الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية بين الإختيار والإضطرار .

الطيب آيت حمودة

2009 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المتتبع لإفتاءات السلفية الدينية يلحظ أنهم يشنون حربا شعواء ضد العلمانية ، يتهمونها بالكفر والإلحاد ، وأنها تعمل على تغليب العقل على الشرع ، وأنها تريد أن تدخل الإسلام في جحر تعبدي أسوة بما وقع للمسيحية في الغرب ، ويستشهدون في حربهم بآيات منها ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هـــم الكافرون) . وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام : 153] وأنه يجب أن نطبق الدين والسنة بفهم الرسول وصحابته دون محاولة بحث أو فهم أو استقصاء لما نريد الاقتناع به .
الفهم البسيط للعلمانية :
تعاريفها متعددة ومتباينة تبعا لتعدد الفهوم ، وفهمي البسيط لها بأنها توجه دنيوي ، ومنهج يفضل العلم على الدين ، ويفصل بين السلطات ، ويجعل ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر ، ودعوة لتحرر العقل والفكر من قدسية الدين ، وهي جدار فصل بين ما هو دين وما هو دنيا ، أي أنها تستبعد هيمنة العلم الديني ، على العلم العقلاني الوضعي ، وهذا تفكيرلا يستساغ من لدن المسلمين باعتبار أن الإسلام دين ودنيا [قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ](سورة الأنعام : آية: 162) .
العلمانية منبتها إ سلامي :
المتتبع لتاريخنا الإسلامي يتضح أن معاوية بن أبي سفيان هو أول من أبعد السياسة عن الدين ، بل خرق قانون الشورى في الإسلام ، بتأسيس نظام التوريث أسوة بالروم والساسان ، و انفتح المسلمون على ثقافة الغير في عهد العباسيين خاصة المأمون، بترجمة العديد من مآثر الغرب والشرق ، فكانت دار الحكمة عامرة بمؤلفات اليونان والرومان و الهنود ، وهو ما ساعد على تحرر الفكر الذي تجلى خصيصا على يد المعتزلة ، ووصل حدود الجدل في مسألة خلق القرآن ؟ ومن أكثر الداعين إلى فصل العلم الشرعي على العلم الدنيوي هو المفكر والفيلسوف الأمازيغي الأندلسي الملهم ابن رشد في كتابه فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاٍ تصال ، وهو عمل توفيقي بين الشريعة والعقل ، وبين المعقول والمنقول ، غير أن غلبة الفكر الديني المنقول، على الدنيوي المعقول انتهت باضطهاده ونفيه وحرق كتبه ، غير أن فكره انتقل إلى الغرب مخترقا تعاليم المسيحية ، وهو ما ساعد على قيام الإصلاح الكنسي ، و بداية عصر الأنوار بإفساح المجال للعقل بإبراز مكنوناته ومقدراته ، فكان التطور العلمي وما واكبه من تطبيقات انتهت بما يعرف بالثورة الصناعية في أوروبا .
أما الشرق الإسلامي فقد بقي خاضعا لقيود الفقهاء متابعا لافتاءاته التي ترفض كل فكر دخيل وإنتاج علمي قويم، يخالف فكرها التنظيري المستلهم من فهم عقيم للإسلام .
العلمانية وإن كانت تخالف النهج الإسلامي في جوانبها العقدية ، إلا أنها تحميه من غطرسة الساسة ، وكثيرا ما كان الفقهاء وعلماء الدين عبادا للسلاطين والحكام رغبة أو رهبة ، بإفتاءات تساير نهجهم السياسي ، وما نسمعه ونشهده اليوم من فتاوى ابن تيمية وابن باز والقرضاوي، في خدمة للحكام ، وتعطيل غير مبرر للعلم والعلماء بدعاوي تخفي في جلا بيبها الحفاظ على مكاسب وريوع نفعيه مادية ومعنوية .
بين الواقع والشرع سجال غير مبرر ؟
المتتبع لحال ووضع بلادنا الإسلامية ، يتضح أننا في بحر العلمانية نسبح دون أن نعلم ، فنحن علمانيون بقوة الخضوع القسري ، بدأ من السياسة وتنظيمها إلى أبسط أمورنا الحياتية ، فنحن من نعم وإنتاج العلمانية نقتات ، ومنها نصول ونجول ، وبها نتعلم ، و إذا مرضنا فهي تشفن بعلمها وعدتها ، وهي وسيلة حربنا في الكفاح ، وهي وسيلة اتصالنا بالغير ، وبها استطعنا تبيان عظمة الإسلام والمسلمين عبر الفضائيات ، ويبدوا من خلال هذا أننا ( نأكل الغلة ونسب الملة ؟)
أنا مسلم مؤمن ، وإيماني لا ينقص بركوب الطائرة العلمانية ، ولا بمتابعة الأخبار على النت ، ولا بالتلقيح المضاد بأنفونزا الخنازير ، ولا يتسنى لي في حياتي الحاضرة التخلي عن منتوج العلم والعلمانية ، إلا بوجود بدائل منافسة في دنيا الواقع بموصفات ترضي الشريعة وتتوافق وميول رجال الدين وفقهاء الإسلام ، وهل أمتنا قادرة بوضعها الراهن منافسة العلمانية ؟؟ أو ايجاد بدائل لها ، وهل بالإمكان مقارعة السلاح النووي العلماني بالهبهاب الإسلامي ؟
العلمانية في خدمة الإسلام :
بفضل العلمانية انتشر الإسلام في بلاد الغرب ، ولولا ها لما سمح اليمين المتطرف بإقامة الجوامع والمساجد والمصليات ، ولما سمحوا بظهور الأزياء الإسلامية بتنوعها ، ولما أقيمت المناظرات التي تخالف المبدأ العلماني في معاملة الأديان على قدم المساواة ، وهذا صهيب بن الشيخ مفتي مرسيليا يصرح جهرا بقوله لولا العلمانية لما استطعنا نشر الإسلام في الغرب ! الدين هو علاقة بين الفرد وربه ، والإسلام في ذلك يحارب الوصاية على الدين ، فلا ولاية الفقيه مستساغة ، ولا نظام البابوية مقبولا ، فالإنسان مجبول على الحرية التي تتيح له الاٍختيار دون وصاية ، كما أن الدولة المدنية هي الوحيدة القادرة على صون الإختلاف ، وترك المواطنين يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية ، بعيدا عن السياسة التي تتسم بالتلون تبعا للظروف المحيطة بها ، والعلمانية العفوية العرضية أفضل من العلمانية القسرية التي انتهجها كمال أتاتورك ، أو حاول تطبيقها بورقيبة في تونس .
بين الروح والجسد .
إن الإنسان روح وجسد ، فالروح عقيدة إسلامية بأبعادها وشموليتها ، وجسد علماني بكل المواصفات ،والمسلم وهبه الله عقلا وحكمة لتسيير حياته طبقا لحاجاته وخصوصيته ، إشباع هذه الخصوصيات يحتاج إلى إبداعات قد تكون ضالة ،أو بسلاحين متضادين ، والعلوم العقلية هي القادرة على توفير مستلزمات الحياة البشرية في جميع المجالات ، والتوفيق بين العلوم الدينية والدنيوية أمر مطلوب أكثر من الماضي ، لأن أمة الإسلام تغوص في بحر العلمانية دون دراية ، فهي علمانية بقوة الفعل والحاجة ، لا بقوة الإرادة والرغبة ، واستبعاد العلمانية هي ضرب من التجني خاصة إذا لم يتوفر البديل المقنع بالمواصفات الإسلامية المطلوبة .
خاتمة
ونافلة القول أن العلمانية هي بعبع العالم في الإنجازات العلمية التي عرفت انفجارا كبيرا في التصنيع ، وهي التي حولت الفكر التنظيري الإسلامي إلى مجال التطبيق ، وهي التي وضعت خطوطا حمراء لتجاوزات الدين ، وبذلك حولت ألأماني البشرية إلى واقع ماثل للعيان ، وما قدمته لخير الإنسانية أوسع بكثير من زلاتها التي تعد اختيارا للبشر ، لا أمرا منها ، وما أنجزه ألفريد نوبل من اختراعه للديناميت التي تمثل خيرا عميما وشرا مستطيرا ، وما على الإنسان إلا اختيار سبل استعمالها بما يعود بالخير على الإنسانية جمعاء ، والأخذ بالعلمانية في جانبها الإيجابي كفيل بالتناغم بين الروح والجسد ، وانفتاح واع على الآخرين يضمن نوعا من وحدة المصير في ظل الهزات المتتالية التي يعرفها البشر، والذي يشير الواقع الحالي أنه يسير نحو علمنة أكثر من ذي قبل، لأن الإنسان بطبعه ميال للمحسوسات والملموسات أكثر من المجردات والغيبيات .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - .إذا كنت تعتقد انك علماني أجب على هذه الأسئلة
شوكت ( 2009 / 12 / 2 - 13:30 )
هل العلمانيه تدعو الى الحرية الشخصيه والى حرية الاديان ؟
لماذا العلمانيه تمنع للمسلمات ان يلبسن حجابهن ؟
هل العلمانية تحكم بالقصاص لمن يقتل شخص بريء ؟
هل العلمانيه تسمح بالشذوذ الجنسي كزواج الرجل مع الرجل والمرأة معا المرأه ؟
هل العلمانيه تدعو الى الاختلاط بين الذكور والاناث في كل المجالات التعليميه والوظيفيه وغيرها ؟
هل العلمانيه تدعو لضبط اخلاق الرجل والمرأه ؟
هل العلمانية تسمح بتعدد الزوجات وتكون العصمه للرجل والخلع للمرأه ؟ ومالحكمة من ذلك ؟
هل العلمانيه تسمح للاديان كلها بنشر منهجها وعلومها النافعه وغير النافعه؟
هل العلمانية تسمح بغسيل الاموال ؟
هل العلمانيه تسمح للرجل بأن يجامع زوجته وهي في حالة الحيض ؟
هل العلمانيه تسمح بتجنيد المرأه في القطاعات العسكريه تحت اوامر الرجال ؟
هل تعتقد أن لقب علماني ، سيئ السمعة في المجتمع العربي وتقترح إطلاق وصف آخر ؟
هل تتصور أن نسبة العلمانيين بين المسلمين أكثر أم بين المسيحيين ( نسبتهم وليس عددهم )وما هي ديانتك في تحقيق الشخصية فقط؟
هل العلمانية تسمح بتعدد الاديان كأن يكون الاب علماني والام مسيحيه والابن مسلم ؟
هل تعتقد أنه في حالة دولة تقر بجميع الأديان سيتمكن الدين الإسلامي من التعايش بسلام معها ؟<


2 - الفرق موجود
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 2 - 14:38 )
أزول آ يت حمودة
جاء في مقالك الرائع جدا الفقرة التالية : ( لا يتسنى لي في حياتي الحاضرة التخلي عن منتوج العلم والعلمانية , إلا بوجود بدائل منافسة في دنيا الواقع بمواصفات ترضي الشريعة وميول رجال الدين وفقهاء الإسلام ...)هل تعتقد ياأخي بإمكانية وجود بدائل للعلمانية الغربية بالمفهوم الذي يفصل بين الدين والدولة قادر على إرضاء الشريعة وميول الفقهاء مع العلم أن الإسلام ليس هو المسيحية ؟ ألا تعتقد أن هناك جزئية هامة لا يمكن أن تجعل مستقبل الإسلام يسير في الاتجاه الذي سارت فيه المسيحية للوصول إلى العلمانية ؟ إنها الخصوصية .فكلا الديانتين لها خاصيتها التي لا تشبه الإخرى . مع أخلص الاحترام . تانميرت


3 - الفرق موجود
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 2 - 14:38 )
أزول آ يت حمودة
جاء في مقالك الرائع جدا الفقرة التالية : ( لا يتسنى لي في حياتي الحاضرة التخلي عن منتوج العلم والعلمانية , إلا بوجود بدائل منافسة في دنيا الواقع بمواصفات ترضي الشريعة وميول رجال الدين وفقهاء الإسلام ...)هل تعتقد ياأخي بإمكانية وجود بدائل للعلمانية الغربية بالمفهوم الذي يفصل بين الدين والدولة قادر على إرضاء الشريعة وميول الفقهاء مع العلم أن الإسلام ليس هو المسيحية ؟ ألا تعتقد أن هناك جزئية هامة لا يمكن أن تجعل مستقبل الإسلام يسير في الاتجاه الذي سارت فيه المسيحية للوصول إلى العلمانية ؟ إنها الخصوصية .فكلا الديانتين لها خاصيتها التي لا تشبه الإخرى . مع أخلص الاحترام . تانميرت

اخر الافلام

.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa


.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم




.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك