الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة غير العلمانية وسياسة الإجحاف الديني

محمد بودواهي

2009 / 12 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الدولة التي تحمي دينا معينا وتعتبره الدين الرسمي للبلاد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنجح في حماية مواطنيها من السقوط في التطرف والإرهاب . فهي بذلك تمارس الرقابة السلطوية على ضمائر الناس وأفئدتهم وتحول الدين من مسألة شخصية واعتقاد باطني وحق فردي إلى نهج قسري وتوجه سياسي . والدولة كلما ازداد تشددها واحتكارها للدين كلما ازدادت التناقضات بين أقوال الناس وأفعالهم وكثر الفساد والظلم وانتشرت الرذائل ....
فالدولة الدينية تعتبر دينها الرسمي هو الهوية والشرعية وبالتالي تتولى رعايته وتعتمده كمصدر وحيد للتشريع وتعتبر القوانين التي تسنها أبدية بحكم استنادها إلى نصوص يقول عنها رجال الدين أتها مقدسة مما يضر بمصالح المواطنين ضررا بالغا , ويؤدي إلى شرعنة الظلم والفساد باسم الدين ويؤبد سلطة القائمين على الحكم باعتبارهم حماة الدين والمشرفين على استمراره وبقائه , وأي نقد لهم يعتبر شقا لعصا الطاعة ودعوة إلى الفتنة والعصيان ومروقا عن الدين لأن الحاكمين باسم الدين يعتبرون أنفسهم أشخاصا مقدسين ويتمتعون بسلطات دينية فوق القانون , فهم بذلك يحتكرون السلطات العليا ويقررون ما هو حق وما هم باطل .
والدولة الدينية أو المذهبية لا تؤمن حقوق جميع المواطنين على قدم المساواة لكونها تقوم على أساس العقيدة فتؤسس جميع الأمور القانونية في الدولة على أساس التشريع الديني ذات الغالبية وليس على أن المجتمع والأمة هو مصدر السلطات , كما أن الحاكم فيها يزعم أنه يحكم بتفويض من الله ويجعل طاعته عبادة , ويعتبر الثروة الوطنية مال الله مستخلف للتصرف فيها فيسلب الأمة حقها في الرقابة الشعبية , وهي لم تستهدف يوما رخاء الشعب وتطور المجتمع , بل هدفها الأساسي هو الحفاظ على الاستمرار في السلطة وخلق أوضاع التخلف , لأن سياستها الرسمية تخلق نوعا من الفرملة لمسلسل تأهيل المجتمع وتطويره وتعود به دوما إلى الخلف من أجل أهداف ضيقة . كما أنها تثبت على نظرية الحاكمية المطلقة للعقل الديني بكونه حق مقدم على الدوام على المصالح السياسية وغيرها من المصالح التي يدركها العقل السياسي بوصفها ضرورات لا يجوز التخلي عنها والإفراط فيها ولو على حساب الحق . ودعاة الدولة الدينية يروجون أن الإنسان لوحده عاجز عن إبداع النظام الأمثل لجميع شؤون الحياة أما دين الله فهو نظام حياة ودستور شامل وكامل للإنسان قادر على أن يحقق كل آماله لأن تعاليمه جاءت لأجل سعادة البشر ولتعالج لب المشاكل التي تدفع الإنسان أن يخون وأن يقتل وأن يرتشي وغيرها من المشاكل التي نتعرض لها في حياتنا اليومية .
ومن جانب آخر تدخل الدولة الدينية في معارك خاسرة لا علاقة لها بمصالح المواطنين لأنها تتغدى على إيديولوجية الاصطدام والمواجهة وتعمل على تصدير الجهاد والإيمان باعتبارها الدولة المؤمنة والصالحة والتقية والتي عليها مواجهة العالم المنحرف والشرير فتخلق الأعداء وتصنع المعارك وترفع الشعارات الحربية العنيفة وما يتطليه ذلك من تبذير لأموال الشعب واستنزاف لخيرات البلد وطاقاته وتوجيهها لشراء المعدات الحربية والأسلحة رغم كلفتها الباهضة .
أما على مستوى الأفكار والأخلاق فهي تكرس منظومة من القيم المتخلفة حيث تشيع داخل المجتمع سلوكات ومبادئ يرجع تاريخها إلى حقب زمنية سابقة وتتمسك بها تمسكا أعمى وتحرص على حمايتها ونشرها والدعاية لها والإبقاء عليها وسط تطور العالم وتغيره , وتخلق حالة حصار دائمة على المجتمع حتى يبقى بعيدا عما يمكن أن يتسرب له من أفكار جديدة من المحيط الخارجي فتشيع بذلك مناخا من الإرهاب والحجر على العقول في كل المجالات , وبذلك يتم التضحية بأعلى ما يمثله الإنسان حريته وكرامته . كما أنها غالبا ما تستعمل تهمة الخروج عن الدين للتخلص من الخصوم السياسيين والمذهبيين وكدا المفكرين والمثقفين والفنانين الذين يطرحون أفكارا ورؤى مخالفة لما هو سائد من شعارات وتقاليد الوعي والسلوك وذلك بهدف إرهابهم وردعهم .
ترفع الدولة الدينية شعارات تزعم أنها وثيقة الصلة بالأقذار , ذلك لأن الناس في المجتمعات الإسلامية المتخلفة تفضل معايشة الأحلام مستحيلة التحقق على مواجهة الواقع الأليم الذي تعتريه الفواجع والكوابيس , لذلك نرى ميلا شبه عام في المجتمع لتفسير الكثير من المشاكل التي يتعرض لها الإنسان بأسباب غيبيبة كالسحر والحسد والمس بالجن و" العفاريت " فتفشت بين الناس ظواهر غريبة كشرب بول البعير ولجوء الناس إلى الحجامة و شعودة العلاج بالقرآن لمعالجة الأمراض . وفي ظل هذا المناخ تمت مخاصمة العقل ومعاداة البحث العلمي والتشكك في جدواه وتم إنكار وجود أسباب موضوعية للتنمية نستطيع ان نأخد بها ونبني مجتمعا متطورا , فانتشرت ظاهرة التدين المزعوم على معاملات الناس بالتوازي مع انتشار السرقة والغش والتدليس والتهرب من الواجب وعدم إثقان العمل ...
إن في ظل دولة ترعى دينا رسميا وتلتمس به شرعيتها وتستخدمه في الميدان السياسي , لا يمكن أن يحترم فيها المواطنون الذين يعتنقون الدين الرسمي للدولة المواطنون الآخرون الذين لا يؤمنون بأي دين أو أولئك الذين يؤمنون بدين آخر مختلف مما يجعل المساواة بينهم على قاعدة المواطنة أمرا غير ممكن بتاتا , ذلك لأن كل مؤسسات الدولة وإمكاناتها من إدارة ووسائل الإعلام والمؤسسات التربوية تستغل وتسخر في خدمة دين أوحد هو الدين الرسمي وهوأمر يخدم مصلحة الأغلبية لكنه بالمقابل يمارس على البقية الأخرى التهميش والحيف ويبث فيهم الشعور بالخوف على مصيرهم ويفرض عليهم الصمت والتزام التقية ويقمع فيهم التعبير بحرية وصدق , ولعل مثل هذا ما وقع مؤخرا في مصر حيث قامت جماعات من المتأسلمين الإجراميين في مجموعة من المدن بضرب وإهانة المواطنين الأقباط , بل أخرجوهم من ديارهم وخربوا ممتلكاتهم ونهبوها دون أن تحرك الدولة المغلوبة على أمرها ساكنا , ووقع أيضا في الشهور القليلة الماضية في مدن عراقية خاصة في مدينة الموصل حيث تم قتل مجموعة من المسيحيين من قبل إسلامويين متعاطفين مع القاعدة ....
إن الدولة الدينية برفعها شعار القرآن دستورنا معناه ألا تلتزم الدولة بأي شيء في المجال السياسي مقابل التزام المجتمع بالطاعة الشاملة للدولة الدينية حتى لو كانت ظالمة وفاسدة وتنتهك حقوق الشعب . فهذا الشعار الانتهازي يعني أن يترك المجتمع للحكام حق تقرير ما يشاؤون في جميع القضايا والشؤون بدون التزام إلا بالنصوص الشرعية المتعلقة بتنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات بعضهم ببعض وخارج النسق السياسي , وهو مدخل سهل لتبرير وشرعنة الاستبداد للحكم المطلق بكل شروره ونتائجه المدمرة . فالأمر إذن ليس أمر عقيدة واحدة بل أمر سياسة ومصالح متصارعة ومتباينة , ذلك يمنحنا سببا آخر لرفض الدولة الدينية ومنطقها الذي يجعل الاختلاف في الرأي خروجا على الدين سرعان ماتتم مطاردة صاحبه بتهمة الكفر والردة والخروج على الجماعة .
لذى فإن إقامة الدولة المدنية العلمانية باتت ضرورية لإخراج بلداننا المتخلفة من شرنقة التخلف و الارتباك والتردد في العديد من القضايا التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها , وبالتالي الاختلاف العميق حولها , فيما الدول الأخرى حسمت الخيار وتجاوزت النقاش السوفسطائي العقيم وانصرفت بكل قواها نحو النماء والبناء والرقي . فالغرب المتقدم لم يحقق نهضته المعاصرة والراهنة و كل هذه الإنجازات والثورات على جميع الأصعدة العلمية والاقتصادية والصناعية والتعليمية والثقافية إلا بعد أن تتحرر من هيمنة المؤسسة الدينية الكنسية ودورها التقليدي المتخلف وأقام الدولة المدنية العلمانية الحديثة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عادت حليمة إلى حالتها
عبد الله بوفيم ( 2009 / 12 / 6 - 08:03 )
كنت طرحت استاذ أن نتوافق جميعا على الاسلام كدين جميع المغاربة تقريبا, مع احترام الأقلية القليلة جدا من اليهود المغاربة الذين لهم عقيدتهم وشريعتهم العبرانية يطبقونها بينهم في مسائل احوالهم الشخصية, وهم كانوا وما يزالون وسيبقون منا وإلينا
لكنك اليوم رجعت ومن جديد خطوات إلى الوراء, وطالبت بالعلمانية, بل وسعيت لتكون هي عقيدة دولتك التي تحلم بها, ويكون بالتالي كل من لم يؤمن بالعلمانية خارجا وعاصيا لدستور دولتك الفاضلة, التي لا تعترف بغير العلماينة عقيدة وسلوكا, فينطبق ما كتبته أعلاه على تلك الدولة التي ما تفتأ تحلم بها, ولن تتحقق حتى داخل منزلك
حاول استاذ أن تكون متوازنا وتكون كتاباتك ذات اهداف يمكن تحقيقها لا أحلام وضربا من الخيال من المحال أن يتحقق
سبق وأن ناقشنا هذا الأمر أستاذ ولا أظن أنه في ظل الحروب الحضارية والدينية يمكن أن يصدقك عاقل في دعوتك للعلمانية
عقيدتك العلمانية استاذ تسير في مسار الفناء, وأصبح معتقد المرء امرا حتميا وسيكون التدين بل والتطرف في التدين السمة الغالبة لجميع شعوب الأرض خلال القرن 21
الديانات ستتصارع ولن يتبقى منها إلا من كان يملك القدرة على البقاء من ذاته لا من معتنقيه


2 - الى الكاتب المتميز بحق
نادر عبدالله صابر ( 2009 / 12 / 6 - 09:17 )
لك اجمل تحية اخي محمد
نعم انت اصبت كبد الحقيقة حينما سلطت نور مصباحك على مفارقة مخزية لكل الدول التي تؤكد في دساتيرها العفنة البند الاول الذي يقول ان الاسلام دين الدولة !!! , وهذا ما اجده انا ايضا ( برغم كوني مسلم ) انه بند عنصري ومهين لكل اطياف المجتمع الاخرى
لا وجود لعلمانية حقيقية في دولنا الاسلامية الا في تركيا التي سبقت الامة بالاف الاشواط وعلى كل الصعد
لا يمكنني ان ازيد عما كتبت ايها الالمعي الجهبذ وسلم قلمك


3 - إليك أيها الرائع على الدوام
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 6 - 15:32 )
الأخ محمد الحلو تحية تقدير واحترام
أشكر لك المرور والتعليق وأتمنى أن يطول بنا العمر حتى نرى أوطاننا وشعوبنا تتخلص من ظلمات القهر الديني , وتنعم مثلها مثل شعوب الأرض بالعلمانية وبفضائلها الجمة
شكري ومحبتي لشخصكم الكريم


4 - السيد بوفيم مرة أخرى
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 6 - 15:58 )
إن المغاربة الذين تكلمت عنهم كانوا يعدون بمئات الآلاف قبل أن تمارس في حقهم مجازر شنيعة في الستينيات من القرن الماضي وتحرق منازل الناجين منهم وتنهب ممتلكاتهم مما أدى بالكثير منهم إلى الفرار ومغادرة البلاد . أما بضعة آلاف المتبقية الآن فهم مهددون دوما مادام الإسلام السياسي موجود وما دامت العلمانية غائبة .ولعل ما حدث سنة 2003 عندما فجر إرهابيون إسلامويون مدرسة يهودية في الدار البيضاء ذهب ضحيتها أطفال أبرياء فيه ما يؤكد هذا التخوف
أما العلمانية سيدي فهي الوحيدة التي تستطيع أن تخلص الشعوب من آفة الصراع والاقتتال الديني الذي تدعو إليه . وكم أتمنى أن تعيش في الهند أو الصين أو أي بلا أخرى تمثل فيه الجالية الإسلامية أقلية حتى تذوق مرارة الحيف الديني الذي تمارسه الأغلبيات


5 - إلحاق
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 6 - 16:31 )
المغاربة اليهود أقصد


6 - الواقع عنيد يا سيد بوفيم
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 12 / 6 - 21:21 )
مسكين السيد بوفيم يتحدث -كعادته- من زاوية اسلاماوية ترى نفسها هي الحق والحق هي هدا هو مرض الدوغمائية او بلغة العصر التطرف
تقول الاسلام دين جميع المغاربة تقريبا الا اقلية قليلة جدا
بربك هل هدا هو الواقع اليس هناك لادينيون وملاحدة ماركسيون وعلمانيون(ما اكثرهم) ومسيحيون وووو؟؟؟
الاسلام المغربي حقل ثقافي مفتوح عبر التاريخ تتعايش فيه عدة مكونات وهو عموما اسلام شكلي /طبيعي قبل ان تهب عليه رياح الصحراء برائحة وطعم البترودولار وشعار ((الاسلام هو الحل))
سيد بوفيم: الدين غداء روحي لمن يحس بالجوع اما حين يوظف للتعبئة والتجييش فانه يسمى ارهاب
تحياتي للسيد بودواهي على مقاله الرائع و معذرة على ((اختراق)) المجال


7 - انت صادق
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 7 - 12:43 )
تحيتي واحترامي السيد هلشوت
أشكر لك المرور و - اختراقك - المجال . إن - البيت - بيتك
كما أشكرك أكثر على التعليق الصادق إذ ما أصعب أن يكون الإنسان صادقا إذا كانت عيناه لا ترى غير ما يراه هو حقا
مع كامل التقدير

اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa