الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصبية والتعصب

محمد قانصو

2009 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العصبية مأخوذة في اللغة من (العَصْبِ) وهو: الطَّي والشَّد. وعَصَبَ الشيء يَعْصِبُه عَصْبَاً: طواه ولواه، وقيل: شدَّه. والتَّعَصُّب: المحاماة والمدافعة. والعُصْبَة والعِصَابة: الجماعة. ومنه {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} الآية، ومنه حديث (إنْ َتهْلِكْ هَذِه الْعِصَابَةُ).

أما في الاصطلاح فجاء في لسان العرب: هي-أي العصبية-: (أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم، على من يناوئهم ظالمين كانوا أومظلومين، وعرفها بعضهم بأنها: (رابطة اجتماعية سيكولوجية، شعورية ولا شـعـوريـة معاً، تربـط أفـراد جماعـة ما، قائمة على القرابة، ربطاً مستمراً يبرز ويشتد عندما يكون هناك خطر يهدد أولئك الأفراد كأفراد أو كجماعة.

وبعيدا عن العصبية في تعريفها اللغوي والاصطلاحي، وفي محاولة لكشف اللثام عن هذه الأفة الخطيرة التي تصيب مجتمعنا العربي والإسلامي فتعيث به تشتتا وتمزيقا، وترهقه ضعفا وهوانا وانهزاما،والتي تكاد تنسحب بشكل هرمي تنازلي لتصيب المكونات الإجتماعية،بعد أن أنتشرت بخبث في الأنظمة والحكومات ومواقع السلطة والقرار، حتى انها سرت لتصيب العمل السياسي والحزبي والإجتماعي والثقافي ككل، وأصبحت سياسة حاكمة ومنطلقا لكل موقف أو فعل. إن خطر العصبية الحقيقي والذي لا بد من التنبه اليه ومعالجته، عندما تتحول هذه الأفة الى سياسة يومية أو أسلوب في التعاطي، وعندما ينطلق الانسان المتعصب من عقدة الفوقية أو النرجسية في تقييمه للآخر أو الحكم عليه هذا من جهة، ومن جهة أخرى عندما يتحول التعصب الى قناع أو حجاب يمنع من رؤية الأخر او القبول به أو الإعتراف بوجوده، ولعلنا نجد لهذه الآثار السلبية لمرض العصبية حيزا كبيرا في عالمنا العربي والاسلامي، من خلال اللغة المحكية أو المقروءة التي تطالعنا بها الصحف اليومية أو القنوات الفضائية التي تتحفنا ببرامج السب والشتيمة والإلغاء والتكفير، مما يجعلنا مهزلة في عالم يتغنى اليوم بالديموقراطية وان كان في أحيان كثيرة بعيدا جدا عنها.

إن روح الاسلام السمحاء قامت على أساس التواضع والانفتاح والاعتراف بالأخر والايمان بمبدأ الحوار، حتى مع من تختلف معه عقائديا أو سياسيا أو ثقافيا، ولقد كان الإسلام واضحا في نبذه للعصبية على لسان النبي الأكرم (ص): "من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع اعراب الجاهلية".

وعنه (ص) : "من تعصّب أو تُعصب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه ".

من هنا فانه تقع على المسلمين بالدرجة الأولى مسؤولية نبذ العصبية في الفكر والممارسة في ما بينهم أولا، لأن ما نشهده اليوم من واقع مزر ينبئ بكارثة قادمة تعيدنا الى زمن الاقتتال المذهبي المفتوح على أسوأ الاحتمالات والنتائج. اننا بحاجة الى تعميق لغة الانفتاح على الأخر وعدم التصنم والإستعلاء والإحتكام الى منطق المحاورة العلمية الهادفة والمنتجة، اننا مدعوون كمسلمين الى نبذ لغة التكفير في ما بيننا والى تعمييم ثقافة التسامح والتواضع في مجتمعاتنا كافة.

من هنا فان إطلاق ورشة اصلاح عامة تستهدف مؤسساتنا الثقافية والإعلامية والسياسية يعتبر أمرا في غاية الأهمية، كما لا بد من حملة توعية مركزة تستهدف الطبقة الإجتماعية الشعبية المتلقية، والتي غالبا ما تستفزها الحماسة وشعارات التجييش واللعب على الوتر العاطفي، لا بد من تطوير الوعي الديني والسياسي للشعوب المسلمة بحيث يستطيع المسلم أن يحدد خياراته ومواقفه واتجاهاته من خلال وعيه ودراسته ومقارنته وفهمه وتحليله لما يعترضه من أحداث ومواقف، كما لا بد من فرض رقابة على المنبر الدعوي الذي نراه ولبالغ الأسى قد تحول الى بوق حربي أو منصة لإطلاق التهم النابية ولتسعير العصبيات القبلية بين أبناء الدين الواحد.

كما اننا بحاجة الى اعادة ترتيب العمل السياسي والحزبي والنقابي والاجتماعي وبنائه على أسس حضارية وديموقراطية تسمح بالتنوع وابداء الرأي وتداول السلطة، وتلغي الصنمية والإستنساخ والتوارث، وتنفتح على المستقبل بعد الإستفادة من تجارب الماضي، وتؤكد على قيمة العلم والمعرفة وتلغي الموروثات القبلية البالية، وتنطلق من القواسم المشتركة مع الآخر، وتطور لغة التواصل معه.

ما أحوجنا الى الهدوء والتأمل وإعادة بناء الذات وأنسنتها، والى عقلنة مواقفنا وسياساتنا...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - روح الاسلام السماحة
ابو لهب المصرى ( 2009 / 11 / 28 - 18:19 )
كل عام وأنتم بخير
ذكرت فى مقالك :
-روح الاسلام السمحاء قامت على أساس التواضع والانفتاح والاعتراف بالأخر -
هل أنت متأكد من ذلك ...
أرى كل ماقلته يوجد عكسه فى هذه الآية :-
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ( التوبة 29)
أين السمحاء ... من قاتلوا !!
أين التواضع .... مع صاغرون !!
أين الاعتراف بالآخر .... مع لا يؤمنون ... ومع لا يحرمون !!!
رحمة بعقولنا ...


2 - صدقت يا أستاذ محمد
الحمد لله ( 2009 / 11 / 30 - 00:25 )
ان روح الاسلام السمحاء قامت على التواضع والانفتاح.....وأقول لأبي لهب
1-لولا الاسلام يا أبو جهل مابقيت أنت ولا أحد من أبائك ولا أجدادك ولأبدتم كما أباد النصارى شعوبا بأكملها وما الهنود الحمر وسكان استراليا الأصليين منا ببعيد لولا قوله تعالى(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين)والتي هي مخصصة للأيات العامة في القتال
2-لولا الاسلام لفعل بكم كما كان يفعل بكم اخوانكم في يسوع من الرومان حين أبادوكم فقط لأجل اختلاف المذهب ولولا (لا اكراه في الدين) لما بقي منكم أحد ليتطاول على الاسلام وينفث حقده
3-يا أبو جهل أكتفي بأن اذكرك بكتابك الأسود (الشاب والشيخ والعذراء والرضيع والبهيمة اقتلوا للهلاك) وان لم تستح فاصنع ماشئت
4-معلوم في كتب الفقه وعند الجمهور أن القتال والجزية علتهما واحد وهي الحرابة وليس الكفر المجرد كما تروجون وولذلك لا تؤخذ الجزية من غير المقاتلين من نساء وأطفال ورهبان ومشلولين وزمنى وفقراء غير معتملين وعجزة ...ولو كان الاسلام يستهدف الكفار لأجل كفرهم لكان أولى الكفار بالقتل هم الرهبان..يابوجهل

اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا