الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفجيرات في السعودية

هاني طاهر

2004 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تفجيرات السعودية
أدان علماء السعودية تفجيرات الخـُبَر بشدة بالغة، ولم يختلفوا في وصف منفذيها بالخوارج. وتبارى كثير منهم في الظهور على شاشات الفضائيات لوصف المفجّرين بالشباب المغَرَّر بهم. فهل كانوا صادقين في هذا التوصيف؟
لا أراني بحاجة ماسّة إلى التذكير بموقفي المبدئي القاضي بتحريم قتل أي شخص من دون وجه حقّ؛ فلا يحلّ قتل عامل، دخل البلاد بأمان، بحجة أن حكومة بلاده ظالمة، أو أنها تنهب خيرات بلادنا، أو لاحتمال أن يكون جاسوسًا، أو لاحتمال أن يؤديَ قَتْلُه إلى نهضة أو ثورة إسلامية أو قومية، أو للضغط على حكومة بلاده، أو لتحقيق مكاسب سياسية، مهما كانت. ذلك أنه لم يرد دليل شرعي يُفيد جواز هدر دم إنسان من أجل شيء من ذلك كله. والحرام لا يصبح مباحًا إذا كان سيوصلنا إلى ما نصبو إليه. وهذا فرق جوهريّ بين المسلم وغير المسلم، فالأول مقيّد بالحكم الشرعي، والثاني منفلت منه. ولا ريب عندي في عدوانية بعض الدول الغربية وفي دجلها، بيد أن هذا لا يعني التحلل من الأحكام الشرعية في مواجهتها.
ما أودّ التركيز عليه هو أن فكر هؤلاء العلماء السعوديين المندِّدين بالتفجيرات هو ذاتُه فكر المندَّدِ بهم؛ فكلاهما قد تربى في مدرسة واحدة، وتخرج فيها. لكن المندَّدَ بهم أشدُّ تمسّكًا بمبادئ مدرستهم الفكرية من علماء الفضائيات.
إن الآباء المؤسسين للدولة السعودية ولمذهبها الوهّابي قد هاجموا كربلاء قبل مائتي عام، فهدموا مرقد الحسين، وقتلوا مَنْ قتلوا ونهبوا ما نهبوا، ولم يكن هذا إلا بذريعة محاربة الشرك، وهي الذريعة التي يتخذها التفجيريون مبررًا لأعمالهم. فمن التلميذ الأكثر نجابة؟ أليس هؤلاء الشباب التفجيريون أكثر سمعًا وطاعةً؟
لقد خرج الوهابيّون الأوائل على الدولة العثمانية؛ دولةِ الخلافة الإسلامية حينذاك، وهاجموا القبائل والولايات التابعة لها، واليوم يخرج هؤلاء الشباب على الحكومة السعودية، وهي ليست أفضل حالا من الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر، أفليس التفجيريون أصدقَ وأكثر إخلاصًا وتمسّكًا بمبادئ الآباء المؤسّسين إذن؟
إن العلماء المندِّدين والشباب المندَّد بهم، يوجبون الخروج على الحاكم الذي يحكم بغير الشريعة الإسلامية، ولما كانت السعودية تمنح رخصًا للبنوك الربوية، ولما كانت تسمح بانتشار شركات التأمين التي تمارس الحرام حسب الفتوى المنتشرة هناك، ولما أخذت الموسيقى تنتشر في التلفاز، فقد أصبح الخروج واجبًا!! فمن أصدق ولاءً لمؤسسي الدولة ونظامها؟
كما أن العلماء والتفجيريين متفقون على وجوب إخراج المشركين من جزيرة العرب، وما دام المشركون من نصارى وهندوس وبوذيين يعملون في الشركات في السعودية، فيجب طردهم، بل يجب قتال الحكومة التي تؤويهم!! فمن الأدقُّ في تطبيق النظرية؟!
وما دام هؤلاء العلماء والتفجيريون يؤمنون بوجوب قتال الكافرين في العالم كله حتى يدخلوا الإسلام أو يدفعوا الجزية، ولما كانت الدولة السعودية لا تقوم بهذا الواجب الجهادي، فصار واجبًا الخروجُ عليها!! وهذا يؤكد أن الشباب ملتزمون بالنظرية، بينما يفرق العلماء بين النظرية والتطبيق، والسبب كما يراه الشباب التفجيريون هو نفاق هؤلاء العلماء.
كما أن العلماء والتفجيريين متفقون على منع الآخرين من الدعوة إلى مبادئهم وأفكارهم، وحيث إن الدولة السعودية تسمح لبعض (العلمانيين) و(العقلانيين) بنشر مقالاتهم في الصحف، فقد وجب الخروج عليها!!
هذه المسائل وغيرها تبيّن أن التفجيريين أصدق من العلماء التقليديين الذين يقولون ما لا يفعلون. لذا فإن هؤلاء العلماء يفقدون قاعدتهم الجماهيرية التي يحوزها التفجيريون.
من هنا يتبيّن أن هؤلاء الشباب ليس مغررًا بهم، وليسوا مرتزقة، ولا تحركهم جهات أجنبية، وليسوا خوارج. بل إن لهم قاعدة جماهيرية واسعة، وأملُ كثيرٍ من المسلمين معقودٌ عليهم، وإن الفرحة لتغمر ملايين المسلمين برؤية هذه التفجيرات!
آن لرافضي التفجيرات أن يعلموا أن المشكلة في الفكر الوهّابي نفسه، وليست في شبابٍ مغرَّرٍ بهم. وآن لمؤيديها أن يُعلوا أصواتهم محاولين إقناعنا جميعًا بهذه الممارسات الدمويّة. ولا بدّ من حسم الموضوع من الآن، فلولا وَحدتنا الوطنية في فلسطين بسبب الاحتلال، لكانت التفجيرات هذه في مدننا.. وهل ننتظر زوال الاحتلال حتّى تشهد بلادُنا تفجيراتٍ مثل تلك الحاصلة في الدار البيضاء والرياض والخُبَر؟! لماذا لا نفكر، على جميع المستويات، في وضع آليّات، من الآن، لمنع حدوث مثل ذلك في بلادنا؟ أليس الحوار الصريح جدًّا هو الخطوة الأولى في ذلك؟ أليست الحريّات الفكرية المُطلقة شرطًا رئيسًا لهذا الحوار؟ أَوَلَيس الكبتُ هو العامل الأقوى في الاقتتال الداخلي الرهيب في عالمنا العربي؟ أما آن للحكومات العربية أن تعلم أن استبدادها هو العامل الأبرز في انتشار التفجيريين في طول بلادهم وعرضها! أما آن لكثير من الجماعات الإسلامية أن توقن أن جزءًا من العِلَّة في فكرها ذاته، الذي لا يحيا بغير صِدام ولا يعيش إلا على الدماء والأشلاء! إننا أمام استبداد حكومي، وأمام تأصيل للدمويّة، وكلاهما تجب محاربته بالحوار البنّاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية