الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آحادية الفكر صنمية العصر

محمد قانصو

2009 / 12 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس غريبا أن نسمع في هذا الزمن أبواق الببغاوات العربية المستغربة تردد معزوفة الديموقراطية الأميركية الغربية ، ولكن الغريب أن دعاة الحوار والحداثة والعولمة يصوبون سهامهم على الإسلام والمسلمين دون ان يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتدقيق والمقارنة ، ويطلقون أحكامهم الكلية انطلاقا من تملق وخدمة لأسيادهم تارة ،أو تعصبا لرأي أو معتقد تارة أخرى .

ولعله من الضروري وقبل الدخول في مناقشة هادئة مع المتعصبين ضد الإسلام أن أشير الى حقيقة مؤسفة ولكنها أمر واقع لا مجال لإنكاره أو تجاوزه، وهي أن الاسلام الذي يحاكم اليوم وتصدر بحقه أكثر الأحكام تعسفا وظلما ومجانبة للإنصاف هذا الإسلام ليس واحدا موحدا لا من حيث المفهوم والنظرية ولا من جانب التطبيق والممارسة ، إن الاسلام الذي جاء به النبي محمد بن عبد الله (ص) منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة قد عانى الكثير من الانقسامات والاختلافات ولبالغ الأسف النزعات والحروب الداخلية التي أنهكت بنيانه وعاثت به ضعفا وتمزقا ، ولعل أخطر ما مني به الإسلام على مستوى الفكر والعقيدة هو الدس والتحريف وبعبارة أوضح التأويل والاجتهاد الفردي القاصر مقابل النصوص القرآنية وصرفها عن مضامينها ومقاصدها الحقيقية .

ولا أريد أن أدخل في شرح مستفيض حول أسباب هذه الإنقسامات وأهدافها وانما أريد القول إن التآكل الذي أصاب بنية الإسلام ليس سببه ضعف تكويني في بنية العقيدة والشريعة الإسلامية ،إنما مرده الى الطبيعة البشرية التي تلقت الإسلام كرسالة وحملت أمانة الوحي، وهي في الحقيقة طبيعة قاصرة خرجت من كهوف الجاهلية المستفحلة في ماضيها وتراثها، وفي سلوكها وعاداتها وتقاليدها ، إنني أعتبر أن العربي الصحراوي لم يستطع أن يفهم الإسلام فهما حضاريا راقيا ولم ينفتح على الإسلام كفكر الهي نوراني الهدف منه سعادة الإنسان والارتقاء به الى العلياء ، ولذا نرى في تجربة الخلافة بعد رسول الله (ص) كيف أن فريقا كبيرا من الأمة الاسلامية تعاطى مع مسألة الخلافة باعتبارها سلطة زمنية ،أو كرسيا ملكيا مبرر له التنازع عليه أو توسل العنف في سبيل الوصول اليه .

إن حالة التمزق في البنيان الاسلامي التي أعقبت وفاة الرسول الأعظم (ص) وانحراف الأمة عن المسار الصحيح الذي رسمه الرسول الكريم والمتمثل بالخلافة الشرعية الإلهية للإمام علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهم التحية والسلام ، الذين وبنص النبي هم الأمناء على الوحي والأعلم والأقدر على فهمه والأحرص على حفظه وتجسيده ،إن الانحراف السياسي والعقائدي والتشريعي عن مدرسة أهل البيت (ع) كان سببا طبيعيا لولادة مدرسة بديلة أسهمت بشكل كبير في تشويه صورة الإسلام كدين سماوي يحاكي الفطرة الإنسانية السوية ، وأدخلت عليه الكثير من الدسائس على مستوى السيرة فأساءت إلى رسول الله (ص) وصورته بتصاوير مسيئة تذرع بها أعداء الإسلام فيما بعد ، كما أنها اختلقت عقائد لا تتناسب ومقام الربوبية والخالقية فجعلت لله جسما كجسم البشر ، وسمحت بتسلل الروايات الإسرائيلية التي أضرت بالمنهج التفسيري ضررا كبيرا وحرفت الكلم عن مواضعه ، مما سمح اليوم لبعض الأقلام المأجورة بالتطاول على الإسلام والقرآن وسيرة الرسول الأكرم (ص) .

من هنا فانني أدعو الى التحري والتفرقة بين إسلام محمدي أصيل متمثل بمنهج أهل البيت (ع) وإسلام مختلق عاثت به الإسرائيليات وخطت فقهه وسيرته وعقائده أيدي وهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم ..

إنني أعترف أن ضعفنا وهواننا كمسلمين سمح لبعض المسترزقين أو المنخدعين بشعارات الغرب البراقة أن يجردوا اقلامهم للنيل من شريعة السماء .

ولعل من القضايا التي تثار بقوة في الوقت الراهن ويجري الجدال حولها ويتهم الإسلام ظلما على أساسها هي قضية المرأة في العالم العربي والإسلامي ، بحيث يسلط الضوء على واقع المرأة في بعض المجتمعات العربية التي يحكمها التخلف أو الإنقياد الى عادات وتقاليد وموروثات شعبية ، ويعمد البعض الى نسبة الظلم اللاحق بالمرأة الى الإسلام معتمدا على بعض التفسيرات المغلوطة أو الأحاديث الضعيفة المختلقة والمنسوبة الى النبي (ص) أو الأئمة و الصحابة .

ولا بد من الإشارة الى أن الإسلام الأصيل لم يتخذ موقفا سلبيا من المرأة ولم يتعاط معها على أنها مخلوق تابع للرجل وقد خلقت من ضلعه أو باقي طينته .

إن الإسلام دعا الى احترام المرأة كأنسان يملك الحق بالحياة ولا يجوز لأحد أن يحرمها هذا الحق أو ينتقص من قيمتها الإنسانية (وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مُسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به أيمسكه على هون أم يدسُّهُ في التراب ألا ساء ما يحكمون)

وقد عرّض القرآن الكريم بمن يظلم المرأة فيسلبها حقوقها (يا أيها الذين آمنوا لا يحلُّ لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً * وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً )
في هاتين الآيتين تأكيد على وجوب احترام الحقوق المادية للزوجة من قبل الزوج مهما كانت الظروف والحالات الطارئة. فليست هناك أية حالة تسوغ الامتناع عن دفع المهر أو سلبه منها. فقد يخيّل للزوج أن من حقه أن يأخذ المهر الذي دفعه للأولى من أجل أن يدفعه للثانية حتى لا يتعرض للخسارة، ويريد القرآن أن يؤكد النهي عن ذلك فيثير أمام الزوج الأجواء التي تمثل الاتحاد بينهما والذي جعلهما كياناً واحداً مما يفرض على الزوج أن يخلص لهذه العلاقة ويحترمها ويشعر بمسؤوليته تجاه هذه الانسانة في كل ما تمثله هذه الوحدة من عطاء فلا يسلبها حقها، ثم عبّر عن الزواج بـ(الميثاق الغليظ) ليؤكد للزوجين على أن العلاقة التي تربطهما هي عهد مؤكد يشمل الحياة كلها في جميع التزاماتها ومسؤولياتها وحقوقها المتبادلة.
ولشدة حرص القرآن على المرأة واهتمامه بها نراه ينتقل بنا ليطلعنا على مرحلة أخرى من مراحل المرأة وهي مرحلة الأمومة ومدى ما تملكه الأم من عاطفة تجاه أطفالها والتي زودها بها الله سبحانه فكانت هي السبب الذي ساعدها في تحمل مصاعب التربية في البيت,ولذلك جعل الله تعالى كرامة خاصة للأم دون الأب حيث ورد في الحديث النبوي: (الجنة تحت أقدام الأمهات) وتحدث القرآن الكريم عن الأمومة وعاطفتها في أكثر من مورد ومن هذه الموارد، قصة أم موسى حيث قال تعالى: (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين * وقالت لأخته قُصِّيهِ..) ثم تنتقل بنا الآيات إلى أن تقول (فرددناه إلى أمه كي تقرَّ عينها ولا تحزن..) .

إن الحوار الهادف والبناء ومناقشة الآيات والروايات بشكل علمي ينطلق بعيدا عن أي تعصّب أو صنمية من شأنه أن يوضح الكثير من الإلتباسات ويبدل وجهات النظر والأحكام التعسفية .

إن الإنصاف يقضي أن لا نطلق الأحكام الكلية على الإسلام والمسلمين متناسين أن هناك تنوعا واختلافا بين المسلمين أنفسهم وعليه فلا يجوز تحميل المتبصرين من المسلمين والعارفين بالقرآن والسنة ممن استقى من منابعها الأصيلة وزر من روى :" أن الزوج لا يلزمه كفن امرأته لإن الكسوة وجبت عليه بالزوجية والتمكن من الاستمتاع وقد انقطع ذلك بالموت"

الحذاء: الزوجة لإنها موطؤة كالنعل. نقله أبو عمرو المطرز".

أتى أحدهم إلى الرسول فقال له: "إن ابنتي هذه أبت ألا تتزوج. فقال لها الرسول: أطيعي أباك. فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته. فقال: حق الزوج على زوجته ولو كان به قرحة فلحستها، وانتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه. فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبداً".

إن الإسلام براء من تلك الروايات التي لا تمت الى سماحته بصلة , وعليه فقد جعل الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) ميزانا لقبول الروايات أو رفضها حيث يقول : "أعرضوا حديثنا على القرآن ، فإن وافق القرآن فخذوا به وإن خالف القرآن ، فاضربوا به عرض الحائط ."

وبعد هذا العرض الموجز لموقف الإسلام من المرأة أريد أن أتوجه إلى الغيارى على حقوق المرأة والحريصين على تحريرها من العبودية التي فرضها الإسلام عليها حسب ادعائهم ، وأسأل هؤلاء هل استطاعت حضارتكم المستوردة أن تحرر المرأة من عبوديتها ؟؟ هل أستطاعت شعارات التحرر أن ترفع من المستوى الإنسانس والقيمي للمرأة ؟؟
إنني أرى العكس تماما ! أرى المرأة التي انخدعت بدعايتكم وتمردت على ذاتها وقيمها ودينها قد تسافلت إلى أدنى المستويات وقد جعلت من نفسها بضاعة رخيصة في سوق التجارة الذكوري !
أيها السادة : أليس معيبا أن تجعل حضارتكم من المرأة بضاعة رخيصة في أسواق البغاء العالمية ومنظمات الاتجار بالرقيق الأبيض ؟!
أليس عارا على حضارتكم أن تخرجوا المرأة من بيتها لتزجوا بها في المصانع والمناجم استغلالا ليدها العاملة بأجور مخفضة !
انني أدعو الى مناظرة علنية مع الذين يزعمون أنهم أحرص على المرأة وحقوقها من الإسلام ، وأدعو هؤلاء الى الإحتكام الى العقل والمنطق والعودة الى الفطرة السليمة ..

الشيخ محمد قانصو
كاتب وباحث لبناني










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد محمد المحترم
مواطن ( 2009 / 12 / 12 - 14:55 )
نفرض بان كل ما قلت به صحيح
لكن بالله عليك اين يوجد الاسلام الصحيح الذى تتحدث عنة ؟؟؟ هل هو فى القران؟؟؟
هل هو فى الاحاديث ؟؟؟
هل يطبق فى السعودية ام ايران ؟؟؟ ام باكستان
فقط اريد ان اعرف اين هو الاسلام الصحيح حتى اومن بة واصبح مسلم
ارشدنى بالله عليك
انتظر اجابتك على احر من الجمر
شكرا عزيزى


2 - الاخ مواطن ـ للتنويه فقط
سميح الحائر ( 2009 / 12 / 12 - 16:15 )
بما ان الاخ الشيخ محمد قانصو يعتنق المذهب الشيعي الاثناعشري فان المذهب الحق هو مذهبه وهو الذي يطبق في ايران تحت ولاية الفقيه.فهل لديك اي اعتراض؟؟؟


3 - هل القرآن هو المعيار لقبول الحديث او رفضه؟؟؟
باحث عن الحقيقة ( 2009 / 12 / 12 - 17:24 )
ان الشيعة يؤمنون بحديث الكساء ولعل السنة ايضا ولكن المثير في هذا الحدث هو نزول جبرائيل على النبي محمد وتبليغه عن الله وهو قوله -ما خلقت سماء مبنية ولا ارض مدحية ولا فلك يسري ولا بحر يجري ولا شمس مصيئة ولا قمر منير الا لاجل هؤلاء الخمسة- وهم اصحاب الكساء. فاذا كان القرآن هو المعيار لقبول الحديث او رفضه فاين محل هذا الحديث من القرآن ـ اي الاآيات الدالة على ان العوالم ما خلقت الا لاجلهم؟؟؟
مع خاص الحب


4 - لماذا تركت الامور سائبة ومن المسؤول؟؟؟
مشعل السالك ( 2009 / 12 / 13 - 07:40 )
اولا ــ لماذا تركت السنة لعبث العابثين حتى اختلط الحابل بالنابل وكل تحيز الى فكره بروايات نسبت للرسول؟؟؟
ثانيا ــ لماذا لم ياتينا كتاب بخط الصحابة او اهل البيت حاويا كل الاحاديث بعيدا عن العنعنات التي لا يستطيع احد ان يجزم بصحتها مهما حاول.
ثالثا ــ هل انت درست الاديان كلها بعقل مجرد واقتنعت بان دينك او مذهبك هو الحق ام انه وراثة ورثتها من ابيك ولو فرضنا انك ولدت بوذيا فهل ستتحول الى الاسلام؟؟؟
رابعا ــ اذا كان لكل زمان امام يحمي الدين عن الشسهات وامام هذا الزمان هو المهدي المنتظر لماذا لا يظهر وياتي بالحقيقة كي لا تكون حجة على احد وبالاخص اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى الذين ورثوا مذاهبهم ـ كما انت ـ من ابآئهم؟؟؟.
خامسا ـ من كلف جامعي الاحاديث السنية والشيعية بهذه المهمة بعد ثلائة قرون من رحيل الرسول وهل من المنطق ان تترك هذه الاحاديث التي هي اساس مهم في التشريع الى العنعنات وعلم الرجال ـ الذي ليس بعلم وانا احتيال للخروج من المأزق ـ وهل يكلف الله عباده بتشريع ظني؟؟؟
سادسا ـ فاذا كان الامر كذالك لما هذا التشاجر والتناحر وكل يدعي امتلاك الحقيقة؟؟
ارجوك ان تجاوب على هذه الاسئلة.


5 - ليس الحل في الرجوع إلى الوراء
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 13 - 14:16 )
إن البديهية الأساسية التي لا يستطيع أيا كان أن يغض الطرف عنها هي كون الحضارة البشرية والتاريخ الإنسانيين يسيران إلى الأمام وليس إلى الخلف . وبما أن كل الأديان سايرت الحضارة والتقدم والاكتشافات العلمية , وبما أن الإسلام وأحوال المسلمين بقيت على تخلفها من جراء عدم المسايرة لها , ألا يحق لنا أن نستنكر كل من يطل علينا من حين إلى آخر ليستبلد عقولنا بمقال أونداء أودعوة للرجوع إلى ما كان عليه ما يسمى بالسلف الصالح , أو بإقحامنا في النقاشات السفسطائية للمذاهب الإسلامية والصراعات السنية والشيعية التي لا تنتهي , أولاجترار أفكارعدائية للمرأة تدعوها للرجوع إلى البيت بدعوى الحفاظ على الشرف !!!! فأي شرف للمرأة فيما يحصل للمرأة في السعودية أوفي إيران أو في أفغانستان أو في السودان يا شيخ قانصو ويا كل من يسير على ركبه ؟؟
أما فيما يخص ما تتعرض له المرأة من استغلال بشع من طرف الباطرونا في المعامل والمصانع فهو ناتج عن قوانين النظام الرأسمالي البشع الدي يجب أن تتكثف جهود البشرية للقضاء عليه وإرساء النظام الاشتراكي الإنساني محله
مع التحية

اخر الافلام

.. كيف صعد الآشوريون سلّم الحضارة ؟


.. أبو بكر البغدادي: كواليس لقاء بي بي سي مع أرملة تنظيم الدول




.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran