الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- لماذا يُتهَم أردوغان ب-الأمركة-؟ -

محمد سيد رصاص

2009 / 11 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان انتهاء نظام الثنائية القطبية،بين خريفي 1989و1991،مؤدياً إلى وضع ثلاثة مناطق متداخلة من العالم(البلقان،القوقاز- آسية الوسطى،الشرق الأوسط) في أوضاع من الإضطراب أوالفراغ،إذا لم يكن كليهما معاً.
عملياً،كانت هذه المناطق الثلاث هي بؤر التوتر العالمي الرئيسية خلال العقدين الماضيين،أوأنها شكَلت نقط التركيز الرئيسية عند القطب الواحد للعالم بسبب طموحات قوى اقليمية لملء الفراغ أولإستغلال الإضطراب(= عراق2آب1990- صربيا بين محطتي سراييفو وكوسوفو- ايران مابعد2005)أولكون مصادر واحتياطات الطاقة العالمية متركزة في المنطقتين الثالثة والثانية.
إذا نظرنا إلى الخريطة،فإننا نجد أن تركية هي نقطة الإلتقاء الوحيدة لهذه المناطق الثلاث:تلتقي مع البلقان ليس فقط من خلال الجغرافية ،وإنما عبر ماضي عثماني يربط الأتراك،برباط التاريخ المشترك والدين، مع الألبان والبوسنيين المسلمين،لتقود استقطابات تسعينيات القرن الماضي وصراعاته إلى وضع أنقرة بصف واشنطن في وجه صربيا المتحالفة مع العدو التقليدي للأتراك ممثلاً في أثينا التي وجدت نفسها(رغم عضويتها أيضاً في حلف الأطلسي)ليس فقط ضد حلفاء الأتراك البلقانيين وإنما مع أعدائهم الصرب الأرثودكس وداعميهم الموسكوف المستعيدون لأرثودكسيتهم وسلافيتهم في مرحلة مابعد السوفيات ، فيماتتلاقى تركية مع المنطقة الثانية عبر طموح،عبَر عنه توركوت أوزال قبل قليل من وفاته في عام1993،لإقامة"عالم تركي يمتد من بحر إيجة إلى الحدود الصينية"،بينما نجد أن(الجنوب)كان دائماً قبلة استانبول منذ أيام السلطان سليم الأول( 1512-1520 )ولو مع فاصل غربي بدأته أنقرة مع أتاتورك حتى انتهى ذلك عملياً مع أوزال قبل أن يتكرس"التوجه الجنوبي"في سياسة ذات قوام استراتيجي مع أردوغان إثر انسداد باب الجماعة الأوروبية أمام الأتراك أواخر التسعينيات.
في هذا الصدد،يمكن تسجيل حيثيات عديدة:عدم تشجيع واشنطن لإنضمام تركية إلى الجماعة الأوروبية ورضاها الخفي عن انسداد الباب الغربي أمام الأتراك. تلاقي الأميركان مع تركية في سياسات عامة في البلقان عبر محطتي حرب البوسنة(1992-1995)وحرب كوسوفو(1999)،وأيضاً في القوقاز-آسية الوسطى من أجل ملء الفراغ السوفياتي أولمنع التمدد الإيراني إلى هناك ثم لتشكيل حاجز تركي أمام تمدد موسكو ومحاولتها العودة لمناطقها السابقة بعد الإستيقاظ النسبي للقوة الروسية في عهد بوتين،فيما نجد ذلك الإتجاه الأميركي إلى تعويم الدور التركي في المنطقة الممتدة بين كابول وغزة بدءاً من عام2007 إثر اقتراب(المشروع الأميركي)،المار عبر بوابة بغداد2003،من التعثر والفشل ،بعكس ماكان جارياً أثناء غزو واحتلال العراق لماحاولت واشنطن"إعادة صياغة المنطقة"عبر يديها فقط،متجاهلةً أنقرة والرياض والقاهرة وحتى تل أبيب.
هنا،يمكن القول أن أردوغان يلعب في منطقة الشرق الأوسط دور المقاول الطارىء عند صاحب مشروع اصطدم بحائط العقبات والعثرات،فيماهو شريك فاعل للأميركان في القوقاز- آسية الوسطى ،وفي البلقان،حيث تأتي هذه الشراكة من المصلحة المشتركة لكل من واشنطن وأنقرة في الحدِ من نفوذ الغرب الأوروبي(وأيضاً موسكو)في البلقان،حيث كانت أحد عناوين ذلك بالشهر الأخير من عام1995هو(اتفاقية دايتون)لإنهاء نزاع البوسنة الأوروبية في أرض أميركية وبقاعدة عسكرية وليس في أرض أوروبية بعد تفشيل أميركي لخطة دافيد أوين- سايروس فانس(التي مثلَت الجماعة الأوروبية والأمم المتحدة)بين عامي1993و1994،فيماهناك،في القوقاز-آسية الوسطى،شراكة أنابيب الغاز والنفط الآتية من هناك عبر المعبر التركي لصالح شركات أميركية،وأيضاً وكذلك المصالح المتلاقية بين أنقرة وواشنطن في انشاء"عالم تركي" يشكل حاجزاً فاصلاً بين بكين و موسكو ،وبين الأخيرة وطهران(و"المياه الدافئة")،ويمكن اللعب من خلاله وعبره لصالحهما ضد هذه العواصم الثلاث(= جمهورية أذربيجان- الإيغور- اقليم أذربيجان الايراني)،بينما في الحالة الشرق الأوسطية تأتي المقاولة التركية الطارئة من الحاجة الأميركية إلى قطب اقليمي يواجه التمددات الايرانية في عموم المنطقة(الواصلة أخيراً حتى صعدة)بعد أن قويت طهران كثيراً منذ سقوط صدام حسين،وبالذات بعد فشل"الإعتدال العربي"في أن يقوم بذلك ضد الايرانيين كماكانت تأمل الوزيرة رايس أثناء نحتها لمصطلح"معتدلين ضد متطرفين"إبان زيارتها للمنطقة في خريف عام2006،وبسبب عدم قدرة اسرائيل على القيام بهذه المقاولة ضد طهران بخلاف مافعلته ضد عبد الناصر في حرب حزيران1967لصالح واشنطن،أوضد المفاعل النووي العراقي في حزيران1981ليكسب بيغن من خلال هذه المقاولة اتفاقاً سرياً مع الرئيس ريغان (كشفت عنه بالسنوات الأخيرة وسائل اعلام أميركية)بتكريس الأحادية النووية الإسرائيلية في المنطقة الممتدة بين اسلام آباد والرباط .
هذا لايعني أن ليس هناك مصالح تركية خاصة في سياسة أردوغان الملتفتة نحو(الجنوب)،وبالذات عند رجال الأعمال الأتراك ومجموع الطبقة الوسطى الجديدة،الذين يشكلون الحاضنة الاقتصادية-الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية والذين معظمهم آت ٍ من مدن اقليم الأناضول(وليس من المدن الثلاث الكبرى)ويحملون ميول اسلامية ممزوجة مع نزعات عملية بورجوازية،وهم يشعرون بحكم الأيديولوجية(بعكس علمانيي أنقرة وإزمير)وبحكم الجوار الجغرافي بأن الجنوب(وليس الغرب الأوروبي) هو"المجال الحيوي" للصناعي والتاجر ورجل الأعمال التركي،فيماهناك أيضاً مصالح جيو-سياسية لتركية في احتواء واضعاف القوة الاقليمية الايرانية المتنامية،مع حسابات بأن هذه المقاولة التركية،لصالح الأميركي المتعثر بين كابول وشرق المتوسط،هي التي تتيح المجال لأنقرة ليس فقط لتحجيم القوة الكردية في ديار بكر وإنما أيضاً في إربيل وكركوك.
عندما يختلط المرء بتيارات سياسية تركية(كماحصل لكاتب هذه السطور أثناء مشاركته في ندوة عقدت بإحدى جامعات استانبول في حزيران2007حول"السياسة الأميركية في الشرق الأوسط")يفاجىء بإتهامات"الأمركة"التي يوصف بها أردوغان والإسلاميون الأتراك من قبل اليساريين الماركسيين الأتراك والعلمانيين الأتاتوركيين معاً،بخلاف ماهو عليه الآن موقع اسلاميي العالم العربي:هل تعني التلاقيات الأميركية- التركية الراهنة أيضاً،إضافة لماسبق، أن أردوغان سيكون "نموذجاً اسلامياً" أميركياً ستقوم واشنطن بتسويقه كبديل ليس فقط عن ابن لادن أونماذج سلفية وإخوانية عربية راهنة أوماضية،وإنما كبديل أيضاً للعديد ممن هم في الحكم من الأنظمة العربية القريبة لوا شنطن،كماكان أردوغان بديلاً للعسكر والأتاتوركيين الذين كانوا أقرب لواشنطن من غيرهم داخل الطيف السياسي التركي أثناء أيام الحرب الباردة،وخاصة بعد أن أثبتت محطات ماضية قريبة مفصلية أن أوضاع بعض تلك الأنظمة لم تكن بعيدة،من حيث علاقتها بالشارع،عن وضع الملك فاروق في حرب1948أووضع نوري السعيد في أثناء حرب1956بالسويس؟
==========================================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل