الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبينوزا وفولتير هل كانا ملحدين ؟

محمد نبيل الشيمي

2009 / 12 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قضية الدين أحد أهم القضايا التي تمثل جدلاً واسعاً بين الفلاسفة ورجال الدين خاصة عندما يكون هناك تبايناً في الرؤى بين المعسكرين وهذه القضية ستبقى حيه طالما بقي الفكر الإنساني وعلى الرغم من أهمية الأفكار التي طرحت حول الدور الذي يلعبه الدين في حياة الشعوب واختلاف وجهات النظر حوله يبقى رأي الفيلسوفين باروخ سبينوزا وفولتير ... من أهم الآراء التي تناولت القضية ... فماذا رأي الأثنان في الدين خاصة فى عصور الظلام التى شهدت هيمنة رجال الكنيسة على مختلف شؤون الحياة حتى انهم حاربوا كل من يحاول التفكير وساهموا فى قتل الابداع لصالح الخرافات وكانت محاكم التفتيش التى نشطت فى القر نين الخامس عشر والسادس عشر تقوم بمحاكمة كل من يعتقد انه يخالف قواعد الكنيسة وتعاليمها حتى وان كانت تتباين مع الصالح العام ثم تعاقبهم تحت دعوى مكافحة الهرطقة وكانت الاحكام قاسية والتعذيب بشعا حيث تقطع الاوصال ويحرق الناس احياء ولا ينسى لفولتير هجومه على الاصوليين المسيحيين بعدما قطعت يد واقتلع لسان الشاب جان فرانسوا لابار بعد كسره الصليب وكان شابا صغير ا لم يتجاوز عمره تسعة عشر عاما ..
باروخ سبيتوزا (1632-1677 ) مثقف مشهور وفيلسوف من طراز فريد لم يكن منغلقاً على نفسه بل كان منفتحاً ومدافعا قوياً عن مبادئه وافكاره وخاض حرباً لا هواده فيها في مواجهة قوى الجمود والتي كانت الكنيسة طرفاً فيها .. يعد هذا الفيلسوف الهولندي المولد أحد الذين أسسوا ونادوا بالديموقراطية السياسية معبراً عن أفكاره في هذا الصد من خلال مؤلفين هامين/
- في البحث الميتولوجي ( اللاهوتي ) السياسي
- في البحث السياسي
... قد تكون الظروف التي عاصرها سيبتوزا والتى شهدت صراعا محتدما بين الكنيسة والدولة حيث كان للكنيسة دورا واسعا تمثل في سيطرتها على السلطة السياسية والتحكم فيها وتقوم بتنصيب الملوك ومنحهم مشروعية الحكم أحد أهم أسباب التحول في حياته الفكرية وكانت الكنيسة تستغل الناس من خلال رجال الدين الذين كانوا يبذرون الأحقاد والضغائن مما أثر سلباً على نسيج المجتمع ومن هذا ربط بين المسألة السياسية والمسألة الدينية وهما في نظره مظهران لمشكلة واحدة تستلزم إبعاد الخوف والحقد مقابل إقرار العقل وتقديمه على كل القيم الأخرى من خلال تخليص الدين من معجزاته والسماح بحرية الاعتقاد بغير النصوص الجامدة .
وانطلق فكر سبينوزا من خلال نقد منهجي للدين تمثل في نقده النصوص التي تضمنها الكتاب المقدس فيما يتعلق باعتقاد المعجزات والنبوءات التي يشير إليها فيرى أن الكتاب المقدس عمل إنساني يحمل كثيراً من التناقضات ويؤكد على الطلاق المطلق بين اللاهوت والفلسفة وبين الإيمان والعقل ويرى أن للفلسفة غاية وهي الحقيقة في حين أن غاية الإيمان تكمن في الطاعة والتقوى لا غير فللدين مجاله وللعقل مجاله وهو بذلك حرر الفلسفة من تبعية اللاهوت الذي كان مسيطراً عليها وبشكل قمعى .

رأى أن رجال الدين يلعبون على المشاعر الإنسانية لتشجيع أتباعهم من خلال حكايات غير علمية وكان على تعين تام أن قصص المعجزات تؤثر على مخيلة الناس العاديين واجبا رهم على الطاعة وظل على قناعة تامة بأن الاعتقاد في الخرافات هو العدو اللدود للمعرفة الحقيقة ويعود إلى جهل الإنسان للأسباب الحقيقية للظاهرة ومن ثم في تشكيل رأيه .
أن المعجزات التي وردت بالكتاب المقدس لا تخرج عن كونها أساطير وغير علمية ومثلت وسيلة لتصور العالم أو لتفسير ظواهر الطبيعة لاقناع الناس من خلال الخيال والأسطورة والتي هي تخرق النظام الطبيعي وعلى ذلك فإنه رأى أهمية محو هذه الخيالات من الانجيل حتى يمكن إدراك الفحوى الأخلاقي له ونزع الأساطير من الانجيل يعني تقديم قراءة عقلانية له تليق بالعصر وهو ما تنبه له سابقاً الدعوة للإصلاح والتحرر الديني في اوربا لقرنين من الزمان .
أن تصديق كل هذه الأقاويل لا يعني أننا مؤمنون حقيقيون وعدم تصديقها لا يعني اننا غير ذلك ..وفي هذا الصد فإن سبينوزا طالب قراءة الكتاب المقدس قراءة تليق بالوعي المعاصر .
كان يرى أن الوحي الإلهي لا يرقى إلى مستوى المعرفة الفلسفية العقلانية وإن كان قد جنح إلى استمالة بعض أصًدقائه الذين كانوا سندا له أمام طغيان الكنيسة من خلال اعترافه ولو بغير اقتناع بأن هناك وحياً آخر امتاز به النبي موسى والنبي عيسى بخلاف الوحى الذى كان بنكره كان يعتقد أن الناس يحاسبون على أعمالهم كالأشجار التي تحاسب على إثمارها ومن ثم يجب ترك حرية الحكم لكل فرد مع ترك الحرية له لتفهم قواعد الدين كما يشاء وأن لا يحكم على إنسان بأنه تقى أو غير تقي إلا بحسب أعماله وانطلاقاً من رؤيته حول الحرية الدينية مؤكداً على أن الحرية في مجملها ذات أهمية عميقة في تشجيع العلوم والفنون .
والحرية السياسية عنده تعني أن لا احد ملزم بالعيش تحت رحمة أي شخص غيره بل أن كل فرد فقط هو الحامي لحريته الذاتية ... وهذا في نظره قانون الطبيعة وكرد قفل ضد استغلال الكنائس فإنه يرى أن الملوك هو الأمناء فقط كي يسود التسامح وحرية التفكير .


كان سبينوزا غير ميال للحكم الملكي حيث كان يرى أن الحكومة الديموقراطية هي أقرب الحكومات للحكومة الطبيعية وحتى لا تتحول الحكومة إلى الاستبداد وحتى يتم المحافظة على سلامة وحرية المواطنين فان من الضروري اتحاد الناس مع بعضهم ضماناً لتحقيق أهدافهم .. وأفضل الدول لديه تلك التي يعيش فيها الناس في وفاق متبادل يضمن لهم الأمن والسلام وظل سيبتوزا طوال حياته يأمل في مجتمعات منسجمة قومية ودولية تتوافق فيها القوة مع الحق ولا تكون فيها القوة إلا من مظاهر الحق ..
لقد كان هذا الفيلسوف المتنور الجريء أقوى من كل معارضيه اتهموه بالكفر والزندقة ولكن الحقيقة كما رأى الكثير من المفكرين أنه كان مؤمنا بما هواوسع وأشمل متعدياً كل الديانات إلى دين كوني يخضع له جميع البشر ولهم كل الحق في الاختبار ... ظل هذا المفكر على نضاله في مواجهة التدين القائم على التعصب الذي كان سمة الكنيسة ورجالها في هذا الوقت الذي ساد فيه الظلم الذي كان يمارس على الناس وفرض التخلف على أوروبا .
... لم يكن سبينوزا الرجل الكافر بربه ولكن كان معترضاً على الدور الاقصائى التبربري الذي يقوم به رجال الدين (وما زالوا ) حتى وقتنا هذا ... لم ينكر سيبتوزا وجود الله القادر على كل شيء المتسامح مع عبادة في الآخرة ... ولكن كان له الحق في معارضة النصوص الجامدة الباعثة على التخلف والجمود المساندة لاستبداد والقهر والاستعباد والارتهان والاستعلاء ... لقد كان ضوءاً باهراً في نفق مظلم ... لعب دوراً في هدم حصون الذين يدعمون الوصاية على الشعوب بدعوى التفويض الإلهي.
.... أما فولتير وهذا ليس اسمه الحقيقي ... فهو اسم مستعار لفرانسوا ـ ماري أرويه المولود في عام 1694 والمتوفي عام 1778 ـ كان كاتباً مرموقاً وفيلسوفاً وهب حياته للدفاع عن الحريات المدنية وأديباً ذائع الصيت كتب المسرحيات والشعر وتفوق في القصة والمقال بإبداع فاق أقرانه حينذاك وكثير ما صودرت كتبه عندما انتقد المجتمع الفرنسي فقد كان قلماً جريئاً واضحاً ورافضاً .
من المعروف أن أفكار فولتير الدينية معروفة أكثر من أفكاره السياسية فالدين عنده يعنى التخريف والتعصب حتى انه قال "اسحقوا الكريه ( قاصداً الدين ) وأدين الدين باعتباره خيالا ولا معقولا او اسطورة او وهما او افيونا او معرفة تجاوزها العلم" . والواقع أنه كان يقصد ما يقوم به الكهنة ومن ثم اصر على الفصل بين الكهنة والدين وقال يجب أن يكون لنا دين ويجب ألا نؤمن بالكهنة ونادى دوماً بسحق الخرافة والتعصب الديني ... وحاول أن ينزع صفة العنف عن الكنيسة مقابل إحلال الرحمة .
لم يكن ملحداً ولكن كما ذكر كان له أراء خاصة لم ترض الكنيسة حيث رأت فيها اراء جريئة تهدد مكانتها قال فولتير (أنا أؤمن بوجود إله واحد مبنى على العقل ) .

ولو لم يكن الله موجوداً لوجب علينا إيجاده والله عنده ليس وقفاً على دين معين إنما هو الكائن الأسمى والعقل المدبر الذي يدير الكون .
لقد ظل حتى قبل رحيله ثوريا متنوراً كان في حرب دائمة ... وفي لحظة فارقة اقترب من الكنيسة وخضع لسلطانها معلناً أنه مؤمن بالله وتعاليم الكنيسة حتى أن مؤيديه اعتبروه خائناً لمبادئه . ومن يزر قبره يجد على اللوحة التي تعلوه:
" حارب الملحدين والملتزمين أوحى بكتاباته بروحيه التسامح طالب بحقو الإنسان ضد العبودية ونظام الإقطاع ، شاعر ومؤرخ وفيلسوف جعل آفاق النفس البشرية تتسع وتتعلم معنى الحرية " .
آراءه السياسية كان يملك رؤية حول الحرية وهي عنده الحرية المدنية التي كانت محل اهتمامه عن الحرية السياسية وكان غير مؤمن بالمساواه ... وفي هذا يرى أنه وهم وهذا التوجه في رأيي نقطة سوداء في فكر فولتير فهو ينكر على البسطاء الحق في التعليم وغيره من حقوق كما امتدح الرفاء والثروة ورأى تسلسل الطبقات الاجتماعية يفيد جداً وكان يحذر من تطوير الطبقات الشعبية وكان يرى عدم ضرورة تعليم العامل اليدوي ومن يجب تعليمه البرجوازي الطيب ساكن المدينة .
حتى انه كان يستكثر على من يسميهم الرعاع مجرد التفكير .. " فعندما يفكرون يخرب كل شيء " وذلك وفقاً لرأيه .


وعلى الرغم من بعض الآراء غير المنطقية التي طرحها فولتير كرؤيته أن عموم الشعب متميزون بالجهل ويؤمنون بالأساطير والخرافات ومن ثم فإنه لايثق بالديمقراطية لأنها تساعد على نجاح الدهماء والعامة من الناس على الترويج لأفكارهم الحمقاء فضلاً عن إيمانه العميق بما أطلق عليه الاستبداد به المستنيره التي هي في نظره بداية التقدم والتميز فإنه كان لديه اراء طيبة فكان يحارب التعذيب وحكم الإعدام وطالب بوضع نظام ضرائب عادل وإلغاء بعض الرسوم السيادية وضمان حرية الفكر والتعبير وحارب من أجل الاصلاحيات الإدارية واستنكر النفاق والظلم الذي كان يتصف بها نظام الحكم الارستقراطى .

لقد كان كل من سيبتوزا وفولتير رائدين عظيمين اثريا الفكر الإنساني .. قد نختلف معهما في بعض ما طرحاه من آراء لكن يبقى أنهما القيا بحجر في ماء اوروبا ألآسن .. وساهمت أفكارهما فى إزالة الجمود والتخلف اللذان صادراً الحياة الفكرية في أوربا وها هي تجني أفكارها مع غيرهم من رواد التغيير

لقد نجح الغرب فى تدارك واجتياز قوى التخلف والجمود من خلال النظر بعقلانية إلى الخطاب الدينى سواء كان ذلك من خلال العمل السلمي أو من خلال الصراع الدموي لحل معضلات الصراع السياسى خاصة الجانب الدينى منه .... ولكن كان المشهد الإسلامي مختلفا عن مثيله الاوربى فقد تحكمت السياسة فى الدين وجعلته مطيه تستخدم وتستغل وتوجه لصالحها وتمثل مجموعة القيم التى شكلت مصدر المشروعية السياسية ومبررا للحكم المطلق ومناصرة للاستبداد باعتبار ان الخليفة ومن على شاكلته ظل الله على الارض حتى ان من الفقهاء مازال يستنكر الخروج او الثورة على الحالم الطاغية المغتصب للسلطة ... حقيقة شهدت بعض البلاد العربية خاصة فى مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين ظهور أفكار حاولت التوفيق بين التعاليم الإسلامية ومقتضيات التقدم وهو ما يسميه المفكر الأستاذ محمد سبيلا التوفيق بين العقل والنقل قادها جمال الدين الافغانى والإمام محمد عبده ومحمد رشيد رضا ولكن لم تكن الانطلاقة كافيه لإحداث التغيير المنشود ان الشواهد تشير الى عودة العالم الاسلامى الى سجن القوى التقليدية على كافة


الصعد خاصة الصعيد الديني والذي ارتفع مدة في صورة التيارات السلفية التي ترى في نفسها الحامية والمدافعة عن الإسلام بل أن بعضها يرى في التحديث تخريبا ومسخا للهوية ... وهذا يحدث باسم الدين ومن خلال رجال الدين أو من يسمون برجال المؤسسة الدينية
ويرى الأستاذ محمد سبيلا أن من مشكلات الفكر الإسلامي انه مازال يعيش خارج التحولات الفكرية الكبرى التي شهدتها البشرية واحد الأسباب في هذا هو هيمنه التأويلات الفقهية المحافظة والتي تعود محدداتها في القراءة إلى المستوى المعرفي للقرون الهجرية الأربعة الأولى وجمود الاجتهاد وهذا هو السبب في استمرار حالة التخلف والجمود التي تسودها عالميا العربي والإسلامي .
نحن قد نختلف مع أراء سبينوزا وفولتير حول الدين خاصة فيما يتعلق بانكار الوحي والمعجزات التي اختص بها الله بعض الرسل والأنبياء والتي نص عيها القران الكريم ولكن لا خلاف على انهما امتلكا جرأة الكشف عن سوءات الكهنة ووسطاء الدين الذين فرضوا أنفسهم أوصياء على الشعوب وكانوا على صراع دائم مع قوى التقدم وحاولوا كثيرا طمر كل الأفكار العقلانية والتحديثية ... لقد نجح سبينوزا وفولتير في إيقاظ التراث الغربي العقلاني من خلال تثوير الدين واستخدامه كأداة تنوير فهل نتعلم ونعمل على تحديث الثقافة الدينية الإسلامية حتى نواكب التقدم – فالانفلاق الديني خطر داهم ويتعين التنبيه لذلك ....
المصادر :-
- جاك توشار وآخرون ـ ترجمة د. علي مقلد ـتاريخ الفكر السياسي
الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع - لبنان ، بيروت ـ الطبعة الأولى
- موسوعة ستانفورد للفلسفة ـ باروخ سيبتوزا .
- هشام صالح ـ سبينوزا فيلسوف التنوير الأول ـ تنوير ـ سبكة الانترنت
- ويكيبديا ـ الموسوعة الحرة ـ فولتير
- محمد سبيلا رئيس قسم الفلسفة بجامعة الرباط ـ الدين والعقل فى المجتمع المعاصر
ندوة مشتركة بين الهيئة الالمانية للتعاون الدولى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية


.. 110-Al-Baqarah




.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل