الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية

تنزيه العقيلي

2009 / 11 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لنتساءل في حال التسليم بأن القرآن كتاب الله، على قاعدة أن فرض المحال ليس بمحال، ألا يمكن يا ترى تأويل قصة آدم وحواء على أنها قصة رمزية؟ فآدم يرمز للإنسان الذكر، وليس هو شخصا محددا يمثل الإنسان الأول، وحواء تمثل الإنسان الأنثى، وهما باعتبارهما الإنسان الأول بطرفي الزوجية الجنسية (ذكر/أنثى) لا يمثلان فعلا أول إنسان على وجه الأرض، بل يرمز الإنسان الأول هنا إلى النوع الإنساني الأول، إذا ما سلمنا بنظرية التطور؛ هذا النوع الإنساني الأول، الذي يكون قد بلغ من الرشد العقلي ما يؤهله أن يكون مسؤولا بحكم عقله وضميره؛ هذه المسؤولية التي تنعت بالمصطلح الديني بالتكليف، أي إن الإنسان الأول يمثل بداية تحول الإنسان من حيوان بشري غير مسؤول إلى إنسان مسؤول مكلف، مسؤول أمام ضميره، مكلف من الله بتكاليف الوجوب والحرمة والإباحة والاستحباب والكراهة؛ هذه المسؤولية التي تتجسد بالرقابة الذاتية، التي يصطلح عليها على وفق المصطلح الديني بالتقوى، وبالمصطلح العام بالضمير، وتارة بالرقابة الاجتماعية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، والرقابة القانونية (الأحكام)، وكل ذلك في عصر قيادة الرجال للمجتمع الإنساني، أو قوامة الرجال على النساء، أي قبل عصر المساواة الذي نعيش مخاضات ولادته، دون أن تكتمل بعد هذه المخاضات بشكل نهائي. أما الجنة، ليست جنة الثواب بعد الحياة الدنيا، بل جنة آدم وحواء المشار إليها في القرآن، فهي ترمز إلى ما أودع الله في الطبيعة من إمكانات تتمثل بالمواد الطبيعية والقوانين الطبيعية وفي الإنسان من ملكات عقلية، يجعل بالإمكان تحويل الأرض نفسها إلى جنة نعيم خالد، يرفل الإنسان فيها بالسعادة والرفاهية، ويتمتع بالأمن والسلام، ويسود بين أفراده ومجموعاته الوئام والمحبة، لولا ظلم الإنسان للإنسان، وبالتالي ظلمه لنفسه. والشجرة الممنوعة عنه هي ليست شجرة تفاح، أو أي ثمرة أخرى، ولا هي شجرة الممارسة الجنسية، بل هي «الشجرة الخبيثة»، شجرة الجشع والطمع والحسد والأنانية، وشجرة العداوة والبغضاء، والظلم والعدوان، والإفساد في الأرض وسفك الدماء، وكل ما يترتب على ذلك وما يتفرع عنه.

وهكذا هي قصة هابيل وقابيل «وَاتلُ عَلـَيهِم نَبَأَ ابنـَي آدَمَ بالحَقِّ إِذ قَرَّبا قُرباناً، فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِما وَلـَم يُتَقَبَّل مِنَ الآخَرِ»، فهذه القصة لعلها ليست من جهة إلا رمزا لإنسان العنف والبغضاء والاحتراب الذي «قالَ لَأَقتُلَنـَّكَ»، ومن جهة أخرى إنسان الرفق والمحبة والسلام الذي «قالَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسـِطٍ يـَدي إِلَيكَ لَأَقتُلـَكَ، إِنـّي أَخافُ اللهَ رَبَّ العالَمينَ»، مع إن إنسان الرفق هذا لم يكن مثاليا في عقلانيته وحكمته، فهو لم يكن حكيما في الإجابة، إذ استفز أخاه فـ «قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقينَ»، ولأنه كان من الناحية الأخلاقية مثاليا أكثر من المعقول، كونه حتى لم يحاول أن يدافع عن نفسه، بل اكتفى بقوله «لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسـِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لَأَقتُلـَكَ» حتى إنه لم يحاول أقلها أن يدرأ عن نفسه الخطر، حتى لو بالهروب، ثم الاختفاء، أو حتى الهجرة. لا بل حتى لم يكن مثاليا في إنسانيته، بل نراه ناقض نفسه عندما تحلى بمواجهة العدوان والعنف من أخيه بالعفو والرفق من جهته، لكنه كان عفوا ورفقا سلوكيا وليس نفسيا، وكان عفوا عاجلا وليس آجلا، إذ نراه تمنى لأخيه أن يقتله، لينال عذاب الله الخالد «إِنـّي أُريدُ أَن تَبوءَ بـِإِثمي وَإِثمِكَ، فَتَكونَ مِن أَصحابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزاء الظّالِمينَ»، مما يشير إلى بغض دفين عنده ورغبة في الانتقام، لكنها موكلة إلى الله، وهو انتقام أشد قسوة وأدوم بقاءً، بحسب الوصف الديني لله، مما يجعل عفوه، أي عفو هابيل، الظاهري العاجل فاقد القيمة الحقيقية. نعم، كل ما في الموضوع إنه استطاع كظم غيظه المنبعث من ذلك البغض بموقفه: «ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لَأَقتُلَكَ». وكذلك قابيل لم يكن شرا محضا، لأنه عبر عن ندمه بعد قتل أخيه «فَطَوَّعَت لـَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسـِرينَ، فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبحَثُ في الأَرضِ لِيُرِيَهُ كَيفَ يُواري سَوءَةَ أَخيهِ، قالَ يا وَيلَتا، أَعَجَزتُ أَن أَكونَ مِثلَ هَـذا الغُرابِ فَأُوارِيَ سَوءَةَ أَخي، فَأَصبَحَ مـِنَ النـّادِمينَ». وهذا كله يشير إلى إن ثمة بذور خير في الأشرار، وثمة بذور شر في الأخيار، مما يؤكد النسبية عند الإنسان، النسبية في أدراكاته الذهنية، والنسبية في أحاسيسه الإنسانية وأخلاقه. وهنا يأتي الصراع الذاتي في داخل الإنسان، وما الشيطان إلا رمزا لتلك القوى التي تُفعِّل نوازع الشر وتُغلِّبها على نوازع الخير التي هي انعكاس للروح التي نفخها الله من عنده في الإنسان، أو ما يعبر عنها بالفطرة التي فطره عليها. فهناك نفس أمّارة بالسوء والشر، وهي شيطان كل إنسان من لدن نفسه، وليس من خارجها، وإن كانت عوامل خارجية من قبل المجتمع والأسرة وغيرهما تؤثر فيها تقوية أو تضعيفا، إقواءً أو إضعافا. والملائكة هي رمز الطهر والسمو الروحي والألق العقلي، اللذين يمكن للإنسان أن يبلغهما لو سعى حق سعيه في تزكية نفسه وتعليم عقله، ومع هذا فالملائكة هم أنفسهم ليسوا إلا نسبيين، وإن كانت نسبيتهم دونها عند الإنسان، فهم يقرون لله أنهم لا يعلمون إلا ما علمهم، فعقولوهم وإدراكاتها هي الأخرى ذات حدود، وحتى الجانب النفسي أو الروحي أو قل الأخلاقي أيضا ليس كاملا كمالا مطلقا عندهم، فقد ترشحت من كلماتهم ثمة رائحة للحسد، (وَنَحنُ نُسـَبِّحُ لكَ وَنُقـَدِّسُ لـَكَ).

هذا التأويل هو من الممكنات في حال اعتبرنا القرآن كتاب الله، ولكن دون دعوى أن هذا التأويل يمثل تفسيرا لتلك الآيات، بقدر ما هو محاولة فهم على نحو احتمال الرمزية لهذه الآيات، ثم احتمال أن ترمز إلى هذه المعاني كواحد من الاحتمالات، وليس الاحتمال الوحيد. أما إذا كان القرآن من تأليف البشر، وهو ما تفرضه الدراسة المعمقة عبر الفهم الدقيق لعقيدة وفلسفة التنزيه الإلهي، فهنا أيضا تأتي مجموعة احتمالات لتأويل ما أراد المؤلف من ذلك، وعما إذا كان مجرد ناقل لأسطورة توارثها، أو وجدها في كتب ملل أخرى أو حكايات أقوام آخرين، ثم أجرى عليها بعض التنقيح، فأضاف وحذف وعدّل حسبما رأى أحيانا، أو اقتُرح عليه أو أوحِيَ به له من البعض أحيانا أخرى.

كتبت في فترة سابقة منه 2009
روجعت في 26/11/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تأويل جيد لقصة آدم وحواء
AL ( 2009 / 11 / 26 - 21:50 )
أعتقد البشرية تريد حياة ثانية في نهاية المطاف بحيث إنها انشأت قصص التي أصبحت الأديان. ولذلك فإن الله والشيطان وآدم و حواء انهم دعم لفكرة الحياة الثانية

اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟