الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قبرين

نارت اسماعيل

2009 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



القبر الأول موجود في المقبرة الاسلامية في مدينة برامتون قرب تورونتو
القبر الثاني موجود في مدينة Meaux قرب باريس

القبر الأول لا توجد عليه أية علامات محددة ولا شاهدة وغير مرتفع عن الأرض ولا يمكن التعرف عليه إلا بوجود لوحة صغيرة أبعادها حوالي 10× 5 سنتم ومكتوب عليها رقم 774 مجرد رقم، لا اسم المتوفي ولا تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته ، لاشيء
عليك أن تراجع سجلات إدارة المقبرة حتى تعرف من يسكن ذلك القبر الموحش، عليك أن تزيل الثلوج والحشائش الجافة حتى تستطيع رؤية تلك اللوحة الصغيرة

القبر الثاني مصمم بشكل جميل، أحجار رخامية وشاهدة كبيرة عليها صورة المتوفي ، صورة قديمة بالأبيض والأسود ضمن إطار زجاجي وتحت الصورة نقشت معلومات عن المتوفي وأبيات من الشعر

في يوم 10 ديسمبر عام 2007 أقنع شاب أخته ذات الستة عشر عامآ أن تعود الى البيت الذي كانت قد هربت منه خوفآ على حياتها وهناك كان والدها ينتظرها لكي يخنقها بوحشية ويسلبها حياتها
هل تذكرونها؟ إنها أقصى برويز، شهيدة الحجاب الحقيقية، فتاة بعمر الزهور من أسرة باكستانية مهاجرة الى كندا، كانت على علاقة متوترة مع أهلها لأنها رفضت ارتداء الحجاب وكانت في الفترة الأخيرة من حياتها تتنقل بين بيوت صديقاتها والملاجئ، كانت تقول لزميلاتها أنها تريد أن تعيش مثل بقية الناس وأن ترتدي ملابس طبيعية
حادثة موتها هزت كندا وحركت الرأي العام وتجمع عدد كبير من الناس من أصدقاء المدرسة وأناس آخرين قرب المركز الاسلامي في ميسيساغا قرب تورونتو ليشاركوا بتشييعها وتوديعها ولكن الأهل أصروا عل دفنها بجنازة عائلية محدودة ودفنوها بقبر لا يحمل اسمها، فقط يحمل رقم 774
بعض الناس من الناشطين جمعوا مبلغآ من المال وعملوا شاهدة لكي يضعوها على قبرها ولكن الأهل رفضوا ذلك ومازالت أقصى تصارع لكي يكون لها مكان مكتوب عليه اسمها وليس مجرد رقم ، كثيرآ ما نجد بعض الورود بجانب اللوحة 774 من صديقاتها المخلصات

في عام 2000 كنت أجري دورة تدريبية في مدينة Meaux قرب باريس وكان من عادتي أن أمشي في أزقة وشوارع هذه المدينة الصغيرة الوادعة، في إحدى المرات كنت أمر بقرب المقبرة فشدني فضولي للدخول والتجول في أرجاء المقبرة ولاحظت أن القبور القريبة من الشارع الرئيسي جديدة وكلما تعمقنا في الداخل تصبح القبور قديمة أكثر وتظهر عليها علامات التآكل بفعل الزمن
لاحظت مدى إهتمام الناس بقبور ذويهم ووجود أزهار جديدة حتى على قبور قديمة جدآ وأكثر ما استوقفني قبر يعود الى عام 1942 وهو قبر جميل مع أنه قديم والشاهدة عليها صورة لشاب قتل في الحرب وتحتها نقشت بعض الأبيات التي كتبتها زوجته، عندما قرأت تلك الكلمات اغرورقت عيناي بالدموع تأثرآ من رقة الكلمات، لم أعد أذكرها الآن ولكنها قريبة من الكلمات التالية :
كم كنت جميلآ كم كنت رقيقآ كم كنت تهتم بي كم كنت أحبك .....
زوجتك المحبة
ما أريد قوله من هذه المقارنة بين القبرين هو إظهار الفرق الكبير في تعاطي الناس مع موتاهم، والفرق الكبير بمكانة الميت وكرامته وطريقة توديعه من مجتمع لآخر
كنت أعمل في مكة في فترة من الفترات، رأيت رجالآ خارجين من المسجد حاملين ميتآ على لوح من الخشب ملفوفآ ببطانية وكانوا يركضون به ويكاد الميت أن يسقط على الأرض من الاهتزاز، كانوا كمن يحمل فطيسة يريدون التخلص منها بأسرع وقت ويكاد الميت يصرخ بهم : شوي شوي يا بجم
إنهم يطبقون تعاليم دينهم التي تقول أن إكرام الميت التعجيل بدفنه
ماهذا التوحش وهذه القسوة؟ كيف يتوحش الإنسان ويتجرد من أحاسيسه هكذا؟ ألا يعني دفن الميت بشكل لائق وفي قبر جميل وزيارته من وقت لآخر ووضع بعض الزهور شيئآ ؟
صحيح أن الميت لن يشعر بهذه الأشياء ولكننا نفعل ذلك من أجلنا نحن، من خلالها نثبت أننا نحس ونشعر ونقدر ، نعبر عن مستوى رقينا وتحضرنا، إنها أشياء رمزية بسيطة تميز الانسان المتحضر عن الهمجي
إنها مثل تقديم وردة لزوجتنا
مثل رؤية وجه الحبيب على سطح القمر
مثل الوقوف دقيقة صمت إكرامآ لإنسان مات من أجل وطنه أو من أجل قضية سامية
هناك أسئلة لا يمكن للمرء إلا أن يثيرها
لماذا لم يسمح أهل أقصى برويز بإقامة جنازة لائقة لها والسماح للناس الآخرين بالمشاركة بتوديعها؟
هل كانوا يخجلون من طقوس دفنهم المقتصرة على الرجال؟
هل كانوا يخشون إذا دخلت النساء مقبرتهم أن تتحرك شهوة موتاهم الرجال؟
هل كانوا يخافون أن يدنس ( الكفار) مقبرتهم الاسلامية (الطاهرة) ويقلقوا أرواح الأموات المسلمين (الطاهرين)؟
هل كانوا يخجلون أن يشاهد ( الغير ) كيف يقرأ الشيخ على الميت آيات مرعبة مخيفة وينصحه ويعطيه الأجوبة على الأسئلة التي سيسألها أنكر ونكير ؟
ما أقبح هذا الثوب المهترئ الذي ألبسونا إياه منذ صغرنا
إنني أخجل من نفسي لأنني مسلم ، هذا هو شعوري بكل صدق
لننزع هذا الرداء المهترئ القادم من الصحراء والذي يجعلنا نخجل من أنفسنا

ملاحظة: يمكنكم مشاهدة صور لقبر أقصى برويز على الرابط التالي :
http://atlasshrugs2000.typepad.com/atlas_shrugs/2008/12/aqsa-parvezs-gr.html











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كم كنت حزين يومها
ابو مراد فلسطين ( 2009 / 12 / 1 - 19:31 )
نعم كم حزنت يومها على هذه الفتاة وسابقى حزينا بعد ما قرات عن طريقة دفنها ومعاملتها الاانسانية في حياتها ومماتها - ان ما فعله اباها هو ما تعلمه وتشربه منذ الصغر هذا هو الوجهه الحقيقي للاسلام -- وكم انا سعيد اني لاديني واتمنى ان اضع باقة زهور على قبر المسكينة في زيارتي القادمة لكندا في القريب


2 - رائع
جورج فارس ( 2009 / 12 / 1 - 20:18 )
قرأت للتو كل كتاباتك وأجدها رائعة من حيث المحتوى والشكل، الأسلوب بسيط وهادئ وجميل وشيق بنفس الوقت، والأفكار ممتازة ومن الواقع.

تقبل مني محبتي واحترامي وتقديري، وعن نفسي أنتظر منك المزيد.

تحياتي لك


3 - تحية
ميشيل الشركسي ( 2009 / 12 / 1 - 21:16 )
الأستاذ الكريم نارت! تحية عطرة
سررت بمقالاتك الجميلة اللطيفة الأسلوب والعميقة المحتوى، اتمنى ان نقرا المزيد
في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، حين كنت أدرس في الاتحاد السوفيتي في مدينة نالتشيك ترددت عدة مرات الى مقبرة مجاورة لسكننا الجامعي، كانت تلك المقبرة (ولعلها لا تزال) روضة غنّاء فيها الزهور والأشجار المثمرة والعشب الندي والممرات المرسومة بدقة بين القبور المتجاورة التي كانت تحمل علامات مختلفة (صلبان وشواهد ونجمة داوود السداسية ونجوماً حمراء) كانت مقبرة اممية بافضل معنى لها، كان المرحوم فخري عمر مدفوناً فيها، ويقال أن أولاده نقلوه الى المقبرة الاسلامية بعد إنشائها في التسعينيات


4 - الى نارت تشد الرحال
نادر عبدالله صابر ( 2009 / 12 / 1 - 21:17 )
هلموا بنا نطارد نارت اناء الليل والنهار حتى يرضخ لمطالبنا العادلة ويظل مستمرا باتحافنا بما يجود به قلمه من درر ولااليء
شكرا لك على تسليطك الضوء على هذه المفارقة المخزية في مجتمعاتنا التي تسربلت بالخزعبلات والتخاريف التي ما فتيء رجال الدين يتحفوننا بها
ليتنا ندرك اننا قد بارحنا عصورهم الظلامية
اكرر شكري لاخي وصديقي ابن الشراكسة الشديدي الباس الرقيقي المشاعر الكريمي النفوس


5 - مقال رائع لكاتب حنون
ام محمد ( 2009 / 12 / 1 - 21:55 )
لقد أثر في مقالك فلم اكن اعرف ما حدث لتلك الفتاة المسكينة التي ظلمها اهلها بسبب الاسلام ولم يكتب عنها الاعلام شيئا بل سلط الاعلام الضوء على مروة وسماها شهيدة الحجاب مع ان ما حدث لا علاقة له بالحجاب وهكذا يزورون كل الحقائق حتى يلمعوا هذا الدين
شكرًا لك ان كتاباتك تكشف عن شخصيتك الراقية والمليئة بالحنان


6 - ردود
نارت ( 2009 / 12 / 1 - 23:10 )
الأخ أبو مراد شكرآ على مشاعرك وأنا أتابع مشكلتك الخاصة في موقع الدكتورة وفاء سلطان وأتمنى من قلبي أن تجد السكينة و الراحة وأحييك على شجاعتك وثباتك
الأخ جورج فارس أشكرك على دعمك لي ويسرني كثيرآ أن تلقى كتاباتي المتواضعة استحسانك
ابن العم ميشيل أشكرك على مرورك وتعليقك الجميل والذي جعلني أتمنى أن أدفن في مقبرة نالتشيك, فخري عمر كان رجلآ كبيرآ وله أفضال كثيرة على الناس
الصديق العزيز محمد الحلو أنا أنتظر طبق الشبس باستة الذي وعدتني به، أشكرك جزيل الشكر على كلماتك الرقيقة والمشجعة
الأخت أم محمد أنا كنت في تورونتو في اليوم الذي قتلت فيه أقصى برويز صدقيني لقد بكيت عندما رأيت صورتها في التلفزيون ومرحها وحيويتها
وأنا تعمدت كتابة هذه المقالة لكي أذكر الناس بها شكرآ لتعليقك الجميل
تحياتي للجميع


7 - هل هو غباء التابع .. أم شطارة المتبوع ؟
الحكيم البابلي ( 2009 / 12 / 2 - 05:18 )
السيد نارت المحترم
تحية وسلام
أنا أب لأربعة بنات ، وبعد قرائتي لمقالك هذا حاولت وبكل ما أمتلك من خيال وعقل ان اجد سبباً واحداً معقولاً يدفعني لأن أخنق أو أنهي حياة واحدة من بناتي ... فعجزت
كم تصل ولن اقول الهمجية أو التوحش أو الحيونة .. بل أقول الغباء بالرجل كي يقوم بقتل بنته أو إبنه أو أي إنسان آخر ؟
هل حقاً أن للدين ذلك التأثير القوي على الأخرين ؟ أم أن كل الموضوع هو ضحالة عقل التابع وهشاشته وغبائه ، أعتقد أن السبب هو الأثنان معاً رغم إنني أرجح الأختيار الثاني على الأول
الله يساعدكم يا مسلمين
تحياتي


8 - السيد الحكيم البابلي المحترم
نارت اسماعيل ( 2009 / 12 / 2 - 09:17 )
لاشك أن للدين تأثيرآ كبيرآ على الناس ويمكن أن يدفعهم لارتكاب أكبرالجرائم، بالنسبة لأقصى برويز أعتقد أنها كانت ضحية لعاملي الدين والموروث الاجتماعي والحلقة مفرغة ومن الصعب فصل العاملين عن بعضهما البعض، أخوها اشترك بشكل مباشر بالجريمة ومجتمعها من خلال أهلها رفض إقامة جنازة عامة ومنع الناس من توديعها بصورة لائقة وما زالوا يمنعون وضع شاهدة على قبرها، كله تخلف بتخلف والضحية النساء والأطفال
تحياتي الحارة


9 - المتوحش حسب قولك لا يعاتب يا نارت
عبد الله بوفيم ( 2009 / 12 / 2 - 20:13 )
لقد وصفت أهل مكة بالتوحش, ورغم ذلك عاتبتهم, ويكفيك ذلك دليلا على سخافة عقلك لأن المتوحش, لو كان متوحشا ما طلب منه التحضر إلا الحمقى, وأنت بدون شك منهم
لك دينك يا نارت ولنا ديننا, دينكم يأمركم بشراء الورود ووضعها على القبور لتجف, ولتبرهن لنفسك يا نارت أن لك احساس, لكونك تشك حقيقة أن لك أحساس, وهو حقيقة لا تملكه لأنك موقن أن عقيدتك فاسدة
أما المسلم فهو مأمور بطلب المغفرة والدعاء للمقبور, والتصدق عليه, وإعطاء ثمن الورود للمحتاجين إليه لينتفعوا بثمنها غذاء وكسوة
عقيدتكم تأمركم أن تكرموا الكلاب وتتعهدوها بالعناية ومشاركتها في طعامكم ومرقدكم, في حين يأمرنا ديننا باطعامها وعدم العدوان عليها, ولكن جعل الانسان هو أولى بالعناية والاكرام. المسيحيون ينفقون ويربون الكلاب والقطط ولا يحتملون ولدا ولا حفيدا, والمسلم ولله الحمد والمنة يربي أولادا وأحفادا بالعشرات,
اللهم لك الحمد والشكر على نعمة الاسلام, واهد اللهم نارت اسماعيل, واملأ قلبه احساسا وشعورا يغنيه عن وضع الورود على القبور كالمعتوه


10 - التعليق رقم 9
نارت ( 2009 / 12 / 3 - 00:59 )
لن أهبط لمستواك وكان بامكاني حذف تعليقك ولكنني فضلت ابقاءه لكي يرى الناس بأم أعينهم مثالآ واضحآ على الهمجية والتخلف


11 - الى المعلقة الرائعة ام محمد رقم 5
Suzan ( 2009 / 12 / 3 - 14:48 )
اود ان اضم صوتي لصوت ام محمد لاني ايضا لم اسمع عن اقصى برويز ابدا وسمعت كثيرا عن مروى والتي كما ذكرت ام محمد لا علاقة لها بالحجاب وقصة اقصى التي قتلت فعليا لرفضها الحجاب فيجب ان تسمى ضحية الحجاب
وارجو من القدر ان ينتقم لاقصى من والدها المتوحش المخفي العبيط.
سوزان

اخر الافلام

.. بايدن خلال حفل -شهر التراث اليهودي-: الحرب على غزة ليست -إبا


.. -الجمهورية الإسلامية في #إيران فرضت نفسها في الميدان وانتصرت




.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah