الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل وعناوين خاطئة (1)

علي الأمين السويد

2009 / 12 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إنّ من أبسط قواعد الحوار المباشر وغير المباشر؛ أن يحدد الأطراف المتحاورون مطالبهم من بعضهم البعض بوضوح تام وحرفية، بحيث يـُعِـدُّ كل طرف ما استطاع من حجة وأدلة وبراهين ليواجه خصمه مواجهة تفضي إلى النتائج العملية والملموسة التي يتوخّاها على أرض الواقع، وبوضوحه هذا؛ يؤَمـِّنُ أكبر عدد من المناصرين الغير لاعبين في عملية الحوار نفسها، والذين بالرغم من ثانويتهم؛ فهم يشكلون أوراقاً ضاغطة مؤثرة قليلاً أو كثيراً حسب علاقتهم بالأطراف المتحاورة، فينتهي صراع الإرادات إلى حالة من تطابق المطالب مع النتائج يدعونها نصراً، أو إلى حالة من الانتظار، حينما لا يصل الحوار إلى نتيجة مرضية لأحد غير إظهار الخبيث من الطيب والمتعنت من المتعاون و المعتدي من المظلوم.

فقوة المحاور تنبع أولاً من الأرضية التي يستند عليها وثانياً وثالثاً ومليوناً من كيفية تنظيمه و إدارته للحوار بغض النظر عن نتائجه.

و إنه لمن أبجديات الحوار؛ أن يضمـِّن المحاور مطالبه أو رسائله بنوداً مفهومة واضحة لجميع الناس و أن تكون نقاط رده مبنيةً على ما يعلنه الخصم وليس على أساس ما يخفيه. و هذا لا يعني أنه لا قيمة لما يخفيه؛ بل على النقيض تماماً، فما يخفيه أهم مما يعلنه، و هذا ما يحتم محاربة ما يخفيه الآخر بما يخفيه الطرف الأول. أما تضمين المطالب بنوداً تتعامل مع، أو تحارب نيات الأخر التي لم يعلنها؛ فهو الضعف بعينه والاستسلام قبل المعركة العسكرية أو السياسية، فالمُـقدِمُ على ذلك يضيف إلى خصمه نقاط قوة إضافية ودعاية مجانية تجلب له تأييداً واسعاً ويستقطب حتى أولئك الذين كانوا يُصنفون على أنهم ضده أو من حياديين أو مشككين أو متذبذبين.

و لإيضاح ما تقدم يكفي أن نراجع عينات من أحداث اتسم بها تاريخنا العربي الحديث على مدى عقود خلت، لنرى أمثلة صارخة عما نذكر من صور الاصطفاف و استنفار القوى والجهود العارمة ولكن خلف عناوين غير ذات الصلة وكلها في غير صالح العرب وسنأخذ المقاومة العراقية "الشريفة" و حزب العدالة والتنمية التركي كنموذجين مهمين وقريبي العهد علماً أنهما ليسا الوحيدين في هذا المرمى.

من المعروف أنه قد تشكلت جماعات المقاومة المسلحة كنتيجة طبيعية للواقع العراقي الجديد، و اثر تشكلها، أطلقت تسميات تعرِّف نفسها بها، وجعلت لها عناوين إسلامية جهادية حماسية بامتياز، وأعلنت نضالها جهاداً مقدساً ضد الغزو الأمريكي وهو كذلك في حقيقته. ولكنها وللأسف خدمت المحتل الباحث عن عدوٍ ذو مميزات تسوِّغ له بقاءه و هيمنته بغطاء الأوفياء له وبدعم المحايدين والمتذبذبين؛ بـدأً من اللحظة التي ظهرت فيها تسميات جماعات المقاومة و إعلان أهدافها من العمل المسلح و التي شملت بالإضافة إلى هدف التحرير؛ أهداف محاربة النيَّات الغير معلنة للغزو والتي منها السيطرة الأمريكية على مقدرات العراق وحماية إسرائيل وتدمير قدرات العراق المادية والبشرية واللائحة تطول التي أخرها يأتي بند تقزيم دور العراق الريادي المنتظر.

إنّ إعلان أهدافٍ غير التحرير حصرا كمحاربة الهيمنة الأمريكية وإرادتها في حماية إسرائيل وتدمير مقدرات العراق والقضاء على الإسلام وأمركة المنطقة لا يبرر تماما لبعض فصائل المقاومة الانضواء تحت تسميات "جهادية" أو "طائفية" جعلت دورها محل تشكيك من قبل أعداء الداخل والخارج، وأحرج المفاوض السياسي الممثل عنها فأخرّ ظهوره كثيراً. كان يكفي أن تعلن الفصائل هدف التحرير كهدف وحيد في هذه المرحلة وكان يكفي أن تطلق على نفسها أسماء وتحدد لها عناوين تعكس هدفها وغاياتها الواقعية وعلى رأسها تحرير العراق وتبتعد عن التسميات الحماسية الجهادية ذات الطابع التقسيمي، فمن المؤكد أن الاسم الرنّان لا يقدم و لا يؤخر في تحقيق الأهداف، ولا يقدم ولا يؤخر أيضاً في قبول الله العمل طالما أنّ الله وحده يعلم النيات ويحاسب عليها، فإن باغت زيدٌ دورية أمريكية فقاتلها حتى قتل، سينال جزاءه الذي يتمناه كشهيد، ولا يؤثر في إمكانية تقبل الله عمله كونه كان يحمل راية مكتوباً عليها "الموت للكفار" أو "الحرية للعراق."

غير أن الراية الأولى تـُفرح المحتل لأنها توفر له مبرراً إضافياً لوجوده لقتال الإرهابيين على حد زعمه، و تـُفرح المراقب البعيد من غير المسلمين أي ممن ينضوون تحت تصنيف ما يسمى بـ "كفار" لأنهم تخلصوا من شخص يبحث عن قتلهم أينما ثقفوا، بينما الراية الثانية – "الحرية للعراق"، تحرج المحتل الذي لا يعترف بكونه محتلا وهو الذي يصرف وقتاً وجهداً ومالاً محاولاً أن يقنع العالم بأنه يكسب العقول والقلوب و أنه فاتح أرحم من العرب، و كما تثير هذه الراية المتفق إنسانياً على مشروعيتها حفيظة المراقب الصديق وحتى المراقب – "الكافر" لصالح المقاومة والمقاومين، فعقلية الغير مسلم تقدم الحياة والحرية على المعتقد الذي تعتبره أمراً شخصياً بحتاً.

ليس المطلوب أن تتصرف المقاومة وفق رغبات العدو فتتجرد من كونها مقاومة بقدر ما تتصرف وفق ما يُحرج ذلك العدو وحلفاءه مباشرة بحيث ينضوي هذا التصرف تحت أجندة تقدم فيها مصلحة العراق الموحد على أي مصلحة دون ذلك. فالمطلوب من تلك المقاومة أن تكون في الواجهة السياسية كما الواجهة العسكرية لتقطع الطريق على من تقاومهم في كل المسارات وان تتجنب معارك إضافية تناضل فيها لتقنع أهلها و شعبها أنها تعمل لمصلحة العراق فهذه المعارك لا معنى لها وبكل تأكيد كان يمكن تجنبها. طبعا لا مجال للتعميم فهنالك من نجح في تحقيق هذه المعادلة بكل ذكاء ولكن بالتأكيد كثرٌ هم الذين أخفقوا.

لقد لعب تقديم المقاومة نفسها على أنها حارسة الدين في العراق دورا سلبياً عليها وعلى توحيد الجهود لإخراج المحتل عسكرياً وسياسياً وذلك بإعطاء الاحتلال ذرائع كافية ليقوم بتنفيذ مخططاته الغير معلنة وبقاءه في أرض العراق لأسباب لا تنتهي، يبلغ عددها عدد أهداف المقاومين العسكريين والسياسيين وأمــدَّ في عمر المستفيدين المحليين من الوضع الراهن. فما الضرر لو سمَّت الفصائل نفسها بأسماء مثل " الاستقلال" أو "العراق الواعد" أو"العراق الجديد" وأضمرت في جوفها التسمية التي تريد والهدف الذي ترمي إليه كرد العدوان الصليبي الشيطاني مثلاً، و قطع الطريق على المخططات الإقليمية، والمخططات القادمة عبر البحار؟ أم أن الله لا يتقبل هكذا عمل؟ ماذا سيغير في الأمر لو أنها أطلقت تعبير "نضال" أو "قتال" بدل "جهاد" علماً أنه جهاد بامتياز؟ أم أن الله لا يتقبل هكذا تسميات؟
إن نظرة إلى شمالنا الجغرافي القريب تكفي لأن نرى مثالاً على الحكمة الهادئة والمتوازنة التي أظهرها ويظهرها حزب العدالة والتنمية التركي، ولنقرأ الرسالة من عنوانها – الاسم "حزب العدالة والتنمية" وليس "جيش قطّاعي الرؤوس المحمديون."وبمقارنة بسيطة بين هذا الحزب التركي وأحزاب إسلامية عربية ، نجد أن الحزب التركي ينجز أجندته بهدوء ووعي وهو يكتسب الاحترام يوما بعد يوم من قبل الصديق والمنافس على حد سواء، بينما الأحزاب الإسلامية تنجح بالصراخ والاضمحلال شيئاً فشيئاً قبل أن تصدأ في السجون، ليصبح من يعيش خارج السجون كالذي داخلها يعاني تبعات لم يكن ليعاني منها لولا ذلك الصراخ والجعجعة من غير طحين.
إنّ أحد أهم أسباب نجاح الأتراك وفشل العرب هو هذا الخطاب الموجه إلى الآخر، فالخطاب في الفريق الأول حقق نجاحه بسبب واقعيته ومعالجته لمتطلبات المجتمع المادية، كالسعي خلف اقتصاد متماسك يهم كل فرد في المجتمع ، والمتطلبات المعنوية من حرية ومساواة بين أفراد المجتمع ويكون بذلك قد أثبت التزاماً بشعاره وأهدافه بكل دقة وموضوعية، بينما سعى لتحقيق أهدافه الغير معلنة بطرق مباشرة ودستورية كرفع حظر الحجاب، وبطرق غير مباشرة بدعم القوى الإسلامية الأخرى تحت غطاء رفض الظلم الواقع عليها والمرفوض إنسانياً، ومثال هذه ابتعاد تركيا عن إسرائيل بسبب أعلنته بوضوح ألا وهو تعنت الأخيرة وتعاظم جرائمها في غزة وغيرها ولكنه بالرغم من هذا وذاك لم يعلن أي مسئول فيه أبدا عن طبيعة أهدافه الغير معلنة ولم يقل أنه يطمع في الحكم ليزيل صورة مصطفى أتاتورك ويزيل إسرائيل من على الخارطة ولا أظنه سيفعل.

بينما أول ما تعلن عنه الأحزاب الإسلامية في البلاد العربية؛ أنها ستقيم حكماً إسلاميا طالبانياً، وأنها ستعلن عن إمارة إسلامية تفرض الجزية على الكفار المتواجدين على أرض الوطن عن يدٍ وهم صاغرون، ولا يهم إن كانوا مواطنين أم غير مواطنين، وسيقطعون رأس المرأة التي تكشف عن شعرها، ويجعلون الدنيا تأن تحت مفاهيم من مثل "فتاوي وحلال وحرام وكافر ومؤمن"، و هذا بلا شك من حسن حظ المعارضين لهم الذين يجعلون من هذه الحركات ولائم دسمة يتلذذون بالتهامها في المكان والزمان المناسبين، فهي تزودهم بالطاقة الفائقة التي تبقيهم على قيد الحياة وتزيد من بطشهم وسطوتهم، أو يجعلونها شغلهم الشاغل الذي يستخدمونه لإلهاء الآخرين عن استحقاقات تطالهم شخصياً وتنهي وجودهم لدرجة أنه أحيانا يُظنُ أن هذه الحركة أو تلك ما هي إلا تمثيلية من تأليف أعدائها .


فكم قلنا أننا سنرمي الصهاينة في البحر، فرمانا الصهاينة تحت أرجلهم، وكم قلنا لعقود خلت: أمة عربية واحدة فأثبت التاريخ والبرهان ما أكدته "كرة القدم" أننا بالكاد أمة وليست واحدة وبالكاد عربية، وكل ما فعلته هذه المخرجات الحوارية الجوهرانية الخاطئة وغيرها أنها أثبتت أننا أبطال كلام و أصحاب دماء زئبقية تغلي وتبرد على حرارة المحيط. ويبقى السؤال: هل فات أوان الوصول إلى ملعب الواقعية و إرسال الرسائل بعناوين صحيحة؟ ويبقى الجواب التقليدي دائما: أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً، فهل إلى إعادة النظر في خطاباتنا من سبيل؟ والى أن نجد ذلك السبيل أقدم تحية إجلال وإكبار لشهداء الله والوطن في كل مكان.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحو عقلنة الاسلام الساسي المقاوم
حمزة رستناوي ( 2009 / 12 / 4 - 17:49 )
مقالة تطرح وجهة نظر مفيدة للمنضوين تحت شعار الاسلام الساسي
لدينا مشكلة هي احتلال العراق؟
حسنا ما هي السبل الكفيلة بحل هذه المشكلة ,اشكالية سياسية
أما إذا كان لدينا مشكلة هي استمرار وجود الكفار على وجهة الأرض
فالحلول هي حروب ابادة و قتل و قتل مضاد .. و دوامة من العنف لا تنتهي
ما ينقص حركات المقاومة في المجتمعات العربية و الاسلامية برنامج سياسي؟
تحتاج عقلانية سياسية
و تحتاج تقنين الايديلوجيا العقائدية
تحتاج أن تعيد النظر في طرائق تشكلها الجوهرانية -العنصرية - في كثير من الأحايين
تحياتي للكاتب
حمزة


2 - صدقت يا اخي انها رسائل وعناوين خاطئة
سمير البحراني ( 2009 / 12 / 5 - 04:06 )
عندما نجحت الثورة في ايران وقبل انتستتب معالمها ظهر علينا كل من هب ودب ونادى بتصدير الثورة وهذا يعني ان دول الجوار هي المعنية بهذا الشعار وهو ما ادى الى حرب الثمان سنوات التي انهكت البلدين المسلمين الجارين وقضت على الاخضر واليابس ولم تحقق هذه الشعارات الا تردي احوال الشيعة واعتبارهم طابورا خامسا علما بان الشيعة هم لم يحركوا ساكنا بل ان معظمهم لا يؤيد السياسة الايرانية.اما الان فلا زلنا نسع الرئيس الايراني الدكتور احمدي نجاد ينادي بزوال اسرائيل وهذا ما يعطي مبررا و ذريعة لاسرائيل بان تقتل وتدمر بحجة الدفاع عن النفس بل وتعرقل السير في بناء المفاعل الننوية لبلاده. عندما ارادت الهيئة العامة نقسيم فلسطين في عام الثمانية والاربعين رفض العرب تلك القسمة وكان شعارهم -من النهر الى البحر ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة-.تبخرت هذه الشعارات الغير مدروسة وغدت فلسطين تندب حظها ولسان حالها يقول:
اذا خانك الحزب الذي انت اهله *** فلا عجب ان سالمتك الاباعد
مع التحية


3 - رد: رسائل وعناوين خاطئة (1)
sweetest mimi ( 2009 / 12 / 5 - 23:08 )
اقتباس:
فقوة المحاور تنبع أولاً من الأرضية التي يستند عليها وثانياً وثالثاً ومليوناً من كيفية تنظيمه و إدارته للحوار بغض النظر عن نتائجه.
&&&
قلة هم الذين يجيدون اصول الحوار وقواعده.. واي قواعد تلك التي اتحدث عنها طالما يبنون الحوار على ارضية من الرمال المتحركة والافكار السامة التي تخدر الانسان غير الواعي وتسلبه القدرة على التفكير .. ولا يجيد اخرون سوى العراك والجعجعة وينتهي ما يسمى ب(الحوار) بفرض الطرف الاقوى رأيه على جميع الساحات..

اقتباس:
وأن تكون نقاط رده مبنيةً على ما يعلنه الخصم وليس على أساس ما يخفيه
&&&
نقطة هامة جدا.. فلا ينبغي للمحاور ان يدلي بكل ما لديه من معلومات بل (يتقشف) في التصريح بها لتكون الورقة الرابحة في حوزته دائما..


يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
((يا ايها الذين امنوا ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم)).. سورة محمد/آية7
لذلك اي حركة تدّعي الجهاد ولا تنبع اهدافها من ايمان راسخ وعقيدة صحيحة فمصيرها الزوال.. ولا تنحصر الحركة الجهادية في من ينضم اليها وينفذ عملياتها انما الاهم هو من يسيّر هذه الحركة ومن اين يأخذ تعاليمه..فكثيرون ينضمون الى هذه المنظمات بعد ان تغرهم شعاراتها وهيئتها وسمعتها دون وعي صحيح وصادق لأبعاد الخ


4 - جميل
البراء ( 2009 / 12 / 6 - 04:45 )

أستاذ علي تحية وبعد

هل يفهم المقاومون المترجلون العابثون بمفهوم المقاومة واخلاقياته واسسه ... بلغة الحوار ... بل هم ادوات مستخدمة فقط

قراءة عميقة لكثير من الايدلوجيات نستخلصها من بين سطورك الدسمة دائما ...
العنف ... التخلف ... والتستر وراء مسميات كثيرة بعدية عن الجوهر ... واسباب جوهرية اخرى تحول دون وجود وقيام أسس نهضوية وحركات تحررية لها قاعدة راسخة ... كحزب العدالة والتنمية

على أمل ان يسود العدل ... ويرحل الظلام ... والمستبدون ... ويعم السلام

لمدادك اسمى التحية استاذ علي دمت مجهرا ... يقرأ بدقة

تحياتي وتقديري

اخر الافلام

.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة


.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا




.. البابا تواضروس الثاني يستقبل المهنئين بعيد القيامة في الكاتد