الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المذهب الظني 2/3

تنزيه العقيلي

2009 / 12 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا الفهم للدين، وهذا اللاحسم، وهذا الصدق مع الذات وبين يدي الله في الإقرار بما يكون الإنسان متيقنا من صدقه، والثقة هذه وحسن الظن هذا بعدل الله ورحمته، هذه الفلسفة الجديدة للدين، وهذا المذهب، وهذا الإسلام لا يتخذ لنفسه اسما خاصا، بل يمكن التعبير عنه بأنه:

- إسلام الشاهدين بألا إله إلا الله
- إسلام الموقنين بالتوحيد والعدل والمعاد
- إسلام غير الموقنين بالنبوة، لكن غير المستبعدين صدقها
- إسلام الشاكـّين بالنبوة، غير الجازمين بنفيها
- إسلام الموقنين بالضرورات العقلية، من غير حسم لإثبات أو لنفي الممكنات العقلية من مقولات الدين
- إسلام العقلانية والإنسانية
- إسلام المؤمنين بتأصيل مرجعية العقل
- إسلام المعولين على العقل والضمير الإنسانيين
- إسلام المرتكزين على ركيزتي الصدق واليقين
- إسلام دعاة تنقيح الدين
- إسلام الموقنين بعدل الله ورحمته
- إسلام المؤمنين بالإسلام المدني الرافضين للإسلام السياسي
- إسلام الديمقراطيين العقلانيين الإنسانيين
- إسلام رفض الخرافة والتعصب والتطرف والعنف
- إسلام حب الخير لكل المجتمع الإنساني
- إسلام الحب والسلام والجمال والخير
- الإسلام العقلي/الظني/التأويلي

بالنسبة لي فقد حسمت قراري بانتمائي إلى هذا المذهب في شهر تموز عام 2007 [واستمر التزامي به إلى كانون الأول 2007 أو كانون الثاني 2008، بعدما حسمت خياري لعقيدة التنزيه، بمعنى تنزيه الله من الدين، عبر مرحلة بينية، هي مرحلة إمكان التفكيك بين الإيمان والدين. هذا مع إنه يمكن لغيري أن يمثل المذهب الظني التزامه الدائم، أو لحين طروء متغير على قناعته]. ومن الدوافع لهذا القرار، إضافة إلى ما بينته، هو أني لم ولن أملك العمر الكافي من أجل التحري والبحث الدقيق والدراسة المستفيضة المعمقة الشاملة، من أجل الوصول إلى حسم يقيني [وإن حسمت خياري لاحقا].

وهذا الإسلام، أو هذا المذهب الظني لا علاقة له بإشكاليات المذاهب القائمة، ولا يتأطر بمذهب محدد، ولكنه قد يجد نفسه أقرب إلى مقولة لمذهب عقائدي أو مذهب فقهي أو مذهب تفسيري أو مذهب سياسي من مذاهب الإسلام القائمة، بسبب التقائه مع أي منها في أسسه ومتبنياته، أو قد يجد نفسه أقرب إلى فهم أو فلسفة بشريتين غير دينيتين. وهو بالتالي يحترم خيارات أتباعه أنفسهم بالتعويل على مذهب أو آخر في بعض التفاصيل، إما بسبب خلفية الأتباع المذهبية، أو بسبب قناعاتهم التي تكونت لديهم عبر تأملاتهم، وهو لا يلزم أحدا في تبني كل متبنيات المذهب، لأنه يعطي للعقل فسحة التأمل وحرية الاختيار، ويتخلص من مشكلة الانتماءات التاريخية للمذاهب من خلال تبنيه للتأويلية والتبعيض، فأينما استطاع أتباع المذهب تأويل مقولات مذهب ما إلى ما ينسجم مع متبنيات المذهب العقلي، ببعديه؛ العقل الفلسفي والعقل الأخلاقي، يمكن لهم اعتمادها، ثم مبدأ التبعيض يسمح لهم باختيار ما يرون من أحكام شرعية مستنبطة من المذاهب والفقهاء، بما يرونه أكثر انسجاما مع أسس المذهب، أو مع قناعاتهم، وحتى لو اختار أحدهم التعويل بشكل أساسي على مذهب من المذاهب الأربعة، أو على اجتهاد فقيه من فقهاء الشيعة، ثم توقف عند مسألة من استنباط ذلك المذهب أو الفقيه، لتعارضها مع أسس المذهب العقلي التأويلي، أو لعسرها، أو لتعارضها مع ثوابت الإسلام، أو ضرورات الإيمان العقلي، فيما يرى الالتزام به منها، فيكون الحل بالنسبة له باستخدام رخصة التبعيض في الاتباع، أو ما يسميه الشيعة بالتبعيض في التقليد، فيأخذ بفتوى فقيه أو مذهب آخر فيما يتعلق بتلك المسألة.

نعم قد أجد نفسي كمؤسس أقرب إلى مدرستـَي المعتزلة والإمامية في العقائد بسبب كونهما مدرستين عقليتين، دون الالتزام بكل تفاصيل مقولاتهما العقائدية، وكذلك قد أرى نفسي أقرب إلى أئمة أهل البيت، لأني أجدهم مجسدين أكثر من غيرهم للعقلية والعقلانية والإنسانية والفهم الفلسفي للتوحيد. المهم إن هذا المذهب لا يلزم أتباعه - إذا صح مصطلح الأتباع - بثوابت نهائية، كما تفعل الأديان والمذاهب غالبا، على أقل تقدير على وفق فهم الناس لها، باستثناء اعتماد أسسه من العقلية، والتأويلية، والظنية، وإن كان لا يقتصر على الظنيين، بل يستوعب العقليين التأويلين الحاسمين أمر اعتقادهم بالإسلام دينا إلهيا، إضافة إلى أسس النسبية والاعتدال والعقلانية والإنسانية [بل ويمكن أن يستوعب المؤمنين العقليين اللادينيين].

ثم إن المذهب العقلي/التأويلي،الظني هذا، يعتمد التجزيئية، فهو في الوقت الذي يحاول محاولة بشرية ناقصة أن يحدد ملامح كل من العقيدة والشريعة والمفاهيم والأخلاق، غير معني بإلزام الفرد بالأخذ بكل متبنياته أو بعضها، أو بالأخذ بالجانب النظري، دون العملي، باستثناء البعد الأخلاقي في التشريعات. لأن المذهب لا يتبنى ثقافة التكفير ولو ضمنيا، بحيث يحكم على إيمان الإنسان من خلال التزاماته، لاسيما تلك ذات البعد الشخصي، كالعبادات والمعاملات الفردية، أي التي لا يكون فيها طرف آخر، كأحكام الطعام مثلا. وهذا يتأتى من مبدأ النسبية الذي يقول أن الإيمان نسبي والالتزام نسبي، كما أن الكفر نسبي واللاإلتزام نسبي، وإلى الله مرجعنا جميعا فينبئنا بما كنا نعمل وما كنا فيه مختلفين.

الأصول الواجبة للمذهب الجديد:
1. التوحيد (وحدانية الله)
2. العدل (عدل ورحمة الله)
3. المعاد (الحياة بعد الموت والجزاء كلازم للعدل)

الممكنات من العقائد على سبيل المثال:
1. نبوة محمد
2. إمامة أهل البيت
3. أمور ممكنة كوجود الملائكة والجن وإبليس والشيطان
4. صورة - وليس أصل - الثواب والعقاب

ركائز المذهب:
1. العقلية
2. التأويلية
3. الظنية

الثابت والمتغير من الركائز:
الركيزتان الأولى والثانية أي العقلية والتأويلية ثابتتان، مع إن الثانية من لوازم الأولى، فالأولى تمثل الأصل الذي تتفرع عنه الثانية. والركيزة الثالثة متغيرة، باعتبار أن المذهب يستوعب الظنيين، أي الذين لم يستطيعوا أن يحسموا الإيمان بإلهية مصدر الوحي، مع احتمالهم لذلك، كما يستوعب الموقنين بالنبوة من العقليين التأويليين، مع قبولهم بظنية الظنيين من أتباع المذهب دون اعتمادها بالضرورة من قبلهم هم [ولعله يخاطب في بعض مفرداته المؤمنين العقليين اللادينيين].

سائر ملامح المذهب:
1. العقلية
2. التأويلية
3. الظنية
4. الإنسانية
5. العقلانية
6. التوفيقية
7. التبعيضية/ أو الانتقائية
8. الجوهرية
9. النسبية
10. الديناميكية
11. التجرد المذهبي
12. التفكيكية

شرح موجز لها:
1. العقلية (العقل الفلسفي): منهج تأصيل مرجعية العقل، بتعميم أحكام العقل الثلاثة (الواجب العقلي، الممكن العقلي، الممتنع العقلي).
2. التأويلية: مع افتراض أن الدين يمثل وحيا إلهيا، وعندما نواجه نصوصا دينية أو حوادث من السيرة مثلا، مما يحتمل أكثر من فهم؛ منه ما ينسجم ومنه ما يتنافر ويتعارض مع ضرورات العقل الفلسفي، أو العقل الأخلاقي أي المثل الإنسانية أو مع الحكمة والعقلانية، فلا بد من تأويل تلك النصوص والحوادث إلى ما ينسجم مع تلك الضرورات، وإلا فثبوت التعارض القطعي، مع ثبوت نسبة تلك النصوص المتعارضة مع ما ذكرنا من ضرورات ثبوتا قطعيا، فلا بد من أن يؤدي القطع في ثبوت الصدور وثبوت التعارض إلى القطع في نفي كون ذلك الدين يمثل وحيا إلهيا، بل يكون عندها نتاجا بشريا، يؤخذ منه الجيد ويرد ما دون ذلك. والتأويلية هذه هي من لوازم العقلية.
3. الظنية: أو يمكن تسمية هذه الركيزة بـ (الظنية/اليقينية)، وتعني اعتبار مقولات الدين من نوع الممكنات العقلية ظنية، وفقط المقولات من نوع الواجبات العقلية يقينية، ومن هنا يمكن أن يكون الإيمان ظنيا بالممكنات، ولكن يقينيا بالواجبات. لذا فالله يقيني الاعتقاد لوجوب وجوده عقلا، وبعث الرسل ظني الاعتقاد لإمكان تحققه، وبالتالي إمكان عدم تحققه عقلا. والمذهب الظني كمذهب إسلامي، يرتب الأثر عمليا على صدق الدين، ويحتاط فيما يمكن فيه الاحتياط بين احتمالي ثبوت أو انتفاء الدين. والمذهب الظني باعتباره يعتمد تأصيل مرجعية العقل يعتقد بأن الظنية من لوازم العقلية. ومن فوائد اعتماد الظنية معالجة التعصب والتطرف، باعتبار أن اليقين في الممكنات العقلية من المقولات الدينية لا يتأتى إلا لأربعة أصناف من الناس، الصنف الأول هم السذج البسطاء السطحيون، والصنف الثاني هم المتعصبون المتطرفون، وغالبا ما يقترن تطرفهم بالمنهج التكفيري، والصنف الثالث هم من استطاعوا أن يكتشفوا الأدلة القطعية لصدق المقولات الدينية في دائرة الإمكان العقلي، وأما الصنف الرابع فهم من كشفت لهم حجب الغيب، وهؤلاء هم خاصة أولياء الله [مع فرض وجودهم].
4. الإنسانية (العقل العملي الأخلاقي). أي تأويل كل ما يبدو ظاهرا متعارضا مع العقل الأخلاقي أو المثل الإنسانية إلى ما ينسجم معهما.
5. العقلانية (العقل العملي المتعلق بالحكمة). أي تأويل كل ما يبدو ظاهرا متعارضا مع العقلانية إلى ما ينسجم معها.
6. التوفيقية: أي اعتماد التوفيق بين ما يترتب على كل من ثبوت وانتفاء النبوة، بمعنى الاحتياط بالعمل والترك، بحيث يصحان على الفرضيّتَين، فرضية إلهية وفرضية بشرية المصدر للدين. والتوفيقية هذه هي من لوازم الظنية.
7. التبعيضية: بمعنى الأخذ الاقتنائي برؤى المفسرين وعلماء العقيدة والفقهاء المسلمين بما ينسجم مع ركائز وأسس المذهب.
8. الجوهرية: وتعني التعويل على الجوهر بالدرجة الأولى وليس على الشكل، في كل ما يتعلق بالدين، كجوهر الأحكام، وجوهر السنة، وجوهر التدين.
9. النسبية: أي اعتماد فكرة نسبية الفكر الإنساني، بما في ذلك الفكر الديني، وحتى ما يفترض به أن يمثل حقائق مطلقة، بحكم نسبية الفهم الإنساني بما في ذلك حتى للحقائق المطلقة، تقليص المقدسات المطلقة والمسلمات النهائية، وعدم رفع المقدس النسبي إلى مقدس مطلق، واعتماد جواز إخضاع كل شيء للمناقشة والتأمل والمراجعة.
10. الديناميكية: أي اعتماد حركية وتحول الأحكام ذات البعد الاجتماعي، مع ثبات جوهر ومبادئ الأحكام، مع اعتماد فسح كامل الحرية لمزاولة الفكر النقدي والمراجعة النقدية، ونبذ الجمود والتقليد والنصية والقوالبية.
11. أصالة اليسر: أي اعتماد أصالة الأخذ بأيسر الأحكام المستنبطة من الفقهاء أو المعتمدة من المذاهب، لاسيما في أحكام العبادات والمعاملات غير ذات البعد الاجتماعي، فيقتصر الاحتياط والدقة والتشدد فيما يتعلق بحرية وكرامة ومصالح وحقوق الآخرين.
12. التجرد المذهبي: أي قدر الإمكان تجاوز الأطر المذهبية لأي من المذاهب، مع الأخذ من كل منها ما يلتقي مع أسس المذهب، مع ترك حرية الاختيار في التفاصيل لأتباع المذهب بما يلتقي مع الأسس والثوابت، إما على ضوء خلفيتهم المذهبية أو على ضوء قناعاتهم، وكذلك اعتماد تجنب كل ما يثير الحساسيات الطائفية. مع اعتماد التحلي بأخلاقية الاختلاف داخل دائرة أتباع المذهب الظني ومع الآخرين، والابتعاد عن التعصب ودعوى احتكار الحق والصواب والشرعية.
13. التفكيكية: بمعنى أن المسلم الظني يبقي الاحتمال قائما، بثبوت، أي بإمكان ثبوت التفكيك بين الدين والإيمان، بحيث يمكن للإنسان أن يكون مؤمنا لادينيا، أو بتعبير آخر مؤمنا عقليا.

كتبت في 2007 و2008
روجعت في 29/11/2009











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي