الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهلا .. لقد إكتشفنا مؤخرا ما يحميكم من ( انفلونزا الخنازير ) ..

حامد حمودي عباس

2009 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت قد قررت هجر الكتابة ولو الى حين ، بفعل جملة من الضغوط الخاصه والمتعلقة بمصير ومعيشة اسرتي ، حيث لم تمنحني كتابتي ولحد الان غير الغربة والعوز وعدم وضوح المستقبل ، ووجدت نفسي مرغم على الالتفات وباهتمام أكثر لرسم ما تبقى من مستقبل ابنائي المهددين بالضياع ، في زمن أصبحت فيه مشاعر الوطنية ونصوص الدعوة للتمسك بمفرداتها ، بمثابة مسرحية هزلية ينفس السراق وعديمي الضمير عن نفوسهم بمشاهدتها والتمتع بفصولها حينما يقررون منح انفسهم شيئا من الراحه .. لقد أصبحت حقا مسالك الصدق والامانة والتمسك بالمباديء التي تدعو الى إحقاق العدالة الانسانية ، واحترام كينونة الفرد والجماعه ، ضرب من ضروب الرجم بالغيبيات ، وملهاة يجب ان يقرر المرء مسبقا عند سلوكها في عالم تتلاطم فيه المصالح القذرة ، إما ان يكون جدار تحتمي عند قاعدته اكياس القمامة الخارجة من صالونات الفكر التقليدي والمشغول فقط ببناء الذات ، أو أنه يجب عليه السكوت على الاقل ، إن لم يرد الانضمام الى جوقة المنتفعين الغير مبالين بهموم البشر وحياتهم .
وأنا على هذه الحال ، حركتني من جديد أنباء وردت من بلدي العراق ، وهي تنقل لي آخر صيحة من صيحات التوجه ( التطويري والتنويري ) للقائمين على شئون البلاد وادارته إدارة تأخذ بالاعتبار المحافظة على الدين والتراث ، والتمسك بسير السابقين من الاجداد .. حيث ردت هذه الاوساط الفاضلة في محافظة الديوانية بجنوب العراق على سخافة ما فعلته وكالة ( ناسا ) الفضائيه ، حين أقحمت نفسها ، وبغرور غير مقبول ، لتضرب ارض القمر بصاروخ أحدث فيها فجوة يمكن من خلالها معرفة وجود الماء هناك من عدمه .. ردت تلك الاوساط على هذه الفعلة المارقه ، بأن وجهت كتابا رسميا الى ادارت المدارس في المحافظه ، ينص على دعوة التلاميذ لقراءة ( التعويذتين) صباحا ومساء كأنجح علاج للحماية من مرض انفلونزا الخنازير .. والمصيبة المفرحه جدا ، هي ان الكتاب المذكور تم تحريره وصياغته من قبل مجلس المحافظه ، وهو أعلى هيئة ادارية حكومية ، تضم السيد المحافظ ونائبه وبقية الاعضاء المختارين بعناية فائقه من قبل ابناء الشعب ، ضمن أنقى انتخابات ديمقراطية عاشها العراق عبر تاريخه الطويل .
في ذات الوقت ، كان لي حضا ايضا بالاطلاع على رسالة كان قد وجهها احد الاطباء العراقيين المعروفين وهو يستجدي قبول المعنيين في البلاد أمر عودته لوظيفته باعتباره استاذا متميزا في علوم الطب ، وسبق له تأسيس مختلف الاقسام الفنية في مجال تخصصه سواء في العراق أو في الخارج .. وقد أعلن الطبيب المذكور أمر تكراره بتوجيه طلبه ذاك ولاكثر من جهة في وزارة الصحة ومجلس الوزراء ، لكي يحضى بقبوله في بلده بعد أن أعيته الغربه ، معلنا رغبته الشديده في خدمة بلده وشعبه .. والحقيقة أقول ، بأنني شعرت حينها بالحنق الشديد على ذلك الطبيب كونه قد أمعن في وضع الامور ليس في نصابها الحسن والمنطقي ، إذ كيف له أن يفلح بعمله وسط جهات تحكم مسار الصحة في الوقت الحاضر ، وقد بلغت من التحضر ومواكبة التقدم العلمي الى الحد الذي جعلها تصف ( قراءة التعويذتين ) وبشكل رسمي علاجا لانفلونزا الخنازير ؟؟ .. أم أنه قادم على عملية التشويش وإصدار الاصوات النشاز، ضد سمفونية تحمل أصول الفضيلة والحفاظ على التقاليد الاسلامية بدأت تصك الآذان وتشنف الاسماع في البلاد ، منذ أن تولت أحزابنا الاسلامية مقاليد الحكم ؟؟ .. ووددت أن أدخل على طبيبنا الحاذق لأقدم له النصيحة الصادقه ، بأن لا يقدم على فعل ذلك ، وأن يبقى حيث هو ، لأن اللعبة هي أكبر من طاقاته العلمية وقدراته الشخصية ، وإنه سوف يلقى ما يرد عليه همومه الطبية حيث تسود اليوم هناك في بلاد النهرين ، نواميس الجاهلية الحديثه بكل فنونها وصورها القاتمه .
يبقى لي أن أستفهم .. من كان يحلم للعراق بهذا المصير ؟؟ .. أيمكن أن تنقلب المقادير هكذا وبلمحة من الزمن ، ليصبح بلد الشعر والفنون والسياسة والتجاذب الفكري ، بلد الزراعة والنفط والمياه ، بلد الاطباء والجامعات الراقية الاداء ، بلد الكفاح الانساني الفذ من أجل البناء الحضاري المتألق ، بلد الاساتذة الذين إستدعتهم شتى بقاع الارض للمساهمة في بناء دوائر العلم والفن بكل صنوفه .. أيمكن لبلد كالعراق ، أن يكون وبهذه السرعة رهينة للجهل المدقع ، وسبية رخيصة الثمن للجهلة ومنفصمي الشخصية وشذاذ الافاق ، ممن لا زالوا يؤمنون بأن حوتا ضخمة تأتي في كل عام لتلتهم القمر كتفسير لظاهرة الكسوف ؟ ..
وهل يرضى مشايخنا الافاضل ، من الكتاب النشطين ، والذين تحفزهم أية مقولة تنسب للعلمانية ، لينبروا حاملين الهراوات الى عرض الشوارع والمواقع محاربين ، أيرضيهم أن تدعوا مديرية التربية في محافظة الديوانية في العراق ، طلاب المدارس لقراءة ( التعويذتين ) كعلاج ضد الانفلونزا الوبائيه ؟؟ ..
من يدري ؟؟ .. فلربما هم يرضون .. بل ويباركون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الكريم
قارئة الحوار المتمدن ( 2009 / 11 / 23 - 22:52 )
الحمد لله أنك لم تستسلم لضغوط الحياة , أتمنى لك السعادة والهناء مع أسرتك كما أتمنى أن نهنأ نحن أيضاً بانتاجك , انا من متابعيك وأرجو أن أقرأ لك دوماً


2 - لا عجب....
سراب ( 2009 / 11 / 24 - 10:48 )
سيدي الكريم...لا عجب فيما اوردته , فالمجتمع الذي يتبرّك ببول رسوله و يحلل السرقات وبمستطاعه محو ذنوب يندى لها الجبين وفي غضون ثوان , وغيرها الكثير...لانتوقع منه الا القبول والايمان بكل مايقوله اصحاب العمائم المتسلطين على رقاب المبتلين.
بكل أسف , هذه هي النتيجة المنطقية التي اوصلنا اليها الدين و( رجاله ) فهو أيسر وأسرع وسيلة لنشر الجهل والفكر الهدّام.
ولكن هل من وسيلة او عقار يرتجى لأقتلاع هذا الوباء والذي استفحل وشلّ العقول ؟؟
شكراً لك على المقال.


3 - شكرا لقارئة الحوار
حامد حمودي عباس ( 2009 / 11 / 24 - 10:53 )
أعتز بمتابعتك لما أكتب ، وهي إضافة تمنحني روح المطاولة والاستمرار ، وثقي عزيزتي بأن الحياة لا تمنح بمن يحس بها فرص الاقلاع عن التجانس معها بسهوله .. وهو قدر مع كونه متعب وثقيل ، غير أنه جميل في الكثير من فصوله .. تقبلي ثانية فائق احترامي


4 - لدينا ما لديكم و اكثر
المهندس سعود ( 2009 / 11 / 24 - 12:11 )
استاذ حامد, اكتب لك هذه السطور من السعودية, تلك البلاد التي تزخر بمثل هذه الخرافات و يتقبلها الناس بمطلق الأيمان. وصلتني العديد من رسائل الأصدقاء تؤكد ان آية الكرسي تعالج مرض انفلونزا الخنازير, بل حتى السرطان. اعيد و اكرر, اكتب هذه السطور من السعودية, بلد الأستقرار السياسي و الغنى, على النقيض من العراق البلد المتناحر و المفكك سياسياً و المدقع في اوحال الفقر الذي يورث الجهل و التخلف. يا استاذ حامد, العربي سوف يبقى متخلفاً مستمتعاً بأوهام الجهل غارقاً بالأيمان الساذج.


5 - ردود
حامد حمودي عباس ( 2009 / 11 / 24 - 15:30 )
الاخ / الاخت سراب : شكرا على المساهمة .. الوسيلة الوحيدة هي أن يتواجد المؤثر المعاكس لطمر مخلفات باتت ثقيلة على النفس والروح والحياة برمتها وها نحن بالانتظار

الاستاذ المهندس سعود : وأنت في موقعك الحالي لك علينا سمة أخرى تجعلك جدير بالتقدير والاحترام ، أتمنى أن تنكسر شوكة التخلف في عقر دارها لكي تنهار جميع دواعي ذلك التخلف في المواقع الادنى درجة .. تقبل فائق احترامي والى مزيد من التواصل


6 - الدين له متلازمة وحيدة هى الجهل
فاتن واصل ( 2009 / 11 / 24 - 18:47 )
الأستاذ الفاضل حامد .. رجاء أمثالك لا يجب أن يتوقفوا عن الكتابة فأنت لست مجرد كاتب ذو خلفية ثقافية عريضة وإنما إنسان حتى النخاع .. فى إحساسك بوطنك فى شرفك وقيمك فالرجاء أن تتراجع عن فكرة التوقف عن الكتابة .. ولا تتوقع سيدى أنها أبدا ستكون مصدر رزق وخاصة فى بلداننا العربية التى لا تقرأ ولا تكتب وتفتخر بامية نبيها ... أما الشئ الثانى وهو أرض الجهل الخصبة ينمو فيها الدين ويتوحش ولا يمكن أن ينمو فى أرض العلم فالدين والجهل متلازمان لذا ... فستجد من الفتاوى ما يندى له الجبين خجلا من شدة الاغراق فى الجهل ولك ألف تحية إحترام


7 - مع عظيم الامتنان
حامد حمودي عباس ( 2009 / 11 / 24 - 21:24 )
استاذتي فاتن
كلماتك المعبرة ، والمنطلقة من دواخل طيبه ، أدخلت على نفسي سرورا وراحه .. أتمنى لك حياة ملؤها السعاده ، وأن تمنحك ظروفك الشخصية فائضا من القدرات على الاستمرار بالعطاء .. ويسرني أن أضع حقيقة امامك تخصني شخصيا ، ألا وهي شعوري الدائم بالفرح الغامر، عندما ابلغ حيزا تكون فيه المرأة هي المساهمة في توفير اسباب اسقاط اعمدة الشر من أمامنا .. وانت بالتأكيد واحدة منهن .. فكما دعوتني للبقاء في الميدان ، أدعوك للبذل والمطاولة والانتصار لقضية الانسان في بلادنا .. شكرا على دعمك النبيل .. والى المزيد من التواصل


8 - تحياتي
شامل عبد العزيز ( 2009 / 11 / 24 - 22:42 )
أولاً أتمنى لك حياة مستقرة هانئة / إذا كانت الكتابة عائق أمامك ولها تأثير سلبي على عائلتك فعليك الالتفات إلى الأهم ألا وهو مصير عائلتك / أما بالنسبة لقراءة المعوذتين فأعتقد سوف تنقذنا من كل شيء وليس فقط من أنفلونزا الخنازير
تحياتي للجميع
دمت سيدي


9 - السيد حامد ... صديقي الأنسان
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 24 - 23:27 )
، رغم عدم معرفتنا الواحد بالأخر ، إلا أنني أحس دائماً بنوع من التشابه بيننا
من خلال تجربتي الشخصية ، فقد أعطيت عائلتي الأولوية ، وعملت لسنين طويلة من أجل خيرها ، ولم أكن أعطي لهواياتي غير القليل من الوقت الذي يجعلها تبقى على قيد الحياة ، واحدة من المطبات كانت أنني تركت الكتابة والمسرح نهائياً منذ سنة 2000 وإلى حد بداية هذه السنة حين أحلت نفسي على التقاعد لا لرغبة مني في التقاعد بل لسوء الأوضاع الأقتصادية بعد الأزمة الأقتصادية الأخيرة التي عصفت بأميركا
لذا أقترح عليك إعطاء عائلتك كل جهد ووقت وفكر تملك ، وبعد الأطمئنان عليهم عندئذٍ فقط ستعود لنا وأنت بحالة نفسية مريحة وفي قمة عطائك
أما إذا إستطعت التوفيق بصورة من الصور بين المهمتين فخير على خير
تحياتي وتمنياتي لك وللعائلة الكريمة ، ولو كنت أستطيع المساعدة في أي شيئ فأنا صديقك وكما نقول في لغتنا ( من بطن عيني ) وعنواني في مقالاتي


10 - بصراحه لا يمكن تصور هذاالتدهور
محمد حسين يونس ( 2009 / 11 / 25 - 07:03 )
بعد عام 73 وارتفاع اسعار البترول الجنونيه شهدت العراق تقدما مذهلا في التنميه والعمل المستمر لتحديث الدوله ولقد نجح احمد حسن البكر في ذلك فأصبحت العراق دره المنطقه علما وحضاره بعد استخدام اموال البترول فيما يفيد الشعب ..حتي انقلب الجاهل المتوحش علي القائد الذى وضع العراق في مكانه وتوالت الكوارث والتي اهمها ضرب التخالف الوطني بالغازات والنابلم .. بعد الغزو الامريكي اتاحت الديموقراطيه لاكثر العناصر تخلفا ان تظهر علي السطح شيعه ايران وسنه الزرقاوى وتحطم الحلم الذى عشنا علي امل تحقيقه علي ارض بابل واشور.. مقالك احزنني ويأسك يرعبني علي المستقبل تجلد من فضلك المعركه لم تنتهي بعد


11 - تعليق
نادر قريط ( 2009 / 11 / 25 - 10:27 )
الأخ الأستاذ حامد حمودي:
إن جملتك الأولى إنسانية وتمس الوجدان، وحالة يعرفها كل من لم يتسول كوبونات السياسة ولم تسمح له كرامته بالوقوف على أبواب نظام المساعدة الإجتماعية في الغرب، وكل من لم يستقو على شعبه ووطنه بأسلحة المرابين والصيارفة وبائعي الهوى المتجمهرين في باحة الهيكل الجديد.. وخشية ألا أصادف كلماتك مستقبلا، رأيت أن أترك كلماتي تصادفك وتتمنى لك ولأسرتك السلامة والطمأنينة..

اخر الافلام

.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran


.. 95-Ali-Imran




.. مستوطنون يغنون رفقة المتطرف الإسرائيلي يهودا غليك في البلدة