الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-علماؤنا -و علماؤهم

حدجامي عادل

2009 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم أتمالك نفسي، و أنا أشاهد عجيبة من عجائب ما تعرضه قناة الجزيرة، لسان حال جهلنا المعاصر ، من أن أضرب كفا بكف ، حسرة و حنقا ، وأنا أسمع أحد قهارمة الإرهاب و رؤوس القتل، و هو لا يتحرج من نعت نفسه بكونه من “أهل علم” و من”العلماء”، وينعت مخالفه “العلماني” الطبيب ب”الجاهل” و ب “الرويبضة”.و لم يكن مبعث كمدي و حسرتي قدر الكبر الذي تطفح به تقولات هذا الكائن ، بل قدر الجهل و الغربة التاريخية التي يحيا فيها و التي تجعله ، وتجعل نفرا من “فقهاء الدش” أمثاله ،و هم الذين لا يملكون من مسائل العلم و همومه غير بعض الثيولوجيات البالية ، و لا يملكون من مناهج المعرفة غير بعض الأقيسة المنقضية ؛ ينسبون أنفسهم، و هم على ما هم عليه من جهل بأبجديات العلم الأولى، في زمرة العلماء دونما خجل، و قد فاته أن مفهوم العلم و مناهجه و مقدماته و قضاياه قد تغير منذ قرون ، و أن مفهوم الباحث أو العالم و مجال اشتغاله و مناهج هذا الاشتغال قد تحول في أطوار ، و أن ما يدعوه هو ”بالعلم” و الذي يبرر انتسابه من منظوره إلى سلك العلماء، أصبح يسمى باللاهوت، و هي “المعرفة” التي لا تتداول، هناك في بلاد العقلاء، إلا بين زمرة من القلائل، و هي الدراسة التي لا تعتبر، بأي حال ، جزءا فاعلا في العلم بمعناه المعاصر.

مفهوم العلم في الفكر المعاصر:

ينبني الفكر الحديث و المعاصرعلى أسس منهجية و فلسفية تختلف تماما مع منطق المعرفة اللاهوتية و السحرية، بل تتناقض و إياها، كيف لا و المعرفة الحديثة لم تستقر إلا بعد صراع مرير و طويل مع المعرفة اللاهوتية، كانت نتيجته إضطهاد عدد كثير من المفكرين و العلماء من طرف سدنة الفكر التقليدي؟

يتأسس العلم الحديث، من ناحية المقدمات أولا؛ على اعتبار مصدر المعرفة و معيار صحتها هو العقل و الاجتهاد البشري الخالص الذي لا يستند في مسيرة بحثه الطويلة المضنية إلا على نفسه. ويتأسس ثانيا على أن هذا الجهد العقلي الإنساني الخالص قابل لأن ينصب على أي موضوع كان، و أنه لا يمنع نفسه عن أي قضية ، لا بدعوى القدسية و لا بحجة التعالي. و يشتغل العلم، من ناحية الموضوع على العالم الملموس و الطبيعة الحية، فمجال البحث المفيد، بل و الممكن، هو المادة و الطبيعة، أي ما تدركه الحواس و يعقله العقل؛ و هكذا فهو يستقصي الكون في أبعاده المجهرية و الكبرى، منظما بحثه هذا في قطاعات : فيزياء ذرية، فيزياء فلكية، تشريح ،كيمياء، علوم أحياء. و يسند هذا البحث بمنهج دقيق هو المنهج الرياضي،الذي يجتهد في ربط النتائج بالمقدمات بحسب مبادئ عقلية و منطقية محكمة. و هكذا تكون مقدمات العلم المعاصر و الحديث هي العقل و الإنسان، و موضوعه هو الطبيعة و العالم المعيش و يكون منهجه هو الرياضيات و التجربة.

أين هذه المقدمات العقلية الصارمة التي تؤمن بالإنسان و العقل و معياريته من تلك اللاهوتيات التي “تجرم” الإنسان و تحرم استعمال العقل بدعوى القصور و الجهل الإنسانيين، و تهاجم أي اجتهاد بشري بدعوى أولوية النقل على العقل وأسبقية السماء على الأرض؟ و أين موضوع العلم المعاصر الذي ينصب على المادة المقيسة وعلى العالم الحي الملموس ،من تلك المواد الغرائبية و العوالم السحرية العجيبة المليئة بالجن و الحوريات و العفاريت التي يحيا في مثلها هذا الكائن و أشباهه؟ و أين هذا المنطق الرياضي الدقيق من تلك النظرة “الأسطورية” التي تخرق أبسط مقدمات العقل السليم؟ فإن كان الباحث العالم يرى في السماء، بحسب مقدماته العلمية، تركيبة من المواد و الغازات و الطاقات و القوى،المحكومة بمبادئ علية (Astrophysique) ، فإن اللاهوتي يرى في الفضاء سماء من ذهب و فضة و نحاس ، سماء مليئة بالآلهة و الشياطين ، تكون هي الأولى قياسا على هذا العالم “المادي” الملموس ، الذي يصير، من منظوره “العجائبي” المقلوب، هو عالم الخطيئة و الزيف؟ و أين تلك النظرة إلى الحقيقة باعتبارها شيئا نسبيا ما يفتأ ينبني و يتقدم في المستقبل بحسب الجهد البشري ، من تلك النظرية القطعية إلى الحقيقة باعتبارها شيئا أدرك و حصل في الماضي؟ و من تصورهم السلبي للجهد العلمي ،الذي يصير من منظورهم ”اتعابا للأذهان و تضييعا للزمان و كثرة هذيان” بحسب تعبير ابن تيمية الشهير، حين يلحون على أن طاقة الفكر ينبغي أن تتوجه، إلى تأمل علم الملء الأعلى و ما بعد الموت، بدل أن تسعى إلى تحسين أوضاع الناس المعيشية ؟ لا علاقة بينهما أبدا، فالعلم الحق علم للحياة و لتمجيد الإنسان، في حين أن التصورات اللاهوتية هي معارف لتجريم الإنسان و للموت ؛ العلم الحق معرفة بالعقل و التجربة، في حين أن التصور الغيبي معرفة بالسمع و المعجزة ؛ العلم الحق بحث في المادة و المدركات، و التصورات الأسطورية بحث في اللامادة و في كائنات لم يرها أحد من البشر. فليكف هؤلاء عن وصف أنفسهم “بالعلماء”، لأن بين تصوراتهم و تصورات العلم مسيرة ألف عام ، و ليضعوا أنفسهم في المكان المناسب لهم هناك بين زمرة المشعوذين و الكهان و رواة الأساطير القدماء ،الذين حكوا و دافعوا، كما هؤلاء المعاصرين لنا، عن عالم مليء بالألهة و الملائكة و عرائس البحر و الفيانق و الغيلان ، و هي التصورات التي قد تكون من جنس الخيال الجميل الذي يمتع الصغار، أو من نوع الشعوذات المحبوكة التي تفتن الجهلة، و لكنها لايمكن أبدا أن تنتمي إلى مجال “البحث العلمي” الذي يفيد حياة الناس عمليا و ماديا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
محمد الخليفة ( 2009 / 11 / 29 - 10:36 )
يا سلام عليك ، لقد نطقت بالحق في فرزك ووصفك العالم الحق الذي يخدم الإنسان من خلال المادة المنظورة والملموسة وبين رجال اللاهوت أصبغوا على أنفسهم صفة العلماء ظلماً وبهتاناً ن سوف أقوم بطباعة مقالك وأحفظه في ملف المقالات الرائعة التي أعتبرها مرجع ذو قيمة. أشكرك جزيل الشكر

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah