الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت حفيد الله

طارق بن ساهر

2009 / 12 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من عدة أشهر، حدد -معهد جالوب للدراسات- الشعب المصري كأكثر الشعوب تدينا علي الأرض*.
و هذا منطقي .. حيث ان حاكم مصر كان دائما ديكتاتوريا بعد عصور الفراعنة، إما يؤله نفسه او يضع نفسه كظل الله علي الأرض.
و لم يخرج المصريين يوما للثورة ضد حاكم مصر منذ فجر التاريخ.

الشعب المصري، شعب مسلم بالأساس .. يؤمن بإله خرج من الصحراء العربية في عباءة بدوية.
هذا الإله يريد للإنسان ان يملك رؤية واحدة للعالم و يتوعد كل من يملك رؤية مغايرة بعقاب أبدي.
أي ان هذا الإله لا يختلف علي الإطلاق عن أي حاكم شمولي.

و لذلك، لن يثور الشعب المصري إلا عندما يتمرد علي هذا الإله.
فنحن نري ان ارتفاع نسبة الإضرابات في مصر و التي هي بمثابة تمرد علي سياسة الرئيس، تتزامن و تتوافق مع ارتفاع نسبة الإلحاد و اللا دينية.
و لأن المصريين لا يستطيعون التصدي لشمولية الله، فإنهم يوجهون تصديهم هذا لظل الله علي الأرض و سياساته في مصر.
هذا مع انهم يظنون انه لا ملجأ لهم منه إلا هو نفسه عندما أعلنوا هذا علي الملأ بمقولتهم الشهيرة بأن -- اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش -- أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

فشدة تدين الشعب المصري يوقعه في ازدواجية إحتياجه المطلق و تمرده الشديد علي رئيسه الذي هو ظل الله في الأرض.

و لذلك عندما تحدث للرئيس مصيبة و يموت حفيده، يفسره المؤمن بحدث كوني كبير و إبتلاء من الله لحبيبه علي الأرض.
و يبدأ الشعب المؤمن و الكافر في نفس الوقت بالصلاة علي هذا الحفيد المسكين و الدعاء له، أملا في أن يخلصهم من الرئيس بالرئيس ذاته .. أي ان يتوب و يتراجع عن سياساته القمعية.

فنفسية الشعب المصري يعتبر هذا الطفل مخلص ايضا لأنه مات صغيرا و لن يحاسب في الآخرة.
و هذه هي نفسها النظرة للمسيح كإنسان كامل لا يخطيء بجانب بنوته لله.
فالدعاء له و الصلاة عليه، سينقذنا جميعا من براثن العقاب الأبدي.

كما يعتبر المصريون هذا الحدث كحدث كوني عظيم و هذا واضح في القنوات التليفزيونية و الإذاعات التي كانت لا تبث سوي قرآن او أغاني دينية.

و هذه هي نفسها نظرية المسيح الإله إبن الإنسان المخلص الذي مات ليخلص الشعب من ذنوبهم التي أوقعهم الله نفسه فيها.
أي ان يتخلصوا من الله بالله نفسه لتكون الكلمة و السلطة لهم جميعا.

فهذا الشعب الذي صلي علي حفيد الرئيس و دعا له بالجنة، هو نفس الشعب الذي سيصلي علي الرئيس إذا مات .. أملا في الخلاص .. حتي إن كان يكره.
هنا تبرز تناقضات هذا الشعب.

و الآلهة لا تموت.

هذا لماذا قام علاء مبارك نجل الرئيس مبارك و والد الطفل المتوفي، بالحوار علي القنوات المصرية المختلفة بعد احداث الإعتداء علي المصريين من قبل الجزائريين في السودان.
لأن الشعب المصري الطيب، متعاطف معه جدا بعد موت إبنه.
و كل هذا، في صالح النظام السياسي المصري و في صالح بقاءه فترات أخري في الحكم.

------------------

* بعد هذه الدراسة بعدة أشهر، أظهرت دراسة جديدة ان الشعب المصري، هو أكثر الشعوب تشاؤما.
حاولوا ان تربطوا بين هاتين الدراستين علي ضوء هذا الموضوع.

من التشاؤم سيأتي التغيير لأن من يثور لا يكتئب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي باشتباكات في جباليا | #


.. خيارات أميركا بعد حرب غزة.. قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ




.. محاكمة ترامب تدخل مرحلةً جديدة.. هل تؤثر هذه المحاكمة على حم


.. إسرائيل تدرس مقترحا أميركيا بنقل السلطة في غزة من حماس |#غر




.. لحظة قصف إسرائيلي استهدف مخيم جنين