة آدم فيزج به في طريق الشر لسببين رئيسيين: الأول تمكن إبليس من آدم في الجنة حيث تمكن من اقناعه على الفسوق والخروج عن طاعة الله وسلوك الشر بالأكل من الشجرة الممنوعة.
والسبب الثاني هو وجود الارضية والقابلية لتسويغ فعل الشر ( فألهمها فجورها..) ومثل ما أن الله كان يعلم ذلك فإن ابليس كان يعلمه أيضا لنفس السببين، لذلك كان إبليس يتحدى الله في إضلال آدم بكل وثوق، ومن أخطر تحدياته قوله لله: (قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين ، قال فاخرج منها فإنّك رجيم ، وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدّين ، قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنّك من المنظرين ، إلى يوم الوقت المعلوم ، قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين ، إلاّ عبادك منهم المخلصين ، قال فالحقّ والحقّ أقول ، لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين)
فيقر الله له تمكنه من ذلك (تمكن إبليس) حيث قال له ان مصيركم حين ذلك النار انت ومن تبعك منهم، فإنك سوف تقدر على ذلك (إلا عبادنا المخلَصين) بفتح اللام وهم الذين خصهم الله بحمايته الخاصة من بين كل العباد فمنحهم العصمة وألهمهم القدرة على عدم الإنسياق وراء إبليس.
ومع كل ذلك أمر الله آدم بإطالة لحيته وارتداء ثوب قصير ابيض اللون ثم أهبطه على عرش الخلافة في الأرض ثم يقول بعد كل هذا (انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا) فيذمه بقوله ظلوم، كما يذمه في آيات عديدة.
وفعلا إنه كان ظلوما جهولا حيث ما هي إلا فترة قصيرة حتى حقق ابليس تحدياته فأمر قابيل بقتل هابيل، واستمر الفساد وسفك الدماء حتى وصل الأمر الى النبي نوح وهو من (عبادنا المخلصين) فلبث في الناس آلاف السنين يدعوهم للفضيلة وهم يسخرون منه، ومن الطبيعي أن يسخروا منه لأن سلوكه ودعوته تخالف السائد العام المتجذر في النفوس، والأمر يشبه مجتمعا اعتاد الخروج الى الشارع عاريا حتى من الألبسة الداخلية، فإذا ما شاهد هذا المجتمع فرداً يرتدي ثيابا فإنه حتما سوف يسخر منه بل ربما يوسمه بالجنون!!
وبعد آلاف السنين تلك من نبوة نوح ودعوة الناس للفضيلة دب اليأس في نفس نوح بل تأكد له عدم إمكانية قبول الفضيلة، ولم يكن له ركن شديد لكي يأوي إليه ليكف الناس عن فعل الشر بقبول دعوته، لذا دعا ربه بقوله: (إني مغلوب فانتصر) على هؤلاء الأشرار، فأمره الله ببناء الفلك، وأن يسلك فيها من كل زوجين اثنين ومن آمن (وما آمن معه إلا قليل) يقول اكثر المفسرين كان عدد من آمن به هو أربعين فردا!!
ثم اعطاه اشارة ساعة الصفر (إذا فار التنور) فحانت بعد ذلك ساعة الصفر فأغرق الأرض بكل ما عليها وأهلك البشرية الشريرة برمتها.
يقول اليهود في بعض كتبهم: ان الله بعد ما أهلك البشرية كلها بالطوفان ندم كثيرا وقرر عدم العودة لهذه الفعلة، ولا أدري لماذا ندم الله على انه خلص الأرض من الأشرار.
ثم بعد ذلك رست سفينة نوح وانتهى الطوفان وعادت البشرية تتناسل وتتكاثر من جديد، واستمر الله يهلك الامم تلو الامم لأنها صارت شريرة ولم تسمع نصائح انبيائها بالانتهاء عن الشر وسلوك الفضيلة.
ولا نعلم إذا كان قد خلقها لكي يهلكها في كل مرة ولا ندري لماذا جعل آدم القابل للشر خليفة وهو يعلم انه سوف لم ينفذ إرادته أو انه سوف لن يتمكن من ذلك، لا نقول سوء اختيار، نستغفر الله، ولكنه قال إني أعلم ما لا تعلمون.
ولازلنا لا ندري وجه تأويل اعتراض الملائكة دون أن يوضح لهم ويحاورهم مثل ما حاور إبليس، بالرغم من أن الملائكة لم يتحدوه مثل ابليس، فمن لم يتحداه لم يحاوره، ومن تحداه حاوره بل اعطاه ما طلب من تأخيره الى يوم يبعثون وأطلق يده في إضلال هذا الخليفة (البشرية)!! أما الملائكة فلم يحظو بذلك، بل كل ما حظوا به هو الاسماء التي علمها لآدم فسألهم عنها فلم يعرفوها فأفحمهم بذلك، وأغلق الحوار.

- نتمنى عدم وصمنا بمحاولة التشكيك بالله حتى يتبن لكم الخيط الأبيص من الخيط الأسود من الفجر.
-------
وإن في الامر بقية.

- لا نريد هنا ان نكفر بالله تبارك وتعالى، ولا نريد بهذا فسح المجال للجهال لكي يكفروا بحجة اتنحارنا الفكري هذا، فهو انتحار فكري وليس انتحارا دينيا وعقائديا، لذا وجب الفات النظر الى عدم استغلال هذا المجال لتسويغ الكفر بالله تعالى أو الإلحاد به عزّ وجلّ.

- وإن في الامر بقية فتابعوا طريقة انتحاري الفكري، فإن فيه فائدة لكم ورضى من الله على حساب انتحاري هذا.
- نعم للتساؤل، نعم للتفكر، نعم للتأمل، نعم للتدبر،نعم للتحاور والنقاش، أما الكفر الصراح اما الكفر الصراح بالله فلا، فنحن لم ننشئ هذا لكي يستغله اتباع ابليس للكفر بالله تعالى، ونبرأ الى الله من ذلك.
يتبع ج3











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخ رحيم الغالبي
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 11 / 9 - 14:41 )

تساؤلات مشروعة لا علاقة لها بالأيمان والإلحاد وإنما هي هوامش فكرية ومناقشة هادئة لأمور ليست من الخطوط الحمراء في الفكر الإنساني ومن حق الإنسان أن يناقش ويتساءل و يحاور في أمور تتعلق بحياته الاجتماعية والفكرية وهي من علامات الصحة في تفكير الإنسان وعدم انسياقه الأعمى وراء الخطاب التضليلي لرجال الدين المضللين الذين يحاولون استخدام الدين لمصالحهم وما يخدم توجهاتهم في التمدد على حساب الجماهير المؤمنة بالدين

اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا