الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناقشة لرسالة في إخوان الصفا

تنزيه العقيلي

2009 / 11 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه المقالة عبارة عن رسالة كتبتها جوابا لصديق ولكاتبة البحث الذي ناقشته رسالتي لباحثة محترمة كان الصديق المشار إليه قد أرسل بحثها مع إبداء رغبته ورغبة الكاتبة في أن أبين رأيي في البحث. فكتبت الرسالة والمناقشة أدناه:
عزيزي الأستاذ ... المحترم
عزيزتي الأستاذة ... المحترمة
تحية طيبة.
استلمت البحث الموسوم بـ «الحضارة العالمية وفلسفة إخوان الصفا» للكاتبة المحترمة السيدة ...، وها أنا ألبي الرغبة في إبداء رأيي فيه.

بلا مجاملة ولا محاباة شخصيا وجدته بحثا رائعا ومفيدا ومشتملا على التفاتات مهمة. من أجل أن أعلق عليه، اخترت العبارات التي وجدتها مهمة، وسألحق كلا منها بتعليق مني.

لكن قبل التعليق، أخبركما معترفا بأميتي من حيث الثقافة المقروءة، بأني لم أقرأ حتى الآن عن إخوان الصفا، ولكن الغريب إني أكتشف دائما بأن ما ألت إليه من فلسفة للدين نتيجة تأملاتي العقلية الذاتية يلتقي دائما بنسبة أو أخرى مع حركات إصلاحية ومناهج عقلية أطلع عليها لاحقا، كما هو الآن، فيما اطلعت عليه عن إخوان الصفا عبر هذا البحث الجميل. فإني أشتغل منذ فترة على مشروع كتاب حول ما أسميته بالمذهب العقلي-التأويلي-الظني، والتفكيكية بمعنى إمكان التفكيك بين الدين والإيمان. إذ الإيمان اللاديني هو الخيار الثالث بين الإيمان الديني والإلحاد، علاوة على اعتماد المذهب الظني في الإيمان الديني. ولذا فتعليقاتي تأتي متأثرة بما ألت إليه من نظرية، ظهرت بعض ملامحها في بعض مقالاتي كـ «...»، «...»، «...»، وغيرها. ستكون النصوص التي اخترتها من البحث الذي أعجبت به كثيرا بين علامتي الحصر «...»، معلقا على كل نص.

- «لجوؤهم إلى السرية في نشر بحوثهم»: وكثير من المصلحين والمجددين من المفكرين الإسلاميين يمارسون اليوم السرية، أو لنسمها التقية، والتكتم على ما آلت إليه عقولهم بتأملاتها، وعبر تعمقهم في البحث عن الحقيقة.
- «لم ينشروا أسماؤهم خوفا على حياتهم من العامة»: وهكذا هو حال البهائية على سبيل المثال، والكثير من المصلحين والمصححين، ولعله من سيعتمد غدا المذهب الظني أو التفكيكي الذي يجري العمل على بلورته. [ومنه اختفائي وراء اسم تنزيه العقيلي، الذي أرجو ألا يطول، لأفصح عن اسمي ومشروعي.]
- «طه حسين: إن قيمة الرسائل تكمن في اتجاهها لتثقيف الناس العاديين»: وهذا ينم عن حكمة وذكاء ورسالية.
- «أخرجوها من العسر الفلسفي إلى اليسر الأدبي»: وهكذا هم أصحاب الرسالات التصحيحية، بينما الذين يمارسون الفكر من موقع النشاط الترفي لا يهمهم أن يُفهَم كلامهم أو لا يفهم، لأنهم يكتبون لأنفسهم ويمارسون حوار الذات.
- «أعطوا للعقل مكانة كبرى»: و(العقلية) هي الركيزة الأولى لما توصلت إليه من فلسفة لفهم الدين [أو لنقل الإيمان]، تليها ركائز (التأويلية)، و(الظنية)، و(التفكيكية).
- «هدفوا إلى ملائمة الدين مع الفلسفة والعقل»: ليس الملائمة هي المطلوبة فقط، بل لا بد من إخضاع الدين لميزان العقل والفلسفة، فالعقل هو الحاكم على النص الديني وليس العكس.
- «الإخوان يدعون إلى التفسير الباطني للقرآن»: هنا وقعوا للأسف في الاستغراق في الغيب المفرط، وهكذا فعلت معظم المذاهب الإصلاحية عندما وقعت في الخطأ، فطرحت نفسها كدين وكمقدس وكإلهي، بينما أجد وجوب اعتماد حركة إصلاحية تؤكد بشريتها ونسبيتها (النسبية)، وبالتالي إمكانية نقدها أو تكميل نواقصها، واعتماد (التأويلية)، بمعنى تأويل النص القرآني [أو عموم النص الديني] إلى ما ينسجم مع ضرورات العقل (العقلية)، وإلا فإذا افترضنا ثبوت تعارض القرآن مع ضرورات العقل، لن يكون عندها كتاب الله، بل نتاجا بشريا، وإذا كان التعارض ليس مقطوعا به بل راجحا، يبقى الدين ظنيا (الظنية)، باعتباره من ممكنات العقل، بينما وجود الله واجب عقلي، والواجب وحده يقيني الإيمان والتصديق، ويبقى الممكن دائما ظنيا، والظنية تعالج التعصب والتطرف وتؤكد تأصيل مرجعية العقل.
- «كان هدفهم تخليص الشريعة من الضلالات»: وهذا ما يجب اليوم العمل الحثيث من أجله، مع بذل أقصى الجهود لتخليص الإيمان من القوالب الجامدة للشريعة، وإعطاء العقل صلاحية صياغة التشريع للمجتمع الإنساني.
- «إن الشريعة دنست واختلطت بالضلالات، ولا سبيل لغسلها إلا بالفلسفة والحكمة»: وحيث نجد في كل حكم شرعي اختلافا بين الفقهاء، ويكاد يكون في كل قضية رأي من الآراء الفقهية يلتقي مع رأي وضعي (بشري)، نظرية مثل ذلك الرأي أو تشريعا قانونيا أو ما شابه، وحيث يقع الفقيه غالبا لذوقه الشخصي في الاستنباط، يكون من الأجدر التعويل منذ البداية على العقل والتجربة الإنسانية، فإذا قيل إن العقل قد يخطئ، فأدوات الفقه ليست أقل خطأ، والعقل أداة أكثر موثوقية من أدوات الفقه، والنتاج البشري قابل للتصحيح والتصويب والتقويم أكثر من المقولة الدينية، لأن النتاج البشري خال من دعوى القداسة التي تعطل العقول وتمنع النقد والمراجعة والتساؤل.
- «دافعوا عن الموسيقى كمطهر للنفوس»: لأنهم عرفوا الله كما يبدو حق معرفته، ولذا فإني أقول دائما إن أرقى أنواع التسبيح بحمد الله هو تذوق الجمال في الطبيعة والكون، والموسيقى وعموم الفنون هي تجليات لذلك الجمال.
- «هدفهم كان وضع دين عقلاني يعلو كل الأديان»: وما ألت إليه يعتمد علاوة على ما ذكرت من ركائز أربع، ركائز فرعية، منها العقلانية والإنسانية والنسبية والعَلمانية، مع العلم إن العقلانية غير العقلية، فالعقلية تعني العقل الفلسفي فيما هو الصواب والخطأ، والعقل الأخلاقي فيما هو الحسن والقبيح، بينما العقلانية هي العقل العملي أو الحكمة.
- «كانوا مع اللاعنف والمسالمة»: لأن اللاعنف والسلام وحدهما ينسجمان مع جوهر الإيمان بالله، حتى لو كان أصحابهما ملحدين، فهم أي هؤلاء الملحدون إلهيون بإنسانيتهم وعقلانيتهم، والله إنما يجازي بمقدار ما يجسد الإنسان إنسانيته، وليس بمقدار معرفته بوجود الله، أو بمقدار إيمانه بوحي ما، أو دين أو كتاب مقدس.
- «تعاهدوا على إن العقل هو رئيسهم»: ونِعْمَ الرئيس والقائد والحاكم والميزان.
- «انتقدوا الطائفة التي تجعل من التشيع مكسبا لها، مثل النائحة والقصاص»: وتسييس المذهب من قبل أحزابنا الإسلامية الشيعية اليوم.
- «هدفهم كان لإحلال العدالة وإصلاح النفوس وإعطاء العقل، القيمة العليا في الجسد الفاني»: وهذا هو جوهر الدين [أو الإيمان]، والنصوص التي تؤيد هذا المعنى كثيرة عن نبي المسلمين وأئمة الشيعة مثل: «إنما الدين المعاملة»، و«عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة؛ قيام ليلها وصيام نهارها»، «لا تغتروا بصلاتهم وصيامهم، فلعلهم اعتادوها، بل اختبروهم في صدق الحديث وأداء الأمانة»، وكان معظم الإسلاميين (أصحاب الإسلام السياسي) أبعد من غيرهم عن الصدق وحفظ الأمانة.
- «دعوا إلى التوحيد رغم مختلف الأديان والمعتقدات»: فالتوحيد هو الإيمان الفلسفي المحايد دينيا، وأعلا مراتبه التنزيه.
- «الدين واحد»: وأنا أميز بين الدين والإيمان، وأقول بإمكان التفكيك بين الدين والإيمان، فالأول حبيس النص، والثاني ينطلق في رحاب آفاق العقل ببعديه الفلسفي والأخلاقي، ويستفيد من التجربة الإنسانية.
- «إذن هو صراع على السلطة»: وهذا، أي الصراع على السلطة هو جوهر الإسلام السياسي، فأصحابه وجدتهم لا أصحاب قضية دين، ولا أصحاب قضية وطن، بل أصحاب مشروع سلطة، تتغلب فيه الذات الشخصية، ثم الذات الحزبية، والذات الطائفية، أو القومية في أحسن الأحوال، وأحسنها أسوأها.
- «هدفي (الباحثة المحترمة) من هذا البحث المقتضب تقصي دروب المعرفة الشائكة»: هدف يستحق بذل الجهد.
- «والنتيجة التي توصلت إليها:»
- «حركة إخوان الصفا كانت حركة تنويرية إصلاحية»: استنتاج دقيق.
- «من أهدافها إحلال العدالة الاجتماعية»: وهذا ما يؤيده النص القرآني «ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط». إذن قيام الناس بالقسط هدف مركزي. [استشهادي بالنص القرآني لا يعني اتخاذ للقرآن مرجعا، وإنما على نحو إلزام المسلمين بما ألزموا أنفسهم بالإيمان به.]
- «تخليص الدين من بعض الشوائب»: والشوائب بلغت من السعة بحيث غطت جُلَّ مساحة الدين، ولذا لا بد من تحكيم العقل والضمير، أي العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي.
- «الرقي بالغد والمجتمع عن طريق العقل»: هدف سام وعظيم للإخوان واستنتاجات رائعة ودقيقة للباحثة.
- «دعوة لحوار بين مختلف الأطياف والمعتقدات»: وهذا هو مبدأ الديمقراطية العلمانية؛ العلمانية ليس فقط على الصعيد السياسي، بل الثقافي والفكري والديني والاجتماعي.
- «أخيرا من السهل الهدم ولكن البناء صعب»: ولكن البناءون يضع كل منهم حجرا ويمضي، حتى يكتمل صرح بناء المستقبل المشرق للبشرية، حيث يحل الإيمان العقلي، أو المنهج العقلاني-الإنساني، بدلا من النص الديني، العقل بدل (المقدس).

هذه ملاحظاتي باختصار، وأعتذر لإقحام مشروعي في تعليقاتي، وأرجو ألا تفسر على أنها نرجسية، ولو إني لا أبرئ نفسي منها مئة بالمئة فـ«إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي»، بل لأن المشروع يعيش معي هاجسا وقلقا. وأخير إنه بحث قيم ومفيد وجهد يستحق الاحترام.

تحياتي وتقديري ومودتي واعتزازي.

12/03/2008
روجعت في 31/10/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟