الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تبلع الذات الصغيرة انا الكبيرة

يوحنا بيداويد

2009 / 12 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بين حين واخر نسمع بعبارة، إنه اخر زمان يتفوه بها كبار السن وكأنهم يرون عجائب!. وكأنه يرون اعجوبة او شيئا غير متوقع يحدث و يحدث مثل ان تبلع نملة فيل، او ان يتنفس الانسان تحت الماء، او يسبح في الفضاء، او يتحدث لنا طفل ما حدث له من مغامرات في بطن امه، او يتكلم الكلب لصاحبه ! كلا هذا لم يحدث ولكن شبيهه.

لعل اسوء ايام التي وصلتها الانا الكبيرة هي في هذه الايام . صور ومشاهد ومواقف كثيرة تجعل من الانسان احياناً ان يحن الى الماضي وينسى شرور التي حدثت فيه، فيقول انه اخر زمان، بعبارة اخرى انه غير راضي عن ما يحصل الان، او ان الزمن السابق كان افضل .

في الماضي كان العالم مستقر وهاديء، يتغير ببطيء ويحتاج الى وقت طويل لاي تغير كبير، فالعالم يعيش في الطمأنينة، بمرور الزمن وزيادة الكثافة السكانية وزيادة الانجازات العلمية واكتشافاتها اصبح تغير العالم اسرع فاسرع، حتى وصلنا الى هذه الايام ، التي يصل الى يد الاطفال اسبوعيا اعلانات اخر منتوجات الالكترونية والالعاب والموبيلات والكومبيوترات وبرامجها فاصبح العالم يتغيراسبوعيا حقاً.

هذا التغير جعل من العالم الهاديء وقيمه المستقرة ان ينقلب رأسا على عقب، لا سيما في القيم الجوهرية التي كانت ولاتزال هي مساند للمجتع الانساني مثل الايمان بالعدالة والحق ، بمقومات العائلة، او الالتزام بقيم الاخلاقية او التعاليم والمبادئ الدينية او الاستمرار على العادات الاباء والمتوارثة.

هؤلاء الذين الذين يرددون عبارة، انه اخر زمان، يرون في الماضي كان هناك انا الصغيرة (الذات) ثم انا الوسطية ، ثم انا الاكبر ... ثم الانا الشاملة الكبرى، انا الصغيرة هي الذات الفردية، وانا الوسيطة هي العائلة وانا التي تليها هي العشيرية او اهالي القرية هكذا الى ان نصل الى الانا الواسعة الشاملة الكبرى هي القومية او الديانة او الهوية الوطنية حسب قناعة الشخص. وكان هناك حدود بل حقوق لكل انا منها.

لكن مع الاسف يبدو في هذه الايام سواء كان في المهجر ام في الوطن لم يعد الانسان يتملك اي اهتمام او علاقة الا بذات الصغيرة الفردية التي هي انا. فأنا الصغيرة في تضاد ومزاحمة وتنافس مع كل انا اخرى خارجة عنها او اكبر منها . انا (الذاتية) اصبحت غير معنية بقضايا الانا الاكبر وكلما زاد قطر الدائرة كلما قلت شدة الاتصال وقوة العلاقة بين الانا التي تليها وهذا هو الانقلاب الكبير الذي يجعل الكثير من الناس يقولون انه اخر زمان ( وهذه كانت نبؤة نيشته قبل اكثر من قرن ان صح التعبير؟) . وهذه هو الخراب بعينه.

والا فماذا نقول حينما يتهرب الرجل من مسؤوليته العائلية وينفرد بحياته الخاصة ويترك الاطفال والزوجة ( رفيقته) لمصيرهم المشؤوم ويبحث عن زوجة اخرى؟! ، اين الشهامة والرجولة عند امثال هؤلاء !. والا ماذا نقول عن ام التي بناتها في مرحلة الزواج، تترك زوجها بعد عمر طويل بحثاً عن تحقيق رغبة الجِماع وتترك اطفالها في الشوراع من غير تربية واهتمام ،؟! اين الام التي تكلم عنها المرحوم الشاعر الرصافي حينما قال:

الام مدرسة ان اعدتها
اعدت شعبا طيب الاعراق
اليس هذا هو عصر الوجودية والعدمية!.

ماذت نقول عن السياسي الذي ناضل طوال عمره من اجل تحقيق المبادئ التي امن بها ، لكن بين ليلة وضحاها نراه ينقلب على زملائه وجماعته ويفضحهم او يتخلى عنهم وينتمي الى جهة هيئة او مجموعة جديدة اليس هذا العصر عصر البراغماتية؟

ماذا نقول عن رجل الدين الذين يعطينا الوعظ الكثيرة ويفسر لنا التعاليم الدينية ويشدد علينا، هناك محاسبة لاعمالنا، وهو اصلا لا يؤمن بهذه التعاليم و لايطبقها في حياته بل يناقضها تماما، فتراه يتكلم باسم المسيح وهو في داخله لا يهتم الا بدويلته الصغيرة وبسط سلطانه بل يرشق المعارضين له بالحرم الكنسي (1) وكأن المسيح اوكله بالوراثة ليصبح ملكاً على الشعب وليس خادما او طبيبا روحانياً ومنقذهم من الخطئية وشرورها ؟ الم يكن المسيح نفسه يعنيه حينما تكلم عن المسيح الدجال!

ماذا نقول عن الرجل القومي او الوطني او المصلح الاجتماعي الذي اظهر استعداده للشهادة دوماً من اجل الذات الشاملة و حرسه الكبير على قومه او حزبه او وطنه، ولكن في داخله ما كان الا ذئباً مفترساً يخطط لحين لمجيء الفرصة، فيسرق ما يسرق، او ينفرد في القرار في مصير الانا الكبيرة من اجل مصلحة انا الصغيرة، او ان يخون الامة و ويعمل عكس مبادئها، واذا حقق شخص اخر ما طمح اليه لانه لم يكون هو الذي محقق اهدافها تراه ينكر اهميتها بل يصف منجزها بالخائن، اليس هذا عمل نفاق ميكافيلي!

ماذا نقول عن الكاتب الكبير او المفكر العظيم او العالم المشهور الذي لم يتوانى من استخدام كل امكانياته من اجل كسب المال اوالسلطة اوالنفوذ او الشهرة ويدعي انه صاحب مبادئ وقيم انسانية عليا ولكن في الحقيقة ليس الا لصاً مخفيا. اليست هذه انتهازية

نعم مثل هذه الصور والمواقف كثيرة نشهدها يوميا، نلاحظها في محيطنا ، لكننا لا نستطيع توجيه النقد اليها او البوح بها، بل بالعكس كأننا نعطيهم الحق حينما نهز رؤوسنا امامهم علامة الموافقة اوالرضا على مواقفهم، على خيانتهم، ان لم تكن على جرائمهم. اليست هذه الازدواجية بعينها!

نعم هذا هو اخر زمان عندما ترغب الذات الصغيرة بابتلاع الذات الشاملة. فمن له اذان ليسمع ومن له عينان ليرى ويقرأ.

....................
1- الذات الصغيرة هي النفس او الانا والذات الشاملة هي المجتمع بصيغه المتعددة.
2- الكنيسة الكاثوليكية رفعت قانون الحرم منذ المجمع الفاتيكان الثاني 1962 - 1965










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-