الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقائق التاريخية والعلمية مقابل النص المقدس

نضال الصالح

2009 / 11 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل فترة نشر لي على هذا الموقع مقال بعنوان " العرب يشاركون في تزوير تاريخهم" تحدثت فيه كيف أن كثيرا من المثقفين والمؤرخين العرب يشاركون في تزوير تاريخ بلدهم وهم في هذه المشاركة يدعمون إدعاء عدوهم بالحق التاريخي في بلدهم. كان ذلك نتيجة التمترس خلف النصوص والقصص القرآنية وتفسيرها التراثي الذي إعتمد على القصة التوراتية في تفسيرها وتأويلها.
لم تكن هي المرة الأولى التي أتحدث فيها حول هذا الموضوع، فلقد ورد محتوى هذا المقال بشكل أو بآخر في عدد من مقالاتي التي نشرت سابقا حتى بدت أكرر نفسي لدرجة الملل، كما كتبت عنه في كتابي "داء الفصام بين الوطني والديني" وفي كتابي المأزق في الفكر الديني. وفي كل مرة كانت تنهال علي الرسائل التي تتهمني بأنني أشكك في الرموز القرآنية التي هي جزء من ثوابت العقيدة الإسلامية. وكانت مقالاتي في هذا الموضوع بما فيهم الموضوع الأخير ترفض، ولنفس الأسباب، من عدد من المواقع.
مذا قلت حتى إستحق هذا الإتهام؟ قلت :" لقد لجأ الؤرخون التوراتيون إلى كل الوسائل الممكنة من أجل تأويل الآثار التي عثر عليها في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط لكي تنطق بمعلومات لا تبوح بها لمطابقتها قصرا بالحدث التوراتي. لقد خلقوا تاريخا مزيفا وقدموه على أنه حقيقة. وجاء كتبة التراث الإسلامي ومن بعدهم المؤرخون العرب لكي يدعموا هذا التزييف." كما قلت: " إن التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير لا يذكر في وثائقه على الإطلاق، ولو إشارة لنبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع. كما لا يوجد اي إشارة أو ذكر لخروج موسى على رأس الآلاف من الإسرائيليين من مصر إلى سيناء. التاريخ كعلم بوثائقه المتنوعة في مصر و بين الرافدين و في فلسطين والشرق الأدنى لا يعرف عظيما باسم ( شاؤول ) وحد القبائل الاسرائيلية و أقام لإسرائيل مملكة في فلسطين . وهذا العلم لا يعرف شيئا عن محارب أو ملك أو نبي باسم ( داود ) أقام لإسرائيل مملكة عظيمة أو حتى صغيرة، ولم ترد في وثائق هذا العلم على كثرتها في المنطقة أي إشارة لملك حكيم حاز شهرة فلكية باسم ( سليمان ) كان من أشهر ملوك العالم ، وكان الملوك يأتونه من جميع أرجاء الأرض ولا عن مملكة أسطورية عظمى في المنطقة باسم دولة أو مملكة سليمان التي بلغت مساحة أراضيها حسب الرواية التوراتية من الشام إلى مصر والاردن" .
هذه هي حقائق تاريخية موجودة على الأرض، والرد الوحيد الذي إعتمد عليه المنتقدون والرافضون هو أن هذه الرموز ذكرت في القرآن، والقرآن كلام الله، والله لا يخطئ. ولكن هل هذا يكفي؟ هل ذكر هذه الرموز في القرآن يكفي لرفض وتجاهل الحقائق التاريخية والعلمية؟ أم أنه كما كان قد أعلنه الدكتور طه حسن في كتابه الشعر الجاهلي وثار في وجهه رموز الفكر الديني ثورة عارمة مما اضطره إلى إعادة نشر الكتاب بعد أن أزال ما يغضب الفكر الديني المتحجر، بأن للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي."
نحن في مأزق، فإما أن نرفض الحقائق التاريخية ونحجر على العقل ونغلق الفكر ونظل في عزلة قاهرة عن الواقع والعلم وإما أن نعترف بخطأ القرآن وحينها سنخرج عن دين الإسلام وسنعتبر من الكفار الزناديق الذين يحق عليهم الحد بالقتل. هذا الإختيار الصعب خلق عند المسلمين نوعا من داء الفصام لم يستطيعوا ليومنا هذا الخروج منه.
التوراتيون المحدثون وجدوا حلا مناسبا لهذا المأزق وذلك بإعادة قراءة النص التوراتي بإعتبار أن قصص الكتاب "التوراة" وأناشيده لا تخبرنا عن ما حدث في فلسطين في أي عهد، بل تخبرنا كيف كان الناس في هذه المنطقة يفكرون ويكتبون، إنه مليء بالأمثولة وقصة العبرة، إنه لاهوت. وعندما نفترض أن هذه الحكايات هي حكايات تاريخية،فإننا نقوض الهدف الذي كتبت لأجله القصص ونمنعها من القيام بوظيفتها القصصية.إننا ندمر قيمتها اللاهوتية ونمنع أي شخص من قراءتها على نحو عقلاني. هذا وأن رواية التوراة لحياة الآباء هي قصة فلسفية عن العلاقة بين الله والبشر, عن الإخلاص والطاعة،عن الإيمان والتقوى، عن الحق والباطل،عن الفسوق والفجور.
هل يمكننا أن نطبق هذه القراءة على النص القرآني؟ هل يمكننا أن نعتبر أن القصص القرآنية هي أيضا غير تاريخية وإنما قصص وظيفتها لاهوتي وأخلاقي وفلسفي، تقصد العلاقة بين الله واليشر وتتحدث عن الإخلاص والطاعة، عن الإيمان والتقوى، عن الحق والباطل وعن الفجور والفسوق. أي إنها قصص للعبرة؟؟!
ولكن رموز الخطاب الديني الأصولي ومن ورائهم جيش من الأتباع الذين حجر على عقولهم لن يوافقوا على ذلك ولن يقبلوه كقراءة جديدة وعقلانية للنص القرآني وسيظلون يصرون على أن هذه القصص وشخصياتها تاريخية وسيتمترسون خلف التأويل التراثي لهذه القصص.
الخطاب الديني الأصولي والسلفي ينطلق من القول بأن القرآن هو أصل المعرفة وان المعرفة القرآنية يجب أن تحل محل المعرفة التجريبية العاجزة ومن خلال المعرفة القرآنية تتم الإجابة عن جميع المعضلات في أي فرع من فروع المعرفة. إن جميع العلوم التي تؤخذ من خارج الوحي، في رأيهم، هي علوم إستقرائية وتجريبية لا تصل إلى حد اليقين، لأنها علوم تكشف عن الظواهر الطبيعية وعلاقاتها الظاهرية. أما القرآن فهو علم شامل كلي ويقيني، فهو حاكم على كل العلوم غير محكوم بها. هو شامل للظواهر كلها في آن واحد في كل كل تركيب وكل آية على إنفراد، وهو شامل للمكان حيث أنه يعبر عن حقيقة أي شيئ في أي موضوع من الكون، وشامل للزمان إذ تكون الحقائق مطابقة للنظام القرآني في جميع أدوارها وأزمانها(راجع، سبط النيلي، المنهج اللفظي، مكتبة بلوتو، بغداد وغيره كثير من المصادر التراثية والحديثة التي تتحدث عن الإعجاز القرآني)
إذا وبناءأ على هذا الفكر فإنه علينا أن نقوم بتأويل الحدث التجريبي والعلمي والواقعي والتاريخي تأويلا يتناسب مع حقيقة النص القرآني وليس العكس. فإذا تقبلنا هذا المنطق المعوج والخارج عن المنطق والعقل فلا بد لنا أن نتسائل، لماذا يقف المسلمون في قاع السلم الحضاري والعلمي مادامنا نملك أصل المعرفة؟ لماذا نحن مقلدون في كل مجال المعرفة العلمية ولم نقم بإختراع جديد أو بإضافة أي إمكتشف علمي إلى منتج الحضارة الإنسانية؟ أم أننا ننتظر أن يخترع ويكتشف الغير حتى نسرع في إعلان أنه موجود في القرآن وأن القرآن تحدث عنه وذكره وفسره؟
د. نضال الصالح/ فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرجاء عدم ترديد العواء
الجرزاوي ( 2009 / 11 / 25 - 21:54 )
يوجد دولة مسيحية في غرب افريقيا اسمها غينيا الاستوائية ..في أسفل سافلين السلم الحضاري.. هل هذا يعني أن مسيحيتها جنت عليها .. كونوا منصفين


2 - الاسلام
بسيونى بسيونى ( 2009 / 11 / 26 - 21:18 )
اعتقد ان كلامك مردود عليه هل تستطيع الجزم ان هذه نهايه العلم وان العلماء انتهوا من اكتشاف التاريخ

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا