الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطابقة دائرة الوجود والعدم ودائرة أحكام العقل الثلاثة 1/2

تنزيه العقيلي

2009 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما لاحظ القارئ المتتبع أني كثيرا ما أشير إلى أحكام العقل الثلاثة: الواجب (الضروري)، الممتنع (المحال)، الممكن، وهذا ما سيجده القارئ متككر الإشارة إليه في مقالات مقبلة. ومنذ أكثر من عشر سنوات ابتكرت وسيلة إيضاح، استخدمتها في محاضراتي ودروسي، أحب أن أشير إليها هنا.

وسيلة الإيضاح هذه تتكون من دائرتين كالآتي:
1. دائرة مقسمة تقسيما ثلاثيا، أي إلى ثلاثة أثلاث متساوية، ذلك بسحب إشعاع عمودي من مركز الدائرة إلى طرفها العلوي، ثم سحب إشعاعين بـ60° يمينا ويسارا، من مركز الدائرة إلى محيطها. جعلت الثلث الذي يتوسط الدائرة إلى أسفلها باللون الأصفر، وجعلت الثلث العلوي الأيمن باللون الأخضر، والأيسر باللون الأحمر.
2. دائرة مقسمة تقسيما ثنائيا بشكل عمودي، جعلت نصف الدائرة الأيمن شفافا، ونصفها الأيسر باللون الاسود.

في دائرة أحكام العقل الثلاثة جعل اللون الأخضر يرمز للواجب العقلي، سواء بمعنى واجب الوجود، أو واجب الماهية، أو واجب الصدق. وبعكسه جعل اللون الأحمر يرمز للممتنع العقلي، سواء بمعنى ممتنع الوجود، أو ممتنع الماهية، أو ممتنع الصدق. وجعل اللون الأصفر يرمز للمكن العقلي، سواء بمعنى ممكن الوجود، أو ممكن الماهية، أو ممكن الصدق.

أما دائرة الوجود والعدم المتكونة من نصفيها العموديين، بجعل أحدهما باللون الأبيض (أو الشفاف)، ويرمز للوجود أو للصدق، والثاني باللون الأسود (أو المعتم)، ويرمز للعدم أو للكذب.

وعند مطابقة الدائرتين بجعل دائرة الوجود والعدم (الصدق والكذب) فوق دائرة أحكام العقل، نجد اللون الأسود (المعتم) يغطي اللون الأحمر (الممتنع) تغطية تامة، فيخفيه، إذ كل ممتنع عقلي معدوم، أو كاذب بالضرورة العقلية، كما ويغطي نصف مساحة اللون الأصفر (الممكن)، لأن بعض الممكن معدوم، أو كاذب. بينما نجد أن اللون الأبيض (الشفاف) يغطي اللون الأخضر (الواجب) تغطية تامة، فيظهره، إذ كل واجب عقلي موجود، أو صادق بالضرورة العقلية، كما ويغطي نصف مساحة اللون الأصفر (الممكن)، لأن بعض الممكن موجود، أو صادق.

أو يمكن تفسير ذلك بالنسبة لمقولة واحدة، فإن العقل عندما يواجه مقولة من المقولات (أو قضية من القضايا كما تسميها بعض كتب المنطق)، فهي إما خضراء (واجبة عقلا)، فتتخذ مكانها في الموقع الذي تغطيها المساحة الشفافة (البيضاء)، فتكون موجودة، أو صادقة وجوبا، وفي كل الأحوال، أو هي حمراء (ممتنعة عقلا)، فتتخذ مكانها في الموقع الذي تغطيها المساحة السوداء، فتكون معدومة، أو كاذبة وجوبا، وفي كل الأحوال، أو هي صفراء (ممكنة عقلا)، فتتخذ مكانها في الموقع الذي تغطي نصفها المساحة الشفافة (البيضاء)، وتغطي نصفها الثاني المساحة المعتمة (السوداء)، فتكون إما موجودة أو صادقة، وإما معدومة أو كاذبة، إمكانا، فتبدأ هنا رحلة فحص الأدلة على الوجود أو العدم، أو على الصدق أو الكذب.

واختياري لهذه الأوان لا يشتمل على أي بعد إيديولوجي، كما قد يرمز هذا أو ذاك اللون للبعض، بل استعرتها من ألوان إشارات المرور الضوئية.

إذا أتقنّا استخدام الواجب والممتنع والممكن العقلي استخداما دقيقا، وطبقناها تطبيقا صحيحا على كل مقولة دينية، أو فلسفية، أو علمية، أو خبرية، سنجد أنفسنا قد خرجنا دائما بنتيجة صحيحة مئة بالمئة، لاسيما فيما هو الواجب (الضروري)، وما هو الممتنع (المحال)، بل وحتى فيما هو الممكن، من حيث الحكم بإمكانه، أي إمكان وجوده أو صدقه، وإمكان عدمه أو كذبه.

وحيث إن المقولات الدينية، أو قل الإيمانية، دينية وحيانية كانت، أو عقلية فلسفية، كلها لا تخرج عن كونها إما واجبة، أو ممتنعة، أو ممكنة عقلا، بما في ذلك المقولات الغيبية، سيكون حكمنا، سواء بتصديقنا (إيماننا)، أو بتكذيبنا (كفرنا)، كله قائما على أسس عقلية، وليس منطلقا من فراغ، أو تعصب، أو خرافة، أو اتباع أعمى للموروث والمشهور، أو هوى ونزوة. ومع هذا فإن ذلك لا يعني أننا سنملك في كل قضية الحقيقة المطلقة والنهائية.

مستويات التعقلات الثلاثة:
إذن هناك لكل من التعقلات الثلاثة (الوجوب، الامتناع، الإمكان) ثلاثة مستويات:
1. المستوى الفلسفي: وهو أوسع المستويات.
2. المستوى العلمي: وهو أضيق دائرة من الفلسفي. (التطبيقي منه أضيق من النظري).
3. المستوى العملي: هو أضيق المستويات. (العملي الخاص منه أضيق من العملي العام أو المجرد).

علاقة العقيدة بكل من التعقلات الثلاثة ومن مستوياتها الثلاثة:
- الوجوب العقلي: العقيدة لا بد أن تكون منسجمة مع الوجوب العقلي لتكون صادقة.
- الامتناع العقلي: العقيدة الصادقة أو مفترضة الصدق لا يمكن أن تشمل على شيء من الممتنعات العقلية، بل لا بد أن يكون موقفها من هذه الممتنعات إما موقف الرفض بالتصريح، وهذا هو الرفض الإيجابي، وإما موقف عدم اشتمالها على ممتنعات عقلية، وهذا هو الرفض السلبي، وإلا فهي عقيدة غير صادقة.
- الإمكان العقلي: من خلال اشتمال العقيدة على ممكنات عقلية، لا نستطيع أن نحكم عليها، ولا على مقولاتها الممكنة تلك، لا إيجابا ولا سلبا، لأن الممكنات في الغالب قضايا ترجيحية أو احتمالية، يتفاوت الناس في مدى قبولها أو رفضها، بحسب التشخيص النسبي لمدى راجحيتها أو مرجوحيتا، أو بتعبير آخر لدرجة احتمالها. فالحكم عليها يأتي في مرحلة متأخرة بعد ثبوت صحة أو خطأ العقيدة، وما يتفرع منها من تشريعات، وهذا ما يتخذ منه العقل موقف الحياد قبل ثبوت صدق المصدر (الوحي)، أو عدم صدقه. نعم، كلما اشتملت العقيدة، أو ما يتفرع عنها من شريعة (أحكام)، على عدد أكبر مما ترجحه عقول العقلاء (معيار العقلانية) وفطرة الطيبين (معيار الإنسانية)، كان احتمال صدقها أقوى، وبالعكس كلما اشتملت على عدد أكبر مما تأباه عقول العقلاء، وتنفر منه فطرة الطيبين، كان احتمال صدقها أضعف.

العقيدة ومستويات التعقل الثلاثة
ماذا لو اشتملت العقيدة على ممتنع عقلي (فلسفي)، أو ممتنع علمي (طبيعي)، أو ممتنع عملي (عقلائي).

اشتمال العقيدة على الممتنع العقلي الفلسفي منه، والأخلاقي: يكون مبررا لرفض العقيدة، لأنها لا يمكن إلا أن تكون خرافة، وليست بدين حق.

اشتمال العقيدة على الممتنع العلمي: قد لا يكون ذلك بالضرورة ومن الوهلة الأولى مبررا للرفض، لكنه يمكن أن يكون مبررا للتحفظ، لحين التثبت والتبين. وأقصد هنا بالممتنع العلمي ما يستحيل على العلم أن يقوم به، وليس ما يتعارض مع الحقائق الفلكية والطبيعية التي ثبت صدقها على نحو القطع واليقين، ككروية الأرض ودورتها حول نفسها وحول الشمس، فمعارضة المقولات الدينية لمثل هذه الحقائق الثابتة مؤشر على عدم صدقها.

اشتمال العقيدة على الممتنع العملي: من قبيل الأولى ألا يكون ذلك مبررا لرفض العقيدة وتكذيبها، لأن دائرة الممتنعات العملية ضيقة جدا.

توافق أو تعارض العقيدة مع بعض المعقولات:
لكل من التوافق أو التعارض من قبل العقيدة مع المعقولات أدناه سبب في اتخاذ موقف ما تجاه تلك العقيدة، إيجابا أو سلبا على نحو الإطلاق، أو على نحو النسبية:
1. التوافق أو التعارض مع الحقائق الفلسفية. (العقل الفلسفي).
2. التوافق أو التعارض مع الحقائق العلمية.
3. التوافق أو التعارض مع قواعد الحكمة الإنسانية. (العقل العملي، أو العقلانية).
4. التوافق أو التعارض مع قواعد الحكمة الإلهية.
5. التوافق أو التعارض مع موازين العدل الإنساني فيما هي الأحكام.
6. التوافق أو التعارض مع موازين العدل الإلهي فيما هو الجزاء أو القول بالجبر.
7. التوافق أو التعارض مع قيم الأخلاق والتحسين والتقبيح العقليين. (العقل الأخلاقي).

أهم القواعد العقلية:
ربما يمكن اعتبار القوانين المذكورة لاحقا هي أهم القوانين العقلية التي يجب الإقرار بها، خاصة فيما يتعلق الأمر ببحوث العقائد:
1. قانون استحالة التناقض.
2. قانون العلية أو السببية.
3. قانون استحالة الدور.
4. قانون استحالة التسلسل اللامتناهي للعلل.

فالإقرار باستحالة التناقض شرط لكل معرفة، وإلا لصح القول عن كل المعارف، العقلية منها والتجريبية، أنها صادقة وكاذبة في آن واحد، هذا الذي إذا عُمِل به، لما صح التعويل على أي معلومة، وأي قانون، وأي استنتاج أو تحليل، مهما بدا صحيحا، لأنه سيكون خاطئا في نفس الوقت. فاستحالة اجتماع أو ارتفاع النقيضين، أو وجود شيء وعدمه، يعني ببساطة استحالة أن يكون الشيء نفسه، في الوقت نفسه، وفي المكان نفسه، وبنفس المعنى المقصود، وبالنسبة إلى نفس الشيء، موجودا ومعدوما، كما يستحيل أن يكون ذات الشيء، في ذات الوقت، وذات المكان، ليس موجودا وليس معدوما. وكما يجري الكلام عن الوجود والعدم، يجري عن الصدق والكذب.

أما بالنسبة لأهمية قانون العلية، فلأن لكل معلول علة، أو لكل مسبَّب سببا أو مُسبِّبا. وكل الموجودات وكل الظواهر في عالـَم الممكنات، أي عالَم الحادثات معلولة لعلل، سواء في وجودها، أو في ماهياتها وتحولاتها الماهية، أو في انعدامها. والمقصود بعالَم الممكنات هو عالَم الموجودات التي هي موجودة فعلا، ولكنها ليست واجبة الوجود، بل هي ممكنة الوجود، وبالتالي ممكنة العدم افتراضا، أو - وإن كانت موجودة - فهي معدومة فعلا في زمان ما أو في مكان ما غير زمان ومكان تحقق وجودها. والمقصود بعالَم الحادثات هو عالَم الوجودات التي كان وجودها قد حدث في نقطة زمنية، أي أن لوجودها نقطة ابتداء، ولم تكن موجودة منذ الأزل، وهذه الممكنات الحادثات هي ما تُنعَت بالمخلوقات من قبل المؤمنين بالخالق. وبالتالي تكون مصطلحات الممكن والحادث والمخلوق مترادفة عندهم. هذا بقطع النظر عن وجود علة أولى واجبة، وليست ممكنة، وقديمة، وليست حادثة، ومستغنية، وليست محتاجة إلى علة قبلها، فبحثه في محله. أما كلامنا هنا فعن عالم المادة الذي يؤمن به الإلهيون والماديون على حد سواء، وليس عن عالم ما وراء المادة الذي يؤمن به الإلهيون حصرا.

ومن القواعد العقلية الأساسية أيضا استحالة التسلسل،، كاستحالة أن يكون لكل معلول علة، ثم يكون لعلته علة، ثم علة أخرى، إلى ما لا نهاية. وكذلك استحالة الدور، وهو أن تكون علة لشيء معلولة له في نفس الوقت، فلا يكون وجود (أ) إلا بوجود (ب)، وفي نفس الوقت لا يكون وجود (ب) إلا بوجود (أ)، لأن بذلك سوف لن يتحقق وجود، لا لـ (أ) ولا لـ (ب).

كتب قبل عقد من الزمن
روجع في 20/11/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة