الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضعية السياسية الجديدة لحزب الله ما بين التصريح الحكومي و الوثيقة السياسية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يعيش لبنان على وقع حدثين هامين في تاريخه المعاصر؛ يرتبط الحدث الأول بالوثيقة السياسية التي أصدرها حزب الله؛ و التي أكد من خلالها على انتمائه القومي و الوطني؛ و يرتبط الحدث الثاني بالاجتماع الحكومي الذي أكد على شرعية سلاح حزب الله.
و الحدثان معا يمثلان –في الحقيقة- حقبة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية؛ التي عاشت خلال السنوات الأخيرة على وقع هزات سياسية و أمنية خطيرة؛ كادت أن تهز الكيان السياسي اللبناني؛ القائم على أساس ديمقراطية توافقية؛ تسعى إلى ترشيد الاختلاف و التعدد الديني و الإثني قبل السياسي.
و الحدثان معا يصبان في مجرى واحد؛ يتعلق بحزب الله؛ أولا كمكون سياسي مهم في الساحة اللبنانية؛ و ثانيا كقوة دفاعية كبيرة؛ ليس في لبنان فقط؛ و لكن في منطقة الشرق الأوسط بأكملها .
و قد أثيرت حول وضعية هذا الحزب أسئلة كبيرة؛ تجاوزت الإطار الوطني و القومي إلى الإطار الدولي؛ باعتبار الحزب مكونا أساسيا في معادلة سياسية و أمنية؛ يصعب تجاوزها في منطقة الشرق الأوسط ؛ خصوصا و أن الاستراتيجية التي يقوم عليها الحزب برهنت طوال السنوات الأخيرة (وخصوصا منذ 2006) عن فعاليتها الكبيرة؛ بدءا بإفشال المخطط الصهيوني؛ المدعوم أمريكيا و أوربيا في المنطقة؛ و مرورا بالمواجهة العسكرية الندية مع إسرائيل؛ و انتهاء بفرض رؤية سياسية مقاومة و ممانعة في لبنان؛ و في المحيط العربي–الإسلامي عامة .
إن جميع هذه الإنجازات التي تفرض نفسها على الأعداء قبل الأصدقاء؛ و التي استطاعت تغيير الكثير من المخططات الإسرائيلية المدعومة أمريكيا و أوربيا في منطقة الشرق الأوسط بكاملها؛ جميع هذه الإنجازات تفرض على الداخل اللبناني قبل غيره الاعتراف بالمجهودات المبذولة؛ و بالرؤية السياسية و الأمنية؛ التي أثبتت بالممارسة مدى جدوائيتها .
و لعل هذا الاتجاه هو الذي وجه الاجتماع الحكومي الأول في لبنان؛ و صدر قرار تاريخي؛ يجب على الشعب اللبناني أن يعتز به؛ و هو قرار دعم الاستراتيجية الدفاعية؛ التي خطها الحزب؛ دفاعا عن حرمة لبنان؛ و قد تجسد هذا القرار عبر الاعتراف بشرعية سلاح حزب الله؛ باعتباره مكونا أساسيا ضمن الاستراتيجية الدفاعية للدولة اللبنانية .
لكن الحدث الثاني الذي صدر بشكل متزامن مع هذا القرار؛ يرتبط بالوثيقة السياسية؛ التي أصدرها حزب الله؛ و التي تدشن لولادة ثانية لهذا الحزب؛ و هي وثيقة تاريخية؛ تدمج الحزب ضمن إطاره الوطني و القومي؛ و تدمج سلاح الحزب ضمن خطة دفاعية وطنية.
و كلها خطوات جريئة؛ أقدم عليها حزب الله؛ إن التزم بها قادة الحزب؛ ستكون لها نتائج استراتنيجية باهرة على المدى المتوسط و البعيد؛ سواء على لبنان؛ أو على محيطه العربي و الإسلامي .
فعلى مستوى الانتماء الوطني؛ يجب أن يتوجه سلاح حزب الله إلى الخارج (و خصوصا العدو الصهيوني)؛ و هذا يعني أنه من غير الأخلاقي تماما أن ينقض الحزب وعده و يوجه سلاحه إلى شركاء الداخل؛ (كما جرى مع الأحداث الأخيرة في ببيروت ) حتى و إن وصلت حدة الصراع إلى النقطة الحمراء؛ لأن البديل السياسي دائما؛ يجب أن يظل مطروحا عل طاولة الحوار.
أما على مستوى الانتماء القومي –وهذا هو الأهم- فيجب على الحزب أن يثبت نواياه على أرض الواقع؛ و أن يوطد انتماءه العربي؛ في منأى عن أية نزوعات فارسية تعكر صفو هذا الانتماء. و للإشارة فقط؛ فنحن هنا لا ندعو إلى فك الارتباط الاستراتيجي مع الحليف الإيراني؛ بل يجب أن يمر هذا التحالف عبر محافظة كل شريك على كينونته و انتمائه؛ دون أن ندخل في لعبة التبعية للأقوى. و في هذا الصدد يجب أن نؤكد أن قوة الحزب لا تتعلق فقط بشراكته الاستراتيجية مع الحليف الإيراني؛ و لكنها تتأسس كذلك -و بشكل أكبر- بتجذره في التربة العربية؛ وطنيا و قوميا؛ لأن هذا المحيط الوطني و القومي هو الذي يشكل الدرع الواقي للحزب من أية أخطار خارجية قد تتهدده؛ و تتهدد لبنان في أية لحظة .
و هنا لا بأس أن نذكر قادة حزب الله؛ بأن الدعم الشعبي العربي؛ من المحيط إلى الخليج؛ كان القوة الضاربة التي ساعدت الحزب على تجاوز جميع المخاطر؛ التي هددته بشكل جدي؛ في السنوات الأخيرة.
أما بخصوص إدماج سلاح الحزب ضمن خطة دفاعية وطنية؛ فهذا قرار يستحق التنويه؛ و في المقابل يفرض على الحزب مسؤوليات مضاعفة تجاه شركائه في الوطن؛ و لذلك يجب على الحزب أن يدرك بأن قرار السلم و الحرب هو بيد الدولة اللبنانية؛ المنتخبة ديمقراطيا؛ برلمانا و حكومة؛ و الذي يعتبر حزب الله شريكا أساسيا في مؤسساتها؛ من خلال جناحه السياسي؛ و هذا هو التجسيد الحقيقي لهذا القرار؛ أما إذا احتكر الحزب قرار السلم و الحرب لنفسه؛ فلن يتجاوز هذا القرار حبرا على ورق .
في الأخير لا يمكننا إلا أن ننوه بحكمة اللبنانيين؛ بمختلف أطيافهم السياسية و الإثنية و الدينية؛ لأنهم يقدمون لأمتنا العربية نموذجا حكيما في كيفية ترشيد الاختلاف و التعددية؛ و في كيفية تجاوز جميع المآزق التي قد تتهددنا في أية لحظة. لقد تغلبت لغة الحوار أخيرا؛ ووضع لبنان في المسار الصحيح؛ فهنيئا لإخوتنا في لبنان؛ و نتمنى أن تنتقل (عدوى) هذا الحوار البناء إلى فلسطين في الوقت القريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري