الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأليف القرآن- الكشف الوافي بقلم معروف الرصافي 24

رياض الحبيّب

2009 / 11 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أمّا بعد ما تقدّم من إلقاء “بعض” الضوء على بلاغة الآيات القرآنية التي صنـّفها الرصافي في الذروة العليا من البلاغة (في القرآن) وقبل الإنتقال إلى الآيات التي تفتقر إلى البلاغة فلستُ أظنّ شاعراً مخضرماً مثل الرصافي- وهو الأديب الكبير واسع الفهم وقويّ الذاكرة- يصنّف التصنيف المذكور إلّا في إطار القرآن مقارناً بين آياته ومُفاضِلاً، لكنّه لم يقارن بين آياته وبين كلام العرب شِعراً ونثراً في الحقبة المسمّاة بالجاهليّة. إنّما اتضحتْ لي من قراءة موضوع البلاغة في القرآن- في ضوء كتاب الرصافي- أربع زوايا:

الأولى- إنّ استنتاجي من تصنيف الرصافي مبنيّ على أساس كلام الرصافي في الصفحة 616 {ليس كلّ آي القرآن في الذروة العليا من البلاغة كما يقولون، بل يقع بينها التفاضل، فمنها الأعلى ومنها الأوسط ومنها ما دون ذلك} ورُبّما تنبّه القرّاء الكرام الذين تابعوا هذه السلسلة- واللائي تابعن- إلى أنّ رأي الرصافي في كلّ آية ممّا انتقى كان بدون الرجوع إلى تفاسير المفسّرين- الزمخشري مثالاً- الذين وصفهم في أماكن متفرّقة بأنهم تارّة {يتمحّلون} [ومن معاني التمحّل: الإحتيال والتكلّف- قاموس المنجد في اللغة والأعلام] وتارّة {يتكلمون بما عَنّ لهم وخطر على قلوبهم من دون أن يستندوا في ما قالوه إلى عقل أو نقل} وتارّة {ومن الغريب أنـّهم قالوا بأنّ اللوح المحفوظ قد كـُتِبَ فيه كلّ كائن يكون، ولكنهم مع قولهم هذا جعلوا من فضل القرآن ومن شرفه أنه مكتوب في اللوح المحفوظ. وما أدري أيّ فضل للقرآن في كونه مكتوباً في اللوح المحفوظ، وقد كـُتِبَ فيه كلّ كائن يكون حتـّى الحمير ونهيقها. فسُبحان واهب العقول ومُعميها} وتارّة وصفهم بأنهم مراؤون حتى استطرد قائلاً {والرياء، قبّحه الله، من أكبر الرذائل الاجتماعية لأن فيه التمويه والتضليل وكلاهما من سموم السعادة في الحياة الاجتماعية} وقد استشهد في سياق الرّياء بقول أبي العلاء المعرّي- المعروف بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء:
أرائيك فليغفرْ لِيَ الله زلـّتي *** فدِيني ودين العالمين رياءُ - [بحر الطويل]
كما وَصَفَ القاضيَ الباقلاني- الذي قيل أنّه مؤلّف أحسن كتاب عن إعجاز القرآن منذ أواخر القرن الثاني للهجرة- بأنّه من الرّعيل الأوّل من المُرائين. وتارّة {يتكلمون عن إيمان واعتقاد لا عن تدبر وتفكير}... إلخ. فيسرّني بهذه المناسبة أنْ أشهد بأنّ الرصافي كان مُنصِفاً وعلى حق ولم يُطلق كلاماً على عواهنه، إنما جاء بالدليل في كلّ فقرة من فقرات تحليله سواء الشخصيّة المحمّديّة وآيات القرآن.

الثانية- بالعودة إلى جميع الآيات القرآنية التي علّق الرصافي على البلاغة فيها بأنها في الذروة العليا أقول: لم يكن الرّصافي- من وجهة نظري- مُقتنِعاً بتميّز القرآن من جهة البلاغة! والدليل هو أنّ معظم الآيات التي انتقى لم ينتقِها بأكملها، لكنْ مقاطع منها محدّدة؛ باستثناء الآية 64 في سورة آل عمران التي قام الرصافي سلفاً بانتقادها بأنها ممّا تحوّل إلى قرآن ولم يكن في أوّل الأمر قرآناً! إنما كانت مقطعاً من رسالة محمد التي أرسل بيَد دحية الكلبي إلى قيصر الروم وأتباعه من أهل الكتاب في الشام وذلك في السنة السادسة للهجرة ثمّ جعل من ذلك المقطع قرآناً! [راجع لطفاً الحلقتين العاشرة والخامسة عشرة في هذه السلسلة] علماً أنّ محمّداً نفسه قد انتقى المقطع الذي حوّله إلى الآية المرقّمَة 64 من دون محتويات الرسالة المذكورة، أمّا السبب فيكمن في اتفاقها مع أسلوب القرآن- قاله الرصافي. وهنا للتذكير إعادة كتابة الرسالة المحمّديّة كما وردت في كتاب الرصافي- اقتباساً من السيرة الحلبية 244:3:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أمّا بعد، فإني أدعـوك بدعاية الإسلام. أسلمْ تسلمْ يؤتِكَ الله أجْرَك مرتين. فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيّين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون)
ذلك مع استثناء آية سورة البقرة المُرقّمة 204 (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام) التي هي في الأساس مُلتبسة بين قراءات عدّة منها قراءة ابن عباس (والله يشهد) ومنها القراءة “ويستشهد الله” في مصحفـَي أبَيّ بن كعب واٌبن مسعود. أمّا عدا ذلك فجميع المقاطع التي انتقى الرصافي ابتداءً بالصفحة 614 في كتاب “الشخصيّة المحمّدية” لم تكن آيات بأكملها. وهنا سائر المقاطع التي دعتني إلى ما تقدّم من اعتقاد بالإضافة إلى 1 الآية المرقمة 64 في سورة آل عمران و 2 تلك المرقمة 204 في سورة البقرة:

3 المقطع المُنتقى من سورة النساء: ٤٧ (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نـَزَّلـْنا مُصَدِّقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها)
أمّا النصّ كاملاً: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعَنّا أصحابَ السبت وكان أمر الله مفعولا.

4 المقطع المنتقى من سورة الشعراء: ٢٢٧ (وسيعْلم الَّذِين ظَلَموا أيّ مُنْقلب يَنقلبون)
أمّا النصّ كاملاً: إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

5 المقطع المُنتقى من في سورة الرعد: 8 (وكلّ شيء عنده بمقدار)
أمّا النصّ كاملاً: الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار.

6 المقاطع المنتقاة من آخر سورة البقرة: ربّنا لا تؤاخذنا إنْ نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تَحْمِلْ علينا إصْراً كما حَمَلْتَهُ على الذين من قبلنا ربنا ولاتُحَمِّلْنا ما لا طاقة لنا به وَاعْفُ عنا وَاغْفِرْ لنا وارحمنا أنت مَولانا فانْصُرْنا على القوم الكافرين.
أمّا النصّ كاملاً: لا يكلف الله نفساً إلّا وُسْعَها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرْنا على القوم الكافرين - البقرة: ٢٨٦

الثالثة- الإكتفاء بالتعبير عن البلاغة في آية سورة النور: 35 وعن البلاغة في آية الكرسي بتعليق مُقتضَب ومُبسَّط؛ في وقت يجد القارئ (ولا سيّما الباحث في كتب التفسير المختلفة) مئات الأحاديث عنهما- وهنا رأي الرصافي: {وفي القرآن آيات تصف عظمة الله وجلاله كآية الكرسي التي قالوا بأنها أفضل ما في القرآن. ولكنْ أراهم في قولهم هذا قد بخسوا آية النور فضلها وهي (الله نور السموات والأرض...) فإني كلّما تلوتها حسبت أنها تصف لي مصباحاً من المصابيح الكهربائية التي تتقد من دون أن تمسّها نار} انتهى. لكنّ الجدير ذكره هو أنّ الرصافي كان مطّلعاً على قدر كبير من التفاسير وهو مع ذلك لم يصف الآيات التي انتقى بأكثر ممّا استحقّت من الوصف في رأيه وتقديره، بغضّ النظر عن تعدّد الروايات وتناقضاتها واختلاف مصادرها.

الرابعة- لاحظتُ أنّ مِنْ مجموع آيات القرآن (البالغ 6236 بدون احتساب البسملة و 6237 بعد احتسابها) لم يُصَنّف الرصافي سوى ثماني آيات فقط في الذروة العليا من البلاغة، أي أنّ النسبة المئويّة ضئيلة جدّاً. قلتُ- وفق ما تقدّم- لا يستحق القرآن نسبة أعلى عند فقهاء اللغة العربيّة وعلمائها ولا سيّما الذين من وزن أديب كبير كالرّصافي.
______________

في الحلقة الخامسة والعشرين- وما يليها: ما ليس من البلاغة في القرءان- في نظر الرصافي- ابتداءً بسورة الإسراء: 16








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنك ومعروفك الرصافي تافهين للغاية
عبد الله بوفيم ( 2009 / 11 / 27 - 09:02 )
أما آن الأوان أن ترشد يا رياض الحبيب. أو تظن نفسك أبلغ وأفصح من شعراء قريش. أتظن أن قريشا التي ابهرتها فصاحة القرآن وآمنت به, تركت
لأمثالك وأمثال معروف الرصافي, زاوية لمناقشة بلاغة وفصاحة القرآن
إنك ومعروفك الرصافي تعدان بمقاييسنا أتفه خلق الله وأعجز الخلق على فهم فكيف بمناقشة القرآن الكريم
وفر وقتك يا هذا, فاننا ولو كتبت ألف ألف مقال, مسفهوك فلترفق بنفسك


2 - عبد الله بوفيم المؤمن
عيساوي ( 2009 / 11 / 28 - 03:30 )
هذا هو مااريد التوصل اليه يوماً... انت عبد الله وانت تحب الله وانت مؤمن بالله وانت تدافع عن الله: بفكر وقلب ولسان وسخ، كاره، حاقد، متحدي، غاضب.
اريد ان افهم هذا الايمان بالله، ماهي صفات وشخصية وارادة وفكر هذا الله الذي يوحي لك حين تؤمن به ان تكون لك كل الصفات التي كتبتُها تواً؟!!
اريد ان افهم ماهية هذا الايمان ودقائقه وكيفية عمله في الفكر والقلب، هذا الايمان الذي يجعل حامله ان يكون فكره وقلبه ولسانه بكل هذه الصفات وغيرها مثلها ايضا؟!

اتمنى ان تبسطها لي ولك مني التقدير والشكر مقدما

اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ