الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين واليسار

نضال الصالح

2009 / 11 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل من الممكن أن يكون المتدين يساريا، إشتراكيا أو حتى ماركسيا؟ من تجربتي الشخصية استطيع أن أجيب بنعم وأن التدين ليس عقبة في طريق التقدم كما أنه ليس من المحتم أن يكون التدين مانعا للحوار البناء بين المتدينين ومعسكر اليسار بمختلف إتجاهاته.
والدي رحمه الله كان مسلما متدينا ملتزما بفرائض دينه، كان يصلي الصلاة في أوقاتها ويصوم ويزكي ولقد أدى فريضة الحج. لم يدخن سيجارا ولم يشرب الخمرة طيلة حياته وتزوج بإمرأة واحدة، هي أمي، ظل لها مخلصا حتى مماته.
كل هذا لم يمنع والدي من دراسة الماركسية وكان يساريا في مواقفه إشتراكيا في معتقده السياسي. ولقد قام مع بعض الشخصيات الوطنية بما فيهم الشيوعيون بتأسيس جبهة وطنية رفعت شعار معاداة الإستعمار والصهيونية.
تدينه لم يمنعه من دخول الإنتخابات النيابية في قائمة موحدة مع مرشحي الحزب الشيوعي الأردني. كان عضوا في مجلس السلم العالمي وزار عدد من الدول الإشتراكية بما فيها الإتحاد السوفيتي والصين الشعبية وكون صداقات مع بعض زعماء تلك البلدان. كان بعض أهل قرانا يدعونه بالشيخ الأحمر. ورغم نشوب الخلاف، في فترة متأخرة، بينه وبين قادة الحزب الشيوعي الأردني ،لأسباب خارجة عن نطاق هذا المقال، الذي نتج عنه نوع من القطيعة، إلا أنه بقي على علاقة طيبة مع كثير من رموز اليسار في الداخل والخارج.
لم يكن والدي حالة فريدة في ذلك الزمن ولقد إلتقيت شخصيا بكثير من المتدينين الذين وقفوا في صف اليسار ورفعوا شعار الإشتراكية والعدالة الإجتماعية. وإنني لأذكر أحد أصدقاء والدي وكان قاضيا شرعيا وكانت مكتبته مليئة بالكتب الماركسية، ولقد تعرفت على كتب ماركس ولينين عن طريق الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبته. وكان يحذرني أن لا أطلع أحدا عن مصدرها. لقد كان ماركسيا في جبة وعمامة شيخ .

صديق الغربة، الذي ينحدر من عائلة سورية شيوعية وكان عضوا في الحزب الشيوعي السوري، تدين مؤخرا ولكنه بقي ماركسي التوجه عدوا لدودا للأصولية الدينية وللإسلام السياسي.
ما أريد أن اقوله أن التدين بحد ذاته، إن كان يعبر عن علاقة فردية بين الإنسان والمطلق أو ما يعتبره المتدين " الخالق"، ليس من الضرورة أن يكون صاحبه رجعي التفكير وليس من الضرورة أيضا أن يكون عقبة لإنتمائه إلى المعسكرالإشتراكي أو اليساري أو حتى الماركسي. وفي رأيي لقد جرى سوء قراءة لمقولة ماركس المشهورة،" الدين أفيون الشعوب".
هذا إن لم يتحول التدين إلى دوغمة تحجر على العقل وتضعه تحت سلطة الخطاب الديني الأصولي أو المسيس. هنا يصبح التدين جزءا من هذا الخطاب ويتحول إلى عقبة صلبة في طريق التطور والتقدم ويصعب الدخول معه في أي جدال عقلاني من قبل معسكر اليسار أو غيره من قوى التحرر والديموقراطية.
القوى الإسلامية المسيسة بمختلف إتجاهاتها تطرح ما تسميه ثوابت لا يمكن التنازل عنها وهي مهما حاولت من مجاراة العصر ومن طرح مبادرات الإصلاح تظل محكومة بهذه الثوابت.
في مبادرة للإصلاح التي نشرها على الناس السلفيون في مصر، تضمنت المبادرة التي ألقيت في خطبة الجمعة بمسجد "الفتح" في الإسكندرية يوم (6/11/2009) كل القضايا والمباديء والأحكام الإسلامية الكبرى التي يرى السلفيون أنه لا يمكن بأي حال "المساومة عليها"، لأنها ثوابت عقائدية و"إننا لابد وأن نتابع ما جاء في شرع الله"، كما يقول الشيخ سعيد عبد العظيم الذي ألقى الخطبة، وتابع: "نحن عباد لله تبارك وتعالى، الأمر أمره، والعبد عبده، والحلال ما أحل، والحرام ما حرم، والدين ما شرع، وليس لنا أن نشرع مع الله".


شددت المبادرة كثيرًا على الأخذ بمنهج الله في الإصلاح، وذلك بالرجوع إلى الكتاب والسنة جملة وتفصيلا، بفهم السلف الصالح من الأئمة والفقهاء وأصحاب المذاهب الذين هم "أعلم الناس بالكتاب والسنة"، إذ أن الإصلاح والصلاح كامن في هذا المنهج، و"لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وما لم يكن يومئذ دينا فليس اليوم بدين، والأمة إن خالفت منهج الله فإن الدمار حتما سيكون حليفها، أما إن أخذت بالكتاب والسنة فلن تضل لا في سياسة ولا في اقتصاد، لا في حرب ولا في سلم.
ولما كانت دعوة الرسل والأنبياء في نظرهم هي في أساسها دعوة إصلاحية، لأن الله ابتعثهم لصلاح وإصلاح البشر، شدد السلفيون في مبادرتهم على أنهم يسيرون على نفس النهج الذي سار عليه المصلحين من اتباع الرسل، "لا نغير ولا نبدل"، أي أنهم ليسوا "مبتدعين" ـ يختلقون طريقة جديدة للتغيير.
وانتقد السلفيون الشعارات والدعوات السياسية المفرغة من الإسلام، التي "لا دين فيها"، وليس المهم عندهم إن كان سيحكم فلان أو علان، المهم أن يكون الحاكم مسلمًا يحكم بكتاب الله. أما أن تأتي صناديق الانتخاب بكافر أو امرأة، فـ "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، أو تأتي بمن يجهر بعداء الدين وأهله من الذين يبغضون كل من يقترب من الإسلام بصلة، فهو ما لا يمكن قبوله مطلقا، و"ما قيمة صندوق انتخابات، كما يتساءل سعيد عبد العظيم، و"ماذا نصنع إن أتى على رأس السلطة كافر، والإسلام يعلوا ولا يُعلى عليه"، مشيرا إلى أن رأي الأكثرية الانتخابية هنا لا قيمة له إن كان سيخالف ما نص عليه الإسلام، فـ "الأكثرية" ـ وهي محور النظام الديمقراطي ـ "لا يجوز أن تغير شرع الله.
كما هاجمت المبادرة النعرات المستوردة من الخارج والمنادين بها، كـالشيوعية، والديمقراطية، والليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، فهي دعوات "رجعية ظلامية" تفسد أكثر مما تصلح "لمخالفتها لكتاب الله ولسنة رسول الله". أن الإصلاح الحقيقي في رأيهم، يكمن في حرص الأمة على تطبيق الأحكام الإسلامية، صغيرة كانت أو كبيرة.
هذا الفكر يمثل كافة أطياف الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي وبغض النظر عن بعض الفروقات والإختلاف في بعض الأمور الجانبية إلا أن هذه " الثوابت " تظل جزءا لا يتجزأ من الخطاب الإسلامي الأصولي ومن خطاب جميع فرق الإسلام السياسي.
كيف يمكن محاورة هذا الفكر وهو متمترس خلف ثوابته؟ إنه سيكون حوار الطرشان الذي لن ينتج عنه أي نتيجة، هذا إن سمحت هذه القوى لنفسها بالدخول في أي حوار مع القوى العقلانية ومنها قوى اليسار.
د. نضال الصالح/ فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ نضال الصالح / مع التحيه
مارسيل فيليب / ابو فادي ( 2009 / 11 / 22 - 12:48 )
والدك الحاج هنا ياعزيزي... إستثناء ، والدليل عندما تقول ( ولقد تعرفت على كتب ماركس ولينين عن طريق الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبته... وكان يحذرني أن لا أطلع أحدا عن مصدرها.. لقد كان ماركسيا في جبة وعمامة شيخ ) .

والقاعدة ... كم من شيخ معمم وعالم أو فيلسوف قد تعرض للاضطهاد أكثر من مرة ، على يد العامة المجيَّشين من قبل الفقهاء المتشددين .

فمثلاً الحملة على ابن رشد كانت بسبب اهتمامه ودراسته علوم الأوائل- من فلسفة وفلك ، خاصة مؤلفات أرسطو ، وظاهرة اضطهاد من تجرأ وخرج عن قناعة الفقهاء المتشددين ، قد تكررت في تاريخ الإسلام ، سواء في المشرق والمغرب .


2 - اعدام على طريقة الباربكيو ؟؟
انسان ( 2009 / 11 / 22 - 23:49 )
نذكر فقط أن كوبرنيكوس صاحب الثورة الفلكية تم اعدامه بحكم من الكنيسة بحجة الهرطقة ومخالفة الكتاب المقدس لقوله أن الأرض ليست مركز الكون .. ؟! ان ضحايا الدين المسيحي يعدون بالملايين وليسوا واحد او اثنين وكانت حفلات الشواء شواء المخالفين تتم في الهواء الطلق حيث يتم اشعال النار في الاقدام وسط هياج اهل المحبة والتسامح ؟!!


3 - وهل اليسـارية تعـني الإلحـاد..!؟
أبو أيمـن ( 2009 / 11 / 23 - 03:11 )
كثيرة هي الأحكام التي تصدر عن عواهنها هكذا تلقاء ، دون تفحص وتقويم ، ودون استخدام للعقلي أو النقد العلمي . بل ودون دراية ومعرفة يقينية بالأمور أو القضايا التي تصدر في شأنها تلك الأحكام ، فتتجنى عن نفسها وعن تلك الأحكام في ذات الوقت . لأنها أحكام صادرة عن وعي مغلوط ، لأن أصحابها يظنون أنفسهم أعلم بكل ثنايا الحقائق التي يتحدثون عنها وهم في الواقع أجل بمجريات أمورها . وفي تقديري أن أكثر الأحكام التي يصدق عليها هذا الحكم هي تلك التي تتعلق بالفكر اليساري بصفة عامة والماركسي الشيوعي بصفة خاصة ؛ لأنها في جوهرها أحكام قيمة ذاتية النزعة وغير موضوعية تماما . لأن الحكم الموضوعي ، في صميمه ، يصدر عن تفكير نفدي مؤسـس على التحليل العلمي الذي لاينطلق من أحكام وتصورات قبلية ، فتكون النتائج مجرد مصادرة على المطلوب .
إن أولئك الذين على اليسار ، وخاصة منه الماركسي أو الشيوعي ، بأن كفر وإلحاد . فهم أولا وقبل كل شيء ، لا يعرفون لا معنى الكفر ولا معنى الإلحاد ، إضافة إلى كونهم لا يعرفون شيئا عن الماركسية والشيوعية . ولو عرفوهما حق المعرفة ما أصدروا حكمهم ذاك عنهما . إن الأغلبية الساحقة منهم تردد أحكامها بالرواية والعنعنة ، وقل منهم من يصدر حكمه عن اطلاع دون معرفة ، وحتى هذا الإطلاع يضل ناقصا لأنه لا

اخر الافلام

.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟


.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف




.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي