الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معيدو الجامعات بين الماضى والحاضر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 11 / 16
التربية والتعليم والبحث العلمي


يدرك السائل والمسئول أن للجامعة أهمية كبرى فى دفع عجلة المجتمع إلى الإمام ومن دونها تنهار مكانة الأمم وتتهاوى قدرات الدول. لعل انهيار مؤسسات حكومية لا يساوى شيئا مقارنة بانهيار منظومة التعليم الجامعى فى بلد ما. لقد توسم شارل ديجول خيرا فى مستقبل فرنسا التى انهارت معظم مؤسساتها عقب الحرب العالمية الثانية عندما علم أن جامعاتها مازلت متماسكة. من المعروف أن الجامعات تقوم على عدة عناصر أهمها الأستاذ الجامعى. والدليل على هذا الطرح هو أن المعايير (تميز الأساتذة وجودة الأبحاث التى يجرونها ومدى كفاءة الخريجين والقدرة الاستيعابية للجامعة) التى تعتمد عليها جامعة شنغهاى الصينية لترتيب وتصنيف جامعات العالم تشير إلى أن أستاذ الجامعة يلعب دورا أساسيا فى الترتيب الذى تحصل عليه الجامعة التى ينتمى إليها. وهذا الدور يظهر جليا فى النسبة التى خصصتها جامعة شنغهاى لكل معيار من معايير التصنيف: 20% إذا كانت الجامعة تضم أساتذة حصلوا على جوائز وميداليات عالمية و20% للأبحاث التى ترد فى فهرست الإنسانيات و20% للأبحاث التى ترد فى فهرست العلوم و20% إذا حصل خريجو الجامعة على جوائز عالمية و20% لحجم الجامعة ونسبة الطلاب بها. ولما كان الأستاذ يبدأ معيدا ثم يتدرج فى الوظائف الجامعية حتى يصل إلى قمة السلم فإن الضرورة تقتضى أن نقر بأهمية المعيد فى منظومة التعليم الجامعى على اعتبار أنه بمثابة الأساس فى البناء الجامعى.

ومن المتوقع أن ينهار هذا البناء إذا مارسنا أساليب الغش فى العناصر التى نضعها فى الأساسات. ومن هذا المنطلق فإننا نقول إن الجامعات لن تنضم إلى أية قائمة من القوائم التى تضم أفضل خمسمائة أو حتى سبعمائة جامعة إلا إذا توخينا الحذر عند تطبيق المعايير التى تتعلق بتقييم عناصر التفوق لدى الطلاب وعند اختيار الأكفأ فى الوظائف الجامعية. ففى الماضى كانت الأقسام الجامعية المختصة تتولى عملية التقييم الدقيق وكانت الكليات تتولى تكليف من تحتاج إليهم من الخريجين المتفوقين وأحيانا تعلن عن حاجتها عن معيدين فى الصحف القومية ليتقدم للوظيفة من يرى فى نفسه القدرة على مواصلة التعليم . ولم تكن هنالك ثمة حاجة إلى الاستعانة بجهات من خارج الجامعة للحصول على الوظائف الجامعية ولم يحدث أن مارس أحد من جيلنا ضغوطا من أى نوع للتعيين فى هذه الوظيفة أو تلك. لقد كانت الفرص متاحة لجميع الطلاب المتفوقين فى الفوز بالوظيفة المرموقة. إذن فإن المعيد الذى يمثل حجر الزاوية فى المبنى الجامعى كان يولد ولادة طبيعية.
لعل الأمور باتت مختلفة فى هذه الأيام حيث لا ينتظر خريج اليوم رأى مجالس الأقسام أو الكليات إذ يشرع فى ممارسة الضغوط تلو الضغوط للحصول على وظيفة معيد وقد تلوح فى الأفق رائحة النفوذ والسطوة والابتزاز والترهيب. والمثير للحزن والأسى هو أن مصادر هذه الضغوط لا تضع المصلحة العامة فى الحسبان ولا تتفهم ما إذا كانت الكلية فى حاجة إلى معيدين أم لا. دعنا نتوقف قليلا لنفترض أن هذه المصادر نجحت فى مساعيها نحو تعيين زيد أو عبيد فى الوظيفة الجامعية ألا يعتقد القارئ أن الفائز بالوظيفة قد تعلم درسا لن ينساه طوال حياته؟ وهذا الدرس يتمثل فى أن الضغوط وأساليب "لى الذراع" هى الوسيلة الوحيدة للفوز بالمناصب الجامعية. لقد تعلم أيضا ألا يعتمد على نفسه خلال المشوار الذى يقطعه ليصبح أستاذا فى الجامعة، فقد يلجأ إلى ذات الجهات كلما واجه مشكلة خلال الرحلة الطويلة التى يقطعها. وفى أسوأ الأحوال فإن الفترة المحددة (خمس سنوات للحصول على الماجستير ثم خمس سنوات أخرى للدكتوراه) قد تنتهى من دون إتمام المهام البحثية لينتهى به المطاف بالإحالة إلى وظيفة إدارية كما حدث فى جامعة عين شمس التى اتخذ رئيسها قرار غير مسبوق بإحالة 400 من المعيدين والمدرسين المساعدين إلى وظائف إدارية وفقا للمادة 155 والمادة 156من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972م. وحتى لو نجح صاحبنا فى إنهاء مهامه البحثية فى المدة المقررة وأصبح أستاذا فى الجامعة فإنه قد لا يتردد فى اللجوء إلى ذات الأساليب والطرق الملتوية كالوشاية بزملائه للفوز بمناصب إدارية.

ومما سبق نستطيع أن نقول إن هذه الأساليب التى تقوم على الوساطة والمساومة والابتزاز من شأنها أن تأتى بنتائج كارثية إذا صارت مصدرا من مصادر اختيار معاونى أعضاء هيئة التدريس فى الجامعة. ومن ثم يتعين على القائمين على تصريف أمور الأقسام والكليات ألا يصيبها فيروس التراخى والاستهتار خلال مراحل اختيار هذه الفئة واضعين فى الاعتبار أن عدم الاكتراث بهذا الأمر قد يهدد مكانة الجامعة ويقوض محاولاتها نحو رفعة وتقدم المجتمع.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا