الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المسيحية ديانة غربية؟ من صادرها؟ ومن اضطهدها ونفاها؟

سعد الله خليل

2004 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعقيبا على مقال د. عبدالله إبراهيم
-1-

يحاول بعض الكتاب إقناع القارئ بآرائه ومواقفه السياسية من خلال الإيهام بأنهم يقدمون دراسة أكاديمية موضوعية، يستشهدون فيها بآراء بعض الكتاب ذوي الميول والتوجهات نفسها.
وكثيرا ما يتم الخلط، بين النصرانية، والمسيحية. النصرانية (نسبة إلى يسوع الناصري، الذي هو من الناصرة). والتي تمسكت بالتعاليم والثقافة اليهودية واشترطت على من يرغب اعتناقها المرور بمرحلة اليهودية أولا، وقد نشأت وترعرعت في فلسطين، وهاجرت من ثم بعض أحزابها بعد خراب الهيكل في العام سبعين للميلاد، إلى الجزيرة العربية. وقُضي عليها هناك.
أما المسيحية التي رفضت الالتزام بتعاليم التوراة فهي مختلفة عن النصرانية. وقد تأسست كنيستها الأولى في إنطاكية عام 36 للميلاد، وفيها أُطلقَ على أتباع المسيح لقب المسيحيين عام 40 للميلاد. وقاد التبشير بتعاليمها بولس المواطن الروماني المولود في طرسوس جنوب تركيا. ذو الثقافة اليونانية الرومانية. وبعد إنطاكية اتجهت المسيحية نحو سوريا ولبنان ومصر واليونان وروما وبلاد الغرب عامة. وعليه (فكنيسة إنطاكية، كنيسة يونانية اللغة والطقوس والقوانين والثقافة قبل أن تكون سريانية أو عربية) – الدكتور أسد رستم مؤرخ الكرسي الانطاكي.
وعندما يُراد إظهار الوجه القبيح للغرب الاستعماري، يتم الدمج بين الغرب والمسيحية، لمهر نوايا وأطماع الدول الغربية بالطابع الديني، ولطمس الأسباب الحقيقية لهذه الأطماع : (السياسية والاقتصادية والطموحات الشخصية). وكأن الغرب هو الوحيد الذي احتل بلدانا، واضطهد أهلها، وسلب خيراتها. وكأن غيره من الدول والشعوب، لم يحتل، ولم يستوطن، ولم يسلب، ولم ينهب، ولم يسبي، ولم يضطهد السكان الأصليين، ويدفعهم للهجرة .
إن الغرب منذ قيام الثورة الفرنسية عام 1789 هو غرب علماني، لا صلة لنظم حكمه وقوانينه وتشريعاته بالدين المسيحي أبدا، ويؤيد هذه الحقيقة - إن كان ثمة حاجة لدليل - المهاجرين المسلمون إلى الغرب، والمعاملة الممتازة التي وجدوها هناك، والحرية التي يتمتعون بها في ممارسة نشاطاتهم الدينية، والمساعدات التي يحصلون عليها. وآخر دليل على عدم ارتباط، بل عدم اهتمام الدول الغربية بالدين المسيحي، أن أحد المسلمين المهاجرين – وهو زعيم جماعة أصولية – يقيم في ما كان يُسمى عاصمة المسيحية، بلد الفاتيكان، كسب حكما قضائيا ونزع الصليب من المدرسة الحكومية التي يتعلم أولاده فيها، احتراما لمشاعرهم، التي قد يخدشها وجود هكذا رمز.
إن الحصول على استنتاجات تعزز رأيا أو موقفا سياسيا معينا مهما كان (ساميا)، لا تبرره أبدا المقدمات الخاطئة وتجاهل الأحداث التاريخية والقفز فوق المسببات. فالغرب لم يصادر المسيحية، فقد كانت له اليدٌ الطولى في رعايتها وتنميتها، بل التاريخ يؤكد أن الشرق الإسلامي هو الذي اضطهد أتباعها، واتهمهم بالكفر، وحاول نفيها خارج منطقته إن لم يكن إلغائها، وإلى الآن ممنوع على المسيحي دخول مكة والمدينة وما جاورهما. وممنوع على العمالة المسيحية في السعودية أن تمارس أي طقس من طقوسها الدينية. لقد اشترط عمر بن الخطاب على نصارى نجران عندما وافق على قبول الجزية منهم، ألا ينصروا (يعمدوا) أولادهم.
وأحكام أهل الذمة معروفة. ومنها : ألا يحدثوا ديرا ولا كنيسة، ولا يجددوا ما خرب منها، وأن يُنزلوا بها من مر بهم من المسلمين ثلاث ليالٍ. وأن لا يُظهروا شرعهم، ولا يدعوا إليه أحدا، وأن يقوموا للمسلمين من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس. وأن لا يركبوا السروج، ولا يتقلدوا السيوف. وأن يجزوا مقدم رؤوسهم، ويشدوا الزنانير على أوساطهم، ولا يظهروا صلبانهم ولا كتبهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم. ولا يرتفعوا على المسلمين في البناء، وقيل : تجوز المساواة، وقيل: لا تجوز.
ولا يكتمل الحديث عن المسيحيين في الشرق، إلا بذكر الحاكم بأمر الله الذي أسلم في عهده خلق كثير منهم، والذي هدم كنيسة القيامة في القدس (أهم معلم مسيحي في العالم). كنيسة القيامة التي يسميها المسعودي في كتابه مروج الذهب ب (كنيسة القمامة)، والتي لم يتبقَ الآن من المسيحيين في مدينتها إلا النذر اليسير منهم.
وطالما أن الحديث يدور عن كنيسة إنطاكية، فلا بد من ذكر إحدى كنائسها، وهي كنيسة (مريم) التي يصفها المسعودي بأنها إحدى عجائب العالم، ويضيف : أن الوليد بن عبد الملك اقتلع رخامها وأعمدتها العجيبة من المرمر، حيث حُملت في البحر، لمسجد دمشق. والحديث يطول، لكن لا يوجد من لم يقرأ عن أحداث (1860) التي بدأت في لبنان ضد المسيحيين بتوجيه من الدولة العثمانية، ثم انتقلت إلى سوريا حيث قُتل في دمشق وحدها عشرة آلاف ذكر، وسُبيت الإناث، وتم الاستيلاء على البيوت، كمغانم حرب، مما استدعى تدخل الأمير عبد القادر الجزائري ورجاله لحماية من تبقى منهم، ولعل هذه النتف من التاريخ تجيب على سؤال الكاتب فيما إذا كان الغرب قد اختطف المسيحية من الشرق أو صادرها ؟ وفيما إذا كانت الأهمية تُعطى لمكان الولادة، أم للمكان الذي احتضن ورعى وأنشئ ؟
أن أهم مسببات التقدم تكمن في القدرة على النظر للأشياء والحكم عليها بحيادية وموضوعية لاستخلاص النتائج والحقائق. فالنصف الثاني من القرن الخامس عشر كان علامة فارقة بين القرون، فهو عصر الاكتشافات الجغرافية، التي لم يتطوع المكتشفون، ويخوضوا غمار البحار، ويسترخصون حياتهم بهدف نشر الدين المسيحي، بل لإثبات كروية الأرض، واكتشاف الطرق البحرية. بينما كانت غاية السلطات الوصول إلى توابل الهند. وفي ذلك العصر تم اكتشاف الأمريكيتين، ونيوزلندة واستراليا، وقيام الثورة البروتستنتية ضد مفاسد آباء الكنيسة، (صكوك الغفران). أما الأحداث السياسة الحربية الهامة فتمثلت في سقوط العرب بالأندلس، واحتلال محمد الفاتح للقسطنطينية، وقيام الدولة العثمانية. وكل هذه الحروب تمّتْ بدافع اقتصادي وسياسي لا ديني. ولعل هذا ما قصده الكاتب بالغزوات الاستعمارية.





-2-
قبل أحداث سبتمبر كان العالم الغربي قد نسي المسيحية، وصارت الكنائس في الغرب بأكثريتها الساحقة من المعالم السياحية، التي لا يقصدها غير السياح للفرجة على أيقوناتها، وطرزها المعمارية، (والمهاجرون المسلمون خير شاهد على صحة ذلك). ويجب التنويه أنه توجد في الغرب أعداد كثيرة من الناس (البدون) أي الذين لا دين لهم رغم أن أجدادهم وآبائهم كانوا مسيحيين. لكن أحداث سبتمبر وغيرها من الأعمال الإرهابية، ودعوات الجهاد وفتاويه والمجاهرة بضرورة محاربة (النصارى) حتى يدفعوا الجزية صاغرين، والدفع بآيات السيف إلى المقدمة، وإبراز الحديث الذي يقول : (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمدا رسول الله)، ونظرية (الولاء والبراء)، والموت في سبيل الله. وكأن ليس للمسلمين من عدوٍ آخر لهم سوى الديانات الأخرى وأتباعها. متناسين عدوهم الحقيقي المتمثل في (الجهل والفقر والانفجار السكاني والأمية والشعوذة والاتكالية والغيبية والقمع والتخلف..... الخ)، كل هذا دفع الغرب إلى العودة للكتب الدينية الإسلامية والمسيحية، لفهم ما يجري، وأحيانا لإجراء مقارنة بين الأديان.
وقد يكون هذا هو السبب الذي دفع بالكاتب كي يقرر أنه : (قد تم التعسف في نسب مزايا للمسيحية لا وجود لها في الأديان الأخرى).
والمقصود بالأديان الأخرى، هو اليهودية والإسلام اللتان تتشابهان في كثير من التعاليم والقصص والتشريعات، العين بالعين والسن بالسن. واليهود شعب الله المختار، والمسلمون خير أمة أخرجت للناس، وإسماعيل واسحق أخوة. إسماعيل هو البكر، لكن اسحق ابن الست وليس أبن الجارية، واليهود والمسلمون لا يتهاونون مع أعدائهم، ويأمرهم الله بمحاربة الكفار. بينما تختلف المسيحية عنهما اختلافا بينا. (قالوا لكم العين بالعين والسن بالسن. أما أنا فأقول لكم من ضربك على خدك الأيمن، فحول له الخد الأيسر ، أحبوا أعدائكم، فلا فضل لكم إن أحببتم أقربائكم، باركوا لاعنيكم، من أخذ مالك فلا تطالبه، من سخرك ميلا فسر معه ميلين، لا تدينوا كي لا تُدانوا، بالكيل الذي تكيلون به يُكال لكم، كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا بهم). وبعكس الغرب الذي لديه حساسية شديدة تجاه المس بحقوق الإنسان، (آخرها أحداث سجن أبو غريب). فإن المؤسسة الدينية الإسلامية ما زالت ترفض حتى الآن الاعتراف بشرعة حقوق الإنسان كما أقرتها الأمم المتحدة، (من بدل دينه فاقتلوه).
أن الغرب وريث الحضارتين اليونانية والرومانية، و (حكم القوانين، لا حكم الناس) أي حكم المجالس التشريعية، لا حكم الأفراد، وهو الذي سرى في أثينا، التي توطدت الديمقراطية فيها، منذ عهد (كليستينس) في العام (508) قبل الميلاد، حيث تم الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وفي الوقت نفسه (509) قبل الميلاد، قامت الجمهورية في المجتمع الروماني. وقد امتزجت الحضارتان بعضيهما ببعض : آلهة، وشعرا، وفلسفة، 0وأضحت اليونانية لغة أساسية في روما، وإن لم تكن رسمية. وبعد انتصار روما على قرطاجة في العام (146) قبل الميلاد، توسعت غربا نحو أسبانيا وفرنسا، حتى أخضعت كل جزر المتوسط وشواطئه لسلطتها، وهذا ما يفسر انتشار اللغة اللاتينية في الغرب (الأسبانية، الفرنسية، الإيطالية، الرومانية...).
لم تُهمل المرأة في المجتمع اليوناني والروماني بل قيض لها أن تحكم في مرات عديدة، وقد تعزز دورها بعد انتشار المسيحية في الغرب، واستفادت من احترام المسيح لها، حيث نظر إلى الإنسان فيها، وحذر الناظرين إليها بسوء : (من نظر إلى امرأة واشتهاها فقد زنى)، ودافع عن مريم (المجدلية)، ومنحها الغفران (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر). ومنع الطلاق، وحذر مريديه (من طلق زوجته فقد زنى، ومن تزوج مطلقة فقد زنى)
ثم كانت الثورة الفرنسية، والهجوم على سجن الباستيل، وإعلان حقوق الإنسان، في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وما تبع ذلك من إنهاء لسلطة الكنيسة، وفصل الدين عن الدولة، واعتماد العلمانية أساسا للقوانين وللتشريعات.
هذه هي الموارد والعناصر الأساسية المكونة لثقافة الغرب، وهويته الذاتية. والمسيحية جزء من كل، وليست الكل. وهذا ما تظهره غالبية أدبيات الفكر الغربي. لا كما يقول الكاتب :(أظهرت أدبيات الفكر الغربي أن المسيحية هي المورد الرئيسي في تكوين الغرب، والعنصر الأساسي من عناصر هويته الذاتية).
وأخيرا يجب الاعتراف أن المسيحية لم تكرّس أو تسهّل عبادة الفرد، وإلا ماذا نترك للشيوعية ؟ (فغدت عبادة الإمبراطور الشكل الذي تكتسبه عبادة المسيح). لأن عبادة الإمبراطور _ الفرد، موجودة قبل المسيحية بكثير، واستمرت بعدها، وما زالت حتى الآن في دول أخرى غير مسيحية، نتيجة للقمع والخوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah